فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - بَابُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}

( .

     قَوْلُهُ  قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى)

كَذَا لِلْجَمِيعِ بِغَيْرِ لَفْظِ بَابُ وَهُوَ مُقَدَّرٌ وَثَبَتَ لِبَعْضِهِمْ كَالْإِسْمَاعِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ الْآيَةَ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ الْآيَةِ إِلَى قَوْلِهِ تَشْكُرُونَ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنَّ الْمَذْكُورَ مِنَ الْآيَةِ هُنَا إِلَى قَوْله بِمَا عقدتم الْإِيمَان.
وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْآيَةِ فَقَدْ تَرْجَمَ بِهِ فِي أَوَّلِ كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ فَقَالَ لِقَوْلِهِ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عشرَة مَسَاكِين نَعَمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَاقَ الْآيَةَ كُلَّهَا أَوَّلًا ثُمَّ سَاقَ بَعْضَهَا حَيْثُ احْتَاجَ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  بِاللَّغْوِ قَالَ الرَّاغِبُ هُوَ فِي الْأَصْلِ مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْأَيْمَانِ مَا يُورَدُ عَنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ فَيَجْرِي مَجْرَى اللِّغَاءِ وَهُوَ صَوْتُ الْعَصَافِيرِ وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ .

     قَوْلُهُ  عَقَّدْتُمْ قُرِئَ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِهَا وَأَصْلُهُ الْعَقْدُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ أَطْرَافِ الشَّيْءِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْأَجْسَامِ وَيُسْتَعَارُ لِلْمَعَانِي نَحْوَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْمُعَاهَدَةِ قَالَ عَطَاءٌ معنى قَوْله عقدتم الْإِيمَان أَكَّدْتُمْ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ



[ قــ :6275 ... غــ :6621] .

     قَوْلُهُ  عبد الله هُوَ بن الْمُبَارَكِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ عَنْ أَبِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ ذِكْرُ مَنْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا وَقَدْ ذكره التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدِ.

     وَقَالَ  سَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّحِيحُ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ وَوَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ .

     قَوْلُهُ  لَمْ يَكُنْ يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ قَطُّ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ إِلَخْ قِيلَ إِنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ عِنْدَ حَلِفِهِ أَنْ لَا يَصِلَ مِسْطَحًا بِشَيْءٍ فَنَزَلَتْ وَلَا يَأْتَلِ اولو الْفضل مِنْكُم وَالسعَة الْآيَةَ فَعَادَ إِلَى مِسْطَحٍ مَا كَانَ يَنْفَعُهُ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْإِفْكِ فِي تَفْسِيرِ النُّورِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى النَّقْلِ الْمَذْكُورِ مُسْنَدًا ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ نقلا عَن بن جُرَيْجٍ قَالَ حُدِّثْتُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى مِسْطَحٍ لِخَوْضِهِ فِي الْإِفْكِ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ وَافَقَهُ وَكِيعٌ.

     وَقَالَ  بن نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ وَوَافَقَهُ سُفْيَانُ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي بَابُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ مِنْ كِتَابِ كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :676 ... غــ :66] .

     قَوْلُهُ  الْحَسَنُ هُوَ بن أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ يَعْنِي بن حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَقِيلَ بَيْنَ حَبِيبٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ رَبِيعَةُ وَكُنْيَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو سَعِيدٍ وَهُوَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَقِيلَ كَانَ اسْمُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ عَبْدَ كُلَالٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّخْفِيفِ وَقَدْ شَهِدَ فَتُوحَ الْعِرَاقِ وَكَانَ فَتْحُ سِجِسْتَانَ عَلَى يَدَيْهِ أَرْسَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ لِعُثْمَانَ على السّريَّة فَفَتحهَا وَفتح غَيرهَا.

     وَقَالَ  بن سَعْدٍ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا بِسَنَةٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيِ الْوِلَايَةَ وَسَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ .

     قَوْلُهُ  وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ يَأْتِي شَرْحُهُ أَيْضًا فِي بَابُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :677 ... غــ :663] .

     قَوْلُهُ  غَيْلَانُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ هُوَ بن جَرِيرٍ الْأَزْدِيُّ الْكُوفِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَأَبُو بردة هُوَ بن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ أَيْضًا فِي بَابُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الحَدِيث الرَّابِعُ





[ قــ :679 ... غــ :665] .

     قَوْلُهُ  حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ بن رَاهْوَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ .

     قَوْلُهُ  هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

     وَقَالَ  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ لَأَنْ يَلِجَ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِغَيْرِهِ فَقَالَ بِالْفَاءِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَقَولُهُ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجُمُعَةِ لَكِنْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ كَرَّرَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ هَذَا الْقَدْرَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ صَحِيفَةِ هَمَّامٍ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْهُ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ حَدِيثَ نَحْنُ الْآخِرُونَ هُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ فِي النُّسْخَةِ وَكَانَ هَمَّامٌ يَعْطِفُ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الْأَحَادِيثِ بِقَوْلِهِ.

     وَقَالَ  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَكَ فِي ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَسْلَكَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي مَسْلَكُ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ قَوْلِ هَمَّامٍ هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَذَكَرَ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مِنْهَا.

     وَقَالَ  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ وَهُوَ مَسْلَكٌ وَاضِحٌ.
وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَلَمْ يَطَّرِدْ لَهُ فِي ذَلِكَ عَمَلٌ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَةِ فِي الطَّهَارَةِ وَفِي الْبُيُوعِ وَفِي النَّفَقَاتِ وَفِي الشَّهَادَاتِ وَفِي الصُّلْحِ وَقِصَّةِ مُوسَى وَالتَّفْسِيرِ وَخَلْقِ آدَمَ وَالِاسْتِئْذَانِ وَفِي الْجِهَادِ فِي مَوَاضِعَ وَفِي الطِّبِّ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِمَا فَلَمْ يُصَدِّرْ شَيْئًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بقوله نَحن الاخرون السَّابِقُونَ وانما ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ جَوَازَ كُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ شَيْخِ البُخَارِيّ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ فَحَدَّثَ بِهِمَا جَمِيعًا كَمَا سَمِعَهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَحَادِيثَ فِي أَوَائِلِهِمَا ذَكَرَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي سَمِعَهُ.

قُلْتُ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْوُضُوءِ وَفِي أَوَائِلِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ لَأَنْ يَلِجَّ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ اللَّامُ الْمُؤَكِّدَةُ لِلْقَسَمِ وَيَلِجَّ بِكَسْرِ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا بَعْدَهَا جِيمٌ مِنَ اللَّجَاجِ وَهُوَ أَنْ يَتَمَادَى فِي الْأَمْرِ وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ وَأَصْلُ اللَّجَاجِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِصْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ مُطْلَقًا يُقَالُ لَجِجْتُ أَلَجُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ وَيَجُوزُ الْعَكْسُ .

     قَوْلُهُ  أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ سَقَطَ .

     قَوْلُهُ  فِي أَهْلِهِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيِّ عَنْ مَعْمَرٍ عِنْد بن مَاجَهْ .

     قَوْلُهُ  آثَمُ بِالْمَدِّ أَيْ أَشَدُّ إِثْمًا .

     قَوْلُهُ  مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ يَمِينًا تَتَعَلَّقُ بِأَهْلِهِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُونَ بِعَدَمِ حِنْثِهِ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فَيَفْعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ قَالَ لَا أَحْنَثُ بَلْ أَتَوَرَّعُ عَنِ ارْتِكَابِ الْحِنْثِ خَشْيَةَ الْإِثْمِ فَهُوَ مُخْطِئٌ بِهَذَا الْقَوْلِ بَلِ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى عَدَمِ الْحِنْثِ وَإِقَامَةِ الضَّرَرِ لِأَهْلِهِ أَكْثَرُ إِثْمًا مِنَ الْحِنْثِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَنْزِيلِهِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْحِنْثُ لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  آثَمُ بِصِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فَهُوَ لِقَصْدِ مُقَابَلَةِ اللَّفْظِ عَلَى زَعْمِ الْحَالِفِ أَوْ تَوَهُّمِهِ فَإِنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنَّ عَلَيْهِ إِثْمًا فِي الْحِنْثِ مَعَ أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ الْإِثْمُ فِي اللَّجَاجِ أَكْثَرُ مِنَ الْإِثْمِ فِي الْحِنْثِ.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ الْمُرَادُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِأَهْلِهِ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ كَانَ أَدْخَلَ فِي الْوِزْرِ وَأَفْضَى إِلَى الْإِثْمِ مِنَ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللَّهَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ وَآثَمُ اسْمُ تَفْضِيلٍ وَأَصْلُهُ أَنْ يُطْلَقَ لِلَّاجِ فِي الْإِثْمِ فَأُطْلِقَ لِمَنْ يَلِجُّ فِي مُوجِبِ الْإِثْمِ اتِّسَاعًا قَالَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّجُ مِنَ الْحِنْثِ خَشْيَةَ الْإِثْمِ وَيَرَى ذَلِكَ فَاللَّجَاجُ أَيْضًا إِثْمٌ عَلَى زَعْمِهِ وَحُسْبَانِهِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَخْرُجَ أَفْعَلُ عَنْ بَابِهَا كَقَوْلِهِمُ الصَّيْفُ أَحَرُّ مِنَ الشِّتَاءِ وَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِثْمَ فِي اللَّجَاجِ فِي بَابِهِ أَبْلَغُ مِنْ ثَوَابِ إِعْطَاءِ الْكَفَّارَةِ فِي بَابِهِ قَالَ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ أَهْلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِلْمُبَالَغَةِ وَهِيَ مَزِيدُ الشَّفَاعَةِ لِاسْتِهْجَانِ اللَّجَاجِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَهْلِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي غَيْرِهِمْ مُسْتَهْجَنًا فَفِي حَقِّهِمْ أَشَدَّ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحَانِثِ فَرْضٌ قَالَ وَمَعْنَى يَلِجُّ أَنْ يُقِيمَ عَلَى تَرْكِ الْكَفَّارَةِ كَذَا قَالَ وَالصَّوَابُ عَلَى تَرْكِ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَقَعُ التَّمَادِي عَلَى حُكْمِ الْيَمِينِ وَبِهِ يَقَعُ الضَّرَرُ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ





[ قــ :680 ... غــ :666] .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ جَزَمَ أَبُو عَليّ الغساني بِأَنَّهُ بن مَنْصُور وصنيع أبي نعيم فِي الْمُسْتَخْرج يَقْتَضِي أَنَّهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ وَيَحْيَى بْنُ صَالِحٍ هُوَ الْوُحَاظِيُّ بِتَخْفِيفِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الْأَلِفِ ظَاءٌ مُشَالَةٌ مُعْجَمَةٌ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ بِلَا وَاسِطَةٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وبواسطة فِي الْحَج وَشَيْخه مُعَاوِيَة هُوَ بن سَلام بتَشْديد اللَّام وَيحيى هُوَ بن أبي كثير وَعِكْرِمَة هُوَ مولى بن عَبَّاسٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا أَسْنَدَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ وَخَالَفَهُ مَعْمَرٌ فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَأَرْسَلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ لَكِنَّهُ سَاقَهُ بِلَفْظِ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ مَعْمَرٍ وَإِذَا كَانَ لَمْ يَضْبِطِ الْمَتْنَ فَلَا يُتَعَجَّبُ مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يَضْبِطِ الْإِسْنَادَ .

     قَوْلُهُ  من استلج استفعل من اللجاج وَذكر بن الْأَثِيرِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ اسْتَلْجَجَ بِإِظْهَارِ الْإِدْغَامِ وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ .

     قَوْلُهُ  فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا لِيَبَرَّ يَعْنِي الْكَفَّارَةَ وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة بن السَّكَنِ وَكَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِلَامٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ رَاءٌ مُشَدَّدَةٌ وَاللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ بِلَفْظِ أَمْرِ الْغَائِبِ مِنَ الْبِرِّ أَوِ الْإِبْرَارِ وَيَعْنِي بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ تَفْسِيرُ الْبِرِّ وَالتَّقْدِيرُ لِيَتْرُكَ اللَّجَاجَ وَيَبَرَّ ثُمَّ فَسَّرَ الْبِرَّ بِالْكَفَّارَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَتْرُكُ اللَّجَاجَ فِيمَا حَلَفَ وَيَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَيَحْصُلُ لَهُ الْبِرُّ بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ عَنِ الْيَمِينِ الَّذِي حَلَفَهُ إِذَا حَنِثَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي أَهْلِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ تَصْوِيرِهِ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنْ يَضُرَّ أَهْلَهُ مَثَلًا فَيَلِجُّ فِي ذَلِكَ الْيَمِينِ وَيَقْصِدُ إِيقَاعَ الْإِضْرَارِ بِهِمْ لِتَنْحَلَّ يَمِينُهُ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ دَعِ اللَّجَاجَ فِي ذَلِكَ وَاحْنَثْ فِي هَذَا الْيَمِينِ وَاتْرُكْ إِضْرَارَهُمْ وَيَحْصُلُ لَكَ الْبِرُّ فَإِنَّكَ إِنْ أَصْرَرْتَ عَلَى الْإِضْرَارِ بِهِمْ كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنْ حِنْثِكَ فِي الْيَمِينِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَة فتح اللَّامِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَتُغْنِي بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَالْكَفَّارَةُ بِالرَّفْعِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تُغْنِي عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ الْمُرَادِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَوْضَحُ وَمِنْهُمْ مَنْ وَجَّهَ الثَّانِيَةَ بِأَنَّ الْمُفَضَّلَ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ الِاسْتِيلَاجَ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنَ الْحِنْثِ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِثْمَ لَا تُغْنِي عَنْهُ كَفَّارَةٌ.

     وَقَالَ  بن الْأَثِير فِي النِّهَايَة وَفِيه إِذا استيلج أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّهُ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ اسْتَفْعَلَ مِنَ اللَّجَاجِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَيَرَى أَنَّ غَيْرَهُ خَيْرٌ مِنْهُ فَيُقِيمُ عَلَى يَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ فَيُكَفِّرُ فَذَلِكَ آثَمُ لَهُ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِيهَا مُصِيبٌ فَيَلِجُّ وَلَا يُكَفِّرُهَا انْتَهَى وَانْتُزِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَقَدْ قُيِّدَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحِ بِالْأَهْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى وَهُوَ مُنْتَزَعٌ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضُبِطَ فِي بَعْضِ الْأُمَّهَاتِ تُغْنِي بِالتَّاءِ الْمَضْمُومَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَفِي الْأَصْلِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِ بِالتَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَعَلَيْهِ عَلَامَةُ الْأَصِيلِيِّ وَفِيهِ بُعْدٌ وَوَجَدْنَاهُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ من تَحت وَهُوَ أقرب وَعند بن السَّكَنِ يَعْنِي لَيْسَ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ عِنْدِي أَشْبَهُهَا إِذَا كَانَتْ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً بِمَعْنَى إِلَّا أَيْ إِذَا لَجَّ فِي يَمِينِهِ كَانَ أَعْظَمَ إِثْمًا إِلَّا أَنْ يُكَفِّرَ.

قُلْتُ وَهَذَا أَحْسَنُ لَوْ سَاعَدَتْهُ الرِّوَايَةُ إِنَّمَا الَّذِي فِي النُّسَخِ كُلِّهَا بِتَقْدِيمِ لَيْسَ عَلَى يَعْنِي وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ بِحَذْفِ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَآخِرُ الحَدِيث عِنْده فَهُوَ أعظم اثما.

     وَقَالَ  بن حَزْمٍ لَا جَائِزَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِهَا لَا يُسَمَّى مُسْتَلِجًّا فِي أَهْلِهِ بَلْ صُورَتُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ يُحْسِنَ إِلَى أَهْلِهِ وَلَا يَضُرَّهُمْ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَحْنَثَ وَيَلِجَّ فِي ذَلِكَ فَيَضُرَّهُمْ وَلَا يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ فَهَذَا مُسْتَلِجٌّ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثِمٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا تُغْنِي الْكَفَّارَةُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَحُطُّ عَنْهُ إِثْمَ إِسَاءَتِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَهَا.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ .

     قَوْلُهُ  لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ إِثْمَهُ فِي قَصْدِهِ أَنْ لَا يَبَرَّ وَلَا يَفْعَلَ الْخَيْرَ فَلَوْ كَفَّرَ لَمْ تَرْفَعِ الْكَفَّارَةُ سَبْقَ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَبَعْضُهُمْ ضَبَطَهُ بِفَتْحِ نُونِ يُغْنِي وَهُوَ بِمَعْنَى يَتْرُكُ أَيْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ .

     قَوْلُهُ  لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ بِالْمُعْجَمَةِ يَعْنِي مَعَ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الْأَيْمَانِ قَالَ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ كَذَا قَالَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ يَعْنِي الْقَابِسِيَّ لَيْسَ يَعْنِي الْكَفَّارَةَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِتَأْوِيلِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ يَسْتَدِيمُ عَلَى لَجَاجِهِ وَيَمْتَنِعُ مِنَ الْكَفَّارَةِ إِذَا كَانَتْ خَيْرًا مِنَ التَّمَادِي وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ مِنَ التَّمَادِي إِذَا كَانَ فِي الْحِنْثِ مَصْلَحَةٌ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ حَرَامٍ فَيَمِينُهُ طَاعَةٌ وَالتَّمَادِي وَاجِبٌ وَالْحِنْثُ مَعْصِيَةٌ وَعَكْسُهُ بِالْعَكْسِ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْلٍ فَيَمِينُهُ أَيْضًا طَاعَةٌ وَالتَّمَادِي مُسْتَحَبٌّ وَالْحِنْثُ مَكْرُوهٌ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكَ مَنْدُوبٍ فَبِعَكْسِ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ فَإِنْ كَانَ يَتَجَاذَبُهُ رُجْحَانُ الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا وَلَا يَلْبَسُ نَاعِمًا فَفِيهِ عِنْد الشَّافِعِيَّة خلاف.

     وَقَالَ  بن الضباغ وَصَوَّبَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ إِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّمَادِيَ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ ذِكْرَ الْأَهْلِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَهْلِ إِذَا وُجِدَتِ الْعِلَّةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَعُرِفَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فَمُطَابَقَتُهُ بَعْدَ تَمْهِيدِ تَقْسِيمِ أَحْوَالِ الْحَالِفِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْيَمِينَ كَأَنْ لَا يَقْصِدَهَا أَوْ يَقْصِدَهَا لَكِنْ يَنْسَى أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا إِثْمَ وَإِنْ قَصَدَهَا وَانْعَقَدَتْ ثُمَّ رَأَى أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الْيَمِينِ فَلْيَحْنَثْ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ تَخَيَّلَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ عَنْهُ إِثْمَ الْحِنْثِ فَهُوَ تَخَيُّلٌ مَرْدُودٌ سَلَّمْنَا لَكِنَّ الْحِنْثَ أَكْثَرُ إِثْمًا مِنَ اللَّجَاجِ فِي تَرْكِ فِعْلِ ذَلِكَ الْخَيْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ الْتِفَاتٌ إِلَى الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتِ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تبروا وَالْمُرَادُ لَا تَجْعَلِ الْيَمِينَ الَّذِي حَلَفْتَ أَنْ لَا تَفْعَلَ خَيْرًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ أَوْ تَرْكٍ سَبَبًا يُعْتَذَرُ بِهِ عَنِ الرُّجُوعِ عَمَّا حَلَفْتَ عَلَيْهِ خَشْيَةً مِنَ الْإِثْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِثْمًا حَقِيقَةً لَكَانَ عَمَلُ ذَلِكَ الْخَيْرِ رَافِعًا لَهُ بِالْكَفَّارَةِ الْمَشْرُوعَةِ ثُمَّ يَبْقَى ثَوَابُ الْبِرِّ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ الَّذِي قَبْلَهُ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ لِوُرُودِ الْأَمْرِ فِيهِ بِفعل الْخَيْر وَكَذَا الْكَفَّارَة