فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم، والغلو في الدين والبدع

( قَولُهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ)
زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّنَازُعِ وَالتَّعَمُّقِ مَعًا كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَالْغُلُوُّ فِي الدِّينِ وَالْبِدَعِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَقَولُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحق صَدْرُ الْآيَةِ يَتَعَلَّقُ بِفُرُوعِ الدِّينِ وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي التَّرْجَمَةِ بِالْعِلْمِ وَمَا بَعْدَهُ يَتَعَلَّقُ بِأُصُولِهِ فَأَمَّا التَّعَمُّقُ فَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ ثُمَّ قَافٍ وَمَعْنَاهُ التَّشْدِيدُ فِي الْأَمْرِ حَتَّى يَتَجَاوَزَ الْحَدَّ فِيهِ وَقَدْ وَقَعَ شَرْحُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ حَيْثُ قَالَ حَتَّى يَدَعَ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ.
وَأَمَّا التَّنَازُعُ فَمِنَ الْمُنَازَعَةِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْمُجَاذَبَةُ وَيُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْمُجَادَلَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُجَادَلَةُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْحُكْمِ إِذَا لَمْ يَتَّضِحِ الدَّلِيلُ وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ اللَّجَاجُ بَعْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ.
وَأَمَّا الْغُلُوُّ فَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الشَّيْءِ وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ بِتَجَاوُزِ الْحَدِّ وَفِيهِ مَعْنَى التَّعَمُّقِ يُقَالُ غَلَا فِي الشَّيْءِ يَغْلُو غُلُوًّا وَغَلَا السِّعْرُ يَغْلُو غَلَاءً إِذَا جَاوَزَ الْعَادَةَ وَالسَّهْمُ يَغْلُو غَلْوًا بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ إِذَا بَلَغَ غَايَةَ مَا يُرْمَى وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ صَرِيحًا فِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن ماجة وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِي حَصَى الرَّمْيِ وَفِيهِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ.
وَأَمَّا الْبِدَعُ فَهُوَ جَمْعُ بِدْعَةٍ وَهِيَ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ مِثَالٌ تَقَدَّمَ فَيَشْمَلُ لُغَةً مَا يُحْمَدُ وَيُذَمُّ وَيَخْتَصُّ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ بِمَا يُذَمُّ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْمَحْمُودِ فَعَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَةِ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ لَفْظَ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلتَّعْمِيمِ لِيَتَنَاوَلَ غَيْرَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ تَنَاوُلَهَا مِنْ عَدَا الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْإِلْحَاقِ وَذَكَرَ فِيهِ سَبْعَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَقَولُهُ



[ قــ :6908 ... غــ :7299] هُنَا لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَاضِي فِي كِتَابِ التَّمَنِّي وَلَوْ مُدَّ لِي فِي الشَّهْرِ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ وَإِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَةِ لَكِنَّهُ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي إِيرَادِ مَا لَا يُنَاسِبُ التَّرْجَمَةَ ظَاهِرًا إِذَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مَا يُعْطِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بِزِيَادَةٍ فِيهِ وَقَولُهُ كَالْمُنْكِي بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبَعْدَ الْكَافِ يَاءٌ سَاكِنَةٌ مِنَ النِّكَايَةِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ وَعَنِ الْمُسْتَمْلِي بِرَاءٍ بَدَلَ الْيَاءِ مِنَ الْإِنْكَارِ وَعَلَى هَذَا فَاللَّامُ فِي لَهُمْ بِمَعْنَى عَلَى وَعَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا لَامٌ مِنَ النَّكَالِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْبَاقِينَ وَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :6909 ... غــ :7300] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي أَبِي هُوَ يَزِيدُ بْنُ شَرِيكٍ التَّيْمِيُّ .

     قَوْلُهُ  خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ بِالْمَدِّ وَضَمِّ الْجِيمِ هُوَ الطُّوبُ الْمَشْوِيُّ وَيُقَالُ بِمَدٍّ وَزِيَادَةِ وَاوٍ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ .

     قَوْلُهُ  فَنَشَرَهَا أَيْ فَتَحَهَا .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا فِيهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ دَفَعَهَا لِمَنْ قَرَأَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَرَأَهَا بِنَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  الْمَدِينَةُ حَرَمٌ تَقَدَّمَ شَرْحُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ مُسْتَوْعَبًا .

