فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم

( قَولُهُ بَابُ الرَّجُلِ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بالمأموم)
قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ إِنَّ الصُّفُوفَ يَؤُمُّ بَعْضُهَا بَعْضًا خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ.

قُلْتُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَأْتَمُّونَ بِهِمْ فِي التَّبْلِيغِ فَقَطْ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ بَلِ الْخِلَافُ مَعْنَوِيٌّ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ فِيمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يرفع الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ رؤوسهم مِنَ الرَّكْعَةِ إِنَّهُ أَدْرَكَهَا وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ رَفَعَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ أَئِمَّةٌ انْتَهَى فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى أَنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ عَنْ بَعْضِهِمْ بَعْضَ مَا يَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ وَأَثَرُ الشَّعْبِيِّ الْأَوَّلُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالثَّانِي وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ وَلَمْ يُفْصِحِ الْبُخَارِيُّ بِاخْتِيَارِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالتَّرْجَمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ أَيْ أَنَّهُ فِي مَقَامِ الْمُبَلِّغِ ثُمَّ ثَنَّى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي أَطْلَقَ فِيهَا اقْتِدَاءَ النَّاسِ بِأَبِي بَكْرٍ وَرَشَّحَ ظَاهِرَهَا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمُعَلَّقِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَيَرَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَسْمَعُ النَّاسُ التَّكْبِيرَ لَا يَنْفِي كَوْنَهُمْ يَأْتَمُّونَ بِهِ لِأَنَّ إِسْمَاعَهُ لَهُمُ التَّكْبِيرَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مَا يَأْتَمُّونَ بِهِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ لِغَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ الْمَذْكُورِ وَوَكِيعٍ جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ فِيهِ وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ تَقَدَّمُوا وَائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْهُ قِيلَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ لِأَنَّ أَبَا نَضْرَةَ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ لِضَعْفٍ فِيهِ وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ شَرْطِهِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِنْدَهُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ صَالِحًا لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَهُ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى شَرْطِ صَحِيحِهِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالضَّعِيفِ بَلْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا بِخِلَافِ صِيغَةِ الْجَزْمِ فَإِنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الصَّحِيحِ وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ لِمَذْهَبِ الشَّعْبِيِّ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ مَعْنَى وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ أَيْ يَقْتَدِي بِكُمْ مَنْ خَلْفَكُمْ مُسْتَدِلِّينَ عَلَى أَفْعَالِي بِأَفْعَالِكُمْ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ اعْتِمَادِ الْمَأْمُومِ فِي مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ الَّذِي لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ عَلَى مُبَلِّغٍ عَنْهُ أَوْ صَفٍّ قُدَّامَهُ يَرَاهُ مُتَابِعًا لِلْإِمَامِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَعَلَّمُوا مِنِّي أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ وَلْيَتَعَلَّمْ مِنْكُمُ التَّابِعُونَ بَعْدَكُمْ وَكَذَلِكَ أَتْبَاعُهُمْ إِلَى انْقِرَاضِ الدُّنْيَا



[ قــ :692 ... غــ :713] .

     قَوْلُهُ  مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي كَذَا فِيهِ بِإِثْبَات الْيَاء وَقد تقدم تَوْجِيه بن مَالِكٍ لَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ .

     قَوْلُهُ  مَتَى يَقُومُ كَذَا وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِإِثْبَات الْوَاو وَوَجهه بن مَالِكٍ بِأَنَّهُ شَبَّهَ مَتَى بِإِذَا فَلَمْ تَجْزِمْ كَمَا شَبَّهَ إِذَا بِمَتَى فِي قَوْلِهِ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَحَذَفَ النُّونَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَتَى مَا يَقُمْ وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا .

     قَوْلُهُ  تَخُطَّانِ الْأَرْضَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ بَقِيَّةُ مَبَاحِثِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ حَدِّ الْمَرِيضِ وَقَولُهُ فِي السَّنَدِ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ كَذَا لِلْجَمِيعِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ بَين الْأَعْمَش وَالْأسود من رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي وَهُوَ وهم قَالَه الجياني