فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الصراط جسر جهنم

( قَولُهُ بَابُ الصِّرَاطُ جِسْرُ جَهَنَّمَ)
أَيِ الْجِسْرُ الْمَنْصُوبُ عَلَى جَهَنَّمَ لِعُبُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ إِلَى الْجَنَّةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لَفْظُ الْجِسْرِ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ الْمَاضِيَةِ فِي بَابُ فَضْلِ السُّجُودِ بِلَفْظِ ثُمَّ يُضْرَبُ الصِّرَاطُ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَةِ إِلَى ذَلِكَ



[ قــ :6232 ... غــ :6573] .

     قَوْلُهُ  عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَعِيدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ قَوْله وحَدثني مَحْمُود هُوَ بن غَيْلَانَ وَسَاقَهُ هُنَا عَلَى لَفْظِ مَعْمَرٍ وَلَيْسَ فِي سَنَدِهِ ذِكْرُ سَعِيدٍ وَكَذَا يَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ سَعِيدٍ وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى يَوْم نَدْعُو كل اناس بامامهم عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ بِلَفْظِ قُلْنَا .

     قَوْلُهُ  هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَة فِي التقيد بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السُّؤَالَ لَمْ يَقَعْ عَنِ الرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الرُّؤْيَةِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْبَحْثِ فِيهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَقَعَ عَلَى سَبَبٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْحَشْرَ وَالْقَوْلُ لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ وَقَوْلُ الْمُسْلِمِينَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبَّنَا قَالُوا وَهَلْ نَرَاهُ فَذَكَرَهُ وَمَضَى فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ وَقَعَ عِنْدَ سُؤَالِهِمُ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  هَلْ تُضَارُّونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ مِنَ الضَّرَرِ وَأَصْلُهُ تضَارونَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا أَيْ لَا تَضُرُّونَ أَحَدًا وَلَا يَضُرُّكُمْ بِمُنَازَعَةٍ وَلَا مُجَادَلَةٍ وَلَا مُضَايِقَةٍ وَجَاءَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ مِنَ الضَّيْرِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الضُّرِّ أَيْ لَا يُخَالِفُ بَعْضٌ بَعْضًا فَيُكَذِّبُهُ وَيُنَازِعُهُ فَيُضِيرُهُ بِذَلِكَ يُقَالُ ضَارَّهُ يُضِيرُهُ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَا تَضَايَقُونَ أَيْ لَا تَزَاحَمُونَ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تُضَامُّونَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَا يحجب بَعْضكُم بَعْضًا عَن الرُّؤْيَة فيضربه وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ ضَرَّنِي فُلَانٌ إِذَا دَنَا مِنِّي دنوا شَدِيدا قَالَ بن الْأَثِيرِ فَالْمُرَادُ الْمُضَارَّةُ بِازْدِحَامٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ أَوَّلُهُ مَضْمُومٌ مُثَقَّلًا وَمُخَفَّفًا قَالَ وَرَوَى تَضَامُّونَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَهُوَ مِنَ الضَّمِّ وَبِالتَّخْفِيفِ مَعَ ضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الضَّيْمِ وَالْمُرَادُ الْمَشَقَّةُ وَالتَّعَبُ قَالَ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الَّذِي بِالرَّاءِ وَبِالْمِيمِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا وَكُلُّهُ صَحِيحٌ ظَاهِرُ الْمَعْنَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَا تُضَامُونَ أَوْ تُضَاهُونَ بِالشَّكِّ كَمَا مَضَى فِي فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَمَعْنَى الَّذِي بِالْهَاءِ لَا يَشْتِبَهُ عَلَيْكُمْ وَلَا تَرْتَابُونَ فِيهِ فَيُعَارِضُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَعْنَى الضَّيْمِ الْغَلَبَةُ عَلَى الْحَقِّ وَالِاسْتِبْدَادُ بِهِ أَيْ لَا يَظْلِمُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَتَقَدَّمَ فِي بَابُ فَضْلِ السُّجُودِ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ هَلْ تُمَارُونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ تُجَادِلُونَ فِي ذَلِكَ أَوْ يَدْخُلُكُمْ فِيهِ شَكٌّ مِنَ الْمِرْيَةِ وَهُوَ الشَّكُّ وَجَاءَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ تَتَمَارَوْنَ بِإِثْبَاتِهِمَا .

