فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما جاء في عذاب القبر

( قَولُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ ل)
م يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ لِكَوْنِ عَذَابِ الْقَبْرِ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهَا وَعَلَى الْجَسَدِ وَفِيهِ خِلَافٌ شَهِيرٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الَّتِي يَرْضَاهَا لَيْسَتْ قَاطِعَةً فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَمْ يَتَقَلَّدِ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَاكْتَفَى بِإِثْبَاتِ وُجُودِهِ خِلَافًا لِمَنْ نَفَاهُ مُطْلَقًا مِنَ الْخَوَارِجِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ كَضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو وَبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَجَمِيعُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَأَكْثَرُوا مِنَ الِاحْتِجَاجِ لَهُ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ كَالْجَيَّانِيِّ إِلَى أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْكُفَّارِ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَعْضُ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ تَعَالَى بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ أَيْ مَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدَّمَ ذِكْرَ هَذِهِ الْآيَاتِ لِيُنَبِّهَ عَلَى ثُبُوتِ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ خِلَافًا لِمَنْ رَدَّهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ ذِكْرُهُ إِلَّا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي الْأَنْعَام فروى الطَّبَرَانِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ قَالَ هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْبَسْطُ الضَّرْبُ يَضْرِبُونَ وُجُوههم وادبارهم انْتَهَى وَيَشْهَدُ لَهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقِتَالِ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدَّفْنِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَذَابِ الْوَاقِعِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْعَذَابُ إِلَى الْقَبْرِ لِكَوْنِ مُعْظَمِهِ يَقَعُ فِيهِ وَلِكَوْنِ الْغَالِبِ عَلَى الْمَوْتَى أَنْ يُقْبَرُوا وَإِلَّا فَالْكَافِرُ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعْذِيبَهُ مِنَ الْعُصَاةِ يُعَذَّبُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ لَمْ يُدْفَنْ وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَحْجُوبٌ عَنِ الْخَلْقِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ وروى الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ اخْرُجْ يَا فُلَانُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَفَضَحَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ فَهَذَا الْعَذَابُ الْأَوَّلُ وَالْعَذَابُ الثَّانِي عَذَابُ الْقَبْرِ وَرَوَيَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوُهُ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحسن سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْقَبْرِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ بَلَغَنِي فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اخْتِلَافًا عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ وَالْأَغْلَبُ أَنَّ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ عَذَابُ الْقَبْرِ وَالْأُخْرَى تَحْتَمِلُ أَحَدَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْجُوعِ أَوِ السَّبْيِ أَوِ الْقَتْلِ أَوِ الْإِذْلَالِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ تَعَالَى وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْن الْآيَةَ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ أَرْوَاحُ آلِ فِرْعَوْنَ فِي طُيُورٍ سُودٍ تَغْدُو وَتَروح على النَّار فَذَلِك عرضهَا وَوَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ فَذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِيهِ وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ فِي الْكَلَامِ على حَدِيث بن عُمَرَ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْعَرْضَ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَرْضَ يَكُونُ فِي الْبَرْزَخِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَثْبِيتِ عَذَابِ الْقَبْرِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ وَقَعَ ذِكْرُ عَذَابِ الدَّارَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُفَسَّرًا مُبَيَّنًا لَكِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَذَابَ الْقَبْرِ مُطْلَقًا لَا عَلَى مَنْ خَصَّهُ بِالْكُفَّارِ وَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ فِرَاقِ الْأَجْسَادِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا سَيَأْتِي وَاحْتُجَّ بِالْآيَةِ الْأُولَى عَلَى أَنَّ النَّفْسَ وَالرُّوحَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى اخْرُجُوا أَنفسكُم وَالْمُرَادُ الْأَرْوَاحُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا فِي التَّفْسِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ الْآيَةَ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ أَوَّلُهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى



[ قــ :1314 ... غــ :1369] يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ وَقَدْ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ وَصَرَّحَ فِيهِ بِالْإِخْبَارِ بَيْنَ شُعْبَةَ وَعَلْقَمَةَ وَبِالسَّمَاعِ بَيْنَ عَلْقَمَةَ وَسَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ .

     قَوْلُهُ  إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي ثُمَّ يَشْهَدُ هَكَذَا سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ عَنْ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ أَبَيْنَ مِنْ لَفْظِهِ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَرَفَ مُحَمَّدًا فِي قَبْرِهِ فَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِلَخْ وَأخرجه بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ عَذَابَ الْقَبْرِ فَقَالَ إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَرَفَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ بِهَذَا وَزَاد يثبت الله الَّذين آمنُوا نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ يُوهِمُ أَنَّ لَفْظَ غُنْدَرٍ كَلَفْظِ حَفْصٍ وَزِيَادَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى فقد أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَالْقَدْرُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ أَوَّلُ الْحَدِيثِ وَبَقِيَّتُهُ عِنْدَهُمْ يُقَالُ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّي اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ وَالْقَدْرُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَيْثَمَةَ عَنِ الْبَرَاءِ وَقَدِ اخْتَصَرَ سَعْدٌ وَخَيْثَمَةُ هَذَا الْحَدِيثَ جدا لَكِن أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ خَيْثَمَةَ فَزَادَ فِيهِ إِنْ كَانَ صَالِحًا وُفِّقَ وَإِنْ كَانَ لَا خَيْرَ فِيهِ وُجِدَ أَبْلَهُ وَفِيهِ اخْتِصَارٌ أَيْضًا وَقَدْ رَوَاهُ زَاذَانُ أَبُو عُمَرَ عَنِ الْبَرَاءِ مُطَوَّلًا مُبَيَّنًا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي أَوَّلِهِ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِيهِ فَتُرَدُّ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَفِيهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيَجْلِسَانهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللَّهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِي الْإِسْلَامُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ فَيَقُولَانِ لَهُ وَمَا يُدْرِيكَ فَيَقُولُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ فَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ وَفِيهِ وَإنَّ الْكَافِرَ تُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فيأتيه ملكان فيجلسانه فَيَقُولَانِ لَهُ من رَبك فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي نَحْوُ هَذَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ سَادِسِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فَلَعَلَّهُ سَمَّى أَحْوَالَ الْعَبْدِ فِي قَبْرِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ تَغْلِيبًا لِفِتْنَةِ الْكَافِرِ عَلَى فِتْنَةِ الْمُؤْمِنِ لِأَجْلِ التَّخْوِيفِ وَلِأَنَّ الْقَبْرَ مَقَامُ الْهَوْلِ وَالْوَحْشَةِ وَلِأَنَّ مُلَاقَاةَ الْمَلَائِكَةِ مِمَّا يهاب مِنْهُ بن آدم فِي الْعَادة ثَانِيهَا حَدِيث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ وَفِيهِ





[ قــ :1315 ... غــ :1370] .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ أَوْرَدَهُ هُنَا مُخْتَصَرًا وَسَيَأْتِي مُطَوَّلًا فِي الْمَغَازِي وَصَالِحٌ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَاد هُوَ بن كَيْسَانَ ثَالِثُهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الْآنَ مَا إِنْ كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْ عَائِشَةٍ إِلَى رَدِّ رِوَايَةِ بن عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ خَالَفَهَا الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ وقبلوا حَدِيث بن عُمَرَ لِمُوَافَقَةِ مَنْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى





[ قــ :1316 ... غــ :1371] إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى فَقَالُوا مَعْنَاهَا لَا تُسْمِعُهُمْ سَمَاعًا يَنْفَعُهُمْ أَوْ لَا تُسْمِعُهُمْ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ.

     وَقَالَ  السُّهَيْلِيُّ عَائِشَةُ لَمْ تَحْضُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيْرُهَا مِمَّنْ حَضَرَ أَحْفَظُ لِلَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالُوا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُخَاطِبُ قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا فَقَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ قَالَ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا فِي تِلْكَ الْحَالِ عَالِمِينَ جَازَ أَنْ يَكُونُوا سَامِعين إِمَّا بآذان رؤوسهم كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَوْ بِآذَانِ الرُّوحِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُوَجِّهُ السُّؤَالَ إِلَى الرُّوحِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إِلَى الْجَسَدِ قَالَ.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَو تهدى الْعَمى أَيْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُسْمِعُ وَيَهْدِي انْتَهَى وَقَولُهُ إِنَّهَا لَمْ تَحْضُرْ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهَا لِأَنَّهُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا سَمِعَتْ ذَلِكَ مِمَّنْ حَضَرَهُ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قادحا فِي رِوَايَتهَا لقدح فِي رِوَايَة بن عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ أَيْضًا وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّفْظَيْنِ مَعًا فَإِنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا.

