فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الخروج بعد الظهر

( قَولُهُ بَابُ الْخُرُوجِ بَعْدَ الظُّهْرِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ وَكَأَنَّهُ أَوْرَدَهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْبُكُورِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْبُكُورَ بِالْبَرَكَةِ لِكَوْنِهِ وَقْتَ النَّشَاطِ وَحَدِيثُ بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السّنَن وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ بَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدِ اعْتَنَى بَعْضُ الْحُفَّاظِ بِجَمْعِ طُرُقِهِ فَبَلَغَ عَدَدُ مَنْ جَاءَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوَ الْعشْرين نفسا قَولُهُ بَابُ الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ أَيْ رَدًّا عَلَى مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الطِّيَرَةِ وَقد نقل بن بَطَّالٍ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ أَوَائِلَ الشُّهُورِ لِلْأَعْمَالِ وَيَكْرَهُونَ التَّصَرُّفَ فِي مُحَاقِ الْقَمَرِ
قَوْله.

     وَقَالَ  كريب عَن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَجِّ ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْفَصِيحِ فِي التَّارِيخِ وَهُوَ مَا دَامَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ يُؤَرَّخُ بِمَا خَلَا وَإِذَا دَخَلَ النِّصْفُ الثَّانِي يُؤَرَّخُ بِمَا بَقِيَ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ قَوْلُ بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُ خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقِينَ لِأَنَّ ذَا الْحِجَّةِ كَانَ أَوَّلُهُ الْخَمِيسَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَةَ كَانَتِ الْجُمُعَةَ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِقَوْلِ أَنَسٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ثُمَّ خَرَجَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ وَإِنَّمَا قَالَ الصَّحَابَةُ لِخَمْسٍ بَقِينَ بِنَاءً عَلَى الْعَدَدِ لِأَنَّ ذَا الْقَعْدَةِ كَانَ أَوَّلُهُ الْأَرْبِعَاءَ فَاتَّفَقَ أَنْ جَاءَ نَاقِصًا فَجَاءَ أَوَّلُ ذِي الْحِجَّةِ الْخَمِيسُ فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي كَانَ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ أَرْبَعٌ لَا خَمْسٌ كَذَا أَجَابَ بِهِ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ لِخَمْسٍ بَقِينَ أَرَادَ ضَمَّ يَوْمِ الْخُرُوجِ إِلَى مَا بَقِيَ لِأَنَّ التَّأَهُّبَ وَقَعَ فِي أَوَّلِهِ وَإِنِ اتَّفَقَ التَّأْخِيرُ إِلَى أَنْ صُلِّيَتِ الظُّهْرُ فَكَأَنَّهُمْ لَمَّا تَأَهَّبُوا بَاتُوا لَيْلَةَ السَّبْتِ عَلَى سَفَرٍ اعْتَدُّوا بِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَيَّامِ السَّفَرِ وَالله أعلم