     قَوْلُهُ  تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ الْمُرَادُ تَشْبِيهُ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ فِي الْوُضُوحِ وَزَوَالِ الشَّكِّ وَرَفْعِ الْمَشَقَّةِ وَالِاخْتِلَافِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا الطَّيِّبِ الصُّعْلُوكِيَّ يَقُولُ تُضَامُّونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ يُرِيدُ لَا تَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَتِهِ فِي جِهَةٍ وَلَا يَنْضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يُرَى فِي جِهَةٍ وَمَعْنَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ لَا تَتَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِالِاجْتِمَاعِ فِي جِهَةٍ وَهُوَ بِغَيْرِ تَشْدِيدٍ مِنَ الضَّيْمِ مَعْنَاهُ لَا تُظْلَمُونَ فِيهِ بِرُؤْيَةِ بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ فِي جِهَاتِكُمْ كُلِّهَا وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنِ الْجِهَةِ قَالَ وَالتَّشْبِيهُ بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ لِتَعْيِينِ الرُّؤْيَةِ دُونَ تَشْبِيهِ الْمَرْئِيِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِنَّمَا خَصَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ رُؤْيَةَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ سَحَابٍ أَكْبَرُ آيَةٍ وَأَعْظَمُ خَلْقًا مِنْ مُجَرَّدِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِمَا خُصَّا بِهِ مِنْ عَظِيمِ النُّورِ وَالضِّيَاءِ بِحَيْثُ صَارَ التَّشْبِيهُ بِهِمَا فِيمَنْ يُوصَفُ بِالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ سَائِغًا شَائِعا فِي الِاسْتِعْمَال.

     وَقَالَ  بن الْأَثِيرِ قَدْ يَتَخَيَّلُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْكَافَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلْمَرْئِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هِيَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلرُّؤْيَةِ وَهُوَ فِعْلُ الرَّائِي وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ رُؤْيَةٌ مُزَاحٌ عَنْهَا الشَّكُّ مِثْلُ رُؤْيَتِكُمُ الْقَمَرَ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ فِي الِابْتِدَاءِ بِذِكْرِ الْقَمَرِ قَبْلَ الشَّمْسِ مُتَابَعَةً لِلْخَلِيلِ فَكَمَا أُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ فِي الْمِلَّةِ اتَّبَعَهُ فِي الدَّلِيلِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْحَبِيبُ عَلَى إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ فَاسْتَدَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمُقْتَضَى حَالِهِ لِأَنَّ الْخُلَّةَ تَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الْوُجُودِ وَالْمَحَبَّةِ لَا تَقَعُ غَالِبًا إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ وَفِي عَطْفِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ مَعَ أَنَّ تَحْصِيلَ الرُّؤْيَةِ بِذِكْرِهِ كَافٍ لِأَنَّ الْقَمَرَ لَا يُدْرِكَ وَصْفَهُ الْأَعْمَى حِسًّا بَلْ تَقْلِيدًا وَالشَّمْسُ يُدْرِكُهَا الْأَعْمَى حِسًّا بِوُجُودِ حَرِّهَا إِذَا قَابَلَهَا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ مَثَلًا فَحَسُنَ التَّأْكِيدُ بِهَا قَالَ وَالتَّمْثِيلُ وَاقِعٌ فِي تَحْقِيقِ الرُّؤْيَةِ لَا فِي الْكَيْفِيَّةِ لِأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مُتَحَيِّزَانِ وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.

