فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب صفة إبليس وجنوده

( قَولُهُ بَابُ صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ)
إِبْلِيسُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنْ أَبْلَسَ إِذا أيئس قَالَ بن الْأَنْبَارِيِّ لَوْ كَانَ عَرَبِيًّا لَصُرِفَ كَإِكْلِيلٍ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا لَمْ يُصْرَفْ وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا لِقِلَّةِ نَظِيرِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَشَبَّهُوهُ بِالْعَجَمِيِّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَوَانِعِ الصَّرْفِ وَبِأَن لَهُ نَظَائِر كاخريط واضليت وَاسْتُبْعِدَ كَوْنُهُ مُشْتَقًّا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ إِنَّمَا سُمِّيَ إِبْلِيسَ بَعْدَ يَأْسِهِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِطَرْدِهِ وَلَعْنِهِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى بِذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَا قِيلَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يُسَمَّى بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَقَعُ لَهُ نَعَمْ رَوَى الطَّبَرِيّ وبن أبي الدُّنْيَا عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ اسْمُ إِبْلِيسَ حَيْثُ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ عَزَازِيلُ ثُمَّ إِبْلِيسُ بَعْدُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْقَوْلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْحَارِثُ وَالْحَكَمُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُرَّةَ وَفِي كِتَابِ لَيْسَ لِابْنِ خَالَوَيْهِ كُنْيَتُهُ أَبُو الْكُرُوبِيِّينَ وَقَولُهُ وَجُنُودِهِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا قَالَ إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ فَيَقُولُ مَنْ أَضَلَّ مُسْلِمًا أَلْبَسْتُهُ التَّاج الحَدِيث أخرجه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَرْشُ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ مُسِخَ لَمَّا طُرِدَ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَصْلًا عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ سَيَأْتِي بَيَانُهُمَا فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ وَيُقْذَفُونَ يُرْمَوْنَ دُحُورًا مَطْرُودِينَ يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَيُقْذَفُونَ من كل جَانب دحورا الْآيَةَ وَقَدْ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ كَذَلِكَ وَهَذِهِ صِفَةُ من يسترق السّمع من الشَّيَاطِين وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي التَّفْسِير أَيْضا قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ مَدْحُورًا مَطْرُودًا يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَتلقى فِي جَهَنَّم ملوما مَدْحُورًا وَقَدْ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا اسْتِطْرَادًا لِذِكْرِهِ دُحُورًا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ .

     قَوْلُهُ  وَيُقَالُ مَرِيدًا مُتَمَرِّدًا هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وان يدعونَ الا شَيْطَانا مرِيدا أَيْ مُتَمَرِّدًا .

     قَوْلُهُ  بَتَكَهُ قَطَعَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ فليبتكن آذان الانعام أَيْ لَيَقْطَعُنَّ يُقَالُ بَتَكَهُ قَطَعَهُ .

     قَوْلُهُ  وَاسْتَفْزِزْ اسْتَخِفَّ بِخَيْلِكَ الْفُرْسَانَ وَالرَّجْلُ الرَّجَّالَةُ وَاحِدُهَا رَاجِلٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ هُوَ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  لَأَحْتَنِكَنَّ لَأَسْتَأْصِلَنَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ الا قَلِيلا يَقُولُ لَأَسْتَمِيلَنَّهُمْ وَلَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ يُقَالُ احْتَنَكَ فُلَانٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ إِذَا أَخَذَ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ قَوْله قرين شَيْطَان روى بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ قَالَ شَيْطَانٌ وَعَنْ غَيْرِ مُجَاهِدٍ خِلَافُهُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وقيضنا لَهُم قرناء قَالَ شَيَاطِينَ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ حَدِيثًا الْأَوَّلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَوَجْهُ إِيرَادِهِ هُنَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا يَتِمُّ بِاسْتِعَانَةِ الشَّيَاطِينِ عَلَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي إِيضَاحُ ذَلِكَ هُنَاكَ وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الشُّرَّاحِ



