فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب أم الولد

( قَولُهُ بَابُ أُمِّ الْوَلَدِ)
أَيْ هَلْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهَا أَمْ لَا أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِمَا مَا يُفْصِحُ بِالْحُكْمِ عِنْدَهُ وَأَظُنُّ ذَلِكَ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ السَّلَفِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْخَلَفِ عَلَى الْمَنْعِ حَتَّى وَافق فِي ذَلِك بن حَزْمٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا شُذُوذٌ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّهَا تَقَدَّمَ مَوْصُولًا مُطَوَّلًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِمَعْنَاهُ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ مُسْتَوْفًى وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّبِّ السَّيِّدُ أَوِ الْمَالِكُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا عَدَمِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ إِمَامَانِ جَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْآخَرُ عَلَى مَنْعِهِ فَأَمَّا مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ فَقَالَ ظَاهِرُ .

     قَوْلُهُ  رَبَّهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ سَيِّدُهَا لِأَنَّ وَلَدَهَا مِنْ سَيِّدِهَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ سَيِّدِهَا لِمَصِيرِ مَالِ الْإِنْسَانِ إِلَى وَلَدِهِ غَالِبًا.
وَأَمَّا مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْمَنْعِ فَقَالَ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَوْلَادَ مِنَ الْإِمَاءِ كَانُوا مَوْجُودِينَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِ أَصْحَابِهِ كَثِيرًا وَالْحَدِيثُ مَسُوقٌ لِلْعَلَامَاتِ الَّتِي قُرْبَ قِيَامِ السَّاعَةِ فَدَلَّ عَلَى حُدُوثِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُجَرَّدِ التَّسَرِّي قَالَ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْجَهْلَ يَغْلِبُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَتَّى تُبَاعَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ فَيَكْثُرَ تَرْدَادُ الْأَمَةِ فِي الْأَيْدِي حَتَّى يَشْتَرِيَهَا وَلَدُهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي فَيَكُونُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُ الِاسْتِدْلَالِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بن وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَالشَّاهِدُ مِنْهُ قَوْلُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي وَحُكْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ زَمْعَةَ بِأَنَّهُ أَخُوهُ فَإِنَّ فِيهِ ثُبُوتَ أُمِّيَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِحُرِّيَّتِهَا وَلَا لِإِرْقَاقِهَا إِلَّا أَنَّ بن الْمُنِيرِ أَجَابَ بِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى حُرِّيَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا فِرَاشًا فَسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ وَأَفَادَ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي آخِرِ الْبَابِ مَا نَصُّهُ فَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ وَلَدِ زَمْعَةَ أَمَةً وَوَلِيدَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَتِيقَةً اه فَعَلَى هَذَا فَهُوَ مَيْلٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ أَحَدَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَبَقِيَّةُ كَلَامِهِ لَمْ تَكُنْ عَتِيقَةً مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ لَكِنْ مَنْ يَحْتَجُّ بِعِتْقِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ حُجَّةً قَالَ الْكَرْمَانِيُّ كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ تَقْرِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ عَلَى قَوْلِهِ أَمَةُ أَبِي يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْقَوْلِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِمَّا قَالَ إِنَّ الْخِطَابَ فِي الْآيَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَزَمْعَةُ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُ يَمِينٍ فَيَكُونُ مَا فِي يَدِهِ فِي حُكْمِ الْأَحْرَارِ قَالَ وَلَعَلَّ غَرَضَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَقُولُ إِنَّ الْوَلَدَ فِي الْأَمَةِ لِلْفِرَاشِ فَلَا يُلْحِقُونَهُ بِالسَّيِّدِ إِلَّا إِنْ أَقَرَّ بِهِ وَيَخُصُّونَ الْفِرَاشَ بِالْحُرَّةِ فَإِذَا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ قَالُوا مَا كَانَتْ أَمَةً بَلْ كَانَتْ حُرَّةً فَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى رَدِّ حُجَّتِهِمْ هَذِهِ بِمَا ذَكَرَهُ وَتَعَلَّقَ الْأَئِمَّةُ بِأَحَادِيثَ أَصَحُّهَا حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي سُؤَالِهِمْ عَنِ الْعَزْلِ كَمَا سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَمِمَّنْ تَعَلَّقَ بِهِ النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ فَقَالَ بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَسَاقَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا قَالَ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا وَلَا أَمَةً الْحَدِيثَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّا نُصِيبُ سَبَايَا فَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ كَمَا مَضَى فِي بَابِ بَيْعِ الرَّقِيقِ مِنْ كتاب الْبيُوع قَالَ الْبَيْهَقِيّ لَوْلَا أَن الِاسْتِيلَاد يَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِعَزْلِهِمْ لِأَجْلِ مَحَبَّةِ الْأَثْمَانِ فَائِدَةٌ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَكَانَ مِنَّا مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَّخِذَ أَهْلًا وَمِنَّا مَنْ يُرِيدُ الْبَيْعَ فَتَرَاجَعْنَا فِي الْعَزْلِ الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَعْزِلَ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ إِذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ حَمْلِهِنَّ وَبَيْنَ اسْتِمْرَارِ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ فَلَعَلَّهُمْ أَحَبُّوا تَعْجِيلَ الْفِدَاءِ وَأَخْذَ الثَّمَنِ فَلَوْ حَمَلَتِ الْمَسْبِيَّةُ لَتَأَخَّرَ بَيْعُهَا إِلَى وَضْعِهَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ مَارِيَةَ أُمَّ وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ كَانَتْ قَدْ عَاشَتْ بَعْدَهُ فَلَوْلَا أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنِ الْوَصْفِ بِالرِّقِّ لَمَا صَحَّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ أَمَةً وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ عَن عَائِشَة أَيْضا عِنْد بن حِبَّانَ مِثْلُهُ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَمَةِ وَفِي صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ وَقْفَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَجَّزَ عِتْقَهَا.
وَأَمَّا بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَضَعِيفَةٌ وَيُعَارِضُهَا حَدِيثُ جَابِرٍ كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِيَّنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَفِي لَفْظٍ بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّفْعِ عَلَى الصَّحِيح وَعَلِيهِ جرى عمل الشَّيْخَيْنِ فِي صَحِيحهمَا وَلَمْ يَسْتَنِدِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ إِلَّا إِلَى عُمَرَ فَقَالَ قُلْتُهُ تَقْلِيدًا لِعُمَرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا نَهَى عَنْهُ فَانْتَهَوْا صَارَ إِجْمَاعًا يَعْنِي فَلَا عِبْرَةَ بِنُدُورِ الْمُخَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَعْرِفَةُ سَنَدِ الْإِجْمَاع



[ قــ :2423 ... غــ :2533] قَوْله أَخذ سعد بن وليدة سعد بِالرَّفْع والتنوين وبن مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَقَولُهُ هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ بِرَفْعِ عَبْدٍ وَيجوز نَصبه وَكَذَا بن وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ وَلَدِ زَمْعَةَ أَمَةً وَوَلِيدَةً فَلَمْ تَكُنْ عَتِيقَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَكِنْ مَنْ يَحْتَجُّ بِعِتْقِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الا مَا ملكت أَيْمَانكُم يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ حُجَّةً الثَّانِي ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ عَقِبَ طَرِيقِ شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ هَذِه.

     وَقَالَ  اللَّيْث عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ نَعَمْ ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيقَ فِي بَابِ غَزْوَةِ الْفَتْحِ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي مَقْرُونًا بِطَرِيقِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَالله أعلم