قُلْتُ وَلَيْسَ فِي عَطْفِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ إِبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَرِيرٍ الْحِكْمَةُ فِي التَّمْثِيلِ بِالْقَمَرِ أَنَّهُ تَتَيَسَّرُ رُؤْيَتُهُ لِلرَّائِي بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَحْدِيقٍ يَضُرُّ بِالْبَصَرِ بِخِلَافِ الشَّمْسِ فَإِنَّهَا حِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُرُودَ ذِكْرِ الشَّمْسِ بَعْدَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَجْلِسَ وَاحِدٌ خُدِشَ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِ تِلْكَ السَّاعَةَ ثُمَّ يَتَوَارَى قَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ رُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ مُمْكِنَةٌ وَنَفَتْهَا الْمُبْتَدِعَةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُمْ فَقَدْ تَضَافَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِهَا فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَجَابَ الْأَئِمَّةُ عَنِ اعْتِرَاضَاتِ الْمُبْتَدِعَةِ بِأَجْوِبَةٍ مَشْهُورَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرُّؤْيَةِ تَقَابُلُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَإِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْتَرَضَ بن الْعَرَبِيِّ عَلَى رِوَايَةِ الْعَلَاءِ وَأَنْكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ الْوَاقِعَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الْوَاسِطَةِ لِأَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ الْكُفَّارَ وَلَا يَرَوْنَهُ أَلْبَتَّةَ.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَلَا يَرَوْنَهُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالْإِجْمَاعِ .

     قَوْلُهُ  يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ يَحْشُرُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي مَكَانٍ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّعِيدُ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ وَيَنْفُذُهُمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ يَخْرِقُهُمْ بِمُعْجَمَةٍ وَقَافٍ حَتَّى يُجَوِّزُهُمْ وَقِيلَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَسْتَوْعِبُهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْنَاهُ يَنْفُذُهُمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْمُرَادُ بَصَرُ النَّاظِرِينَ وَهُوَ أَوْلَى.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُجْمَعُونَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ لَا يخفى مِنْهُم أحد لَوْ دَعَاهُمْ دَاعٍ لَسَمِعُوهُ وَلَوْ نَظَرَ إِلَيْهِمْ نَاظر لأدركهم قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدَّاعِي هُنَا مَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ لِقَوْلِهِ يَوْمَ يدع الداع وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِ الْمَوْقِفِ فِي بَابُ الْحَشْرِ وَزَادَ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَته فَيطلع عَلَيْهِم رب الْعَالمين قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُطَّلِعًا عَلَى خَلْقِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِعْلَامُهُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ وَأَصْلُهُ فِي النَّسَائِيِّ إِذَا حُشِرَ النَّاسُ قَامُوا أَرْبَعِينَ عَامًا شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَالشَّمْسُ على رؤوسهم حَتَّى يُلْجِمَ الْعَرَقُ كُلَّ بَرٍّ مِنْهُمْ وَفَاجِرٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُخَفَّفُ الْوُقُوفُ عَنِ الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ كَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ .

     قَوْلُهُ  فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَر الْقَمَر قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَر مَعَ دخولهما فِيمَن عبد من دُونَ اللَّهِ التَّنْوِيهُ بِذِكْرِهِمَا لِعِظَمِ خَلْقِهِمَا وَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَيّهَا النَّاس أَلَيْسَ عدل مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ غَيْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ عَبْدٍ مِنْكُمْ مَا كَانَ تَوَلَّى قَالَ فَيَقُولُونَ بَلَى ثُمَّ يَقُولُ لِتَنْطَلِقْ كُلُّ أُمَّةٍ إِلَى مَنْ كَانَتْ تَعْبُدُ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا لِيَتْبَعْ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا كَانَ يَعْبُدُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْنَدِ الْحميدِي وصحيح بن خُزَيْمَةَ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَيَلْقَى الْعَبْدُ فَيَقُولُ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَيَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ فَيَقُولُ أَلَا نَبْعَثُ عَلَيْكَ شَاهِدًا فَيَخْتِمُ عَلَى فِيهِ وَتَنْطِقُ جَوَارِحُهُ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَلَا لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتُ جَمْعُ طَاغُوتٍ وَهُوَ الشَّيْطَانُ وَالصَّنَمُ وَيَكُونُ جَمْعًا وَمُفْرَدًا وَمُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ كُلُّ طَاغٍ طَغَى عَلَى اللَّهِ يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ إِمَّا بِقَهْرٍ مِنْهُ لِمَنْ عَبَدَ وَإِمَّا بِطَاعَةٍ مِمَّنْ عَبَدَ إِنْسَانًا كَانَ أَوْ شَيْطَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا قَالَ فَاتِّبَاعُهُمْ لَهُمْ حِينَئِذٍ بِاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى الِاعْتِقَادِ فِيهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ بِأَنْ يُسَاقُوا إِلَى النَّارِ قَهْرًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ يَرْضَى بِذَلِكَ أَوِ الجماد وَالْحَيَوَان داخلون فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مَنْ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْمَسِيحِ فَلَا لَكِنْ وَقع فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَنْطَلِقُونَ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيَتَمَثَّلُ لِصَاحِبِ الصَّلِيبِ صَلِيبُهُ وَلِصَاحِبِ التَّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَعْمِيمَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ إِلَّا مَنْ سَيُذْكَرُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُ يُخَصُّ مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ الْآتِي ذكره وَأما التَّعْبِير بالتمثيل فَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ تَلْبِيسًا عَلَيْهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْذِيبَ.
وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَيُحْضَرُونَ حَقِيقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّم قَوْله وَتبقى هَذِه الْأمة قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَهْلِ التَّوْحِيدِ حَتَّى مِنَ الْجِنِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ.

قُلْتُ وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بَعْدَهُ يُجِيزُونَ أُمَمَهُمْ .

     قَوْلُهُ  فِيهَا مُنَافِقُوهَا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغُبَرُ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ غَابِرٍ أَوِ الْغُبَّرَاتُ جَمْعٌ وَغُبَرٌ جَمْعُ غَابِرٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَغْبَارٍ وَغُبْرُ الشَّيْءِ بَقِيَّتُهُ وَجَاءَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ كَانَ يُوَحِّدُ اللَّهَ مِنْهُمْ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فِي مُسلم بالتحتانية بِلَفْظ الَّتِي بِالِاسْتِثْنَاءِ وَجزم عِيَاض وَغَيره بِأَنَّهُ وهم قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْخَبَرِ مَآلَ الْمَذْكُورِينَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الطَّوَاغِيتِ فِي النَّارِ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مَعَهُمْ فِي النَّارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَأَوْرَدَهُمُ النَّار.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَرِيبًا فَتَتْبَعُ الشَّيَاطِينَ وَالصَّلِيبَ أَوْلِيَاؤُهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ بِمُهْملَة ثمَّ مُوَحدَة فَيُقَال الْيَهُود مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ذِكْرُ النَّصَارَى وَفِيهِ فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عِنْد بن خُزَيْمَة وبن مَنْدَهْ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ صَنَمًا وَلَا وَثَنًا وَلَا صُورَةً إِلَّا ذَهَبُوا حَتَّى يَتَسَاقَطُوا فِي النَّارِ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيُطْرَحُ مِنْهُمْ فِيهَا فَوْجٌ وَيُقَالُ هَلِ امْتَلَأْتِ فَتَقُولُ هَلْ من مزِيد الْحَدِيثَ وَكَانَ الْيَهُودُ وَكَذَا النَّصَارَى مِمَّنْ كَانَ لَا يَعْبُدُ الصُّلْبَانَ لَمَّا كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى تَأَخَّرُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا حَقَّقُوا عَلَى عِبَادَةِ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أُلْحِقُوا بِأَصْحَابِ الْأَوْثَانِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَار جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا الْآيَةَ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِدِينِهِ الْأَصْلِيِّ فَخَرَجَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَبْقَى أَيْضًا مَنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ مِنْ مُخْلِصٍ وَمُنَافِقٍ .

