فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم

( قَولُهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ فِي الْعِيدِ وَالْحَرَمِ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ تُخَالِفُ فِي الظَّاهِرِ التَّرْجَمَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَهِيَ بَابُ الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ لِأَنَّ تِلْكَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُهَا وَهَذِهِ دَائِرَة بَين الْكَرَاهَة وَالتَّحْرِيم لقَوْل بن عُمَرَ فِي يَوْمٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُ السِّلَاحِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْحَالَةِ الْأُولَى عَلَى وُقُوعِهَا مِمَّنْ حَمَلَهَا بِالدُّرْبَةِ وَعُهِدَتْ مِنْهُ السَّلَامَةُ مِنْ إِيذَاءِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بِهَا وَحَمْلِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى وُقُوعِهَا مِمَّنْ حَمَلَهَا بَطَرًا وَأَشَرًا أَوْ لَمْ يَتَحَفَّظْ حَالَ حَمْلِهَا وَتَجْرِيدِهَا مِنْ إِصَابَتِهَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ وَفِي الْمَسَالِكِ الضَّيِّقَةِ .

     قَوْلُهُ  وقَال الْحَسَنُ أَيِ الْبَصْرِيُّ نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلَاحَ يَوْمَ عِيدٍ إِلَّا أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا لَمْ أَقف عَلَيْهِ مَوْصُولا إِلَّا أَن بن الْمُنْذِرِ قَدْ ذَكَرَ نَحْوَهُ عَنِ الْحَسَنِ وَفِيهِ تَقْيِيد لإِطْلَاق قَول بن عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُهُ مَرْفُوعًا مُقَيَّدًا وَغَيْرَ مُقَيَّدٍ فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْرَجَ بِالسِّلَاحِ يَوْمَ الْعِيد وروى بن ماجة بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُلْبَسَ السِّلَاحُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي الْعِيدَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْعِيدِ.
وَأَمَّا فِي الْحَرَمِ فَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحْمَلَ السِّلَاحُ بِمَكَّةَ



[ قــ :937 ... غــ :966] .

     قَوْلُهُ  أَبُو السُّكَيْنِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ مُصَغَّرًا وَالْمُحَارِبِيُّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ لَا ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مِنْ أَجِلَّاءِ النَّاسِ .

     قَوْلُهُ  أَخْمَصِ قَدَمِهِ الْأَخْمَصُ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ بَاطِنُ الْقَدَمِ وَمَا رَقَّ مِنْ أَسْفَلِهَا وَقِيلَ هُوَ خَصْرُ بَاطِنِهَا الَّذِي لَا يُصِيبُ الْأَرْضَ عِنْدَ الْمَشْيِ .

     قَوْلُهُ  بِالرِّكَابِ أَيْ وَهِيَ فِي رَاحِلَتِهِ .

     قَوْلُهُ  فَنَزَعْتُهَا ذَكَرَ الضَّمِيرَ مُؤَنَّثًا مَعَ أَنَّهُ أَعَادَهُ عَلَى السِّنَانِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْحَدِيدَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَدَمَ .

     قَوْلُهُ  فَبلغ الْحجَّاج أَي بن يُوسُفَ الثَّقَفِيَّ وَكَانَ إِذْ ذَاكَ أَمِيرًا عَلَى الْحِجَازِ وَذَلِكَ بَعْدَ قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ .

     قَوْلُهُ  فَجَعَلَ يَعُودُهُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فَجَاءَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَأَتَاهُ .

     قَوْلُهُ  لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي مَا أَصَابَكَ وَحَذَفَ الْجَوَابَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ أَوْ هِيَ لِلتَّمَنِّي فَلَا مَحْذُوف ويرجح الأول أَن بن سَعْدٍ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ فِيهِ لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ عَاقَبْنَاهُ وَهُوَ يُرَجِّحُ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ أَيْضًا وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ لَوْ أَعْلَمُ الَّذِي أَصَابَكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَهُ .

     قَوْلُهُ  أَنْتَ أَصَبْتَنِي فِيهِ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ يَتَسَبَّبُ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ يَعْنِ الْآمِرَ ذَلِكَ لَكِنْ حَكَى الزُّبَيْرُ فِي الْأَنْسَابِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ لَمَّا كَتَبَ إِلَى الْحجَّاج أَن لَا يُخَالف بن عُمَرَ شَقَّ عَلَيْهِ فَأَمَرَ رَجُلًا مَعَهُ حَرْبَةٌ يُقَالُ إِنَّهَا كَانَتْ مَسْمُومَةً فَلَصِقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِهِ فَأَمَرَّ الْحَرْبَةَ عَلَى قَدَمِهِ فَمَرِضَ مِنْهَا أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ فَعَلَى هَذَا فَفِيهِ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِهِ فَقَطْ وَهُوَ كَثِيرٌ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَعَقُّبٌ عَلَى الْمُهَلَّبِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  حَمَلْتَ السِّلَاحَ أَيْ فَتَبِعَكَ أَصْحَابُكَ فِي حَمْلِهِ أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَمَلْتَ أَيْ أَمَرْتَ بِحَمْلِهِ .

     قَوْلُهُ  فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ هَذَا مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ مُصَيَّرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ إِلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كَانَ يُفْعَلُ كَذَا عَلَى الْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ يُحْكَمُ بِرَفْعِهِ





[ قــ :938 ... غــ :967] .

     قَوْلُهُ  أَصَابَنِي مَنْ أَمَرَ هَذَا فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْحَجَّاجِ وَرِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الَّتِي قَبْلَهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ أَوِ السُّؤَالِ فَلَعَلَّهُ عَرَّضَ بِهِ أَوَّلًا فَلَمَّا أَعَادَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ صَرَّحَ وَقَدْ روى بن سَعْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ رِجَالُهُ لَا بَأْسَ بهم أَن الْحجَّاج دخل على بن عُمَرَ يَعُودُهُ لَمَّا أُصِيبَتْ رِجْلُهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَلْ تَدْرِي مَنْ أَصَابَ رِجْلَكَ قَالَ لَا قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ مَنْ أَصَابَكَ لَقَتَلْتُهُ قَالَ فَأَطْرَقَ بن عُمَرَ فَجَعَلَ لَا يُكَلِّمُهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ فَوَثَبَ كَالْمُغْضَبِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَمْرٍ ثَالِثٍ كَأَنَّهُ عَرَّضَ بِهِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فَصَرَّحَ ثُمَّ عَاوَدَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  يَعْنِي الْحَجَّاجَ بِالنَّصْبِ على المفعولية وفاعله الْقَائِل وَهُوَ بن عُمَرَ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ قَالَ لَوْ عَرَفْنَاهُ لَعَاقَبْنَاهُ قَالَ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ نَفَرُوا عَشِيَّةً وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَجَّاجِ عَارِضٌ حربته فَضرب ظهر قدم بن عُمَرَ فَأَصْبَحَ وَهِنًا مِنْهَا حَتَّى مَاتَ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الْأَطْرَافِ لِلْمِزِّيِّ فِي تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بن جُبَير عَن بن عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ أَبِي السُّكَيْنِ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْهُ بِهِ وَوَهِمَ فِي ذَلِكَ فَإِن إِسْحَاق بن سعيد إِنَّمَا رَوَاهُ عَن أَبِيه عَن بن عُمَرَ لَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ سَعِيدٍ عَن بن عمر على الصَّوَاب