فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب شرب اللبن

قَوْله بَاب شرب اللَّبن)
قَالَ بن الْمُنِيرِ أَطَالَ التَّفَنُّنَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِيَرُدَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّبَنَ يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَرَدَّ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ وَهُوَ قَوْلٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يُسْكِرُ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنَّمَا يَتَّفِقُ فِيهِ ذَلِكَ نَادِرًا بِصِفَةٍ تَحْدُثُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ قَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمُ إنَّ اللَّبَنَ إِذَا طَالَ الْعَهْدُ بِهِ وَتَغَيَّرَ صَارَ يُسْكِرُ وَهَذَا رُبَّمَا يَقَعُ نَادِرًا إِنْ ثَبَتَ وُقُوعُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْثِيمُ شَارِبِهِ إِلَّا إِنْ عَلِمَ أَنَّ عَقْلَهُ يَذْهَبُ بِهِ فَشَرِبَهُ لِذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يَقَعُ السُّكْرُ بِاللَّبَنِ إِذَا جُعِلَ فِيهِ مَا يَصِيرُ بِاخْتِلَاطِهِ مَعَهُ مُسْكِرًا فَيَحْرُمُ.

قُلْتُ أَخْرَجَ سعيد بن مَنْصُور بِسَنَد صَحِيح عَن بن سِيرِين أَنه سمع بن عُمَرَ يَسْأَلُ عَنِ الْأَشْرِبَةِ فَقَالَ إِنَّ أَهْلَ كَذَا يَتَّخِذُونَ مِنْ كَذَا وَكَذَا خَمْرًا حَتَّى عَدَّ خَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ لَمْ أَحْفَظْ مِنْهَا إِلَّا الْعَسَلَ وَالشَّعِيرَ وَاللَّبَنَ قَالَ فَكُنْتُ أَهَابُ أَنْ أُحَدِّثَ بِاللَّبَنِ حَتَّى أُنْبِئْتُ أَنَّهُ بِأَرْمِينِيَّةَ يُصْنَعُ شَرَابٌ مِنَ اللَّبَنِ لَا يَلْبَثُ صَاحِبُهُ أَنْ يُصْرَعَ وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلَ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا تَغَيَّرَ ثُمَّ طَالَ مُكْثُهُ حَتَّى زَالَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ وَرَجَعَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِذَلِكَ وَهَذَا فِي الْكَثِيرِ وَبِغَيْرِ النَّجَاسَةِ مِنَ الْقَلِيلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْقَلِيلُ الْمُتَغَيِّرُ بِالنَّجَاسَةِ فَفِيمَا إِذَا زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ خِلَافٌ هَلْ يَطْهُرُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَطْهُرُ وَظَاهِرُ الِاسْتِدْلَالِ يُقَوِّي الْقَوْلَ بِالتَّطْهِيرِ لَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِذَلِكَ نَظَرٌ وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْبُعْدِ اسْتِدْلَالُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَنِيِّ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّبَنَ خَالَطَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ ثُمَّ اسْتَحَالَ فَخَرَجَ خَالِصًا طَاهِرًا وَكَذَلِكَ الْمَنِيُّ يَنْقَصِرُ مِنَ الدَّمِ فَيَكُونُ عَلَى غَيْرِ صِفَةِ الدَّمِ فَلَا يَكُونُ نَجِسًا .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ لَبَنًا خَالِصًا وَزَادَ غَيْرُهُ وَغَيْرُ النَّسَفِيِّ بَقِيَّةَ الْآيَةِ وَوَقَعَ بِلَفْظِ يَخْرُجُ فِي أَوَّلِهِ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَالَّذِي فِي الْقُرْآنِ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بطونه من بَين فرث وَدم.
وَأَمَّا لَفْظُ يَخْرُجُ فَهُوَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى مِنَ السُّورَةِ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ ألوانه وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَيْهِ جَرَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ وبن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُمَا بِحَذْفِ يَخْرُجُ مِنْ أَوَّلِهِ وَأَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَهُمْ وَقَوْلُ اللَّهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدم فَكَأَنَّ زِيَادَةَ لَفْظِ يَخْرُجُ مِمَّنْ دُونَ الْبُخَارِيِّ وَهَذِهِ الْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي إِحْلَالِ شُرْبِ لَبَنِ الْأَنْعَامِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ لِوُقُوعِ الِامْتِنَانِ بِهِ فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَلْبَانِ الْأَنْعَامِ فِي حَالِ حَيَاتِهَا وَالْفَرْثُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ هُوَ مَا يَجْتَمِعُ فِي الْكَرِشِ.

