فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {ويسألونك عن الروح} [الإسراء: 85]

قَوْله بَاب ويسألونك عَن الرّوح)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ النَّخَعِيُّ عَنْ عَلْقَمَة عَن عبد الله وَهُوَ بن مَسْعُودٍ



[ قــ :4465 ... غــ :4721] .

     قَوْلُهُ  فِي حَرْثٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَضَبَطُوهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ وَبِالْعَكْسِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ بِلَفْظِ كَانَ فِي نَخْلٍ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي حَرْثٍ لِلْأَنْصَارِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ لَكِنْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْيَهُودِ أَعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلْ هَذَا الرَّجُلَ فَقَالُوا سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَسَأَلُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَرِجَاله رجال مُسلم وَهُوَ عِنْد بن إِسْحَاق من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَتَعَدَّدَ النُّزُولُ بِحَمْلِ سُكُوتِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى تَوَقُّعِ مَزِيدِ بَيَانٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ سَاغَ هَذَا وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  يَتَوَكَّأُ أَيْ يَعْتَمِدُ .

     قَوْلُهُ  عَلَى عَسِيبٍ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ بِوَزْنِ عَظِيمٍ وَهِيَ الْجَرِيدَةُ الَّتِي لَا خوص فِيهَا وَوَقع فِي رِوَايَة بن حبَان وَمَعَهُ جَرِيدَة قَالَ بن فَارِسٍ الْعُسْبَانُ مِنَ النَّخْلِ كَالْقُضْبَانِ مِنْ غَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ كَذَا فِيهِ الْيَهُودُ بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَفِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ فِي الْعِلْمِ وَالِاعْتِصَامِ وَالتَّوْحِيدِ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ إِذْ مَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ إِذْ مَرَرْنَا عَلَى يَهُودَ وَيُحْمَلُ هَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ تَلَاقَوْا فَيَصْدُقُ أَنَّ كُلًّا مَرَّ بِالْآخَرِ وَقَولُهُ يَهُودَ هَذَا اللَّفْظُ مَعْرِفَةٌ تَدْخُلُهُ اللَّامُ تَارَةً وَتَارَةً يَتَجَرَّدُ وَحَذَفُوا مِنْهُ يَاءَ النِّسْبَةِ فَفَرَّقُوا بَيْنَ مُفْرَدِهِ وَجَمْعِهِ كَمَا قَالُوا زِنْجٌ وَزِنْجِيٌّ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ .

     قَوْلُهُ  مَا رَأْيكُمْ إِلَيْهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مِنَ الرَّيْبِ وَيُقَالُ فِيهِ رَابَهُ كَذَا وَأَرَابَهُ كَذَا بِمَعْنًى.

     وَقَالَ  أَبُو زَيْدٍ رَابَهُ إِذَا عَلِمَ مِنْهُ الرَّيْبَ وَأَرَابَهُ إِذَا ظَنَّ ذَلِكَ بِهِ وَلِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ وَحْدَهُ بِهَمْزَةٍ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الرَّأْبِ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ يُقَالُ فِيهِ رَأَبَ بَيْنَ الْقَوْمِ إِذَا أَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وَفِي تَوْجِيهِهِ هُنَا بُعْدٌ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الصَّوَابُ مَا أَرَبَكُمْ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحَتَيْنِ مِنَ الْأَرَبِ وَهُوَ الْحَاجَةُ وَهَذَا وَاضِحُ الْمَعْنَى لَوْ سَاعَدَتْهُ الرِّوَايَةُ نَعَمْ رَأَيْتُهُ فِي رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْد الطَّبَرِيّ كَذَلِك وَذكر بن التِّينِ أَنَّ رِوَايَةَ الْقَابِسِيِّ كَرِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ لَكِنْ بِتَحْتَانِيَّةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الرَّأْيِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وقَال بَعْضُهُمْ لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ لَا يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ وَفِي الِاعْتِصَامِ لَا يُسْمِعُكُمْ مَا تَكْرَهُونَ وَهِيَ بِمَعْنًى وَكُلُّهَا بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَيَجُوزُ السُّكُونُ وَكَذَا النَّصْبُ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  فَقَالُوا سَلُوهُ فِي رِوَايَة التَّوْحِيد فَقَالَ بَعضهم لنسألنه وَاللَّامُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ .

     قَوْلُهُ  فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ وَفِي رِوَايَة الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فَقَالُوا أَخْبِرْنَا عَنِ الرُّوحِ قَالَ بن التِّينِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُرَادِ بِالرُّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ رُوحُ الْإِنْسَانِ الثَّانِي رُوحُ الْحَيَوَانِ الثَّالِثُ جِبْرِيلُ الرَّابِعُ عِيسَى الْخَامِسُ الْقُرْآنُ السَّادِسُ الْوَحْيُ السَّابِعُ مَلَكٌ يَقُومُ وَحْدَهُ صَفًّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّامِنُ مَلَكٌ لَهُ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ جَنَاحٍ وَوَجْهٍ وَقِيلَ مَلَكٌ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ وَقِيلَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ وَجْهٍ فِي كُلِّ وَجْهٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ لِكُلِّ لِسَانٍ أَلْفُ لُغَةٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ اللَّهُ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ مَلَكًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَقِيلَ مَلَكٌ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى وَرَأْسُهُ عِنْدَ قَائِمَةِ الْعَرْشِ التَّاسِعُ خَلْقٌ كَخَلْقِ بَنِي آدَمَ يُقَالُ لَهُمُ الرُّوحُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ لَا يَنْزِلُ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا نَزَلَ مَعَهُ وَقِيلَ بَلْ هُمْ صِنْفٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا بِزِيَادَاتٍ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَهَذَا إِنَّمَا اجْتَمَعَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي مَعْنَى لَفْظِ الرُّوحِ الْوَارِدِ فِي الْقُرْآنِ لَا خُصُوصِ هَذِهِ الْآيَةِ فَمِنَ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ نَزَلَ بِهِ الرّوح الْأمين وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيْك روحا من أمرنَا يلقى الرّوح من أمره وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صفا تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا فَالْأَوَّلُ جِبْرِيلُ وَالثَّانِي الْقُرْآنُ وَالثَّالِثُ الْوَحْيُ وَالرَّابِعُ الْقُوَّةُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ مُحْتَمِلٌ لِجِبْرِيلَ وَلِغَيْرِهِ وَوَقَعَ إِطْلَاقُ رُوحِ اللَّهِ عَلَى عِيسَى وَقَدْ رَوَى بن إِسْحَاق فِي تَفْسِيره بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الرُّوحُ مِنَ اللَّهِ وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَصُوَرٌ كَبَنِي آدَمَ لَا يَنْزِلُ مَلَكٌ إِلَّا وَمَعَهُ وَاحِدٌ مِنَ الرُّوحِ وَثَبَتَ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يُفَسِّرُ الرُّوحَ أَيْ لَا يُعَيِّنُ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْآيَةِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ حَكَوْا فِي الْمُرَادِ بِالرُّوحِ فِي الْآيَةِ أَقْوَالًا قِيلَ سَأَلُوهُ عَنْ جِبْرِيلَ وَقِيلَ عَنْ مَلَكٍ لَهُ أَلْسِنَةٌ.

     وَقَالَ  الْأَكْثَرُ سَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا الْحَيَاةُ فِي الْجَسَدِ.

     وَقَالَ  أَهْلُ النَّظَرِ سَأَلُوهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ مَسْلَكِ الرُّوحِ فِي الْبَدَنِ وَامْتِزَاجِهِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الرَّاجِحُ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ رُوحِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ الْيَهُودَ لَا تَعْتَرِفُ بِأَنَّ عِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَلَا تَجْهَلُ أَنَّ جِبْرِيلَ مَلَكٌ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَرْوَاحٌ.

