فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} [المائدة: 90]

قَوْله بَاب قَوْله إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر)
سَاق إِلَى من عمل الشَّيْطَان وَسَقَطَ بَابُ قَوْلِهِ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَوَقَعَ بَيْنَهُمْ فِي سِيَاقِ مَا قَبْلَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ تَقْدِيم وَتَأْخِير قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ الْأَزْلَامُ الْقِدَاحُ يَقْتَسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُورِ وَصله بن أبي حَاتِم من طَرِيق عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ قَوْلُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا تَتَبَّعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ قَالَ اسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ هَلْ أَضَرُّهُمْ أَمْ لَا فَخَرَجَ الَّذِي أكره.

     وَقَالَ  بن جَرِيرٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمِدُونَ إِلَى ثَلَاثَةِ سِهَامٍ عَلَى أَحَدِهَا مَكْتُوبٌ افْعَلْ وَعَلَى الثَّانِي لَا تَفْعَلْ وَالثَّالِثُ غُفْلٌ.

     وَقَالَ  الْفَرَّاءُ كَانَ عَلَى الْوَاحِدِ أَمَرَنِي رَبِّي وَعَلَى الثَّانِي نَهَانِي رَبِّي وَعَلَى الثَّالِثِ غُفْلٌ فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ الْأَمْرَ أَخْرَجَ وَاحِدًا فَإِنْ طَلَعَ الْآمِرُ فَعَلَ أَوِ النَّاهِي تَرَكَ أَوِ الْغُفْلُ أَعَادَ وَذَكَرَ بن إِسْحَاقَ أَنَّ أَعْظَمَ أَصْنَامِ قُرَيْشٍ كَانَ هُبَلَ وَكَانَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَكَانَتِ الْأَزْلَامُ عِنْدَهُ يَتَحَاكَمُونَ عِنْدَهُ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ فَمَا خَرَجَ مِنْهَا رَجَعُوا إِلَيْهِ.

قُلْتُ وَهَذَا لَا يَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ آحَادُهُمْ يَسْتَعْمِلُونَهَا مُنْفَرِدِينَ كَمَا فِي قِصَّةِ سُرَاقَةَ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ الْأَزْلَامُ حَصًى بِيضٌ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ حِجَارَةٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا وَعَنْهُ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا لِكُلِّ سَفَرٍ وَغَزْوٍ وَتِجَارَةٍ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْكَعْبَةِ وَالَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ النَّقْلِ أَنَّ الْأَزْلَامَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ أَحَدُهَا لِكُلِّ أَحَدٍ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَثَانِيهَا لِلْأَحْكَامِ وَهِيَ الَّتِي عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ عِنْدَ كُلِّ كَاهِنٍ وَحَاكِمٍ لِلْعَرَبِ مِثْلُ ذَلِكَ وَكَانَتْ سَبْعَةً مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا فَوَاحِدٌ عَلَيْهِ مِنْكُمْ وَآخَرُ مُلْصَقٌ وَآخَرُ فِيهِ الْعُقُولُ وَالدِّيَاتُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَثَالِثُهَا قِدَاحُ الْمَيْسِرِ وَهِيَ عَشَرَةٌ سَبْعَةٌ مُخَطَّطَةٌ وَثَلَاثَةٌ غُفْلٌ وَكَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا مُقَامَرَةً وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ مَا يُتَقَامَرُ بِهِ كَالنَّرْدِ وَالْكِعَابِ وَغَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  وَالنُّصُبُ أَنْصَابٌ يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا وَصَلَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ النُّصُبُ وَاحِدُ الأنصاب.

     وَقَالَ  بن قُتَيْبَةَ هِيَ حِجَارَةٌ كَانُوا يَنْصِبُونَهَا وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا فَيَنْصَبُّ عَلَيْهَا دِمَاءُ الذَّبَائِحِ وَالْأَنْصَابُ أَيْضًا جَمْعُ نَصْبٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ثُمَّ سُكُونٍ وَهِيَ الْأَصْنَامُ .