     وَقَالَ  الْقَزَّازُ هُوَ مَا أُلْقِيَ مِنَ الْكَرِشِ تَقُولُ فَرَثْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَخْرَجْتُهُ مِنْ وِعَائِهِ فَشَرِبْتُهُ فَأَمَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ فَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ سِرْجِينُ وَزِبْلٌ وَأَخْرَجَ الْقَزاز عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الدَّابَّةَ إِذَا أَكَلَتِ الْعَلَفَ وَاسْتَقَرَّ فِي كَرِشِهَا طَبَخَتْهُ فَكَانَ أَسْفَلُهُ فَرْثًا وَأَوْسَطُهُ لَبَنًا وَأَعْلَاهُ دَمًا وَالْكَبِدُ مُسَلَّطَةٌ عَلَيْهِ فَتَقْسِمُ الدَّمَ وَتُجْرِيهِ فِي الْعُرُوقِ وَتُجْرِي اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ وَيَبْقَى الْفَرْثُ فِي الْكَرِشِ وَحْدَهُ وَقَولُهُ تَعَالَى لَبَنًا خَالِصًا أَيْ مِنْ حُمْرَةِ الدَّمِ وَقَذَارَةِ الْفَرْثِ وَقَولُهُ سَائِغًا أَيْ لَذِيذًا هَنِيئًا لَا يُغَصُّ بِهِ شَارِبُهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سَبْعَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ



[ قــ :5304 ... غــ :5603] .

     قَوْلُهُ  بِقَدَحِ لَبَنٍ وَقَدَحِ خَمْرٍ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَرِيبًا وَالْحِكْمَةُ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْخَمْرِ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا وَاللَّبَنِ مَعَ كَوْنِهِ حَلَالًا إِمَّا لِأَنَّ الْخَمْرَ حِينَئِذٍ لَمْ تَكُنْ حُرِّمَتْ أَوْ لِأَنَّهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَخَمْرُ الْجَنَّةِ لَيْسَتْ حَرَامًا وَقَولُهُ فِي الْحَدِيثِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ حُكِيَ فِيهِ تَنْوِينُ لَيْلَةٍ وَالَّذِي أَعْرِفُهُ فِي الرِّوَايَة الْإِضَافَة الحَدِيث الثَّانِي حَدِيثُ أُمِّ الْفَضْلِ فِي شُرْبِ اللَّبَنِ بِعَرَفَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الصِّيَامِ وَقَولُهُ فِي آخِرِهِ وَكَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا قَالَ شَكَّ النَّاسُ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُرْسِلَتْ إلَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ فَإِذَا وُقِفَ عَلَيْهِ قَالَ هُوَ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ يَعْنِي أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ رُبَّمَا أَرْسَلَ الْحَدِيثَ فَلَمْ يَقُلْ فِي الْإِسْنَادِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ فَإِذَا سُئِلَ عَنْهُ هَلْ هُوَ مَوْصُولٌ أَوْ مُرْسَلٌ قَالَ هُوَ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ وَهُوَ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ هُوَ مَوْصُولٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وُقِفَ عَلَيْهِ وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وُوقِفَ بِزِيَادَةِ وَاوٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْوَاوِ الْمَضْمُومَةِ وَالْقَائِلُ وَكَانَ سُفْيَانُ هُوَ الرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ الْحُمَيْدِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ أُمُّ الْفَضْلِ عَنْ نَفْسِهَا فَأُرْسِلَتْ أُمُّ الْفَضْلِ أَيْ عَلَى سَبِيلِ التَّجْرِيدِ كَذَا قَالَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :5306 ... غــ :5605] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ كَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَحْدَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جَابِرٍ .

     قَوْلُهُ  مِنَ النَّقِيعِ بِالنُّونِ قِيلَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي حُمِيَ لِرَعْيِ النِّعَمِ وَقِيلَ غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ ذِكْرُ نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ فَدَلَّ عَلَى التَّعَدُّدِ وَكَانَ وَادِيًا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَالْمَاءُ النَّاقِعُ هُوَ الْمُجْتَمِعُ وَقِيلَ كَانَتْ تُعْمَلُ فِيهِ الْآنِيَةُ وَقِيلَ هُوَ الْبَاعُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَعَنِ الْخَلِيل الْوَادي الَّذِي يكون فِيهِ الشّجر.

     وَقَالَ  بن التِّينِ رَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي الْقَابِسِيَّ بِالْمُوَحَّدَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَبِي بَحْرِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ فَإِنَّ الْبَقِيعَ مَقْبَرَةٌ بِالْمَدِينَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْأَكْثَرُ عَلَى النُّونِ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعَقِيقِ عَلَى عِشْرِينَ فَرْسَخًا مِنَ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  أَلَّا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى هَلَّا وَقَولُهُ خَمَّرْتُهُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ غَطَّيْتُهُ وَمِنْهُ خِمَارُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يَسْتُرُهَا .

     قَوْلُهُ  تَعْرُضُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الرَّاءِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ وَأَجَازَ أَبُو عُبَيْدٍ كَسْرَ الرَّاءِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَرْضِ أَيْ تَجْعَلُ الْعُودَ عَلَيْهِ بِالْعَرْضِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُغَطِّهِ فَلَا أَقَلَّ مِنَ إِنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ شَيْئًا وَأَظُنُّ السِّرَّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِعَرْضِ الْعُودِ أَنَّ تَعَاطِيَ التَّغْطِيَةِ أَوِ الْعَرْضِ يَقْتَرِنُ بِالتَّسْمِيَةِ فَيَكُونُ الْعَرْضُ عَلَامَةً عَلَى التَّسْمِيَةِ فَتَمْتَنِعُ الشَّيَاطِينُ مِنَ الدُّنُوِّ مِنْهُ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ فِي بَابٌ فِي تَغْطِيَةِ الْإِنَاءِ بَعْدَ أَبْوَابٍ تَنْبِيهٌ وَقَعَ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَحْدَهُ عَنْ جَابِرٍ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَسْقَى فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَسْقِيكَ نَبِيذًا قَالَ بَلَى فَخَرَجَ الرَّجُلُ يَسْعَى فَجَاءَ بِقَدَحٍ فِيهِ نَبِيذٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا خَمَّرْتَهُ الْحَدِيثَ وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا من طَرِيق بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ لَيْسَ مُخَمَّرًا الْحَدِيثَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِصَّةَ اللَّبَنِ كَانَتْ لِأَبِي حُمَيْدٍ وَأَنَّ جَابِرًا أَحْضَرَهَا وَأَنَّ قِصَّةَ النَّبِيذِ حَمَلَهَا جَابِرٌ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَبْهَمَ أَبُو حُمَيْدٍ صَاحِبَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَبَا حُمَيْدٍ رَاوِيهَا أَبْهَمَ نَفْسَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ كَذَا أوردهُ مُخْتَصرا فَقَالَ الْبَراء إِنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ الَّذِي رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ وَرَوَاهُ إِسْرَائِيلُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مُطَوَّلًا.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ وَأَوَّلُهُ أَنَّ عَازِبًا بَاعَ رَحْلًا لِأَبِي بَكْرٍ وَسَأَلَهُ عَنْ قِصَّتِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ وَقَولُهُ





[ قــ :5308 ... غــ :5607] فَحَلَبْتُ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ فَأَمَرْتُ الرَّاعِيَ فَحَلَبَ فَتَكُونُ نِسْبَةُ الْحَلْبِ لِنَفْسِهِ هُنَا مَجَازِيَّةً وَقَولُهُ كُثْبَةٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَالَ الْخَلِيل كل قَلِيل جمعته فَهُوَ كثبة.

     وَقَالَ  بن فَارِسٍ هِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّبَنِ أَوِ التَّمْرِ.

     وَقَالَ  أَبُو زَيْدٍ هِيَ مِنَ اللَّبَنِ مِلْءُ الْقَدَحِ وَقِيلَ قَدْرُ حَلْبَةِ نَاقَةٍ وَمَحْمُودٌ شَيْخُ البُخَارِيّ فِيهِ هُوَ بن غيلَان وَالنضْر هُوَ بن شُمَيْلٍ وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ فِي شُرْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّبَنِ مَعَ كَوْنِ الرَّاعِي أَخْبَرَهُمُ إنَّ الْغَنَمَ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي عُرْفِهِمُ التَّسَامُحُ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ صَاحِبُهَا أَذِنَ لِلرَّاعِي أَنْ يَسْقِيَ مَنْ يَمُرُّ بِهِ إِذَا الْتَمَسَ ذَلِكَ مِنْهُ وَقِيلَ فِيهِ احْتِمَالَاتٌ أُخْرَى تَقَدَّمَتْ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ نِعْمَ الصَّدَقَةُ اللِّقْحَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَسُكُونِ الْقَافِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ وَهِيَ الَّتِي قَرُبَ عَهْدُهَا بِالْوِلَادَةِ وَالصَّفِيُّ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ وَزْنُ فَعِيلٍ هِيَ الْكَثِيرَةُ اللَّبَنِ وَهِيَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مصطفاة مختارة وَفِي قَوْله تَغْدُو وَتَروح إشار إِلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَسْتَأْصِلُ لَبَنَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ الحَدِيث السَّادِس حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي الْمَضْمَضَةِ مِنَ اللَّبَنِ أَيْ بِسَبَبِ شُرْبِ اللَّبَنِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَن بن شِهَابٍ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ تَمَضْمَضُوا مِنَ اللَّبَنِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْأَقْدَاحِ





[ قــ :5311 ... غــ :5610] .

     قَوْلُهُ  وقَال إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ إِلَخْ وَصَلَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ مِنْ طَرِيقِهِ وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي غَرَائِبِ شُعْبَةَ لِابْنِ مَنْدَهْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ شُعْبَةَ إِلَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالسِّدْرَةُ مَرْفُوعَةٌ وَلِلْمُسْتَمْلِي دُفِعْتُ بِدَالٍ بَدَلَ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ بِنِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ وَإِلَى بِالسُّكُونِ حَرْفُ جَرٍّ .

