فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر

( بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم .

     قَوْلُهُ  أَبْوَابُ التَّقْصِيرِ)

ثَبَتَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ أَبْوَابُ تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ وَثَبَتَتِ الْبَسْمَلَةُ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ قَولُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّقْصِيرِ تَقُولُ قَصَرْتُ الصَّلَاةَ بِفَتْحَتَيْنِ مُخَفَّفًا قَصْرًا وَقَصَّرْتُهَا بِالتَّشْدِيدِ تَقْصِيرًا وَأَقْصَرْتُهَا إِقْصَارًا وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَالْمُرَادُ بِهِ تَخْفيف الرّبَاعِيّة إِلَى رَكْعَتَيْنِ وَنقل بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنْ لَا تَقْصِيرَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي كُلِّ سَفَرٍ مُبَاحٍ وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَصْرِ الْخَوْفُ فِي السَّفَرِ وَبَعْضُهُمْ كَوْنُهُ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ جِهَادٍ وَبَعْضُهُمْ كَوْنُهُ سَفَرَ طَاعَةٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ فِي كُلِّ سَفَرٍ سَوَاءٌ كَانَ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً .

     قَوْلُهُ  وَكَمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَيْسَتْ سَبَبًا لِلْقَصْرِ وَلَا الْقَصْرَ غَايَةٌ لِلْإِقَامَةِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَأَجَابَ بِأَنَّ عَدَدَ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ سَبَبٌ لِمَعْرِفَةِ جَوَازِ الْقَصْرِ فِيهَا وَمَنْعِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى وَكَمْ إِقَامَتُهُ الْمُغَيَّاةُ بِالْقَصْرِ وَحَاصِلُهُ كَمْ يُقِيمُ مُقْصِرٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ كَمْ يَقْصُرُ حَتَّى يُقِيمَ أَيْ حَتَّى يُسَمَّى مُقِيمًا فَانْقَلَبَ اللَّفْظُ أَوْ حَتَّى هُنَا بِمَعْنَى حِينَ أَيْ كَمْ يُقِيمُ حِينَ يَقْصُرُ وَقِيلَ فَاعِلُ يُقِيمُ هُوَ الْمُسَافِرُ وَالْمُرَادُ إِقَامَتُهُ فِي بَلَدٍ مَا غَايَتُهَا الَّتِي إِذَا حَصَلَتْ يَقْصُرُ



[ قــ :1044 ... غــ :1080] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَاصِمٍ هُوَ بن سُلَيْمَان وحصين بِالضَّمِّ هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ .

     قَوْلُهُ  تِسْعَةَ عَشَرَ أَيْ يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ زَادَ فِي الْمَغَازِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن عَاصِم وَحده بِمَكَّة وَكَذَا رَوَاهُ بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ سَبْعَةَ عَشَرَ بِتَقْدِيمِ السِّينِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ.

     وَقَالَ  عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَذَا ذَكَرَهَا مُعَلَّقَةً وَقَدْ وَصَلَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَلِأَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ وَله من طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ مَنْ قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ عَدَّ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَمَنْ قَالَ سَبْعَ عَشْرَةَ حَذَفَهُمَا وَمَنْ قَالَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ عَدَّ أَحَدَهُمَا.
وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَضَعَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ رُوَاتَهَا ثِقَاتٌ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا بن إِسْحَاقَ فَقَدْ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّ الْأَصْلَ رِوَايَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ فَحَذَفَ مِنْهَا يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَذَكَرَ أَنَّهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ رِوَايَةَ تِسْعَةَ عَشَرَ أَرْجَحُ الرِّوَايَاتِ وَبِهَذَا أَخَذَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَيُرَجِّحُهَا أَيْضًا أَنَّهَا أَكْثَرُ مَا وَرَدَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ وَأَخَذَ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ بِرِوَايَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ لِكَوْنِهَا أَقَلَّ مَا وَرَدَ فَيُحْمَلُ مَا زَادَ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَكِنْ مَحَلُّهُ عِنْدَهُ فِيمَنْ لَمْ يُزْمِعِ الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ إِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ فَإِنْ أَزْمَعَ الْإِقَامَةَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي دُخُول يومى الدُّخُول وَالْخُرُوج فِيهَا أَولا وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي يَلِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَنَحْنُ إِذا سافرنا تِسْعَة عَشَرَ قَصَرْنَا وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا ظَاهِرُهُ أَنَّ السَّفَرَ إِذَا زَادَ عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ لَزِمَ الْإِتْمَامُ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو يَعْلَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْمُرَادِ وَلَفْظِهِ إِذَا سَافَرْنَا فَأَقَمْنَا فِي مَوْضِعٍ تِسْعَةَ عَشَرَ وَيُؤَيِّدُهُ صَدْرُ الْحَدِيثِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  أَقَامَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَاصِمٍ فَإِذَا أَقَمْنَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا





[ قــ :1045 ... غــ :1081] .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَنَسٍ خَرَجْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِلَى الْحَجِّ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا فِي الْمَغْرِبِ .

     قَوْلُهُ  أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا لَا يُعَارض ذَلِك حَدِيث بن عَبَّاس الْمَذْكُور لِأَن حَدِيث بن عَبَّاسٍ كَانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَحَدِيثَ أَنَسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحٍ رَابِعَةٍ الْحَدِيثَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ صُبْحَ الرَّابِعَ عَشَرَ فَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَضَوَاحِيهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا كَمَا قَالَ أَنَسٌ وَتَكُونُ مُدَّةُ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ سَوَاءً لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ قَصَرَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاة وَأما قَول بن رَشِيدٍ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ حَدِيثَ أنس دَاخل فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ لِأَنَّ إِقَامَةَ عَشْرٍ دَاخِلٌ فِي إِقَامَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْأَخْذَ بِالزَّائِدِ مُتَعَيِّنٌ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَجِيءُ عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّتَيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فالمدة الَّتِي فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ يَسُوغُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بَلْ كَانَ مُتَرَدِّدًا مَتَى يَتَهَيَّأُ لَهُ فَرَاغُ حَاجَتِهِ يَرْحَلُ وَالْمُدَّةُ الَّتِي فِي حَدِيث أَنَسٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ كَانَ جَازِمًا بِالْإِقَامَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَوَجْهُ الدّلَالَة من حَدِيث بن عَبَّاسٍ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْمُقِيمِ الْإِتْمَامَ فَلَمَّا لم يَجِيء عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَقَامَ فِي حَالِ السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ جَعَلَهَا غَايَةً لِلْقَصْرِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَفِيهِ أَنَّ الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ تُسَمَّى إِقَامَةً وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْبَلَدِ عَلَى مَا جَاوَرَهَا وَقَرُبَ مِنْهَا لِأَنَّ مِنًى وَعَرَفَةَ لَيْسَا مِنْ مَكَّةَ أَمَّا عَرَفَةُ فَلِأَنَّهَا خَارِجُ الْحَرَمِ فَلَيْسَتْ مِنْ مَكَّةَ قَطْعًا.
وَأَمَّا مِنًى فَفِيهَا احْتِمَالٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَكَّةَ إِلَّا إِنْ قُلْنَا إِنَّ اسْمَ مَكَّةَ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْحَرَمِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَيْسَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَجْهٌ إِلَّا أَنَّهُ حَسَبَ أَيَّامَ إِقَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ مُنْذُ دَخَلَ مَكَّةَ إِلَى أَن خَرَجَ مِنْهَا لَا وَجْهَ لَهُ إِلَّا هَذَا.

     وَقَالَ  الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ إِقَامَةٌ بِمَكَّةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ مَوَاضِعُ النُّسُكِ وَهِيَ فِي حُكْمِ التَّابِعِ لِمَكَّةَ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ بِالْأَصَالَةِ لَا يَتَّجِهُ سِوَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَسْبِقْ إِلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يَصِيرُ بِنِيَّةِ إِقَامَتِهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مُقِيمًا وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ نَحْوَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالك