فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: إذا وجد ماله عند مفلس في البيع، والقرض والوديعة، فهو أحق به

( قَولُهُ بَابُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالٌ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُقَدَّمَ قَرِيبًا وَهُوَ نَصٌّ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمُعَلَّقَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْسِيرِ الْمَقَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ اللَّيُّ بِالْفَتْحِ الْمَطْلُ لَوَى يَلْوِي وَالْوَاجِدُ بِالْجِيمِ الْغَنِيُّ مِنَ الْوُجْدِ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ وَيُحِلُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُجَوِّزُ وَصْفَهُ بِكَوْنِهِ ظَالِمًا وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِهِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ لَا يُرْوَى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ سُفْيَانُ عِرْضُهُ يَقُولُ مَطَلَنِي وَعُقُوبَتُهُ الْحَبْسُ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْفِرْيَابِيِّ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ عِرْضُهُ أَنْ يَقُولَ مَطَلَنِي حَقِّي وَعُقُوبَتُهُ أَنْ يُسْجَنَ.

     وَقَالَ  إِسْحَاقُ فَسَّرَ سُفْيَانُ عِرْضَهُ أَذَاهُ بِلِسَانِهِ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ لَمَّا رَوَاهُ وَكِيعٌ بِسَنَدِهِ قَالَ وَكِيعٌ عِرْضُهُ شِكَايَتُهُ.

     وَقَالَ  كُلٌّ مِنْهُمَا عُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حَبْسِ الْمَدِينِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ تَأْدِيبًا لَهُ وَتَشْدِيدًا عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ وَبِقَوْلِهِ الْوَاجِدِ عَلَى أَنَّ الْمُعْسِرَ لَا يُحْبَسُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الرَّافِعِيِّ فِي الْمَتْنِ الْمَرْفُوعِ لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ وَهُوَ تَغْيِيرٌ وَتَفْسِيرُ الْعُقُوبَةِ بِالْحَبْسِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ كَمَا ترى قَولُهُ بَابُ إِذَا وَجَدَ مَالَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْوَدِيعَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ الْمُفْلِسُ شَرْعًا مَنْ تَزِيدُ دُيُونُهُ عَلَى * - * مَوْجُودِهِ سُمِّيَ مُفْلِسًا لِأَنَّهُ صَارَ ذَا فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ صَارَ لَا يَمْلِكُ إِلَّا أَدْنَى الْأَمْوَالِ وَهِيَ الْفُلُوسُ أَوْ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ التَّصَرُّفَ إِلَّا فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ كَالْفُلُوسِ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهَا إِلَّا فِي الْأَشْيَاءِ الْحَقِيرَةِ أَوْ لِأَنَّهُ صَارَ إِلَى حَالَةٍ لَا يَمْلِكُ فِيهَا فَلْسًا فَعَلَى هَذَا فَالْهَمْزَةُ فِي أَفْلَسَ لِلسَّلْبِ وَقَولُهُ فِي الْبَيْعِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ نَصًّا وَقَولُهُ وَالْقَرْضُ هُوَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَوْ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي آخَرِينَ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ وَقَولُهُ وَالْوَدِيعَةُ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ أَدْخَلَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ إِمَّا لِأَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ وَإِمَّا لِأَنَّهُ وَارِدٌ فِي الْبَيْعِ وَالْآخَرَانِ أَوْلَى لِأَنَّ مِلْكَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَنْتَقِلْ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى وَفَاءِ مَنِ اصْطَنَعَ بِالْقَرْضِ مَعْرُوفًا مَطْلُوبٌ .

     قَوْلُهُ  وقَال الْحَسَنُ إِذَا أَفْلَسَ وَتَبَيَّنَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ أَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَتَبَيَّنَ فَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ التَّصَرُّفَ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ.
وَأَمَّا الْعِتْقُ فَمَحَلُّهُ مَا إِذَا أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا سَائِرُ تَبَرُّعَاتِهِ.
وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمَا لَا يَنْفُذَانِ أَيْضًا إِلَّا إِذَا وَقَعَ مِنْهُ الْبَيْعُ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يُوقَفُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي إِقْرَارِهِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِهِ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِأَثَرِ الْحَسَنِ إِلَى مُعَارَضَةِ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بَيْعُ الْمَحْجُورِ وَابْتِيَاعُهُ جَائِزٌ .

     قَوْلُهُ  وقَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَضَى عُثْمَان أَي بن عَفَّانَ إِلَخْ وَصَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى سَعِيدٍ وَلَفْظُهُ أَفْلَسَ مَوْلًى لِأُمِّ حَبِيبَةَ فَاخْتُصِمَ فِيهِ إِلَى عُثْمَانَ فَقَضَى فَذَكَرَهُ.