     وَقَالَ  الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ وَأَنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الرُّوحِ يَحْتَمِلُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَهَلْ هِيَ مُتَحَيِّزَةٌ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ حَالَّةٌ فِي مُتَحَيِّزٍ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ وَهَلْ تَبْقَى بَعْدَ انْفِصَالِهَا مِنَ الْجَسَدِ أَوْ تَفْنَى وَمَا حَقِيقَةُ تَعْذِيبِهَا وَتَنْعِيمِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا قَالَ وَلَيْسَ فِي السُّؤَالِ مَا يُخَصِّصُ أَحَدَ هَذِهِ الْمَعَانِي إِلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الْمَاهِيَّةِ وَهَلِ الرُّوحُ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ وَالْجَوَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مُغَايِرٌ لِلطَّبَائِعِ وَالْأَخْلَاطِ وَتَرْكِيبِهَا فَهُوَ جَوْهَرٌ بَسِيطٌ مُجَرَّدٌ لَا يَحْدُثُ إِلَّا بمحدث وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى كُنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ هِيَ مَوْجُودَةٌ مُحْدَثَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِي إِفَادَةِ الْحَيَاةِ لِلْجَسَدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهَا الْمَخْصُوصَةِ نَفْيُهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَمر رَبِّي الْفِعْل كَقَوْلِه وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد أَيْ فِعْلُهُ فَيَكُونُ الْجَوَابُ الرُّوحَ مِنْ فِعْلِ رَبِّي وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ فَيَكُونُ الْجَوَابُ إِنَّهَا حَادِثَةٌ إِلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ سَكَتَ السَّلَفُ عَنِ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهَا اه وَقَدْ تَنَطَّعَ قَوْمٌ فَتَبَايَنَتْ أَقْوَالُهُمْ فَقِيلَ هِيَ النَّفَسُ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ وَقِيلَ الْحَيَاةُ وَقِيلَ جِسْمٌ لَطِيفٌ يَحِلُّ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ وَقِيلَ هِيَ الدَّمُ وَقِيلَ هِيَ عَرَضٌ حَتَّى قِيلَ إِنَّ الْأَقْوَالَ فِيهَا بلغت مائَة وَنقل بن مَنْدَهْ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ وَأَنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ ثَلَاثَةً وَلِكُلِّ حَيّ وَاحِدَة.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ اخْتَلَفُوا فِي الرُّوحِ وَالنَّفْسِ فَقِيلَ مُتَغَايِرَانِ وَهُوَ الْحَقُّ وَقِيلَ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ قَالَ وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالرُّوحِ عَنِ النَّفْسِ وَبِالْعَكْسِ كَمَا يُعَبَّرُ عَنِ الرُّوحِ وَعَنِ النَّفْسِ بِالْقَلْبِ وَبِالْعَكْسِ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الرُّوحِ بِالْحَيَاةِ حَتَّى يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ الْعُقَلَاءِ بَلْ إِلَى الْجَمَادِ مَجَازًا.

     وَقَالَ  السُّهَيْلِيُّ يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الرُّوحِ وَالنَّفْسِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ من روحي وَقَولُهُ تَعَالَى تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفسك فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ وَلَوْلَا التَّغَايُرُ لَسَاغَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَيْهِ بِالْإِفْرَادِ وَفِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْعَسِيبِ وَأَنَا خَلْفَهُ .