[ قــ :3121 ... غــ :3268] .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّيْثُ كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ إِلَخْ رُوِّينَاهُ مَوْصُولًا فِي نُسْخَةِ عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى رَأْسِ النَّائِمِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَأَخُو إِسْمَاعِيلَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَوَهِمَ مَنْ سَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي بَوْلِ الشَّيْطَانِ فِي أُذُنِ النَّائِمِ عَنِ الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ أَيْضا الحَدِيث الرَّابِع حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي النَّدْبِ إِلَى التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجِمَاعِ يَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ بن عُمَرَ فِي النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْقَائِلُ لَا أَدْرِي أَيُّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ هُوَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّاوِي عَنْهُ وَقَولُهُ





[ قــ :315 ... غــ :37] حَاجِبَ الشَّمْسِ هُوَ طَرَفُ قُرْصِهَا الَّذِي يَبْدُوَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَبْقَى عِنْدَ الْغُرُوبِ وَقَرْنَا الشَّيْطَانِ جَانِبَا رَأْسِهِ يُقَالُ إِنَّهُ يَنْتَصِبُ فِي مُحَاذَاةِ مَطْلَعِ الشَّمْسِ حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ كَانَتْ بَيْنَ جَانِبَيْ رَأْسِهِ لِتَقَعَ السَّجْدَةُ لَهُ إِذَا سَجَدَ عَبَدَةُ الشَّمْسِ لَهَا وَكَذَا عِنْدَ غُرُوبِهَا وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُشَاهِدُ الشَّمْسَ عِنْدَ طُلُوعِهَا فَلَوْ شَاهَدَ الشَّيْطَانَ لَرَآهُ مُنْتَصِبًا عِنْدَهَا وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ رَدَّ عَلَى أَهْلِ الْهَيْئَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الشَّمْسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَالشَّيَاطِينَ قَدْ مُنِعُوا مِنْ وُلُوجِ السَّمَاءِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّمْسَ فِي الْفَلَكِ الرَّابِعِ وَالسَّمَوَاتُ السَّبْعُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ غَيْرُ الْأَفْلَاكِ خِلَافًا لِأَهْلِ الْهَيْئَةِ وَمُحَمَّدٌ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ هُوَ بن سَلام ثَبت كَذَلِك عِنْد بن السَّكَنِ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْجَيَّانِيُّ السَّادِسُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْإِذْنِ بِقَتْلِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الصَّلَاةِ السَّابِعُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ الثَّامِنُ حَدِيثُ يَأْتِي الشَّيْطَانُ





[ قــ :317 ... غــ :376] .