     وَقَالَ  فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَبِينَ إِفْلَاسُهُ بَدَلَ قَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ وَالْبَاقِي سَوَاء



[ قــ :2301 ... غــ :2402] قَوْله حَدثنَا زُهَيْر هُوَ بن مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَفِي هَذَا السَّنَدِ أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ هُوَ أَوَّلُهُمْ وَكُلُّهُمْ وَلِيَ الْقَضَاءَ وَكُلُّهُمْ سِوَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ شَكٌّ مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَأَظُنُّهُ مِنْ زُهَيْرٍ فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِي رِوَايَةِ أَحَدٍ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى مَعَ كَثْرَتِهِمْ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِالسَّمَاعِ وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى أَصْلًا .

     قَوْلُهُ  مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ اسْتِحْقَاقِ صَاحِبِ الْمَالِ دُونَ غَيْرِهِ أَنْ يَجِدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ وَإِلَّا فَإِنْ تَغَيَّرَتِ الْعَيْنُ فِي ذَاتِهَا بِالنَّقْصِ مَثَلًا أَوْ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا فَهِيَ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ وَأَصْرَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ بن أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِسَنَدِ حَدِيثِ الْبَابِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ إِذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ وَلَمْ يُفَرِّقْهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مَالك عَن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ مُرْسَلًا أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضِ الْبَائِعَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا كَانَ أُسْوَة الْغُرَمَاء وَبِه صرح بن شِهَابٍ فِيمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدْ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَالِكٍ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ إِرْسَالُهُ وَكَذَا عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ وَصَلَهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وبن خُزَيْمَة وبن الْجَارُودِ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَحَدِ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ قَضَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ اقْتَضَى مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ لِاسْتِشْهَادِهِ بِأَثَرِ عُثْمَانَ الْمَذْكُورِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ صَحِيحًا وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ مَنْ أَخَذَ بِعُمُومِ حَدِيثِ الْبَابِ إِلَّا أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا هُوَ الرَّاجِحُ فِي مَذْهَبِهِ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَغَيُّرِ السِّلْعَةِ أَوْ بَقَائِهَا وَلَا بَيْنَ قَبْضِ بَعْضِ ثَمَنِهَا أَوْ عَدَمِ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى التَّفَاصِيلِ الْمَشْرُوحَةِ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ .

     قَوْلُهُ  عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  قَدْ أَفْلَسَ أَيْ تَبَيَّنَ إِفْلَاسُهُ .

     قَوْلُهُ  فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَارِثًا وَغَرِيمًا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَتَأَوَّلُوهُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ خَالَفَ الْأُصُولَ لِأَنَّ السِّلْعَةَ صَارَتْ بِالْبَيْعِ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَمِنْ ضَمَانِهِ وَاسْتِحْقَاقُ الْبَائِعِ أَخْذَهَا مِنْهُ نَقْضٌ لِمِلْكِهِ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى صُورَةٍ وَهِيَ مَا إِذَا كَانَ الْمَتَاعُ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ لُقَطَةً وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْفَلَسِ وَلَا جُعِلَ أَحَقَّ بِهَا لِمَا يَقْتَضِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَأَيْضًا فَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِالشُّفْعَةِ وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَ التَّنْصِيصُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقه بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ إِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ سِلْعَةً ثُمَّ أَفْلَسَ وَهِيَ عِنْدَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْغُرَمَاءِ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ وَالْبَاقِي مثله وَلمُسلم فِي رِوَايَة بن أَبِي حُسَيْنٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا قَبْلُ إِذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ وَفِي مُرْسل بن أَبِي مُلَيْكَةَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَنْقُدْهُ ثُمَّ أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَهَا بِعَيْنِهَا فَلْيَأْخُذْهَا مِنْ بَيْنِ الْغُرَمَاءِ وَفِي مُرْسَلِ مَالِكٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِ أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مَنْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ وَصَلَهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْقَرْضُ وَسَائِرُ مَا ذَكَرَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الرَّافِعِيِّ سِيَاقُ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ الثَّوْرِيِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَقْصُودِ فَإِنَّ اللَّفْظَ الْمَشْهُورَ أَيِ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ عَامٌّ أَوْ مُحْتَمِلٌ بِخِلَافِ لَفْظِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ نَصٌّ لَا احْتِمَالَ فِيهِ وَهُوَ لَفْظُ مُسْلِمٍ قَالَ وَجَاءَ بِلَفْظِهِ بِسَنَدٍ آخَرَ صَحِيحٍ انْتَهَى وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ مَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَإِنَّمَا فِيهِ مَا قَدَّمْتُهُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَحَمَلَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا عَلَى مَا إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ السِّلْعَةَ وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ عِنْدَ رَجُلٍ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ثُمَّ أَفْلَسَ وَهِيَ عِنْدَهُ وَلِلْبَيْهَقِيِّ من طَرِيق بن شِهَابٍ عَنْ يَحْيَى إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ فَلَوْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْهُ مَا نَصَّ فِي الْخَبَرِ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ وَاعْتِذَارُهُمْ بِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ غير هَذَا الْوَجْه أخرجه بن حبَان من حَدِيث بن عُمَرَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَضَى بِهِ عُثْمَانُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَا مَضَى وَبِدُونِ هَذَا يَخْرُجُ الْخَبَرُ عَنْ كَوْنِهِ فَرْدًا غَرِيبا قَالَ بن الْمُنْذِرِ لَا نَعْرِفُ لِعُثْمَانَ فِي هَذَا مُخَالِفًا من الصَّحَابَة وَتعقب بِمَا روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ عُثْمَانَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ تَعَسَّفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ بِتَأْوِيلَاتٍ لَا تَقُومُ عَلَى أَسَاسٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلَاتٍ ضَعِيفَةٍ مَرْدُودَةٍ انْتَهَى وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إِذَا مَاتَ وَوُجِدَتِ السِّلْعَةُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَصَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَأَحْمَدُ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَاحْتَجَّا بِمَا فِي مُرْسَلِ مَالِكٍ وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ فَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ مَحَلٌّ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فَاسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ قَاضِي الْمَدِينَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي آخِرِهِ إِلَّا أَنْ يَتْرُكَ صَاحِبُهُ وَفَاءً وَرَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْمُرْسَلِ.

     وَقَالَ  يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ مِنْ رَأْيِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِأَنَّ الَّذِينَ وَصَلُوهُ عَنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا قَضِيَّةَ الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيره لم يذكرُوا ذَلِك بل صرح بن خَلْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْإِفْلَاسِ وَالْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَة وَجزم بن الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي مُرْسَلِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي وَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بَين الْحَدِيثين بِحمْل حَدِيث بن خَلْدَةَ عَلَى مَا إِذَا مَاتَ مُفْلِسًا وَحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى مَا إِذَا مَاتَ مَلِيئًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إِذَا أَرَادَ الْغُرَمَاءُ أَوِ الْوَرَثَةُ إِعْطَاءَ صَاحِبِ السِّلْعَةِ الثَّمَنَ فَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمِنَّةِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ فَزَاحَمَهُ فِيمَا أَخذ وَأغْرب بن التِّينِ فَحَكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ إِلَّا سِلْعَتُهُ وَيَلْتَحِقُ بِالْمَبِيعِ الْمُؤَجَّرُ فَيَرْجِعُ مُكْتَرِي الدَّابَّةِ أَوِ الدَّارِ إِلَى عَيْنِ دَابَّتِهِ وَدَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَإِدْرَاجُ الْإِجَارَةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمَتَاعِ أَوِ الْمَالِ أَوْ يُقَالُ اقْتَضَى الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِالْعَيْنِ وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ الرُّجُوعُ فِي الْمَنَافِعِ فَثَبَتَ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى حُلُولِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ بِالْفَلَسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمُؤَجَّلِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لَكِنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ مَقْصُودٌ لَهُ فَلَا يَفُوتُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَمَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ الْفَلَسِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ إِذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ مَعَ قُدْرَتِهِ بِمَطْلٍ أَوْ هَرَبٍ قِيَاسًا عَلَى الْفَلَسِ بِجَامِعِ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ حَالًا وَالْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي عَيْنِ الْمَتَاعِ دُونَ زَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَتْ بِمَتَاعِ الْبَائِعِ وَالله أعلم



( قَولُهُ بَابُ إِذَا أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ أَجَّلَهُ فِي الْبَيْعِ)
أَمَّا الْقَرْضُ إِلَى أَجَلٍ فَهُوَ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَأَمَّا الْبَيْعُ إِلَى أَجَلٍ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ احْتَجَّ لِلْجَوَازِ فِي الْقَرْضِ بِالْجَوَازِ فِي الْبَيْعِ مَعَ مَا استظهر بِهِ من أثر بن عمر وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة قَوْله.

     وَقَالَ  بن عمر الخ وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ قَالَ.

قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ إِنِّي أُسْلِفُ جِيرَانِي إِلَى الْعَطَاءِ فَيَقْضُونِي أَجْوَدَ مِنْ دَرَاهِمِي قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ تَشْتَرِطْ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَاد صَحِيح أَن بن عُمَرَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ فَقَضَاهُ خَيْرًا مِنْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الشِّقِّ فِي بَابِ اسْتِقْرَاضِ الْإِبِلِ .

     قَوْلُهُ  وقَال عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ هُوَ إِلَى أَجَلِهِ فِي الْقَرْض وَصله عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ عَنْهُمَا



[ قــ :301 ... غــ :404] .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّيْثُ إِلَخْ ذَكَرَ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ الَّذِي أَسْلَفَ أَلْفَ دِينَارٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْكفَالَة