فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التهجير بالرواح يوم عرفة

( قَولُهُ بَابُ التَّهْجِيرِ بِالرَّوَاحِ يَوْمَ عَرَفَةَ)
أَيْ من نمرة لحَدِيث بن عُمَرَ أَيْضًا غَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَنَزَلَ نَمِرَةَ وَهُوَ مَنْزِلُ الْإِمَامِ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ بِعَرَفَةَ حَتَّى إِذْ كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَجِّرًا فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَوَجَّهَ مِنْ مِنًى حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ بِهَا لَكِنْ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ تَوَجُّهَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا كَانَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَفْظُهُ فَضُرِبَتْ لَهُ قُبَّةٌ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَى فَرُحِلَتْ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي انْتَهَى وَنَمِرَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ خَارِجَ الْحَرَمِ بَيْنَ طَرَفِ الْحَرَمِ وَطَرَفِ عَرَفَاتٍ
.

     قَوْلُهُ  عَنْ سَالِمٍ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  كَتَبَ عَبْدُ الْملك يَعْنِي بن مَرْوَان قَوْله إِلَى الْحجَّاج يَعْنِي بن يُوسُف الثَّقَفِيّ حِين أرْسلهُ إِلَى قتال بن الزُّبَيْرِ كَمَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا بَعْدَ بَابٍ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَجِّ أَيْ فِي أَحْكَامِ الْحَجِّ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي أَمْرِ الْحَج وَكَانَ بن الزُّبَيْرِ لَمْ يُمَكِّنِ الْحَجَّاجَ وَعَسْكَرَهُ مِنْ دُخُولِ مَكَّة فَوقف قبل الطّواف قَوْله فجَاء بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَنَا مَعَهُ الْقَائِلُ هُوَ سَالِمٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَرَكِبَ هُوَ وَسَالِمٌ وَأَنا مَعَهُمَا وَفِي رِوَايَته قَالَ بن شِهَابٍ وَكُنْتُ يَوْمَئِذٍ صَائِمًا فَلَقِيتُ مِنَ الْحَرِّ شِدَّةً وَاخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ هَذِهِ فَقَالَ يحيى بن معِين هِيَ وهم وبن شهَاب لم ير بن عُمَرَ وَلَا سَمِعَ مِنْهُ.

     وَقَالَ  الذُّهْلِيُّ لَسْتُ أدفَع رِوَايَة معمر لِأَن بن وهب روى عَن الْعمريّ عَن بن شِهَابٍ نَحْوَ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَرَوَى عَنْبَسَةُ بْنُ خَالِد عَن يُونُس عَن بن شِهَابٍ قَالَ وَفَدْتُ إِلَى مَرْوَانَ وَأَنَا مُحْتَلِمٌ قَالَ الذُّهْلِيُّ وَمَرْوَانُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ انْتَهَى.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ إِنَّ رِوَايَةَ عَنْبَسَةَ هَذِهِ أَيْضًا وَهَمٌ وَإِنَّمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَفَدْتُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَوْ كَانَ الزُّهْرِيُّ وَفَدَ عَلَى مَرْوَانَ لَأَدْرَكَ جِلَّةَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ عَنْهُمْ رِوَايَةٌ إِلَّا بِوَاسِطَةٍ وَقَدْ أَدْخَلَ مَالِكٌ وَعُقَيْلٌ وَإِلَيْهِمَا الْمَرْجِعُ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بن عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ سَالِمًا فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ .

     قَوْلُهُ  فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ أَيْ خَيْمَتِهِ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْنَ هَذَا أَيِ الْحَجَّاجُ وَمِثْلُهُ يَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ إِزَارٌ كَبِيرٌ وَالْمُعَصْفَرُ الْمَصْبُوغُ بِالْعُصْفُرِ وَقَولُهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ كنية بن عُمَرَ وَقَولُهُ الرَّوَاحَ بِالنَّصْبِ أَيْ عَجِّلْ أَوْ رُحْ .

     قَوْلُهُ  إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ إِنْ كَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ .

     قَوْلُهُ  فَأَنْظِرْنِي بِالْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَخِّرْنِي وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِأَلِفِ وَصْلٍ وَضَمِّ الظَّاءِ أَيِ انتظرني قَوْله فَنزل يَعْنِي بن عُمَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدَ بَابَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فاقصر بِأَلف مَوْصُولَة ومهملة مَكْسُورَة قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ عِنْدَهُمْ فِي الْمُسْنَدِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّنَّةِ سُنَّةُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُطْلِقَتْ مَا لَمْ تُضَفْ إِلَى صَاحِبِهَا كَسُنَّةِ الْعُمَرَيْنِ.

قُلْتُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وجمهورهم على مَا قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُ سَالِمٍ لِابْنِ شِهَابٍ إِذْ قَالَ لَهُ أَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَهَلْ يَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلَّا سُنَّتَهُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ .

     قَوْلُهُ  وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ كَذَا رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَأَشْهَبُ وَهُوَ عِنْدِي غَلَطٌ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ قَالُوا وَعَجِّلِ الصَّلَاةَ قَالَ وَرِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ لَهَا وَجْهٌ لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْوُقُوفِ يَسْتَلْزِمُ تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ.

قُلْتُ قَدْ وَافَقَ الْقَعْنَبِيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ كَمَا تَرَى وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ رَوَوْهُ هَكَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ مَالِكٍ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِاللَّازِمِ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِتَعْجِيلِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ تَعْجِيل الْوُقُوف قَالَ بن بَطَّالٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْغُسْلُ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِقَوْلِ الْحَجَّاجِ لِعَبْدِ اللَّهِ أَنْظِرْنِي فَانْتَظَرَهُ وَأَهْلُ الْعلم يستحبونه انْتهى وَيحْتَمل أَن يكون بن عُمَرَ إِنَّمَا انْتَظَرَهُ لِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ اغْتِسَالَهُ عَنْ ضَرُورَةٍ نَعَمْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَن نَافِع أَن بن عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ لِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ الْمُعَصْفَرَ لِلْمُحْرِمِ وَتعقبه بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَكُنْ يَتَّقِي الْمُنْكَرَ الْأَعْظَمَ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَتَّقِي المعصفر وَإِنَّمَا لم يَنْهَهُ بن عُمَرَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَنْجَعُ فِيهِ النَّهْيُ وَلِعِلْمِهِ بِأَنَّ النَّاسَ لَا يَقْتَدُونَ بِالْحَجَّاجِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ إِنَّمَا هُوَ بِعَدَمِ إِنْكَار بن عُمَرَ فَبِعَدَمِ إِنْكَارِهِ يَتَمَسَّكُ النَّاسُ فِي اعْتِقَادِ الْجَوَازِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُعَصْفَرِ فِي بَابِهِ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ فِيهِ جَوَازُ تَأْمِيرِ الأدون على الْأَفْضَل وَتعقبه بن الْمُنِيرِ أَيْضًا بِأَنَّ صَاحِبَ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَا سِيَّمَا فِي تأمير الْحجَّاج وَأما بن عُمَرَ فَإِنَّمَا أَطَاعَ لِذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الْفِتْنَةِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ إِقَامَةَ الْحَجِّ إِلَى الْخُلَفَاءِ وَأَنَّ الْأَمِيرَ يَعْمَلُ فِي الدِّينِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيَصِيرُ إِلَى رَأْيِهِمْ وَفِيهِ مُدَاخَلَةُ الْعُلَمَاءِ السَّلَاطِينَ وَأَنَّهُ لَا نَقِيصَةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ فَتْوَى التِّلْمِيذِ بِحَضْرَةِ مُعَلِّمِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ وَابْتِدَاءُ الْعَالِمِ بِالْفَتْوَى قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ عَنهُ وَتعقبه بن الْمُنِير بِأَن بن عُمَرَ إِنَّمَا ابْتَدَأَ بِذَلِكَ لِمَسْأَلَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ كَمَا كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ قَالَ وَفِيهِ الْفَهْمُ بِالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ لِقَوْلِ سَالِمٍ فَجَعَلَ الْحَجَّاجُ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ صَدَقَ انْتَهَى وَفِيهِ طَلَبُ الْعُلُوِّ فِي الْعِلْمِ لِتَشَوُّفِ الْحَجَّاجِ إِلَى سَمَاعِ مَا أخبرهُ بِهِ سَالم من أَبِيه بن عمر وَلم يُنكر ذَلِك بن عُمَرَ وَفِيهِ تَعْلِيمُ الْفَاجِرِ السُّنَنَ لِمَنْفَعَةِ النَّاسِ وَفِيهِ احْتِمَالُ الْمَفْسَدَةِ الْخَفِيفَةِ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ الْكَبِيرَةِ يُؤْخَذ ذَلِك من مُضِيّ بن عُمَرَ إِلَى الْحَجَّاجِ وَتَعْلِيمِهِ وَفِيهِ الْحِرْصُ عَلَى نَشْرِ الْعِلْمِ لِانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ وَفِيهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَأَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي بِعَرَفَةَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ سُنَّةٌ وَلَا يَضُرُّ التَّأَخُّرُ بِقَدْرِ مَا يَشْتَغِلُ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الصَّلَاةِ كَالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّة مَا فِيهِ فِي الَّذِي يَلِيهِ