     قَوْلُهُ  فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَفِي الِاعْتِصَامِ فَقُلْتُ إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى الظَّنِّ مَشْهُورٌ وَكَذَا إِطْلَاقُ الْقَوْلِ عَلَى مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ وَوَقَعَ عِنْدَ بن مرْدَوَيْه من طَرِيق بن إِدْرِيسَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَامَ وَحَنَى مِنْ رَأْسِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَقُمْتُ مَقَامِي فِي رِوَايَةِ الِاعْتِصَامِ فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ أَيْ أَدَبًا مَعَهُ لِئَلَّا يَتَشَوَّشَ بِقُرْبِي مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ فِي رِوَايَةِ الِاعْتِصَامِ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ فَقَالَ وَفِي رِوَايَةِ الْعِلْمِ فَقُمْتُ فَلَمَّا انجلى قَوْله من أَمر رَبِّي قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا وَأَنَّ الرُّوحَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ اخْتَصَّ بِعِلْمِهِ وَلَا سُؤَالَ لأحد عَنهُ.

     وَقَالَ  بن الْقَيِّمِ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْأَمْرِ الطَّلَبَ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْمَأْمُورُ وَالْأَمْرُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَأْمُورِ كَالْخَلْقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَمِنْهُ لَمَّا جَاءَ أَمر رَبك.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ الرُّوحِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ بِدَلِيلِ هَذَا الْخَبَرِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي إِبْهَامِهِ اخْتِبَارُ الْخَلْقِ لِيُعَرِّفَهُمْ عَجْزَهُمْ عَنْ عِلْمِ مَا لَا يُدْرِكُونَهُ حَتَّى يَضْطَرَّهُمْ إِلَى رَدِّ الْعِلْمِ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إِظْهَارُ عَجْزِ الْمَرْءِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِوُجُودِهِ كَانَ عَجْزُهُ عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَةِ الْحَقِّ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وجنح بن الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ إِلَى تَرْجِيحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا فِي الْآيَةِ مَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صفا قَالَ.
وَأَمَّا أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ فَلَمْ يَقَعْ تَسْمِيَتُهَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا نَفْسًا كَذَا قَالَ وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ لِمَا رَجَّحَهُ بَلِ الرَّاجِحُ الْأَوَّلُ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا عَنِ الرُّوحِ وَكَيْفُ يُعَذَّبُ الرُّوحُ الَّذِي فِي الْجَسَدِ وَإِنَّمَا الرُّوحُ مِنَ اللَّهِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُطْلِعْ نَبِيَّهُ عَلَى حَقِيقَةِ الرُّوحِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَعَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنَّهُ يُطْلِعُهُمْ وَقَدْ قَالُوا فِي عِلْمِ السَّاعَةِ نَحْوَ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّنْ رَأَى الْإِمْسَاكَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الرُّوحِ أُسْتَاذُ الطَّائِفَةِ أَبُو الْقَاسِمِ فَقَالَ فِيمَا نَقَلَهُ فِي عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ النَّاسِ فِي الرُّوحِ وَكَانَ الْأَوْلَى الْإِمْسَاكُ عَنْ ذَلِكَ وَالتَّأَدُّبُ بِأَدَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الْجُنَيْدِ أَنَّهُ قَالَ الرُّوحُ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ فَلَا تَجُوزُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَوْجُودٍ وَعَلَى ذَلِك جرى بن عَطِيَّةَ وَجَمْعٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَأَجَابَ مَنْ خَاضَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا عَنْهَا سُؤَالَ تَعْجِيزٍ وَتَغْلِيطٍ لِكَوْنِهِ يُطْلَقُ عَلَى أَشْيَاءَ فَأَضْمَرُوا أَنَّهُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَجَابَ قَالُوا لَيْسَ هَذَا الْمُرَادَ فَرَدَّ اللَّهُ كَيْدَهُمْ وَأَجَابَهُمْ جَوَابًا مُجْمَلًا مُطَابِقًا لِسُؤَالِهِمُ الْمُجْمَلِ.