     قَوْلُهُ  وقَال غَيْرُهُ الزَّلَمُ الْقِدْحُ لَا رِيشَ لَهُ وَهُوَ وَاحِدُ الْأَزْلَامِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَاحِدُ الْأَزْلَامِ زَلَمٌ بِفَتْحَتَيْنِ وَزُلَمٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ لُغَتَانِ وَهُوَ الْقِدْحُ أَيْ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ .

     قَوْلُهُ  وَالِاسْتِقْسَامُ أَنْ يُجِيلَ الْقِدَاحَ فَإِنْ نَهَتْهُ انْتَهَى وَإِنْ أَمَرَتْهُ فَعَلَ مَا تَأْمُرُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الِاسْتِقْسَامُ مِنْ قَسَمْتُ أَمْرِي بِأَنْ أُجِيلَ الْقِدَاحَ لِتَقْسِمَ لِي أَمْرِي أَأُسَافِرُ أَمْ أُقِيمُ وَأَغْزُو أَمْ لَا أَغْزُو أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَتَكُونُ هِيَ الَّتِي تَأْمُرُنِي وَتَنْهَانِي وَلِكُلِّ ذَلِكَ قِدْحٌ مَعْرُوفٌ قَالَ الشَّاعِرُ وَلَمْ أَقْسِمُ فَتَحْسَبُنِي الْقَسُومَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِقْسَامَ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْقِسْمِ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيِ اسْتِدْعَاءُ ظُهُورِ الْقِسْمِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ طَلَبُ وُقُوعِ السَّقْيِ قَالَ الْفَرَّاءُ الْأَزْلَامُ سِهَامٌ كَانَتْ فِي الْكَعْبَةِ يَقْسِمُونَ بِهَا فِي أُمُورِهِمْ .

     قَوْلُهُ  يُجِيلُ يُدِيرُ ثَبَتَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ وَهُوَ شَرْحٌ لِقَوْلِهِ يُجِيلُ الْقِدْحَ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ أَعْلَمُوا الْقِدْحَ أَعْلَامًا بِضُرُوبٍ يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا بَيَّنَ ذَلِك بن إِسْحَاقَ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  وَفَعَلْتُ مِنْهُ قَسَمْتُ وَالْقُسُومُ الْمَصْدَرُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْله تَعَالَى وَأَن تستقسموا بالأزلام هُوَ اسْتَفْعَلْتُ مِنْ قَسَمْتُ أَمْرِي



[ قــ :4363 ... غــ :4616] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ بن رَاهْوَيْهِ .

     قَوْلُهُ  نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ مَا فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ لَا يَخْتَصُّ بِمَاء الْعِنَب ثمَّ أيد ذَلِك بقول أنس مَا كَانَ لنا خمر غير فضيخكم ثمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي الَّذِينَ صَبَّحُوا الْخَمْرَ ثُمَّ قُتِلُوا بِأُحُدٍ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهَا كَانَت مُبَاحَة قبل التَّحْرِيم ثمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عُمَرَ أَنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ وَذَكَرَ مِنْهَا الْعِنَبَ وَظَاهِرُهُ يُعَارض حَدِيث بن عُمَرَ الْمَذْكُورَ أَوَّلَ الْبَابِ وَسَنَذْكُرُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مَعَ شَرْحِ أَحَادِيثِ الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة اهريقت أنكرهُ بن التِّينِ.

     وَقَالَ  الصَّوَابُ هُرِيقَتْ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَأَثْبَتَ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ مَا أَنْكَرَهُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ صَنَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ طَعَامًا فَدَعَانَا فَشَرِبْنَا الْخَمْرَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ حَتَّى سَكِرْنَا فَتَفَاخَرْنَا إِلَى أَنْ قَالَ فَنزلت إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر إِلَى قَوْله فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