فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس

( قَولُهُ بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ)
أَيِ الْفَتْوَى بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ النَّظَرُ وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى مَا يُوَافِقُ النَّصَّ وَعَلَى مَا يُخَالِفُهُ وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ مَا يُوجَدُ النَّصُّ بِخِلَافِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْفَتْوَى بِالرَّأْيِ لَا تُذَمُّ وَهُوَ إِذَا لَمْ يُوجَدِ النَّصُّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ وَقَولُهُ وَتَكَلُّفُ الْقِيَاسِ أَيْ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ وَاحْتَاجَ إِلَى الْقِيَاسِ فَلَا يَتَكَلَّفْهُ بَلْ يَسْتَعْمِلْهُ عَلَى أَوْضَاعِهِ وَلَا يَتَعَسَّفْ فِي إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ بَلْ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ وَاضِحَةً فَلْيَتَمَسَّكْ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَيَدْخُلُ فِي تَكَلُّفِ الْقِيَاسِ مَا إِذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى أَوْضَاعِهِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَمَا إِذَا وَجَدَ النَّصَّ فَخَالَفَهُ وَتَأَوَّلَ لِمُخَالَفَتِهِ شَيْئًا بَعِيدًا وَيَشْتَدُّ الذَّمُّ فِيهِ لِمَنْ يَنْتَصِرُ لِمَنْ يُقَلِّدُهُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَوَّلُ اطَّلَعَ عَلَى النَّصِّ .

     قَوْلُهُ  وَلَا تقف لَا تَقُلْ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ احْتَجَّ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ ذَمِّ التَّكَلُّفِ بِالْآيَةِ وَتَفْسِير القفو بالْقَوْل من كَلَام بن عَبَّاس فِيمَا أخرجه الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ قَتَادَة لَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم لَا تَقُلْ رَأَيْتُ وَلَمْ تَرَ وَسَمِعْتُ وَلَمْ تَسْمَعْ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ الِاتِّبَاعُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مُوسَى وَالْخَضِرِ فَانْطَلَقَ يَقْفُو أَثَرَهُ أَيْ يَتْبَعُهُ وَفِي حَدِيثِ الصَّيْدِ يَقْتَفِي أَثَرَهُ أَيْ يَتْبَعُ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْنَاهُ لَا تَتَّبِعْ مَا لَا تعلم ومالا يَعْنِيكَ.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ الِاقْتِفَاءُ اتِّبَاعُ الْقَفَا كَمَا أَنَّ الِارْتِدَافَ اتِّبَاعُ الرِّدْفِ وَيُكْنَى بِذَلِكَ عَنْ الِاغْتِيَابِ وَتَتَبُّعُ الْمَعَايِبِ وَمَعْنَى وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم لَا تَحْكُمْ بِالْقِيَافَةِ وَالظَّنِّ وَالْقِيَافَةُ مَقْلُوبٌ عَنْ الِاقْتِفَاءِ نَحْوُ جَذَبَ وَجَبَذَ وَسَبَقَهُ إِلَى نَحْوِ هَذَا الْأَخِيرِ الْفَرَّاءُ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّ الْمُرَادَ شَهَادَةُ الزُّورِ أَوِ الْقَوْلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوِ الرَّمْيُ بِالْبَاطِلِ هَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ ثُمَّ قَالَ أَصْلُ الْقَفْوِ الْعَيْبُ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ رَفَعَهُ لَا نَقْفُوا مِنَّا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَلَا أَقْفُو الْحَوَاضِنَ إِنْ قَفَيْنَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ أَصْلَهُ الْقِيَافَةُ وَهِيَ اتِّبَاعُ الْأَثَرِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ لَكِنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى الْقَلْبِ قَالَ وَالْأَوْلَى بِالصَّوَابِ الْأَوَّلُ انْتَهَى وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا نُقِلَتْ فِي الشواذ عَن معَاذ القارىء وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يُقَدِّمُ الْقِيَاسَ عَلَى الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول قَالَ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اتَّبِعُوا فِي ذَلِكَ مَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَأَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ هُنَا حَدِيث بن مَسْعُودٍ لَيْسَ عَامٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ لَا أَقُولُ عَامٌ أَخْصَبُ مِنْ عَامٍ وَلَا أَمِيرٌ خَيْرٌ مِنْ أَمِيرٍ وَلَكِنْ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ يَحْدُثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِآرَائِهِمْ فَيُهْدَمُ الْإِسْلَامُ



[ قــ :6916 ... غــ :7307] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ لَامٍ وَزْنُ عَظِيمٍ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ عِيسَى بْنِ تَلِيدٍ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ يُكْنَى أَبَا عِيسَى بْنَ عُنَيٍّ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونٍ مُصَغَّرٌ وَهُوَ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ الثِّقَاتِ الْفُقَهَاءِ وَكَانَ يَكْتُبُ لِلْحُكَّامِ .

     قَوْلُهُ  عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ هُوَ أَبُو شُرَيْحٍ الْإِسْكَنْدَرَانِيِّ بِمُعْجَمَةٍ أَوَّلُهُ وَمُهْمَلَةٍ آخِرُهُ وَهُوَ مِمَّنْ وَافَقَتْ كُنْيَتُهُ اسْمَ أَبِيه قَوْله وَغَيره هُوَ بن لَهِيعَةَ أَبْهَمَهُ الْبُخَارِيُّ لِضَعْفِهِ وَجَعَلَ الِاعْتِمَادَ عَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَكِنْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي الْقِيَاسِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ وبن لَهِيعَة جَمِيعًا لكنه قدم لفظ بن لَهِيعَةَ وَهُوَ مِثْلُ اللَّفْظِ الَّذِي هُنَا ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ رِوَايَةَ أَبِي شُرَيْحٍ فَقَالَ بِذَلِكَ قلت وَكَذَلِكَ أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَابِ الْعِلْمِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُون عَن بن وهب عَن بن لَهِيعَة فساقه ثمَّ قَالَ بن وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرو بذلك قَالَ بن طَاهِرٍ مَا كُنَّا نَدْرِي هَلْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ بِذَلِكَ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى أَوِ الْمَعْنَى فَقَطْ حَتَّى وَجَدْنَا مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى عَن بن وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ وَحْدَهُ فَسَاقَهُ بِلَفْظٍ مُغَايِرٍ لِلَّفْظِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ فَعُرِفَ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي حَذَفَهُ الْبُخَارِيُّ هُوَ لَفْظُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ الَّذِي أَبْرَزَهُ هُنَا وَالَّذِي أَوْرَدَهُ هُوَ لَفْظُ الْغَيْرِ الَّذِي أَبْهَمَهُ انْتَهَى وَسَأَذْكُرُ تَفَاوُتَهُمَا وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى كَبِيرُ أَمْرٍ وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ مُسلما حذف ذكر بن لَهِيعَةَ عَمْدًا لِضَعْفِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ حَتَّى وَجَدْتُ الْإِسْمَاعِيلِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق حَرْمَلَة بِغَيْر ذكر بن لَهِيعَة فَعرفت ان بن وَهْبٍ هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْمَعُهُمَا تَارَةً وَيُفْرِدُ بن شُرَيْح تَارَة وَعند بن وَهْبٍ فِيهِ شَيْخَانِ آخَرَانِ بِسَنَدٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَيَانِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ سَحْنُون حَدثنَا بن وَهْبٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِاللَّفْظِ الْمَشْهُورِ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي بَابِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ نَفْسًا وَأَقُولُ هُنَا إِنَّ أَبَا الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْهُ عَنِ الْحَافِظِ هِشَامٍ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ فَزَادُوا عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ نَفْسٍ وَسَبْعِينَ نَفْسًا مِنْهُمْ مِنَ الْكِبَارِ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وبن جُرَيْجٍ وَمِسْعَرٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عرُوبَة والحمادان وَمعمر بل أكبر مِنْهُم مثل يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَالْأَعْمَشُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ وَأَيُّوبُ وَبُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ وَصَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَعُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ وَهَؤُلَاءِ الْعَشَرَةُ كُلُّهُمْ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِ وَوَافَقَ هِشَامًا عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ عُرْوَةَ أَبُو الْأَسْوَدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّوْفَلِيُّ الْمَعْرُوفُ بِيَتِيمِ عُرْوَةَ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ بن لَهِيعَةَ وَأَبُو شُرَيْحٍ وَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ أَيْضًا وَلَدَاهُ يَحْيَى وَعُثْمَانُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ وَالزُّهْرِيُّ وَوَافَقَ عُرْوَةَ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ لَكِنْ قَالَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَكَأَنَّهُ سَاقَهُ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ هِشَامٍ وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَةِ بَعْضِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِسَنَدِهِ إِلَى بن شُرَيْحٍ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ حَدَّثَهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُرْوَة زَاد حَرْمَلَة فِي رِوَايَته بن الزُّبَيْرِ .

     قَوْلُهُ  حَجَّ عَلَيْنَا أَيْ مَرَّ عَلَيْنَا حَاجًّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ مُسلم قَالَت لي عَائِشَة يَا بن أُخْتِي بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو مَارًّا بِنَا إِلَى الْحَجِّ فَالْقَهُ فَسَائِلْهُ فَإِنَّهُ قَدْ حَمَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْمًا كَثِيرًا قَالَ فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَشْيَاءَ يَذْكُرُهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَالْكُشْمِيهَنِيِّ أَعْطَاهُمُوهُ بِالْهَاءِ ضَمِيرُ الْغَيْبَةِ بَدَلَ الْكَافِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعًا وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ الْمَاضِيَةِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ مِنْ قُلُوبِ الْعِبَادِ أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ الْوَارِدُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى مَنْ يَعُودُ الضَّمِيرُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهُ وَأَظُنُّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو إِنَّمَا حَدَّثَ بِهَذَا جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ مَنْ سَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو أُمَامَةَ قَالَ لَمَّا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَلٍ آدَمَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَقَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الأَرْض الحَدِيث وَفِي آخِره الاان ذَهَابَ الْعِلْمِ ذَهَابُ حَمَلَتُهُ ثَلَاثً مَرَّاتٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارِمِيُّ فَبَيَّنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِي قَبْضِ الْعِلْمِ وَرَفْعِ الْعِلْمِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبُغَ وَمِنْ طَرِيقه بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عُمَرَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ يُقْبَضُ الْعِلْمُ فَقَالَ إِنَّ قَبْضَ الْعِلْمِ لَيْسَ شَيْئًا يُنْزَعُ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ وَلكنه فِنَاءُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ كَذَا فِيهِ وَالتَّقْدِيرُ يَنْتَزِعُهُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ مَعَ عِلْمِهِمْ فَفِيهِ بَعْضُ قَلْبٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَلَكِنَّ ذَهَابَهُمْ قَبْضُ الْعِلْمِ وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ .

     قَوْلُهُ  فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِ يَبْقَى وَفِي رِوَايَة حَرْمَلَة وَيبقى فِي النَّاس رؤسا جُهَّالًا وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِ يَبْقَى وَتَقَدَّمَ فِي كتاب الْعلم ضبط رؤسا هَلْ هُوَ بِصِيغَةِ جَمْعِ رَأْسٍ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ أَوْ رَئِيسٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَلِغَيْرِهِ لَمْ يُبْقِ عَالما اتخذ النَّاس رؤسا جُهَّالًا وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَهِيَ تُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامٍ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَيَصِيرُ لِلنَّاسِ رُؤُوس جُهَّالٌ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عِنْده بعد ان يعطيهم إِيَّاه وَلَكِن يَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ كُلَّمَا ذَهَبَ عَالِمٌ ذَهَبَ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْعِلْمِ حَتَّى يَبْقَى مَنْ لَا يَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيَضِلُّونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَيُضِلُّونَ بِضَمِّهِ وَفِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ يُفْتُونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ يَسْتَفْتُونَهُمْ فَيُفْتُونَهُمْ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ وَخَالَفَ الْجَمِيعَ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهُوَ صَدُوقٌ ضُعِّفَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ فَرَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُعْتَدِلًا حَتَّى نَشَأَ فِيهِمْ أَبْنَاءُ سَبَايَا الْأُمَمِ فَأَفْتَوْا بِالرَّأْيِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ.

     وَقَالَ  تَفَرَّدَ بِهِ قَيْسٌ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ هِشَامٍ فَأَرْسَلَهُ.

قُلْتُ وَالْمُرْسَلُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي النَّوَادِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ من طَرِيقه عَن بن عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ كَرِوَايَةِ قَيْسٍ سَوَاءً .

     قَوْلُهُ  فَحَدَّثْتُ بِهِ عَائِشَةَ زَادَ حَرْمَلَةُ فِي رِوَايَتِهِ فَلَمَّا حَدَّثْتُ عَائِشَةَ بِذَلِكَ أَعْظَمَتْ ذَلِكَ وَأَنْكَرَتْهُ .

     وَقَالَتْ  أَحَدَّثَكَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو حَجَّ بَعْدُ فَقَالَتْ يَا بن أُخْتِي انْطَلِقْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَاسْتَثْبِتْ لِي مِنْهُ الَّذِي حَدَّثْتَنِي عَنْهُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ أَنَّهُ حَجَّ مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ وَلَفْظُهُ قَالَ عُرْوَةُ حَتَّى إِذَا كَانَ قَابِلُ قَالَتْ لَهُ ان بن عَمْرٍو قَدْ قَدِمَ فَالْقَهُ ثُمَّ فَاتِحْهُ حَتَّى تَسْأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَكَ فِي الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  فَجِئْتُهُ فَسَأَلْتُهُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ فَلَقِيتُهُ .

     قَوْلُهُ  فَحَدَّثَنِي بِهِ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ فَذَكَرَهُ لِي .

     قَوْلُهُ  كَنَحْوِ مَا حَدَّثَنِي فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ بِنَحْوِ مَا حَدَّثَنِي بِهِ فِي مَرَّتِهِ الْأُولَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ الْمَوْصُولَةِ قَالَ عُرْوَةُ ثُمَّ لَبِثْتُ سَنَةً ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فِي الطَّوَافِ فَسَأَلْتُهُ فَأَخْبَرَنِي بِهِ فَأَفَادَ أَنَّ لِقَاءَهُ إِيَّاهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَانَ بِمَكَّةَ وَكَأَنَّ عُرْوَةَ كَانَ حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَحَجَّ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ مِصْرَ فَبَلَغَ عَائِشَةَ وَيَكُونُ قَوْلُهَا قَدْ قَدِمَ أَيْ مِنْ مِصْرَ طَالِبًا لِمَكَّةَ لَا أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِذْ لَوْ دَخَلَهَا لَلَقِيَهُ عُرْوَةُ بِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ حَجَّتْ تِلْكَ السَّنَةَ وَحَجَّ مَعَهَا عُرْوَةُ فَقَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدُ فَلَقِيَهُ عُرْوَةُ بِأَمْرِ عَائِشَةَ .

     قَوْلُهُ  فَعَجِبَتْ فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَقَدْ حَفِظَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ فَلَمَّا أَخْبَرْتُهَا بِذَلِكَ قَالَتْ مَا أَحْسَبُهُ إِلَّا صَدَقَ أَرَاهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا وَلَمْ يَنْقُصْ.

قُلْتُ وَرِوَايَةُ الْأَصْلِ تَحْتَمِلُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَ عِنْدَهَا عِلْمٌ مِنَ الْحَدِيثِ وَظَنَّتْ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ أَوْ نَقَصَ فَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ ثَانِيًا كَمَا حَدَّثَ بِهِ أَوَّلًا تَذَكَّرَتْ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ مَا كَانَتْ سَمِعَتْ وَلَكِنَّ رِوَايَةَ حَرْمَلَةَ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا أَنَّهَا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ وَأَعْظَمَتْهُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مِنَ الْحَدِيثِ عِلْمٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَسْتَدِلَّ عَلَى أَنَّهُ حَفِظَهُ إِلَّا لكَونه حَدَّثَ بِهِ بَعْدَ سَنَةٍ كَمَا حَدَّثَ بِهِ أَوَّلًا لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ قَالَ عِيَاضٌ لَمْ تَتَّهِمْ عَائِشَةُ عَبْدَ اللَّهِ وَلَكِنْ لَعَلَّهَا نَسَبَتْ إِلَيْهِ أَنَّهُ مِمَّا قَرَأَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ طَالَعَ كَثِيرًا مِنْهَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَتْ أَحَدَّثَكَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا انْتَهَى وَعَلَى هَذَا فَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ لَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَهِيَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ رَوَى الزُّهْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا رِوَايَةُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يُونُسَ وَشَبِيبٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ وَقَدْ شَذَّ بِذَلِكَ وَلَمَّا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَرْدَفَهُ بِرِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَرْفَعُ اللَّهُ الْعِلْمَ بِقَبْضِهِ وَلَكِنْ يقبض الْعلمَاء الحَدِيث.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَيَانِ الْعِلْمِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ.

قُلْتُ وَرِوَايَةُ يَحْيَى أَخْرَجَهَا الطَّيَالِسِيُّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْهُ وَوَجَدْتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ سَنَدًا آخَرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّقِّيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ مِثْلَ رِوَايَةِ هِشَامٍ سَوَاءً لَكِنْ زَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل والْعَلَاء بن سُلَيْمَان ضعفه بن عَدِيٍّ وَأَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ الَّتِي مَضَتْ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ يَقْبِضُ اللَّهُ الْعُلَمَاءَ وَيَقْبِضُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ فَتَنْشَأُ أَحْدَاثٌ يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ نَزْوَ الْعِيرِ عَلَى الْعِيرِ وَيَكُونُ الشَّيْخُ فِيهِمْ مُسْتَضْعَفًا وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَوْلَهُ رَفْعُ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَبْضُ الْعِلْمِ قَبْضُ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا ذَهَابُ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ وَأَفَادَ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ أَوَّلًا وَقْتَ تَحْدِيثِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مِنَ الْفَائِدَةِ الزَّائِدَةِ أَنَّ بَقَاءَ الْكُتُبِ بَعْدَ رَفْعِ الْعِلْمِ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ لَا يُغْنِي مَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ شَيْئًا فَإِنَّ فِي بَقِيَّتِهِ فَسَأَلَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ مِنَّا وَبَيْنَ أَظْهُرِنَا الْمَصَاحِفُ وَقَدْ تَعَلَّمْنَا مَا فِيهَا وَعَلَّمْنَاهَا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا وَخَدَمَنَا فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَقَالَ وَهَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمَصَاحِفُ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْهَا بِحَرْفٍ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ وَلِهَذِهِ الزِّيَادَةِ شَوَاهِدُ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالك وبن عَمْرٍو وَصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ وَغَيْرِهِمْ وَهِيَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالدَّارِمِيِّ وَالْبَزَّارِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفِي جَمِيعِهَا هَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ فَسَّرَ عُمَرُ قَبْضَ الْعِلْمِ بِمَا وَقَعَ تَفْسِيرُهُ بِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَيُرْفَعُ الْعِلْمُ فَسَمِعَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَمَا إنَّهُ لَيْسَ يُنْزَعُ مِنْ صُدُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ بِذَهَابِ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عُمَرَ مَرْفُوعًا فَيَكُونُ شَاهِدًا قَوِيًّا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضٍ منْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَفْعِ الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ وَفِي تَرْئِيسِ أَهْلِ الْجَهْلِ وَمِنْ لَازِمِهِ الْحُكْمُ بِالْجَهْلِ وَإِذَا انْتَفَى الْعِلْمُ وَمَنْ يَحْكُمُ بِهِ اسْتَلْزَمَ انْتِفَاءَ الِاجْتِهَادِ وَالْمُجْتَهِدِ وَعُورِضَ هَذَا بِحَدِيثِ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَفِي لَفْظٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَمَضَى فِي الْعِلْمِ كَالْأَوَّلِ بِغَيْرِ شَكٍّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَلَمْ يَشُكَّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْخُلُوِّ لَا فِي نَفْيِ الْجَوَازِ وَثَانِيًا بِأَنَّ الدَّلِيلَ لِلْأَوَّلِ أَظْهَرُ لِلتَّصْرِيحِ بِقَبْضِ الْعِلْمِ تَارَةً وَبِرَفْعِهِ أُخْرَى بِخِلَافِ الثَّانِي وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّعَارُضِ فَيَبْقَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَانِعِ قَالُوا الِاجْتِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْبَاطِلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَقَاءَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ مَشْرُوطٌ بِبَقَاءِ الْعُلَمَاءِ فَأَمَّا إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى انْقِرَاضِ الْعُلَمَاءِ فَلَا لِأَنَّ بِفَقْدِهِمْ تَنْتَفِي الْقُدْرَةُ وَالتَّمَكُّنُ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَإِذَا انْتَفَى أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا لَمْ يَقَعِ التَّكْلِيفُ بِهِ هَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ تَغَيُّرُ الزَّمَانِ حَتَّى تُعْبَدَ الْأَوْثَانُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ مَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَحَلَّ وُجُودِ ذَلِكَ عِنْدَ فَقْدِ الْمُسْلِمِينَ بِهُبُوبِ الرِّيحِ الَّتِي تَهُبُّ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا قَبَضَتْهُ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَمَا بَيَّنْتُهُ هُنَاكَ فَلَا يَرِدُ اتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَرْكِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَالْعَمَلِ بِالْجَهْلِ لِعَدَمِ وُجُودِهِمْ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ بِلَفْظِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى إِشْرَافِهَا بِوُجُودِ آخِرِ أَشْرَاطِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا بِأَدِلَّتِهِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ حُذَيْفَةَ رَفَعَهُ يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَجَوَّزَ الطَّبَرِيُّ أَنْ يُضْمَرَ فِي كُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَحَلُّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ تِلْكَ الطَّائِفَةُ فَالْمَوْصُوفُونَ بِشِرَارِ النَّاسِ الَّذِينَ يَبْقَوْنَ بَعْدَ أَنْ تَقْبِضَ الرِّيحُ مَنْ تَقْبِضُهُ يَكُونُونَ مَثَلًا بِبَعْضِ الْبِلَادِ كَالْمَشْرِقِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْفِتَنِ وَالْمَوْصُوفُونَ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ يَكُونُونَ مَثَلًا بِبَعْضِ الْبِلَادِ كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ إِنَّهُمْ بِالشَّامِ وَفِي لَفْظٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا قَالَهُ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا يَرُدُّهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيُمْكِنُ أَنْ تَنْزِلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْوَاقِعِ فَيَكُونُ أَوَّلًا رَفْعُ الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ ثُمَّ الْمُقَيَّدَ ثَانِيًا فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مُجْتَهِدٌ اسْتَوَوْا فِي التَّقْلِيدِ لَكِنْ رُبَّمَا كَانَ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ أَقْرَبَ إِلَى بُلُوغِ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُقَيَّدِ مِنْ بَعْضٍ وَلَا سِيَّمَا إِنْ فَرَّعْنَا على جَوَاز تجزيء الِاجْتِهَادِ وَلَكِنْ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ يُقَدِّمُ أَهْلُ الْجَهْلِ أمثالهم واليه الْإِشَارَة بقوله اتخذ النَّاس رؤسا جُهَّالًا وَهَذَا لَا يَنْفِي تَرْئِيسَ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْجَهْلِ التَّامِّ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ تَرْئِيسُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْجَهْلِ فِي الْجُمْلَةِ فِي زمن أهل الِاجْتِهَاد وَقد أخرج بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ خَلَّادَ بْنَ سَلْمَانَ الْحَضْرَمِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنَا دَرَّاجُ أَبُو السَّمْحِ يَقُولُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسَمِّنُ الرَّجُلُ رَاحِلَتَهُ حَتَّى يَسِيرَ عَلَيْهَا فِي الْأَمْصَارِ يَلْتَمِسَ مَنْ يُفْتِيهِ بِسُنَّةٍ قَدْ عَمِلَ بِهَا فَلَا يَجِدَ إِلَّا مَنْ يُفْتِيهِ بِالظَّنِّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَغْلَبُ الْأَكْثَرُ فِي الْحَالَيْنِ وَقَدْ وُجِدَ هَذَا مُشَاهَدًا ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَضَ أَهْلُ تِلْكَ الصِّفَةِ وَلَا يَبْقَى إِلَّا الْمُقَلِّدُ الصِّرْفُ وَحِينَئِذٍ يُتَصَوَّرُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ حَتَّى فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ بَلْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَلَكِنْ يَبْقَى مَنْ لَهُ نِسْبَةٌ إِلَى الْعِلْمِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ يَزْدَادُ حِينَئِذٍ غَلَبَةُ الْجَهْلِ وَتَرْئِيسُ أَهْلِهِ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَضَ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ وَذَلِكَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحِينَئِذٍ يُتَصَوَّرُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ أَصْلًا ثُمَّ تَهُبُّ الرِّيحُ فَتَقْبِضُ كُلَّ مُؤْمِنٍ وَهُنَاكَ يَتَحَقَّقُ خُلُوُّ الْأَرْضِ عَنْ مُسْلِمٍ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ فَضْلًا عَنْ مُجْتَهِدٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْفِتَنِ كَثِيرٌ مِنَ الْمَبَاحِثِ وَالنُّقُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِقَبْضِ الْعِلْمِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَفِي الْحَدِيثِ الزَّجْرُ عَنْ تَرْئِيسِ الْجَاهِلِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ لَا يُجِيزُ تَوْلِيَةَ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ وَلَوْ كَانَ عَاقِلًا عَفِيفًا لَكِنْ إِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْعَالَمِ الْفَاسِقِ وَالْجَاهِلِ الْعَفِيفِ فَالْجَاهِلُ الْعَفِيفُ أَوْلَى لِأَنَّ وَرَعَهُ يَمْنَعُهُ عَنِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا حَضُّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَطَلَبَتِهِ عَلَى أَخْذِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَفِيهِ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِالْحِفْظِ وَالْفَضْلِ وَفِيهِ حَضُّ الْعَالِمِ طَالِبِهِ عَلَى الْأَخْذِ عَنْ غَيْرِهِ لِيَسْتَفِيدَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَفِيهِ التَّثَبُّتُ فِيمَا يُحَدِّثُ بِهِ الْمُحَدِّثُ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةُ الذُّهُولِ وَمُرَاعَاةُ الْفَاضِلِ مِنْ جِهَةِ قَوْلِ عَائِشَةَ اذْهَبْ إِلَيْهِ فَفَاتِحْهُ حَتَّى تَسْأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ وَلَمْ تَقُلْ لَهُ سَلْهُ عَنهُ ابْتِدَاء خشيَة من استيحاشه.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فِي ذَمِّ الْعَمَلِ بِالرَّأْيِ وَبَيْنَ مَا فَعَلَهُ السَّلَفُ مِنَ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ أَنَّ نَصَّ الْآيَةِ ذَمُّ الْقَوْلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَخَصَّ بِهِ مَنْ تَكَلَّمَ بِرَأْيٍ مُجَرّد عَنِ اسْتِنَادٍ إِلَى أَصْلٍ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ ذَمُّ مَنْ أَفْتَى مَعَ الْجَهْلِ وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِالضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ وَإِلَّا فَقَدْ مَدَحَ مَنِ اسْتَنْبَطَ مِنَ الأَصْل لقَوْله لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم فَالرَّأْيُ إِذَا كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى أَصْلٍ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ الْمَحْمُودُ وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَنِدُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَهُوَ الْمَذْمُومُ قَالَ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ الرَّأْيِ لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا كَانَ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ اتَّهِمُوا الرَّأْيَ إِذَا خَالَفَ السُّنَّةَ كَمَا وَقَعَ لَنَا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّحَلُّلِ فاحببنا الِاسْتِمْرَار إِلَى الْإِحْرَامِ وَأَرَدْنَا الْقِتَالَ لِنُكْمِلَ نُسُكَنَا وَنَقْهَرَ عَدُوَّنَا وَخَفِيَ عَنَّا حِينَئِذٍ مَا ظَهَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا حُمِدَتْ عُقْبَاهُ وَعُمَرُ هُوَ الَّذِي كَتَبَ إِلَى شُرَيْحٍ انْظُرْ مَا تَبَيَّنَ لَكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاتَّبِعْ فِيهِ سُنَّةُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكَ مِنَ السُّنَّةِ فَاجْتَهِدْ فِيهِ رَأْيَكَ هَذِهِ رِوَايَةُ سَيَّارٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَيْهِ نَحْوَهُ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ شِئْتَ فَتَقَدَّمْ وَإِنْ شِئْتَ فَتَأَخَّرْ وَلَا أَرَى التَّأَخُّرَ إِلَّا خَيْرًا لَكَ فَهَذَا عُمَرُ أَمَرَ بِالِاجْتِهَادِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ الَّذِي ذَمَّهُ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ أَوِ السُّنَّةَ وَأَخْرَجَ بن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح عَن بن مَسْعُودٍ نَحْوَ حَدِيثِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّيْبَانِيِّ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَإِنْ جَاءَهُ مَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ فَلْيَجْتَهِدْ رَأْيَهُ فَإِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ





[ قــ :6917 ... غــ :7308] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدَانُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ وعبدان لقب وَأَبُو حَمْزَةَ بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الزَّايِ هُوَ السُّكَّرِيُّ وَسَاقَ الْمَتْنَ عَلَى لَفْظِ أَبِي عَوَانَةَ لِأَنَّهُ سَاقَ لَفْظَ عَبْدَانَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ وَوَقَعَتْ رِوَايَةُ أَبِي عَوَانَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ وَسَاقَ الْمَتْنَ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ رِوَايَةَ أَبِي حَمْزَةَ وَفِي آخِرِهِ فَسَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ سَبَبِ خُطْبَتِهِ بِذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَتْحِ وَبَيَانُ الْمُرَادِ بِقَوْلِ سَهْلٍ يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَقَولُهُ يُفْظِعُنَا بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَ الْفَاءِ السَّاكِنَةِ أَيْ يُوقِعُنَا فِي أَمْرٍ فَظِيعٍ وَهُوَ الشَّدِيدُ فِي الْقُبْحِ وَنَحْوِهِ وَقَولُهُ إِلَّا أَسْهَلْنَ بِسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَ الْهَاءِ وَالنُّونِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ وَالْمَعْنَى أَنْزَلَتْنَا فِي السَّهْلِ مِنَ الْأَرْضِ أَيْ أَفْضَيْنَ بِنَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّحَوُّلِ مِنَ الشِّدَّةِ إِلَى الْفَرَجِ وَقَولُهُ بِنَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِهَا وَمُرَادُ سَهْلٍ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا وَقَعُوا فِي شِدَّةٍ يَحْتَاجُونَ فِيهَا إِلَى الْقِتَالِ فِي الْمَغَازِي وَالثُّبُوتِ وَالْفُتُوحِ الْعُمَرِيَّةِ عَمَدُوا إِلَى سُيُوفِهِمْ فَوَضَعُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِدِّ فِي الْحَرْبِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ انْتَصَرُوا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنُّزُولِ فِي السَّهْلِ ثُمَّ اسْتَثْنَى الْحَرْبَ الَّتِي وَقَعَتْ بِصِفِّينَ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ إِبْطَاءِ النَّصْرِ وَشِدَّةِ الْمُعَارَضَةِ مِنْ حِجَجِ الْفَرِيقَيْنِ إِذْ حُجَّةُ عَلِيٍّ وَمَنْ مَعَهُ مَا شُرِعَ لَهُمْ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ وَحُجَّةُ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ مَا وَقَعَ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ مَظْلُومًا وَوُجُودُ قَتَلَتِهِ بِأَعْيَانِهِمْ فِي الْعَسْكَرِ الْعِرَاقِيِّ فَعَظُمَتِ الشُّبْهَةُ حَتَّى اشْتَدَّ الْقِتَالُ وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي الْجَانِبَيْنِ إِلَى أَنْ وَقَعَ التَّحْكِيمُ فَكَانَ مَا كَانَ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو وَائِل شهِدت صفّين وبئست صفّين كَذَا لأبي ذَر وَلغيره وبئست صِفُّونَ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ مِثْلُهُ وَلَكِنْ قَالَ وبئست الصِّفُّونُ بِزِيَادَةِ أَلْفٍ وَلَامٍ وَالْمَشْهُورُ فِي صِفِّينَ كَسْرُ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْضُهُمْ فَتَحَهَا وَجَزَمَ بِالْكَسْرِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ مُثْقَلَةٌ اتِّفَاقًا وَالْأَشْهَرُ فِيهَا بِالْيَاءِ قَبْلَ النُّونِ كَمَارِدِينَ وَفِلَسْطِينَ وَقِنِّسْرِينَ وَغَيْرِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْدَلَ الْيَاءَ وَاوًا فِي الْأَحْوَالِ وَعَلَى هَاتَيْنِ اللُّغَتَيْنِ فَإِعْرَابُهَا إِعْرَابَ غِسْلِينَ وَعُرْبُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَبَهَا إِعْرَابَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ فَتَتَصَرَّفُ بِحَسْبِ الْعَوَامِلِ مِثْلَ لَفِي عليين وَمَا إِدْرَاك مَا عليون وَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَ النُّونَ مَعَ الْوَاوِ لُزُومًا نقل كل ذَلِك بن مَالِكٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فَتْحَ النُّونِ مَعَ الْيَاءِ لُزُومًا وَقَولُهُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ أَيْ لَا تَعْمَلُوا فِي أَمْرِ الدِّينِ بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إِلَى أَصْلٍ مِنَ الدِّينِ وَهُوَ كَنَحْوِ قَوْلِ عَلِيٍّ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ مَسْحُ أَسْفَلِ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ أَعْلَاهُ وَالسَّبَبُ فِي قَوْلِ سَهْلٍ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ لَمَّا اسْتَشْعَرُوا أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ شَارَفُوا أَنْ يَغْلِبُوهُمْ وَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ يُبَالِغُونَ فِي التَّدَيُّنِ وَمِنْ ثَمَّ صَارَ مِنْهُمُ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ مَضَى ذِكْرُهُمْ فَأَنْكَرُوا عَلَى عَلِيٍّ وَمَنْ أَطَاعَهُ الْإِجَابَةَ إِلَى التَّحْكِيمِ فَاسْتَنَدَ عَلِيٌّ إِلَى قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ قُرَيْشًا إِلَى الْمُصَالَحَةِ مَعَ ظُهُورِ غَلَبَتِهِ لَهُمْ وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوَّلًا حَتَّى ظَهَرَ لَهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ كَمَا مَضَى بَيَانُهُ مُفَصَّلًا فِي الشُّرُوطِ وَأَوَّلَ الْكِرْمَانِيُّ كَلَامَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ بِحَسَبِ مَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ فَقَالَ كَأَنَّهُمِ اتَّهَمُوا سَهْلًا بِالتَّقْصِيرِ فِي الْقِتَالِ حِينَئِذٍ فَقَالَ لَهُمْ بَلِ اتَّهِمُوا أَنْتُمْ رَأْيَكُمْ فَإِنِّي لَا أُقَصِّرُ كَمَا لَمْ أَكُنْ مُقَصِّرًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقْتَ الْحَاجَةِ فَكَمَا تَوَقَّفْتُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَجْلِ أَنِّي لَا أُخَالِفُ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أَتَوَقَّفُ الْيَوْمَ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ نَحْوُ قَوْلِ سَهْلٍ وَلَفْظُهُ اتَّقُوا الرَّأْيَ فِي دِينِكُمْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَالطَّبَرِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مُطَوَّلًا بِلَفْظِ اتِّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَرُدُّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيِي اجْتِهَادًا فَوَاللَّهِ مَا آلُو عَنِ الْحَقِّ وَذَلِكَ يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ حَتَّى قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَانِي أَرْضَى وَتَأْبَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَصِيرَ إِلَى الرَّأْيِ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ فَقْدِ النَّصِّ وَإِلَى هَذَا يُومِئُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ الْقِيَاسُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ الْعَامِلُ بِرَأْيِهِ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْمُرَادِ مِنَ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الِاجْتِهَادِ لِيُؤْجَرَ وَلَوْ أَخْطَأَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل وبن عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَيَانِ الْعِلْمِ عَنْ جَمَاعَةٍ من التَّابِعين كالحسن وبن سِيرِينَ وَشُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ ذَمَّ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ وَيَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَغَيْرُهُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ الْأَرْبَعِينَ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا فَقَالُوا بِالرَّأْيِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا فَظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ ذَمَّ مَنْ قَالَ بِالرَّأْيِ مَعَ وُجُودِ النَّص من الحَدِيث لإغفاله التنقيب عَلَيْهِ فَهَلا يُلَامُ وَأَوْلَى مِنْهُ بِاللَّوْمِ مَنْ عَرَفَ النَّصَّ وَعَمِلَ بِمَا عَارَضَهُ مِنَ الرَّأْيِ وَتَكَلَّفَ لِرَدِّهِ بِالتَّأْوِيلِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ وتكلف الْقيَاس وَالله اعْلَم.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَيَانِ الْعِلْمِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ آثَارًا كَثِيرَةً فِي ذَمِّ الرَّأْيِ مَا مُلَخَّصُهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّأْيِ الْمَقْصُودِ إِلَيْهِ بِالذَّمِّ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مَرْفُوعِهَا وَمَوْقُوفِهَا وَمَقْطُوعِهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ الْقَوْلُ فِي الِاعْتِقَادِ بِمُخَالَفَةِ السُّنَنِ لِأَنَّهُمُ اسْتَعْمَلُوا آرَاءَهُمْ وَأَقْيِسَتَهُمْ فِي رَدِّ الْأَحَادِيثِ حَتَّى طَعَنُوا فِي الْمَشْهُورِ مِنْهَا الَّذِي بَلَغَ التَّوَاتُرَ كَأَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ وَأَنْكَرُوا أَنْ يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهَا وَأَنْكَرُوا الْحَوْضَ وَالْمِيزَانَ وَعَذَابَ الْقَبْرِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الصِّفَاتِ وَالْعِلْمِ وَالنَّظَرِ.

     وَقَالَ  أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الرَّأْيُ الْمَذْمُومُ الَّذِي لَا يَجُوزُ النَّظَرُ فِيهِ وَلَا الِاشْتِغَالُ بِهِ هُوَ مَا كَانَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ الْبِدَعِ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ لَا تَكَادُ تَرَى أَحَدًا نَظَرَ فِي الرَّأْيِ إِلَّا وَفِي قَلْبِهِ دَغَلٌ قَالَ.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ الرَّأْيُ الْمَذْمُومُ فِي الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْقَوْلُ فِي الْأَحْكَامِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالتَّشَاغُلُ بِالْأُغْلُوطَاتِ وَرَدُّ الْفُرُوعِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ دُونَ رَدِّهَا إِلَى أُصُولِ السُّنَنِ وَأَضَافَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى ذَلِكَ مَنْ يَتَشَاغَلُ بِالْإِكْثَارِ مِنْهَا قَبْلَ وُقُوعهَا لِمَا يَلْزَمُ مِنَ الِاسْتِغْرَاقِ فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْطِيل السّنَن وقوى بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِي وَاحْتَجَّ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ يَثْبُتُ عِنْدَهُ حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَّا بِادِّعَاءِ نَسْخٍ أَوْ مُعَارَضَةِ أَثَرِ غَيْرِهِ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ عَمَلٍ يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ الِانْقِيَادُ إِلَيْهِ أَوْ طَعَنَ فِي سَنَدِهِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُتَّخَذَ إِمَامًا وَقَدْ أَعَاذَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ خَتَمَ الْبَابَ بِمَا بَلَغَهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّسْتُرِيِّ الزَّاهِدِ الْمَشْهُورِ قَالَ مَا أَحْدَثَ أَحَدٌ فِي الْعِلْمِ شَيْئًا إِلَّا سُئِلَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنْ وَافق السّنة سلم والا فَلَا