     قَوْلُهُ  فَتَدَّعِي الْيَهُودُ قُدِّمُوا بِسَبَبِ تَقَدُّمِ مِلَّتِهِمْ عَلَى مِلَّةِ النَّصَارَى .

     قَوْلُهُ  فَيُقَالُ لَهُمْ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ قَائِلِ ذَلِكَ لَهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرًا بن اللَّهِ هَذَا فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْيَهُودِ وَأَكْثَرُهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ خُصُوصَ هَذَا الْخِطَابِ لِمَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ وَمَنْ عَدَاهُمْ يَكُونُ جَوَابُهُمْ ذِكْرَ مَنْ كَفَرُوا بِهِ كَمَا وَقَعَ فِي النَّصَارَى فَإِن مِنْهُم من أجَاب بالمسيح بن اللَّهِ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ بِزَعْمِهِ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَهُمُ الِاتِّحَادِيَّةُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ بْنُ مَرْيَمَ .

     قَوْلُهُ  فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ لَا يَرْجِعَانِ إِلَى الْحُكْمِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فَإِذَا قِيلَ جَاءَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو بِكَذَا فَمَنْ كَذَّبَهُ أَنْكَرَ مَجِيئَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لَا انه بن عَمْرٍو وَهُنَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ عَبَّدُوا وانما انكر عَلَيْهِم ان الْمَسِيح بن اللَّهِ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ فِيهِ نفي اللَّازِم وَهُوَ كَونه بن الله ليلزم نفي الْمَلْزُوم وَهُوَ عبَادَة بن اللَّهِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَتَحْصُلُ قَرِينَةٌ بِحَسَبِ الْمَقَامِ تَقْتَضِي الرُّجُوعَ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا أَوْ إِلَى الْمُشَارِ إِلَيْهِ فَقَطْ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يَتَأَخَّرُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ رَجَاءَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ فِي الدُّنْيَا فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ لَهُمْ فَمَيَّزَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ إِذْ لَا غُرَّةَ لِلْمُنَافِقِ وَلَا تَحْجِيلَ.

قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ خَاصٌّ بِالْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَتَمَيَّزُونَ بِعَدَمِ السُّجُودِ وَبِإِطْفَاءِ نُورِهِمْ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ لَهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ ثُمَّ يُسْلَبَانِ عِنْدَ إِطْفَاءِ النُّورِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ تَسَتُّرَهُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ يَنْفَعُهُمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا كَانَ يَنْفَعُهُمْ فِي الدُّنْيَا جَهْلًا مِنْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا حُشِرُوا مَعَهُمْ لِمَا كَانُوا يُظْهَرُونَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ فَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ حَتَّى مَيَّزَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَنْ كَانَتْ تَعْبُدُ وَالْمُنَافِقُ لَمْ يَكُنْ يَعْبُدُ شَيْئًا بَقِيَ حَائِرًا حَتَّى مُيِّزَ.

