فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب القراءة في الظهر

( قَولُهُ بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَالَّتِي بَعْدَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِمَا إِثْبَاتُ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَأَنَّهَا تَكُونُ سِرًّا إِشَارَةً إِلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ كَابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ تَقْدِيرُ الْمَقْرُوءِ أَوْ تَعَيُّنُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْبَابَيْنِ لِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةً سَيَأْتِي بَعْضُهَا وَجَمَعَ بَيْنَهَا بِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي أَحْوَالٍ مُتَغَايِرَةٍ إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لغير ذَلِك من الْأَسْبَاب وَاسْتدلَّ بن الْعَرَبِيِّ بِاخْتِلَافِهَا عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا اخْتَلَفَ لَا فِيمَا لَمْ يَخْتَلِفْ كَتَنْزِيلِ وَهَلْ أَتَى فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ



[ قــ :738 ... غــ :759] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا شَيْبَانُ هُوَ بن عبد الرَّحْمَن وَيحيى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي رِوَايَةِ الْجَوْزَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ التَّصْرِيحُ بِالْإِخْبَارِ لِيَحْيَى مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلِعَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَبِيهِ وَكَذَا لِلنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى لَكِنْ بِلَفْظِ التَّحْدِيثِ فِيهِمَا وَكَذَا عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْقَنَّادِ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ فَأُمِنَ بِذَلِكَ تَدْلِيسُ يَحْيَى .

     قَوْلُهُ  الْأُولَيَيْنِ بِتَحْتَانِيَّتَيْنِ تَثْنِيَةُ الأول .

     قَوْلُهُ  صَلَاةُ الظُّهْرِ فِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الصَّلَاةِ بِوَقْتِهَا .

     قَوْلُهُ  وَسُورَتَيْنِ أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةٌ كَمَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَزَادَ الْبَغَوِيُّ وَلَوْ قَصُرَتِ السُّورَةُ عَنِ الْمَقْرُوءِ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ يَفْعَلُ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ أَوِ الْغَالِبُ .

     قَوْلُهُ  يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّشَاطَ فِي الْأُولَى يَكُونُ أَكْثَرَ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفُ فِي الثَّانِيَةِ حَذَرًا مِنَ الْمَلَلِ انْتَهَى وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ وَلِأَبِي دَاوُدَ وبن خُزَيْمَةَ نَحْوُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَعْمَرٍ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يُطَوِّلَ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَكْثُرَ النَّاسُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ وَسَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ سَعْدٍ الْمَاضِي حَيْثُ قَالَ أَمُدُّ فِي الْأُولَيَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ تَطْوِيلُهُمَا عَلَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الطُّولِ.

     وَقَالَ  مَنِ اسْتَحَبَّ اسْتِوَاءَهُمَا إِنَّمَا طَالَتِ الْأُولَى بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ.
وَأَمَّا فِي الْقِرَاءَةِ فَهُمَا سَوَاءٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ أَنَّ الَّذِينَ حَزَرُوا ذَلِك كَانُوا ثَلَاثِينَ من الصَّحَابَة وَادّعى بن حِبَّانَ أَنَّ الْأُولَى إِنَّمَا طَالَتْ عَلَى الثَّانِيَةِ بِالزِّيَادَةِ فِي التَّرْتِيلِ فِيهَا مَعَ اسْتِوَاءِ الْمَقْرُوءِ فِيهِمَا وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرَتِّلُ السُّورَةَ حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى جَوَازِ تَطْوِيلِ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ لِأَجْلِ الدَّاخِلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ لَا يُعَلَّلُ بِهَا لِخَفَائِهَا أَوْ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ يُرِيدُ تَقْصِيرَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثُمَّ يُطِيلُهَا لِأَجْلِ الْآتِي وَإِنَّمَا كَانَ يَدْخُلُ فِيهَا لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى سُنَّتِهَا مِنْ تَطْوِيلِ الْأُولَى فَافْتَرَقَ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ فِي انْتِظَارِ الدَّاخِلِ فِي الرُّكُوعِ شَيْءٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ هَذَا هُنَا ذِكْرُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى إِسْقَاطِهَا فِيهِمَا لَكِنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِهِ بَعْدَ عَشَرَةِ أَبْوَابٍ .

     قَوْلُهُ  وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ وَيُسْمِعُنَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شَيْبَانَ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْجَهْرِ فِي السِّرِّيَّةِ وَأَنَّهُ لَا سُجُودَ سَهْو عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ قُلْنَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَمْدًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِي التَّدَبُّرِ وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْرَارَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَقَولُهُ أَحْيَانًا يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِظَاهِر الْحَال فِي الْأَخْبَار دون التَّوَقُّف علىاليقين لِأَنَّ الطَّرِيقَ إِلَى الْعِلْمِ بِقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي السِّرِّيَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِسَمَاعِ كُلِّهَا وَإِنَّمَا يُفِيدُ يَقِينُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ سَمَاعِ بَعْضِهَا مَعَ قِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى قِرَاءَةِ بَاقِيهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخْبِرُهُمْ عَقِبَ الصَّلَاةِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا بِقِرَاءَةِ السُّورَتَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ





[ قــ :739 ... غــ :760] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عمر هُوَ بن حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي عُمَارَةُ هُوَ بن عُمَيْرٍ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ الْأَزْدِيُّ وَأَفَادَ الدِّمْيَاطِيُّ أَنَّ لِأَبِيهِ صُحْبَةً وَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الصَّحَابِيَّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ.

     وَقَالَ  فِي سِيَاقِهِ عَنْ سَخْبَرَةَ وَلَيْسَ بالازدى قلت لَكِن جزم البُخَارِيّ وبن أبي خَيْثَمَة وبن حِبَّانَ بِأَنَّهُ الْأَزْدِيُّ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ فِيهِ الْحُكْمُ بِالدَّلِيلِ لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ عَلَى قِرَاءَتِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تُعَيِّنُ الْقِرَاءَةَ دُونَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ مَثَلًا لِأَنَّ اضْطِرَابَ اللِّحْيَةِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوهُ بِالصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ مِنْهَا هُوَ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ لَا الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَإِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي قَتَادَةَ كَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا قَوِيَ الِاسْتِدْلَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ احْتِمَالُ الذِّكْرِ مُمْكِنٌ لَكِنَّ جَزْمَ الصَّحَابِيِّ بِالْقِرَاءَةِ مَقْبُولٌ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِأَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى مُخَافَتَتِهِ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا سَيَأْتِي وَعَلَى رَفْعِ بَصَرِ الْمَأْمُومِ إِلَى الْإِمَامِ كَمَا مَضَى وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَارَ بِالْقِرَاءَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إِسْمَاعِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْبَقَ شَفَتَيْهِ وَحَرَّكَ لِسَانَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا تَضْطَرِبُ بِذَلِكَ لِحْيَتُهُ فَلَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يخفى