     وَقَالَ  بن التِّين لَا مُعَارضَة بَين حَدِيث بن عُمَرَ وَالْآيَةِ لِأَنَّ الْمَوْتَى لَا يَسْمَعُونَ بِلَا شَكٍّ لَكِنْ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِسْمَاعَ مَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ السَّمَاعُ لَمْ يَمْتَنِعْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى انا عرضنَا الْأَمَانَة الْآيَةَ وَقَوْلِهِ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَو كرها الْآيَةَ وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي قَوْلُ قَتَادَةَ إِنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُمْ حَتَّى سَمِعُوا كَلَامَ نَبِيِّهِ تَوْبِيخًا ونقمة انْتهى وَقد أَخذ بن جَرِيرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ يَقَعُ عَلَى الْبَدَنِ فَقَطْ وَأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ إِدْرَاكًا بِحَيْثُ يسمع وَيعلم ويلذ ويألم وَذهب بن حزم وبن هُبَيْرَةَ إِلَى أَنَّ السُّؤَالَ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ إِلَى الْجَسَدِ وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا تُعَادُ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ أَوْ بَعْضِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَدَنِ بِذَلِكَ اخْتِصَاصٌ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْمَيِّتِ قَدْ تَتَفَرَّقُ أَجْزَاؤُهُ لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ أَنْ يُعِيدَ الْحَيَاةَ إِلَى جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ وَيَقَعُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُ وَالْحَامِلُ لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ السُّؤَالَ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ يُشَاهَدُ فِي قَبْرِهِ حَالَ الْمَسْأَلَةِ لَا أَثَرَ فِيهِ مِنَ إِقْعَادٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا ضِيقٍ فِي قَبْرِهِ وَلَا سَعَةٍ وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمَقْبُورِ كَالْمَصْلُوبِ وَجَوَابُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فِي الْقُدْرَةِ بَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ النَّائِمُ فَإِنَّهُ يَجِدُ لَذَّةً وَأَلَمًا لَا يُدْرِكُهُ جَلِيسُهُ بَلِ الْيَقْظَانُ قَدْ يُدْرِكُ أَلَمًا أَوْ لَذَّةً لِمَا يَسْمَعُهُ أَوْ يُفَكِّرُ فِيهِ وَلَا يُدْرِكُ ذَلِكَ جَلِيسُهُ وَإِنَّمَا أَتَى الْغَلَطُ مِنْ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَأَحْوَالِ مَا بَعْدِ الْمَوْتِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَفَ أَبْصَارَ الْعِبَادِ وَأَسْمَاعَهُمْ عَنْ مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ وَسَتَرَهُ عَنْهُمُ إِبْقَاءً عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَتَدَافَنُوا وَلَيْسَتْ لِلْجَوَارِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ قُدْرَةٌ عَلَى إِدْرَاكِ أُمُورِ الْمَلَكُوتِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَقَوْلِهِ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ وَقَولُهُ تَخْتَلِفُ أَضْلَاعُهُ لِضَمَّةِ الْقَبْرِ وَقَولُهُ يَسْمَعُ صَوْتَهُ إِذَا ضَرَبَهُ بِالْمِطْرَاقِ وَقَولُهُ يُضْرَبُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَقَولُهُ فَيُقْعِدَانِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَادِ وَذَهَبَ أَبُو الْهُذَيْلِ وَمَنْ تَبِعَهُ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَشْعُرُ بِالتَّعْذِيبِ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَّا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ قَالُوا وَحَالُهُ كَحَالِ النَّائِمِ وَالْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ لَا يُحِسُّ بِالضَّرْبِ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ فِي السُّؤَالِ حَالَةَ تَوَلِّي أَصْحَابِ الْمَيِّتِ عَنْهُ ترد عَلَيْهِم تَنْبِيه وَجه إِدْخَال حَدِيث بن عُمَرَ وَمَا عَارَضَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي تَرْجَمَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ مِنْ سَمَاعِ أَهْلِ الْقَلِيبِ وَتَوْبِيخِهِ لَهُمْ دَلَّ إِدْرَاكُهُمُ الْكَلَامَ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ عَلَى جَوَازِ إِدْرَاكِهِمْ أَلَمَ الْعَذَابِ بِبَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ بَلْ بِالذَّاتِ إِذِ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثَيِ بن عمر وَعَائِشَة بِحمْل حَدِيث بن عُمَرَ عَلَى أَنَّ مُخَاطَبَةَ أَهْلِ الْقَلِيبِ وَقَعَتْ وَقْتَ الْمَسْأَلَةِ وَحِينَئِذٍ كَانَتِ الرُّوحُ قَدْ أُعِيدَتْ إِلَى الْجَسَدِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى أَنَّ الْكَافِرَ الْمَسْئُولَ يُعَذَّبُ.
وَأَمَّا إِنْكَارُ عَائِشَةَ فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ وَقْتِ الْمَسْأَلَةِ فَيَتَّفِقُ الْخَبَرَانِ وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ وَجْهُ إِدْخَالِ حَدِيثِ بن عُمَرَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ رَابِعُ أَحَادِيثِ الْبَابِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيَّةِ





[ قــ :1317 ... غــ :137] قَوْله سَمِعت الْأَشْعَث هُوَ بن أَبِي الشَّعْثَاءِ سَلِيمُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْمُحَارِبِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِيهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَشْعَثَ سَمِعْتُ أَبِي .

     قَوْلُهُ  أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الدَّعَوَاتِ دَخَلَتْ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتَا إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ إِحْدَاهُمَا تَكَلَّمَتْ وَأَقَرَّتْهَا الْأُخْرَى عَلَى ذَلِكَ فَنَسَبَتِ الْقَوْلَ إِلَيْهِمَا مَجَازًا وَالْإِفْرَادُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَكَلِّمَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ فَكَذَبْتُهُمَا وَوَقَعَ عِنْدَ مُسلم من طَرِيق بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَهِيَ تَقُولُ هَلْ شَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَالَتْ فَارْتَاعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا يُفْتَنُ يَهُودُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ شَعَرْتِ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَبَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ مُخَالَفَةٌ لِأَنَّ فِي هَذِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أنكر على الْيَهُودِيَّة وَفِي الأول أَنَّهُ أَقَرَّهَا قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ هُمَا قِصَّتَانِ فَأَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ الْيَهُودِيَّةِ فِي الْقِصَّةِ الْأُولَى ثُمَّ أُعْلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْلِمْ عَائِشَةَ فَجَاءَتِ الْيَهُودِيَّةُ مَرَّةً أُخْرَى فَذَكَرَتْ لَهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْ عَلَيْهَا مُسْتَنِدَةً إِلَى الْإِنْكَارِ الْأَوَّلِ فَأَعْلَمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْوَحْيَ نَزَلَ بِإِثْبَاتِهِ انْتَهَى.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ سِرًّا فَلَمَّا رَأَى اسْتِغْرَابَ عَائِشَةَ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ أَعْلَنَ بِهِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْر وَفِي الْكُسُوفِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلَهَا فَقَالَتْ لَهَا أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَكِبَ ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِي هَذَا مُوَافَقَةٌ لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَخْدُمُهَا فَلَا تَصْنَعُ عَائِشَةُ إِلَيْهَا شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ إِلَّا قَالَتْ لَهَا الْيَهُودِيَّةُ وَقَاكِ اللَّهُ عَذَابَ الْقَبْرِ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِلْقَبْرِ عَذَابٌ قَالَ كَذَبَتْ يَهُودُ لَا عَذَابَ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ وَفِي هَذَا كُلُّهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا عَلِمَ بِحُكْمِ عَذَابِ الْقَبْرِ إِذْ هُوَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ تَارِيخُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فِي مَوْضِعِهِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى يثبت الله الَّذين آمنُوا وَكَذَلِكَ الْآيَةُ الْأُخْرَى الْمُتَقَدِّمَةُ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَالْجَوَابُ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ إِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْأُولَى بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْإِيمَانِ وَكَذَلِكَ بِالْمَنْطُوقِ فِي الْأُخْرَى فِي حَقِّ آلِ فِرْعَوْنَ وَإِنِ الْتَحَقَ بِهِمْ مَنْ كَانَ لَهُ حُكْمُهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ فَالَّذِي أَنْكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ وُقُوعُ عَذَابِ الْقَبْرِ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ ثُمَّ أُعْلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَقَعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ اللَّهُ مِنْهُمْ فَجَزَمَ بِهِ وَحَذَّرَ مِنْهُ وَبَالَغَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ وَإِرْشَادًا فَانْتَفَى التَّعَارُضُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ لَيْسَ بِخَاصٍّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ فَفِيهَا اخْتِلَافٌ سَيَأْتِي ذِكْرُهُ آخِرَ الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي حَقٌّ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ عَقِبَ هَذِهِ الطَّرِيقِ زَادَ غُنْدَرٌ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ لَفْظَ حَقٌّ لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ عَبْدَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ وَأَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ طَرِيقَ غُنْدَرٍ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ تَنْبِيهٌ وَقَعَ .

     قَوْلُهُ  زَادَ غُنْدَرٌ إِلَخْ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غَلَطٌ خَامِسُهَا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا جِدًّا بِلَفْظِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِي يُفْتَتَنُ فِيهَا الْمَرْءُ فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً وَهُوَ مُخْتَصَرٌ وَقَدْ سَاقَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ فَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ ضَجَّةً حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَفْهَمَ آخِرَ كَلَامِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سَكَتَ ضجيجهم قُلْتُ لِرَجُلٍ قَرِيبٍ مِنِّي أَيْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ قَالَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَفِي الْكُسُوفِ مِنْ طَرِيقِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِتَمَامِهِ وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ الْحَدِيثَ فَلَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ مَا بَيَّنَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ تَفْهِيمِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ لِأَسْمَاءَ فِيهِ وَأَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ طَرِيقِ فَاطِمَةَ أَيْضًا وَفِيهِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَمَّا بَعْدُ لَغَطَ نِسْوَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَنَّهَا ذَهَبَتْ لِتُسْكِتَهُنَّ فَاسْتَفْهَمَتْ عَائِشَةُ عَمَّا قَالَ فَيُجْمَعُ بَيْنَ مُخْتَلِفِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا احْتَاجَتْ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ مَرَّتَيْنِ وَأَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَتْ فَاطِمَةُ لَمْ تُبَيِّنْ لَهَا الِاسْتِفْهَامَ الثَّانِي وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَفْهَمَتْ مِنْهُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى الْآنَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَسْمَاءَ مَرْفُوعًا إِذَا دَخَلَ الْإِنْسَانُ قَبْرَهُ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا احْتَفَّ بِهِ عَمَلُهُ فَيَأْتِيهِ الْمَلَكُ فَتَرُدُّهُ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ فَيُنَادِيهِ الْمَلَكُ اجْلِسْ فَيَجْلِسْ فَيَقُولُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ عَلَى ذَلِكَ عِشْتَ وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا زَادَ غُنْدَرٌ عَذَابُ الْقَبْرِ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ فَلَا رِوَايَةَ لِغُنْدَرٍ فِيهِ سَادِسُ أَحَادِيثِ الْبَابِ حَدِيثُ أَنَسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي بَابِ خَفْقِ النِّعَالِ وَعَبْدُ الْأَعْلَى الْمَذْكُورُ فِيهِ هُوَ بن عَبْدِ الْأَعْلَى السَّامِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدٌ هُوَ بن أَبِي عَرُوبَةَ





[ قــ :1319 ... غــ :1374] .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ كَذَا وَقَعَ عِنْدَهُ مُخْتَصَرًا وَأَوَّلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدٍ بِهَذَا السَّنَدِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ نَخْلًا لِبَنِي النَّجَّارِ فَسَمِعَ صَوْتًا فَفَزِعَ فَقَالَ مَنْ أَصْحَابُ هَذِهِ الْقُبُورِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاسٌ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَأَفَادَ بَيَانَ سَبَبِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ زَادَ مُسْلِمٌ إِذَا انْصَرَفُوا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ يَأْتِيهِ ملكان زَاد بن حِبَّانَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وللاخر النكير وَفِي رِوَايَة بن حِبَّانَ يُقَالُ لَهُمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَعْيُنُهُمَا مِثْلُ قُدُورِ النُّحَاسِ وَأَنْيَابُهُمَا مِثْلُ صَيَاصِي الْبَقَرِ وَأَصْوَاتُهُمَا مِثْلُ الرَّعْدِ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَزَادَ يَحْفِرَانِ بِأَنْيَابِهِمَا وَيَطَآنِ فِي أَشْعَارِهِمَا مَعَهُمَا مِرْزَبَّةٌ لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ مِنًى لَمْ يُقِلُّوهَا وَأورد بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ حَدِيثًا فِيهِ إِنَّ فِيهِمْ رُومَانُ وَهُوَ كَبِيرُهُمْ وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اسْمَ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ الْمُذْنِبَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ وَأَنَّ اسْمَ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ الْمُطِيعَ مُبَشِّرٌ وَبَشِيرٌ .

     قَوْلُهُ  فَيُقْعِدَانِهِ زَادَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ أَحَادِيثِ الْبَاب وَزَاد بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِذَا كَانَ مُؤْمِنًا كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَالزَّكَاةُ عَنْ يَمِينِهِ وَالصَّوْمُ عَنْ شِمَالِهِ وَفِعْلُ الْمَعْرُوفِ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ اجْلِسْ فَيَجْلِسُ وَقَدْ مَثَلَتْ لَهُ الشَّمْسُ عِنْدَ الْغُرُوب زَاد بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَيَجْلِسُ فَيَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ دَعُونِي أُصَلِّي .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولَانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي أَوَّلِهِ مَا كُنْتَ تَعْبُدُ فَإِنْ هَدَاهُ اللَّهُ قَالَ كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ فَيُقَالُ لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوله فَيُقَالُ لَهُ صَدَقْتَ زَادَ أَبُو دَاوُدَ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهِمَا وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْعِلْمِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهِمَا فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فَيُقَالُ لَهُ نَمْ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ فَيَكُونُ فِي أَحْلَى نَوْمَةٍ نَامَهَا أَحَدٌ حَتَّى يُبْعَثَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُقَالُ لَهُ نَمْ فَيَنَامُ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِك وَلابْن حبَان وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَيُقَالُ لَهُ عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَيُقَالُ لَهُ هَذَا بَيْتُكَ كَانَ فِي النَّارِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِي فَيُقَالُ لَهُ اسْكُتْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَانَ هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ رَأَيْتَ اللَّهَ فَيَقُولُ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرَى اللَّهَ فَتُفْرَجَ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلَّا أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْرًا وَذَكَرَ عَكْسَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ قَتَادَةُ وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُمْلَأُ خَضِرًا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَوْصُولَةً مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبره سبعين ذِرَاعا زَاد بن حِبَّانَ فِي سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُرْحَبُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُنَوَّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الطَّوِيلِ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ إِنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا فِي الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا ويفسح لَهُ فِيهَا مد بَصَره زَاد بن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا فَيُعَادُ الْجِلْدُ إِلَى مَا بَدَأَ مِنْهُ وَتُجْعَلُ رُوحُهُ فِي نَسَمِ طَائِرٍ يعلق فِي شجر الْجنَّة .

     قَوْلُهُ .
وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ كَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ خَفْقِ النِّعَالِ بِهَا.
وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوِ الْمُنَافِقُ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ وَكَذَا لِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الطَّوِيلِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا بِالشَّكِّ وَلَهُ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ فَإِنْ كَانَ فَاجِرًا أَوْ كَافِرًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِهَا.
وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوِ الْمُرْتَابُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ.
وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ بن مَاجَهْ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ السُّوءُ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ فَاخْتَلَفَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ لَفْظًا وَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ يُسْأَلُ فَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي الْإِيمَانَ إِنْ مُحِقًّا وَإِنْ مُبْطِلًا وَمُسْتَنَدُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ إِنَّمَا يُفْتَنُ رَجُلَانِ مُؤْمِنٌ وَمُنَافِقٌ.
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَا يَعْرِفُهُ وَهَذَا مَوْقُوفٌ وَالْأَحَادِيثُ النَّاصَّةُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُسْأَلُ مَرْفُوعَةٌ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهَا الصَّحِيحَةِ فَهِيَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَجَزَمَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ بِأَنَّ الْكَافِرَ يُسْأَلُ وَاخْتُلِفَ فِي الطِّفْلِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَجَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ بِأَنَّهُ يُسْأَلُ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَقَّنَ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي النَّبِيِّ هَلْ يُسْأَلُ.
وَأَمَّا الْمَلَكُ فَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا ذَكَرَهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ لِأَنَّ السُّؤَالَ يَخْتَصُّ بِمَنْ شَأْنُهُ أَن يفتن وَقد مَال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى الْأَوَّلِ.

     وَقَالَ  الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ لِمَنْ كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ.
وَأَمَّا الْكَافِرُ الْجَاحِدُ فَلَا يُسْأَلُ عَن دينه وَتعقبه بن الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ.

     وَقَالَ  فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ لِلْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ويضل الله الظَّالِمين وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبُخَارِيِّ.
وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَذَكَرَهُ وَفِيهِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا فَذَكَرَهُ وَفِيهِ فَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ هَكَذَا قَالَ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُمَرَ فَأَمَّا الْكَافِرُ الْجَاحِدُ فَلَيْسَ مِمَّنْ يُسْأَلُ عَنْ دِينِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ نَفْيٌ بِلَا دَلِيلٍ بَلْ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُسْأَلُ عَنْ دِينِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين.

     وَقَالَ  تَعَالَى فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ لَكِنْ لِلنَّافِي أَنْ يَقُولَ إِنَّ هَذَا السُّؤَالَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ لَا أَدْرِي فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ لَهُ مَا كُنْتَ تَعْبُدُ وَفِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولَ فِي هَذَا الرَّجُلِ وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي وَهُوَ أَتَمُّ الْأَحَادِيثِ سِيَاقًا .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ .

     قَوْلُهُ  لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا لَامٌ مَفْتُوحَةٌ وَتَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ قَالَ ثَعْلَبٌ .

     قَوْلُهُ  تَلَيْتَ أَصْلُهُ تَلَوْتَ أَيْ لَا فَهِمْتَ وَلَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ وَالْمَعْنَى لَا دَرَيْتَ وَلَا اتَّبَعْتَ من يدْرِي وَإِنَّمَا قَالَه بِالْيَاءِ لمواخاة دَريت.

     وَقَالَ  بن السِّكِّيتِ .

     قَوْلُهُ  تَلَيْتَ اتِّبَاعٌ وَلَا مَعْنَى لَهَا وَقِيلَ صَوَابُهُ وَلَا ائْتَلَيْتَ بِزِيَادَةِ هَمْزَتَيْنِ قَبْلَ الْمُثَنَّاةِ بِوَزْنِ افْتَعَلْتَ مِنْ قَوْلِهِمْ مَا أَلَوْتَ أَيْ مَا اسْتَطَعْتَ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ.

     وَقَالَ  الْفَرَّاءُ أَيْ قَصَّرْتَ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَا دَرَيْتَ وَلَا قَصَّرْتَ فِي طَلَبِ الدِّرَايَةِ ثُمَّ أَنْتَ لَا تَدْرِي.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِيُّ الْأُلُوُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الْجَهْدِ وَبِمَعْنَى التَّقْصِير وَبِمَعْنى الِاسْتِطَاعَة وَحكى بن قُتَيْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّ صَوَابَ الرِّوَايَةِ لَا دَرَيْتَ وَلَا أَتْلَيْتَ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَتَسْكِينِ الْمُثَنَّاةِ كَأَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَنْ يَتَّبِعُهُ وَهُوَ مِنَ الْإِتِلَاءِ يُقَالُ مَا أَتِلَتْ إِبِلُهُ أَيْ لَمْ تَلِدْ أَوْلَادًا يَتْبَعُونَهَا.

     وَقَالَ  قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ أَشْبَهُ بِالْمَعْنَى أَيْ لَا دَرَيْتَ وَلَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَدْرِيَ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَا دَرَيْتَ وَلَا اهْتَدَيْتَ وَفِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ لَا دَرَيْتَ وَلَا أَفْلَحْتَ .

     قَوْلُهُ  بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً تَقَدَّمَ فِي بَابِ خَفْقِ النِّعَالِ بِلَفْظِ بِمِطْرَقَةٍ عَلَى الْإِفْرَادِ وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأَحَادِيثِ قَالَ الْكَرْمَانِيِّ الْجَمْعُ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ تِلْكَ الْمِطْرَقَةِ مِطْرَقَةٌ بِرَأْسِهَا مُبَالَغَةً اه وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جبل لصار تُرَابًا وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ دَابَّةٌ فِي قَبْرِهِ مَعَهَا سَوْطٌ ثَمَرَتُهُ جَمْرَةٌ مِثْلُ غَرْبِ الْبَعِيرِ تَضْرِبُهُ مَا شَاءَ اللَّهُ صَمَّاءَ لَا تَسْمَعْ صَوْتَهُ فَتَرْحَمَهُ وَزَادَ فِي أَحَادِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ فَإِنَّ اللَّهَ أَبْدَلَكَ هَذَا وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُورًا وَيَضِيقُ عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف اضلاعه وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا .

     قَوْلُهُ  مَنْ يَلِيهِ قَالَ الْمُهَلَّبُ الْمُرَادُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَلُونَ فِتْنَتَهُ كَذَا قَالَ وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِالْمَلَائِكَةِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْبَهَائِمَ تَسْمَعُهُ وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ يَسْمَعُهُ مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَيَوَانُ وَالْجَمَادُ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ الْجَمَادَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ يَسْمَعُهُ كُلُّ دَابَّةٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالثَّقَلَيْنِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَالثِّقَلِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَ الْمُهَلَّبُ الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ الْجِنَّ قَوْلَ الْمَيِّتِ قَدِّمُونِي وَلَا يُسْمِعُهُمْ صَوْتَهُ إِذَا عُذِّبَ بِأَنَّ كَلَامَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ مُتَعَلِّقٌ بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا وَصَوْتَهُ إِذَا عُذِّبَ فِي الْقَبْرِ مُتَعَلِّقٌ بِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَقَدْ أَخْفَى اللَّهُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ أَحْوَالَ الْآخِرَةِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ إِبْقَاءً عَلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ غَيْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْهَا عَنْ أبي هُرَيْرَة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَسَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأُمِّ خَالِدٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَعَنْ جَابر عِنْد بن ماجة وَأبي سعيد عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ وَعُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ وَعَبْدِ الله بن عَمْرو عِنْد أبي دَاوُد وبن مَسْعُودٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَأَبِي بَكْرَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يزِيد عِنْد النَّسَائِيّ وَأم مُبشر عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَنْ غَيْرِهِمْ وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى الْكُفَّارِ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ والمساءلة وَهَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ وَهَلْ تَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْ وَقَعَتْ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَهَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ.

     وَقَالَ  كَانَتِ الْأُمَمُ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ تَأْتِيهِمُ الرُّسُلُ فَإِنْ أَطَاعُوا فَذَاكَ وَإِنْ أَبَوُا اعْتَزَلُوهُمْ وَعُوجِلُوا بِالْعَذَابِ فَلَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ مُحَمَّدًا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ أَمْسَكَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ وَقَبِلَ الْإِسْلَامَ مِمَّنْ أَظْهَرَهُ سَوَاءٌ أَسَرَّ الْكُفْرَ أَوْ لَا فَلَمَّا مَاتُوا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُمْ فَتَّانَيِ الْقَبْرِ لِيَسْتَخْرِجَ سِرَّهُمْ بِالسُّؤَالِ وَلِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيُثَبِّتَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَمِثْلُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الْمَلَكَيْنِ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا بِلَفْظِ.
وَأَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فَبِي تفتنون وعني تسالون وجنح بن الْقيم إِلَى الثَّانِي قَالَ لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَنْفِي الْمَسْأَلَةَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِكَيْفِيَّةِ امْتِحَانِهِمْ فِي الْقُبُورِ لَا أَنَّهُ نَفَى ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِمْ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ مَعَ أُمَّتِهِ كَذَلِكَ فَتُعَذَّبُ كُفَّارُهُمْ فِي قُبُورِهِمْ بَعْدَ سُؤَالِهِمْ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ كَمَا يُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ بَعْدَ السُّؤَالِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَحَكَى فِي مَسْأَلَةِ الْأَطْفَالِ احْتِمَالًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ فِي حَقِّ الْمُمَيِّزِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِيهِ ذَمُّ التَّقْلِيدِ فِي الِاعْتِقَادَاتِ لِمُعَاقَبَةِ مَنْ قَالَ كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ وَفِيهِ أَنَّ الْمَيِّتَ يَحْيَا فِي قَبْرِهِ لِلْمَسْأَلَةِ خِلَافًا لِمَنْ رَدَّهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قَالُوا رَبَّنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ واحييتنا اثْنَتَيْنِ الْآيَةَ قَالَ فَلَوْ كَانَ يَحْيَا فِي قَبْرِهِ لَلَزِمَ أَنْ يَحْيَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَمُوتَ ثَلَاثًا وَهُوَ خلاف النَّص وَالْجَوَاب بِأَن يُرَاد بِالْحَيَاةِ فِي الْقَبْرِ لِلْمَسْأَلَةِ لَيْسَتِ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الرُّوحُ بِالْبَدَنِ وَتَدْبِيرِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَتَحْتَاجُ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأَحْيَاءُ بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ إِعَادَةٍ لِفَائِدَةِ الِامْتِحَانِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فَهِيَ إِعَادَةٌ عَارِضَةٌ كَمَا حَيّ خَلْقٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِمَسْأَلَتِهِمْ لَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ ثُمَّ عَادُوا مَوْتَى وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ جَوَازُ التَّحْدِيثِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَا وَافَقَ الْحق