     قَوْلُهُ  وقَال هِشَام يَعْنِي الدستوَائي وَهَمَّام يَعْنِي بن يحيى وَسَعِيد يَعْنِي بن أَبِي عَرُوبَةَ يَعْنِي أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَنْ قَتَادَةَ فَزَادُوا هُمْ فِي الْإِسْنَادِ بَعْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَالِكَ بْنَ صَعْصَعَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ شُعْبَةُ وَقَولُهُ فِي الْأَنْهَارِ نَحْوَهُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ تَوَافَقُوا مِنَ الْمَتْنِ عَلَى ذِكْرِ الْأَنْهَارِ وَزَادُوا هُمْ قِصَّةَ الْإِسْرَاءِ بِطُولِهَا وَلَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ هَذِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِهِمْ هُنَا بَعْدَ قَوْلِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا كَأَنَّهُ قِلَالُ هَجَرٍ وَوَرَقُهَا كَأَنَّهَا آذَانُ الْفِيَلَةِ فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ وَاقْتَصَرَ شُعْبَةُ عَلَى فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَذْكُرُوا ثَلَاثَةَ أَقْدَاحٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ بِالْإِفْرَادِ وَظَاهِرُ هَذَا النَّفْيِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ ذِكْرُ الْأَقْدَاحِ فِي رِوَايَةِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مُعْتَرَضٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ هُدْبَةَ عَنْ هَمَّامٍ بِلَفْظِ ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لبن وإناء من عسل فَيحْتَمل أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ نَفْيَ ذِكْرِ الْأَقْدَاحِ بِخُصُوصِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ الَّتِي بِالْإِفْرَادِ هِيَ الْمَحْفُوظَةُ وَالْفَاعِلُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ فَإِنَّهُ تقدم فِي بَدْء الْخلق طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ بِطُولِهِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْآنِيَةِ أَصْلًا لَكِنْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ وَفِيهِ ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا خَمْرٌ وَالْآخَرُ لَبَنٌ فَعُرِضَا عَلَيَّ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوُهُ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَقَدْ سَاقَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْآنِيَةِ أَصْلًا فَوَضَحَ مِنْ هَذَا أَنَّ رِوَايَةَ هَمَّامٍ فِيهَا ذِكْرُ ثَلَاثَةٍ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ الْعَدَدِ وَلَا وَصْفِ الظَّرْفِ وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ فِيهَا ذِكْرُ إِنَاءَيْنِ فَقَطْ وَرِوَايَةُ هِشَامٍ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا وَقَدْ رَجَّحَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رِوَايَةَ إِنَاءَيْنِ فَقَالَ عَقِبَ حَدِيثَ شُعْبَةَ هُنَا هَذَا حَدِيثُ شُعْبَةَ وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْبَابِ أَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْ هَذَا وَأَوْلَى مِنْ هَذَا كَذَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ أَخْرَجَ حَدِيثَ هَمَّامٍ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ هُدْبَةَ عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ سَوَاءً وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ تُوبِعَ وَذِكْرُ إِنَاءَيْنِ لَا يَنْفِي الثَّالِثَ مَعَ أَنَّنِي قَدَّمْتُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّ عَرْضَ الْآنِيَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الْمِعْرَاجِ وَهُوَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً قَالَ بن الْمُنِيرِ لَمْ يَذْكُرِ السِّرَّ فِي عُدُولِهِ عَنِ الْعَسَلِ إِلَى اللَّبَنِ كَمَا ذَكَرَ السِّرَّ فِي عُدُولِهِ عَنِ الْخَمْرِ وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ كَوْنُ اللَّبَنِ أَنْفَعَ وَبِهِ يَشْتَدُّ الْعَظْمُ وَيَنْبُتُ اللَّحْمُ وَهُوَ بِمُجَرَّدِهِ قُوتٌ وَلَا يَدْخُلُ فِي السَّرَفِ بِوَجْهٍ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الزُّهْدِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَعِ بِوَجْهٍ وَالْعَسَلُ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا لَكِنَّهُ مِنَ الْمُسْتَلَذَّاتِ الَّتِي قَدْ يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يَنْدَرِجَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اذهبتم طَيِّبَاتكُمْ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ فِيهِ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَطِشَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مُبَيَّنًا هُنَاكَ فَأُتِيَ بِالْأَقْدَاحِ فَآثَرَ اللَّبَنَ دُونَ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ حُصُولِ حَاجَتِهِ دُونَ الْخَمْرِ وَالْعَسَلِ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الْأَصْلِيُّ فِي إِيثَارِ اللَّبَنِ وَصَادَفَ مَعَ ذَلِكَ رُجْحَانَهُ عَلَيْهِمَا مِنْ عِدَّةِ جِهَاتٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ قَالَ بن الْمُنِيرِ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يُحِبُّهُ مُقْتَصِدًا فِي تَنَاوُلِهِ لَا فِي جَعْلِهِ دَيْدَنًا وَلَا تَنَطُّعًا وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ جِبْرِيلَ فِي الْخَمْرِ غَوَتْ أُمَّتُكَ أَنَّ الْخَمْرَ يَنْشَأُ عَنْهَا الْغَيُّ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ عَرْضِ الْآنِيَةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِرَادَةُ إِظْهَارِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ وَإِشَارَةٌ إِلَى تَفْوِيضِ الْأُمُورِ إِلَيْهِ