     وَقَالَ  السُّهْرَوَرْدِيُّ فِي الْعَوَارِفِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ خَاضَ فِيهَا سلك سَبِيل التَّأْوِيل لَا التَّفْسِير إِذْ لايسوغ التَّفْسِيرُ إِلَّا نَقْلًا.
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فَتَمْتَدُّ الْعُقُولُ إِلَيْهِ بِالْبَاعِ الطَّوِيلِ وَهُوَ ذِكْرُ مَا لَا يُحْتَمَلُ إِلَّا بِهِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ فَمِنْ ثَمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَالَ وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْمَنْعُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهَا لِخَتْمِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلا أَيِ اجْعَلُوا حُكْمَ الرُّوحِ مِنَ الْكَثِيرِ الَّذِي لم تؤتوه فَلَا تسألوا عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنَ الْأَسْرَارِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَمْرُ رَبِّي كَوْنُ الرُّوحِ مِنْ عَالِمِ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ عَالَمُ الْمَلَكُوتِ لَا عَالَمُ الْخَلْقِ الَّذِي هُوَ عَالَمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَقَدْ خَالَفَ الْجُنَيْدَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الصُّوفِيَّةِ فَأَكْثَرُوا مِنَ الْقَوْلِ فِي الرُّوحِ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِمَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهَا وَعَابَ مَنْ أَمْسَكَ عَنْهَا وَنقل بن مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الرُّوحِ لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ الْإِمَامِ الْمُطَّلِعِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى عَهْدِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ مَخْلُوقَةٌ وَإِنَّمَا يُنْقَلُ الْقَوْلُ بِقِدَمِهَا عَنْ بَعْضِ غُلَاةِ الرَّافِضَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ وَاخْتُلِفَ هَلْ تَفْنَى عِنْدَ فَنَاءِ الْعَالَمِ قَبْلَ الْبَعْثِ أَوْ تَسْتَمِرُّ بَاقِيَةً عَلَى قَوْلَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي سُؤَالِ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ أَنَّ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ رُوحَ بَنِي آدَمَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ فَقَالُوا نَسْأَلُهُ فَإِنْ فَسَّرَهَا فَهُوَ نَبِيٌّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يَجِيءُ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فَقَالُوا هَكَذَا نَجِدُهُ عِنْدَنَا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ سَقَطَ مِنَ الْإِسْنَادِ عَلْقَمَة قَوْله وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا وَكَذَا لَهُمْ فِي الِاعْتِصَامِ وَلِغَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا وَمَا أُوتُوا وَكَذَا لَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَزَادَ قَالَ الْأَعْمَشُ هَكَذَا قِرَاءَتُنَا وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ عَنِ الْأَعْمَشِ فِيهَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ عَنِ الْأَعْمَشِ أَعْنِي بِلَفْظِ وَمَا أُوتُوا وَلَا مَانِعَ أَنْ يَذْكُرَهَا بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ وَمَا أُوتِيتُمْ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْيَهُودُ فَتَتَّحِدُ الْقِرَاءَتَانِ نَعَمْ وَهِيَ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ عِلْمِ الْخَلْقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الله وَوَقع فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ الْيَهُود لما سمعوها قَالُوا أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا التَّوْرَاةَ وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا فَنَزَلَتْ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي الْآيَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا قَلِيلًا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَيْ إِلَّا عِلْمًا قَلِيلًا أَوْ مِنَ الْإِعْطَاءِ أَيِ الْإِعْطَاءِ قَلِيلًا أَوْ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ أَوِ الْغَائِبِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ أَيْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ أَوْ مِنْكُمْ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا سَبَقَ جَوَازُ سُؤَالِ الْعَالِمِ فِي حَالِ قِيَامِهِ وَمَشْيِهِ إِذَا كَانَ لَا يُثْقِلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَأَدَبُ الصَّحَابَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَمَلُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وَالتَّوَقُّفُ عَنِ الْجَوَابِ بِالِاجْتِهَادِ لِمَنْ يَتَوَقَّعُ النَّصَّ وَأَنَّ بَعْضَ الْمَعْلُومَاتِ قَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْأَمْرَ يَرِدُ لِغَيْرِ الطَّلَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