     قَوْلُهُ  ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ وَقَولُهُ فَمَنْ أَخْفَرَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَأَلِفٍ أَيْ غَدَرَ بِهِ وَالْهَمْزَةُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ أَزَالَ عَنْهُ الْخَفْرَ وَهُوَ السِّتْرُ .

     قَوْلُهُ  مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْفَرَائِضِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الْمَذْكُورَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَشْيَاءَ غَيْرَ هَذِهِ مِنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْغَرَضُ بِإِيرَادِ الْحَدِيثِ هُنَا لَعْنُ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَإِنَّهُ وَإِنْ قَيَّدَ فِي الْخَبَرِ بِالْمَدِينَةِ فَالْحُكْمُ عَامٌّ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا إِذَا كَانَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الدِّينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فِي بَابِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ عَلِيٍّ لِلتَّرْجَمَةِ لَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلَخْ تَبْكِيتُ مَنْ تَنَطَّعَ فِي الْكَلَامِ وَجَاءَ بِغَيْرِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَذَا قَالَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :6910 ... غــ :7301] .

     قَوْلُهُ  عَن الْأَعْمَش حَدثنَا مُسلم هُوَ بن صُبَيْحٍ بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ وَهُوَ أَبُو الضُّحَى مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَكْثَرَ مِنِ اسْمِهِ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي الضُّحَى بِهِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِ الْكِرْمَانِيِّ يحْتَمل ان يكون بن صبيح وَيحْتَمل ان يكون بن أَبِي عِمْرَانَ الْبَطِينَ فَإِنَّهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ مَسْرُوقٍ وَيَرْوِي عَنْهُمَا الْأَعْمَشُ وَالسَّنَدُ الْمَذْكُورُ إِلَى مَسْرُوقٍ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ .

     قَوْلُهُ  تَرَخَّصَ فِيهِ وَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ لَمْ يُوَاجِهِ النَّاسَ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ هَذَا الْحَدِيثُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَشَرَحْتُهُ هُنَاكَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا أَنَّ الْخَيْرَ فِي الِاتِّبَاعِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَزِيمَةِ أَوِ الرُّخْصَةِ وَأَنَّ اسْتِعْمَالَ الرُّخْصَةِ بِقَصْدِ الِاتِّبَاعِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي وَرَدَتْ أَوْلَى مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَزِيمَةِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ اسْتِعْمَالُ الْعَزِيمَةِ حِينَئِذٍ مَرْجُوحًا كَمَا فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَرُبَّمَا كَانَ مَذْمُومًا إِذَا كَانَ رَغْبَةً عَنِ السُّنَّةِ كَتَرْكِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَوْمَأَ بن بَطَّالٍ إِلَى أَنَّ الَّذِي تَنَزَّهُوا عَنْهُ الْقُبْلَةُ لِلصَّائِمِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ لَعَلَّهُ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ التَّنَزُّهَ عَمَّا تَرَخَّصَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ لِأَنَّهُ يَرَى نَفْسَهُ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ رَسُولِهِ وَهَذَا إِلْحَادٌ.

قُلْتُ لَا شَكَّ فِي إِلْحَادِ مَنِ اعْتَقَدَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ مَنْ أُشِيرَ إِلَيْهِمْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ أَيْ فَإِذَا تَرَخَّصَ فِي شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ الَّذِي لَمْ يُغْفَرْ لَهُ إِلَى الْأَخْذِ بِالْعَزِيمَةِ وَالشِّدَّةِ لِيَنْجُوَ فَأَعْلَمَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ أَخْشَى النَّاسِ لِلَّهِ وَأَتْقَاهُمْ فَمَهْمَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَزِيمَةٍ وَرُخْصَةٍ فَهُوَ فِيهِ فِي غَايَةِ التَّقْوَى وَالْخَشْيَةِ لَمْ يَحْمِلْهُ التَّفَضُّلُ بِالْمَغْفِرَةِ عَلَى تَرْكِ الْجِدِّ فِي الْعَمَلِ قِيَامًا بِالشُّكْرِ وَمَهْمَا تَرَخَّصَ فِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الْعَزِيمَةِ لِيَعْمَلَهَا بِنَشَاطٍ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَعْلَمُهُمْ إِلَى الْقُوَّةِ الْعِلْمِيَّةِ وَبِقَوْلِهِ أَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً إِلَى الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ أَيْ أَنَا أَعْلَمُهُمْ بِالْفَضْلِ وَأَوْلَاهُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ الحَدِيث الرَّابِع حَدِيث بن أَبِي مُلَيْكَةَ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي تَأْمِيرِ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَوِ الْقَعْقَاعِ بْنِ مَعْبَدٍ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ وَفِيهِ نَزَلَتْ





[ قــ :6911 ... غــ :730] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُوله وَمن هُنَا تظهر مناسبته للتَّرْجَمَة.

