فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا كان الولي هو الخاطب

( قَوْله بَاب إِذا كَانَ الْوَلِيّ أَي النِّكَاحِ هُوَ الْخَاطِبُ)
أَيْ هَلْ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ أَو يحْتَاج إِلَى ولي آخر قَالَ بن الْمُنِيرِ ذَكَرَ فِي التَّرْجَمَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَاز وَالْمَنْع مَعًا ليكل الْأَمر فِي ذَلِكَ إِلَى نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ كَذَا قَالَ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ تَرْكِهِ الْجَزْمَ بِالْحُكْمِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ صَنِيعِهِ أَنَّهُ يَرَى الْجَوَازَ فَإِنَّ الْآثَارَ الَّتِي فِيهَا أَمْرُ الْوَلِيِّ غَيْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ لَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِالْمَنْعِ مِنْ تَزْوِيجِهِ نَفْسَهُ وَقَدْ أَوْرَدَ فِي التَّرْجَمَةِ أَثَرَ عَطَاءٍ الدَّالَّ عَلَى الْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى عِنْدَهُ أَنْ لَا يَتَوَلَّى أَحَدٌ طَرَفَيِ الْعَقْدِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالثَّوْري وَمَالك وَأَبُو حنيفَة وَأكْثر أَصْحَابِهِ وَاللَّيْثُ يُزَوِّجُ الْوَلِيُّ نَفْسَهُ وَوَافَقَهُمْ أَبُو ثَوْرٍ وَعَنْ مَالِكٍ لَوْ قَالَتِ الثَّيِّبُ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِمَنْ رَأَيْتَ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِمَّنِ اخْتَارَ لَزِمَهَا ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ عَيْنَ الزَّوْجِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ يُزَوِّجُهُمَا السُّلْطَانُ أَوْ وَلِيٌّ آخَرُ مِثْلُهُ أَوْ أَقْعَدُ مِنْهُ وَوَافَقَهُ زُفَرُ وَدَاوُدُ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْوِلَايَةَ شَرْطٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ النَّاكِحُ مُنْكِحًا كَمَا لَا يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  وَخَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ هَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ وَكِيعٌ فِي مُصَنَّفِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ وَلِيُّهَا فَجَعَلَ أَمْرَهَا إِلَى رَجُلٍ الْمُغِيرَةُ أَوْلَى مِنْهُ فَزَوَّجَهُ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَأَمَرَ أَبْعَدَ مِنْهُ فَزَوَّجَهُ وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ وَلَفْظُهُ إِنَّ الْمُغِيرَةَ خَطَبَ بِنْتَ عَمِّهِ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ فَقَالَ زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ أَنْتَ أَمِير الْبَلَد وبن عَمِّهَا فَأَرْسَلَ الْمُغِيرَةُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَزَوجهَا مِنْهُ انْتهى والمغيرة هُوَ بن شُعْبَةَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مُعَتِّبٍ مِنْ وَلَدِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ فَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ لَحًّا وَعبد الله بن أبي عقيل هُوَ بن عَمِّهِمَا مَعًا أَيْضًا لِأَنَّ جَدَّهُ هُوَ مَسْعُودٌ الْمَذْكُورُ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ثَقَفِيًّا أَيْضًا لَكِنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُمْ إِلَّا فِي جَدِّهِمُ الْأَعْلَى ثَقِيفٍ لِأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ جُشَمَ بْنِ ثَقِيفٍ فَوَضُحَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ وَعُرِفَ اسْمُ الرَّجُلِ الْمُبْهَمِ فِي الْأَثَرِ الْمُعَلَّقِ .

     قَوْلُهُ  وقَال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِأُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِظٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ فَقَدْ تَزَوَّجتك وَصله بن سعد من طَرِيق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ أُمَّ حَكِيمِ بِنْتَ قَارِظٍ قَالَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِنَّهُ قَدْ خَطَبَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ فَزَوِّجْنِي أَيُّهُمْ رَأَيْتَ قَالَ وَتَجْعَلِينَ ذَلِكَ إِلَيَّ فَقَالَت نعم قَالَ قد تَزَوَّجتك قَالَ بن أبي ذِئْب فَجَاز نِكَاحه وَقد ذكر بن سَعْدٍ أُمَّ حَكِيمٍ فِي النِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَمْ يَرْوِينَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَيْنَ عَنْ أَزْوَاجِهِ وَلَمْ يَزِدْ فِي التَّعْرِيفِ بِهَا عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ وَذَكَرَهَا فِي تَسْمِيَةِ أَزْوَاجِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي تَرْجَمَتِهِ فَنَسَبَهَا فَقَالَ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ قَارِظِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عُبَيْدٍ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ .

     قَوْلُهُ  وقَال عَطَاءٌ لِيَشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُكِ أَوْ لِيَأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا وَصَلَهُ عبد الرَّزَّاق عَن بن جريج قَالَ قلت لعطاء امْرَأَة خطبهَا بن عَمٍّ لَهَا لَا رَجُلَ لَهَا غَيْرُهُ قَالَ فَلْتَشْهَدْ أَنَّ فُلَانًا خَطَبَهَا وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُهُ أَوْ لِتَأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا .

     قَوْلُهُ  وقَال سَهْلٌ قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْوَاهِبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَابِ تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ وَفِي بَابِ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ قبل التَّزْوِيج وَغَيرهمَا وَوَصَلَهُ فِي الْبَابِ بِلَفْظٍ آخَرَ وَأَقْرَبُهَا إِلَى لَفْظِ هَذَا التَّعْلِيقِ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِلَفْظِ إِنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي وَفِيهِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ مِثْلَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى



[ قــ :4855 ... غــ :5131] وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي التَّفْسِيرِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ فَرَغِبَ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ فَيُزَوِّجَهُ وَبِهِ احْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَلَى الْجَوَازِ لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا عَاتَبَ الْأَوْلِيَاءَ فِي تَزْوِيجِ مَنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ بِدُونِ سُنَّتِهَا مِنَ الصَّدَاقِ وَعَاتَبَهُمْ عَلَى تَرْكِ تَزْوِيجِ مَنْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَصِحُّ مِنْهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ نَفْسِهِ إِذْ لَا يُعَاتِبُ أَحَدٌ عَلَى تَرْكِ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لِأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقْسِطَ لَهَا فِي الصَّدَاقِ وَلَوْ كَانَتْ بَالِغًا لَمَا مَنَعَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَا أَمْرَ لَهَا فِي نَفْسِهَا وَقَدْ أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ بِذَلِكَ السَّفِيهَةُ فَلَا أَثَرَ لِرِضَاهَا بِدُونِ مَهْرٍ مِثْلُهَا كَالْبِكْرِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الْوَاهِبَةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ قَرِيبًا وَوَجْهُ الْأَخْذِ مِنْهُ الْإِطْلَاقُ أَيْضًا لَكِن لتحصل مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُزَوِّجَ نَفْسَهُ وَبِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَلَا اسْتِئْذَانٍ وَبِلَفْظِ الْهِبَةِ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ وَقَولُهُ فِيهِ فَلَمْ يُرِدْهَا بِسُكُونِ الدَّالِ مِنَ الْإِرَادَةِ وَحَكَى بَعْضُ الشُّرَّاحِ تَشْدِيدَ الدَّالِ وَفَتْحَ أَوَّلِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