فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الغلول

( قَولُهُ بَابُ الْغُلُولِ)
بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيِ الْخِيَانَة فِي الْمغنم قَالَ بن قُتَيْبَةَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ آخِذَهُ يَغُلُّهُ فِي مَتَاعِهِ أَيْ يُخْفِيهِ فِيهِ وَنَقَلَ الْنَوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلى أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ الْحَدِيثَ وَيَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ وَأَبُو حَيَّانَ هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ



[ قــ :2935 ... غــ :3073] .

     قَوْلُهُ  لَا أُلْفِيَنَّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالْفَاءِ أَيْ لَا أَجِدُ هَكَذَا الرِّوَايَةُ لِلْأَكْثَرِ بِلَفْظِ النَّفْيِ الْمُؤَكَّدِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَبِالْفَاءِ وَكَذَا عِنْدَ الْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي لَكِنْ رُوِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْقَافِ مِنَ اللِّقَاءِ وَكَذَا لِبَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ وَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَ الْأَلِفَ عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِلْقَسَمِ وَفِي تَوْجِيهِهِ تَكَلُّفٌ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ بِلَفْظِ النَّفْيِ الْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَهْيِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرُهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَهْيُ مَنْ يُخَاطِبُهُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَبْلَغُ .

     قَوْلُهُ  أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ وَهُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِير فِي يَجِيء وشَاة فَاعِلُ الظَّرْفِ لِاعْتِمَادِهِ أَيْ هِيَ حَالَةٌ شَنِيعَةٌ وَلَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ أَرَاكُمْ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي السُّنَنِ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُولَ فَإِنَّهُ عَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

     قَوْلُهُ  عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ صَوْتُ الشَّاةِ يُقَالُ ثَغَتْ تَثْغُو وَقَولُهُ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَأْتِي فِي آخِرِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا أَيْ مِنَ الْمَغْفِرَةِ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ أَمْرُهَا إِلَى اللَّهِ وَقَولُهُ قَدْ بَلَّغْتُكَ أَيْ فَلَيْسَ لَكَ عُذْرٌ بَعْدَ الْإِبْلَاغِ وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْرَزَ هَذَا الْوَعِيدَ فِي مَقَامِ الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ وَإِلَّا فَهُوَ فِي الْقِيَامَةِ صَاحِبُ الشَّفَاعَةِ فِي مُذْنِبِي الْأُمَّةِ .

     قَوْلُهُ  بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ صَوْتُ الْبَعِيرِ .

     قَوْلُهُ  صَامِتٌ أَيِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَقِيلَ مَا لَا رُوحَ فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ وَقَولُهُ رِقَاعٌ تَخْفِقُ أَيْ تَتَقَعْقَعُ وَتَضْطَرِبُ إِذَا حَرَّكَتْهَا الرِّيَاحُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَلْمَعُ وَالْمرَاد بهَا الثِّيَاب قَالَه بن الْجَوْزِيِّ.

     وَقَالَ  الْحُمَيْدِيُّ الْمُرَادُ بِهَا مَا عَلَيْهِ من الْحُقُوق الْمَكْتُوبَة فِي الرّقاع واستبعده بن الْجَوْزِيِّ لِأَنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ لِذِكْرِ الْغُلُولِ الْحِسِّيِّ فَحَمْلُهُ عَلَى الثِّيَابِ أَنْسَبُ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّفْسِ مَا يَغُلُّهُ مِنَ الرَّقِيقِ مِنِ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ قَالَ الْمُهَلَّبُ هَذَا الْحَدِيثُ وَعِيدٌ لِمَنْ أَنْفَذَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ لَا بُدَّ مِنْهُ عُقُوبَة لَهُ بذلك ليفتضح على رُؤُوس الْأَشْهَادِ.
وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِلَى اللَّهِ الْأَمْرُ فِي تَعْذِيبِهِ أَوِ الْعَفْوُ عَنْهُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثُ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة أَيْ يَأْتِ بِهِ حَامِلًا لَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ وَلَا يُقَالُ إِنَّ بَعْضَ مَا يُسْرَقُ مِنَ النَّقْدِ أَخَفُّ مِنَ الْبَعِيرِ مَثَلًا وَالْبَعِيرُ أَرْخَصُ ثَمَنًا فَكَيْفَ يُعَاقَبُ الْأَخَفُّ جِنَايَةً بِالْأَثْقَلِ وَعَكْسُهُ لِأَنَّ الْجَوَابَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُقُوبَةِ بِذَلِكَ فَضِيحَةُ الْحَامِل على رُؤُوس الْأَشْهَادِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ لَا بِالثِّقَلِ والخفة قَالَ بن الْمُنِيرِ أَظُنُّ الْأُمَرَاءَ فَهِمُوا تَجْرِيسَ السَّارِقِ وَنَحْوَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ بَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَائِلِ الزَّكَاةِ تَكْمِيلٌ قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَى الْغَالِّ أَنْ يُعِيدَ مَا غَلَّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ.
وَأَمَّا بَعْدَهَا فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ يَدْفَعُ إِلَى الْإِمَامِ خُمُسَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي وَكَانَ الشَّافِعِيُّ لَا يَرَى بِذَلِكَ وَيَقُولُ إِنْ كَانَ مَلَكَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَيْسَ لَهُ الصَّدَقَةُ بِمَالِ غَيْرِهِ قَالَ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى الْإِمَامِ كَالْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَيُّوبُ عَنْ أَبِي حَيَّانَ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مِيمٌ قَبْلَ الْهَاءِ وَهُوَ صَوْتُ الْفَرَسِ عِنْدَ الْعَلَفِ وَهُوَ دُونَ الصَّهِيلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ حَمْحَمَةٌ بِحَذْفِ لَفْظِ فَرَسٍ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ شَبُّوَيْهِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ فَائِدَةُ ذِكْرِ طَرِيقِ أَيُّوبَ التَّنْصِيصَ عَلَى ذِكْرِ الْفَرَسِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طريقِ بن عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَطَرِيقُ أَيُّوبَ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا وَقَدْ رَوَيْنَاهَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لِيُوسُفَ الْقَاضِي بِالْحَدِيثِ بِتَمَامِهِ وَفِيه ويجئ رَجُلٌ عَلَى عُنُقِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَرَسٌ لَهُ حَمْحَةٌ بِمِيمٍ وَاحِدَةٍ وَلَا مَعْنَى لَهُ فَإِنْ كَانَ مَضْبُوطًا فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُعَلقَة على وَجه الصَّوَاب