     وَقَالَ  بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ لَمْ يَتَّصِلْ مِنْهُ سِوَى شَيْءٌ يَسِيرٌ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُجُرَاتِ اسْتَغْنَى بِمَا فِيهِ عَنْ تَعَقُّبِ كَلَامِهِ وَقَولُهُ وقَال بن أبي مليكَة قَالَ بن الزُّبَيْرِ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْحُجُرَاتِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ الْآيَة فَقَالَ بن الزُّبَيْرِ فَذَكَرَهُ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ هَكَذَا فَصَلَ بَيْنَ قَوْلِهِ فَكَانَ عُمَرُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إِذَا حَدَّثَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ وَأَخَّرَهَا فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فِي الْحُجُرَاتِ وَلَفْظُهُ فَمَا كَانَ يُسْمِعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ اما السرَار فَبِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيِ الْكَلَامُ السِّرُّ وَمِنْهُ الْمُسَارَرَةُ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  كَأَخِي فَقَالَ بن الْأَثِيرِ مَعْنَى قَوْلِهِ كَأَخِي السِّرَارِ كَصَاحِبِ السِّرَارِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَنَقَلَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّ الْمَعْنَى كَالسِّرَارِ وَلَفْظُ أَخِي صِلَةٌ قَالَ وَالْمَعْنَى كَالْمُنَاجَى سِرًّا انْتَهَى.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْفَائِقِ لَوْ قِيلَ إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَأَخِي السِّرَارِ كَالْمُسَارِرِ لَكَانَ وَجْهًا وَالْكَافُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وعَلى مَا ماضي تَكُونُ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَقَولُهُ لَا يَسْمَعُهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى قَوْلِهِ كَأَخِي السِّرَارِ أَيْ يَخْفِضُ صَوْتَهُ وَيُبَالِغُ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى اسْتِفْهَامِهِ عَنْ بَعْضِ كَلَامِهِ.

     وَقَالَ  فِي الْفَائِقِ الضَّمِيرُ فِي يَسْمَعُهُ لِلْكَافِ إِنْ جُعِلَتْ صِفَةً لِلْمَصْدَرِ وَهُوَ مَنْصُوبُ الْمَحَلِّ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ فَإِنْ أُعْرِبَتْ حَالًا فَالضَّمِيرُ لَهَا أَيْضًا إِنْ قُدِّرَ مُضَافًا وَلَيْسَ .

     قَوْلُهُ  لَا يَسْمَعُهُ حَالًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَكَاكَةِ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَبْوَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَان ذمّ الْمُخَالفَة.

     وَقَالَ  بن التِّينِ وَفِيهِ أَنَّ أَوَامِرَهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَأَنَّ فِي مُرَاجَعَتِهِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ بَعْضَ الْمَكْرُوهِ.

قُلْتُ وَلَيْسَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ دَلِيلِ الْوُجُوبِ ظَاهِرًا الْحَدِيثُ السَّادِسُ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَعَابَ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فِي قِصَّةِ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ وَمُنَازَعَتِهِمَا عِنْدَ عُمَرَ فِي صَدَقَةُ رَسُولُ اللَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي فَرْضِ الْخُمُسِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا بَيَانُ كَرَاهِيَةِ التَّنَازُعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُثْمَانَ وَمَنْ مَعَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الْآخَرِ فَإِنَّ الظَّنَّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَتَنَازَعَا إِلَّا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَنَدٌ فِي أَنَّ الْحَقَّ بِيَدِهِ دُونَ الْآخَرِ فَأَفْضَى ذَلِكَ بِهِمَا إِلَى الْمُخَاصَمَةِ ثُمَّ الْمُحَاكَمَةِ الَّتِي لَوْلَا التَّنَازُعُ لَكَانَ اللَّائِقُ بِهِمَا خِلَافَ ذَلِكَ وَقَولُهُ





[ قــ :6914 ... غــ :7305] فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ اتَّئِدُوا بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ أَيِ اسْتَمْهِلُوا وَقَولُهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ بِحَذْفِ الْبَاءِ وَهُوَ جَائِزٌ وَقَولُهُ مَا احْتَازَهَا بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الزَّايِ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الرَّاءِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَقَولُهُ وَكَانَ يُنْفِقُ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَكَانَ بِالْفَاءِ وَهُوَ أَوْلَى وَقَولُهُ فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ثُمَّ أَقْبَلَ وَقَولُهُ تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا هَكَذَا هُنَا وَقَعَ بِالْإِبْهَامِ وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي شَرْحِ الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ أَنَّ تَفْسِيرَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَخَلَتِ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ ذَلِكَ إِبْهَامًا وَتَفْسِيرًا وَيُؤْخَذُ مِمَّا سَأَذْكُرُهُ عَنِ الْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ تَأْوِيلِ كَلَامِ الْعَبَّاسِ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ بن بَطَّالٍ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا تَرْجَمَ لَهُ مِنْ كَرَاهِيَةِ التَّنَطُّعِ وَالتَّنَازُعِ لِإِشَارَتِهِ إِلَى ذَمِّ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْوِصَالِ بَعْدَ النَّهْيِ وَلِإِشَارَةِ عَلِيٍّ إِلَى ذَمِّ مَنْ غَلَا فِيهِ فَادَّعَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّهُ بِأُمُورٍ مِنْ عِلْمِ الدِّيَانَةِ دُونَ غَيْرِهِ وَإِشَارَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَمِّ مَنْ شَدَّدَ فِيمَا تَرَخَّصَ فِيهِ وَفِي قِصَّةِ بَنِي تَمِيمٍ ذَمُّ التَّنَازُعِ الْمُؤَدِّي إِلَى التَّشَاجُرِ وَنِسْبَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ إِلَى قَصْدِ مُخَالَفَتِهِ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى ذَمِّ كُلِّ حَالَةٍ تَئُولُ بِصَاحِبِهَا إِلَى افْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ أَوِ الْمُعَادَاةِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إِشَارَةٌ إِلَى ذَمِّ التَّعَسُّفِ فِي الْمَعَانِي الَّتِي خَشِيَتْهَا مِنْ قِيَامِ أَبِي بَكْرٍ مَقَامَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بن التِّينِ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اسْتَبَّا أَيْ نَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ إِلَى أَنَّهُ ظَلَمَهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِقَوْلِهِ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الظَّالِمِ قَالَ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَظْلِمُ النَّاسَ وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا تَأَوَّلَهُ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ عَلِيًّا سَبَّ الْعَبَّاسَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صِنْوُ أَبِيهِ وَلَا أَنَّ الْعَبَّاسَ سَبَّ عَلِيًّا بِغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ فَضْلَهُ وَسَابِقَتَهُ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ هَذَا اللَّفْظُ لَا يَلِيقُ بِالْعَبَّاسِ وَحَاشَا عَلِيًّا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ سَهْوٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ صِحَّتِهِ فَلْيُؤَوَّلْ بِأَنَّ الْعَبَّاسَ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يُعْتَقَدُ ظَاهِرُهُ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ وَرَدْعًا لِمَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِيهِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَا الْخَلِيفَةَ وَلَا غَيْرِهِ مَعَ تَشَدُّدِهِمْ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّهُمْ فَهِمُوا بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ الْحَقِيقَةَ انْتَهَى وَقَدْ مَضَى بَعْضُ هَذَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ وَفِيهِ أَنَّنِي لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى كَلَامٍ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ اسْتَبَّا بِالتَّثْنِيَةِ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْعَبَّاسِ كَلَامٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ حَاشَا عَلِيًّا أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا وَالْعَبَّاسُ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا بِنِسْبَةِ الظُّلْمِ إِلَى عَلِيٍّ وَلَيْسَ بِظَالِمٍ وَقِيلَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ أَيْ هَذَا الظَّالِمُ إِنْ لَمْ يُنْصِفْ أَوِ التَّقْدِيرُ هَذَا كَالظَّالِمِ وَقِيلَ هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ فِي الْغَضَبِ لَا يُرَادُ بِهَا حَقِيقَتُهَا وَقِيلَ لَمَّا كَانَ الظُّلْمُ يُفَسَّرُ بِأَنَّهُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ تَنَاوَلَ الذَّنْبَ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَتَنَاوَلَ الْخَصْلَةَ الْمُبَاحَةَ الَّتِي لَا تَلِيقُ عُرْفًا فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْأَخِيرَة وَالله أعلم