     قَوْلُهُ  مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ أَيْ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَهُ فِي ذَلِكَ بَلْ يَلْجَأُ إِلَى اللَّهِ فِي دَفْعِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ إِفْسَادَ دِينِهِ وَعَقْلِهِ بِهَذِهِ الْوَسْوَسَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي دَفْعِهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا وَسْوَسَ بِذَلِكَ فَاسْتَعَاذَ الشَّخْصُ بِاللَّهِ مِنْهُ وَكَفَّ عَنْ مُطَاوَلَتِهِ فِي ذَلِكَ انْدَفَعَ قَالَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَرَّضَ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ قَطْعُهُ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْآدَمِيَّ يَقَعُ مِنْهُ الْكَلَامُ بِالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَالْحَالُ مَعَهُ مَحْصُورٌ فَإِذَا رَاعَى الطَّرِيقَةَ وَأَصَابَ الْحُجَّةَ انْقَطَعَ.
وَأَمَّا الشَّيْطَانُ فَلَيْسَ لِوَسْوَسَتِهِ انْتِهَاءٌ بَلْ كُلَّمَا أُلْزِمَ حُجَّةً زَاغَ إِلَى غَيْرِهَا إِلَى أَنْ يُفْضِيَ بِالْمَرْءِ إِلَى الْحَيْرَةِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ كَلَامٌ مُتَهَافِتٌ يَنْقُضُ آخِرُهُ أَوَّلَهُ لِأَنَّ الْخَالِقَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا ثُمَّ لَوْ كَانَ السُّؤَالُ مُتَّجِهًا لَاسْتَلْزَمَ التَّسَلْسُلَ وَهُوَ مُحَالٌ وَقَدْ أَثْبَتَ الْعَقْلُ أَنَّ الْمُحْدَثَاتِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى مُحْدِثٍ فَلَوْ كَانَ هُوَ مُفْتَقِرًا إِلَى مُحْدِثٍ لَكَانَ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ انْتَهَى وَالَّذِي نَحَا إِلَيْهِ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَمُخَاطَبَةِ الْبَشَرِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَسَوَّى فِي الْكَفِّ عَنِ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كُلِّ سَائِلٍ عَنْ ذَلِكَ مِنْ بَشَرٍ وَغَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَأَلَنِي عَنْهَا اثْنَانِ وَكَانَ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ وَاهِيًا لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا أَوِ الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ نَظِيرَ الْأَمْرِ بِالْكَفِّ عَنِ الْخَوْضِ فِي الصِّفَاتِ وَالذَّاتِ قَالَ الْمَازِرِيُّ الْخَوَاطِرُ عَلَى قِسْمَيْنِ فَالَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ وَلَا يجلبها شُبْهَةٌ هِيَ الَّتِي تَنْدَفِعُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ الْحَدِيثُ وَعَلَى مِثْلِهَا يَنْطَلِقُ اسْمُ وَسْوَسَةٍ.
وَأَمَّا الْخَوَاطِرُ الْمُسْتَقِرَّةُ النَّاشِئَةُ عَنِ الشُّبْهَةِ فَهِيَ الَّتِي لَا تَنْدَفِعُ إِلَّا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ إِنَّمَا أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِأَمْرٍ آخَرَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالتَّأَمُّلِ وَالِاحْتِجَاجِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِاسْتِغْنَاءِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا عَنِ الْمُوجَدِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لَا يَقْبَلُ الْمُنَاظَرَةَ وَلِأَنَّ الِاسْتِرْسَالَ فِي الْفِكْرِ فِي ذَلِكَ لَا يَزِيدُ الْمَرْءَ إِلَّا حَيْرَةً وَمَنْ هَذَا حَالُهُ فَلَا عِلَاجَ لَهُ إِلَّا الْمَلْجَأُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاعْتِصَامُ بِهِ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى ذَمِّ كَثْرَةِ السُّؤَالِ عَمَّا لَا يَعْنِي الْمَرْءَ وَعَمَّا هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ وَفِيهِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِإِخْبَارِهِ بِوُقُوعِ مَا سَيَقَعُ فَوَقَعَ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ التَّاسِعُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الصِّيَامِ الْعَاشِرُ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي التَّفْسِيرِ الْحَدِيثُ الْحَادِي عشر حَدِيث بن عُمَرَ فِي طُلُوعِ الْفِتْنَةِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْفِتَنِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْشَأَ الْفِتَنِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَكَذَا وَقَعَ الثَّانِي عَشَرَ حَدِيثُ جَابِرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ هُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ





[ قــ :3131 ... غــ :380] .

     قَوْلُهُ  إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ أَوْ كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَوْ قَالَ جُنْحُ اللَّيْلِ وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِكَسْرِهَا وَالْمَعْنَى إِقْبَالُهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يُقَالُ جَنَحَ اللَّيْلُ أَقْبَلَ وَاسْتَجْنَحَ حَانَ جُنْحُهُ أَوْ وَقَعَ وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ اسْتَنْجَعَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الْحَاءِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَعِنْدَ الْأَصِيلِيِّ أَوَّلُ اللَّيْلِ بَدَلَ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ وَكَانَ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ تَامَّةٌ أَيْ حَصَلَ .

     قَوْلُهُ  فَخَلُّوهُمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَة وللسرخسي بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة قَالَ بن الْجَوْزِيِّ إِنَّمَا خِيفَ عَلَى الصِّبْيَانِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي تَلُوذُ بِهَا الشَّيَاطِينُ مَوْجُودَةٌ مَعَهُمْ غَالِبًا وَالذِّكْرُ الَّذِي يَحْرُزُ مِنْهُمْ مَفْقُودٌ مِنَ الصِّبْيَانِ غَالِبًا وَالشَّيَاطِينُ عِنْدَ انْتِشَارِهِمْ يَتَعَلَّقُونَ بِمَا يُمْكِنهُمُ التَّعَلُّقُ بِهِ فَلِذَلِكَ خِيفَ عَلَى الصِّبْيَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْحِكْمَةُ فِي انْتِشَارِهِمْ حِينَئِذٍ أَنَّ حَرَكَتَهُمْ فِي اللَّيْلِ أَمْكَنُ مِنْهَا لَهُمْ فِي النَّهَارِ لِأَنَّ الظَّلَامَ أَجْمَعُ لِلْقُوَى الشَّيْطَانِيَّةِ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سَوَادٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَمَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ قَالَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  وَأَغْلِقْ بَابَكَ هُوَ خِطَابٌ لِمُفْرَدٍ وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ فَهُوَ عَامٌّ بِحَسَبِ الْمَعْنَى وَلَا شَكَّ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْمُفْرَدِ بِالْمُفْرَدِ تُفِيدُ التَّوْزِيعَ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّالِثَ عَشَرَ حَدِيثُ صَفِيَّةَ تَقَدَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ وَفِيهِ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلشَّيْطَانِ قُوَّةً عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَى بَاطِنِ الْإِنْسَانِ وَقِيلَ وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ أَيْ أَنَّ وَسْوَسَتَهُ تَصِلُ فِي مَسَامِّ الْبَدَنِ مِثْلَ جَرْيِ الدَّمِ مِنَ الْبَدَنِ الرَّابِعَ عَشَرَ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ يَأْتِي فِي الْأَدَبِ وَالْوَدَجُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَبِالْجِيمِ عِرْقٌ فِي الْعُنُق الْخَامِس عشر حَدِيث بن عَبَّاسٍ تَقَدَّمَ فِي الرَّابِعِ وَقَولُهُ





[ قــ :3134 ... غــ :383] قَالَ وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ شُعْبَةُ فَلَهُ فِيهِ شَيْخَانِ السَّادِسَ عَشَرَ حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  حَدثنَا مَحْمُود هُوَ بن غَيْلَانَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ وَقَولُهُ





[ قــ :3135 ... غــ :384] هُنَا فَذَكَرَهُ أَيْ ذكر تَمام الحَدِيث وَتَمَامه هُنَاكَ فدعته وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثِقَهُ إِلَى سَارِيَةٍ الْحَدِيثَ وَقد تقدم هُنَاكَ شرح قَوْله فدعته وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِهِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى إِمْكَانِ رُؤْيَةِ الْجِنِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا وَفِي الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ رَبْطِ مَنْ يُخْشَى هَرَبُهُ مِمَّنْ فِي قَتْلِهِ حَقٌّ وَفِيهِ إِبَاحَةُ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ فِيهَا إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الطَّلَبِ مِنَ اللَّهِ لَا تُعَدُّ كَلَامًا فَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ السَّابِعُ عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُجُودِ السَّهْوِ الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ حَدِيثُهُ كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعَنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبِهِ بِإِصْبَعَيْهِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي تَرْجَمَة عِيسَى بن مَرْيَمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَولُهُ





[ قــ :3137 ... غــ :386] فِي جَنْبِهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْإِفْرَادِ وَلِأَبِي ذَرٍّ الْجُرْجَانِيِّ جَنْبَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ فِي كِتَابِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ جَنْبِهِ بِالْإِفْرَادِ لَكِنْ بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ.

قُلْتُ لَعَلَّ نُقْطَتَهُ سَقَطَتْ مِنَ الْقَلَمِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ رِوَايَةً وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَالْمُرَادُ بِالْحِجَابِ الْجِلْدَةُ الَّتِي فِيهَا الْجَنِينُ أَوِ الثَّوْبُ الْمَلْفُوفُ عَلَى الطِّفْلِ الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي فَضْلِ عَمَّارٍ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا جِدًّا مِنْ وَجْهَيْنِ وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي الْمَنَاقِبِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ





[ قــ :3138 ... غــ :387] .

     قَوْلُهُ  الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةٌ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لِلشَّيْطَانِ تَسَلُّطًا عَلَى مَنْ لَمْ يُجِرْهُ اللَّهُ مِنْهُ الْحَدِيثُ الْعشْرُونَ حَدِيث عَائِشَةَ فِي ذِكْرِ الْكُهَّانِ أَوْرَدَهُ مُعَلَّقًا عَنِ اللَّيْثِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْهُ.

     وَقَالَ  يُقَالُ إِنَّ الْبُخَارِيَّ حَمَلَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّثَاؤُبِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْأَدَبِ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ هَلْ هُوَ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَبِيهِ الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ قَتْلِ وَالِدِ حُذَيْفَةَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُهَا فِي الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الصَّلَاةِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ الْحَدِيثَ وَأَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي التَّعْبِيرِ وَفَائِدَةُ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى أَعْلَى مِنْهَا التَّصْرِيحُ فِيهَا بِتَحْدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ لِيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي فَضْلِ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الدَّعَوَاتِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ سعد اسْتَأْذن عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْمَنَاقِبِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْثَارِ وَفِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ وَالْخَيْشُومُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ هُوَ الْأَنْفُ وَقِيلَ الْمَنْخِرُ وَقَولُهُ فَلْيَسْتَنْثِرْ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ قَوْلِهِ فَلْيَسْتَنْشِقْ لِأَنَّ الِاسْتِنْثَارَ يَقَعُ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ بِغَيْرِ عَكْسٍ فَقَدْ يَسْتَنْشِقُ وَلَا يَسْتَنْثِرُ وَالِاسْتِنْثَارُ مِنْ تَمَامِ فَائِدَةِ الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِنْشَاقِ جَذْبُ الْمَاءِ بِرِيحِ الْأَنْفِ إِلَى أَقْصَاهُ وَالِاسْتِنْثَارُ إِخْرَاجُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ تَنْظِيفُ دَاخِلِ الْأَنْفِ وَالِاسْتِنْثَارُ يُخْرِجُ ذَلِكَ الْوَسَخَ مَعَ الْمَاءِ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِنْشَاقِ وَقِيلَ إِنَّ الِاسْتِنْثَارَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَقِيلَ الْأَنْفُ نَفْسُهُ فَعَلَى هَذَا فَمَنِ اسْتَنْشَقَ فَقَدِ اسْتَنْثَرَ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ تَنَاوَلَ الْمَاءَ بِأَنْفِهِ أَوْ بِطَرَفِ أَنْفِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا يَقَعُ لِكُلِّ نَائِمٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَنْ لَمْ يَحْتَرِسْ مِنَ الشَّيْطَانِ بِشَيْءٍ مِنَ الذِّكْرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَ حَدِيثِ سَعْدٍ فَإِنَّ فِيهِ فَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ وَكَذَلِكَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْقُرْبِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِيهِ وَهُوَ الْقَلْبُ فَيَكُونُ مَبِيتُهُ عَلَى الْأَنْفِ لِيَتَوَصَّلَ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ إِذَا اسْتَيْقَظَ فَمَنِ اسْتَنْثَرَ مَنَعَهُ مِنَ التَّوَصُّلِ إِلَى مَا يَقْصِدُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ فَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيثُ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مُسْتَيْقِظٍ ثُمَّ إِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا لِكُلِّ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا .

     وَقَالَتْ  طَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْغُسْلِ وَطَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا وَهَلْ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ بِمُجَرَّدِهِ بِغَيْرِ اسْتِنْثَارٍ أَمْ لَا خِلَافَ وَهُوَ مَحَلُّ بَحْثٍ وَتَأَمُّلٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ الا بِهِ لما تقدم وَالله أعلم