قُلْتُ هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِمُنَافِقٍ كَانَ لَا يَعْبُدُ شَيْئًا وَأَكْثَرُ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ وَثَنٍ وَغَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ يَتَبَدَّى لَنَا اللَّهُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَيْنَاهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّنَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هُنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ وَرَجَّحَ عِيَاضٌ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الضَّمِيرُ لِلَّهِ وَالْمَعْنَى فَارَقْنَا النَّاسَ فِي مَعْبُودَاتِهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ وَنَحْنُ الْيَوْمَ أَحْوَجُ لِرَبِّنَا أَيْ إِنَّا مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ بَلْ أَحْوَجُ عَلَى بَابِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَحْوَجُ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ إِنْكَارُهُ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ مُعْتَرَضٌ بَلْ مَعْنَاهُ التَّضَرُّعُ إِلَى اللَّهِ فِي كَشْفِ الشِّدَّةِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَزِمُوا طَاعَتَهُ وَفَارَقُوا فِي الدُّنْيَا مَنْ زَاغَ عَنْ طَاعَتِهِ مِنْ أَقَارِبِهِمْ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ كَمَا جَرَى لِمُؤْمِنِي الصَّحَابَةِ حِينَ قَاطَعُوا مِنْ أَقَارِبِهِمْ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ وَالِارْتِفَاقِ بِهِمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا شَكَّ فِي حُسْنِهِ.
وَأَمَّا نِسْبَةُ الْإِتْيَانِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ كُلَّ مَنْ غَابَ عَنْ غَيْرِهِ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ إِلَّا بِالْمَجِيءِ إِلَيْهِ فَعَبَّرَ عَنِ الرُّؤْيَةِ بِالْإِتْيَانِ مَجَازًا وَقِيلَ الْإِتْيَانُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مَعَ تَنْزِيهِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ سِمَاتِ الْحُدُوثِ وَقِيلَ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ يَأْتِيهِمْ بَعْضُ مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا الْمَلَكَ جَاءَهُمْ فِي صُورَةٍ أَنْكَرُوهَا لَمَّا رَأَوْا فِيهَا مِنْ سِمَةِ الْحُدُوثِ الظَّاهِرَةِ عَلَى الْمَلَكِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ قَالَ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا رَابِعًا وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى يَأْتِيهِمُ اللَّهُ بِصُورَةٍ أَيْ بِصِفَةٍ تَظْهَرُ لَهُمْ مِنَ الصُّوَرِ الْمَخْلُوقَةِ الَّتِي لَا تُشْبِهُ صِفَةَ الْإِلَهِ لِيَخْتَبِرَهُمْ بِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ لَهُمْ هَذَا الْمَلَكُ أَنَا رَبُّكُمْ وَرَأَوْا عَلَيْهِ مِنْ عَلَامَةِ الْمَخْلُوقِينَ مَا يَعْلَمُونَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ رَبَّهُمُ اسْتَعَاذُوا مِنْهُ لِذَلِكَ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَهُوَ يُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ قَالَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ ذَلِكَ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الصِّفَةُ وَالْمَعْنَى فَيَتَجَلَّى اللَّهُ لَهُمْ بِالصِّفَةِ الَّتِي يَعْلَمُونَهُ بِهَا وَإِنَّمَا عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَقَدَّمَتْ لَهُمْ رُؤْيَتُهُ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ حِينَئِذٍ شَيْئًا لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقِينَ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَبُّهُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا وَعَبَّرَ عَنِ الصِّفَةِ بِالصُّورَةِ لِمُجَانَسَةِ الْكَلَامِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ الصُّورَةِ قَالَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ صَدَرَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِهِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي صَحِيحٌ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ مُصَرِّحٌ بِهِ أَوْ ظَاهِرٌ فِيهِ انْتَهَى وَرَجَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ مِنَ الِامْتِحَانِ الثَّانِي يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حَتَّى ان بَعضهم ليكاد يَنْقَلِب.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا اسْتَعَاذُوا مِنْهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ اسْتِدْرَاجٌ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَمِنَ الْفَحْشَاءِ اتِّبَاعُ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَةٍ أَيْ بِصُورَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا وَهِيَ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَلِذَلِكَ يَقُولُونَ إِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ أَيْ إِذَا جَاءَنَا بِمَا عَهِدْنَاهُ مِنْهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ مَعْنَى الْخَبَرِ يَأْتِيهِمُ اللَّهُ بِأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ صُوَرِ الْمَلَائِكَةِ بِمَا لَمْ يَعْهَدُوا مِثْلَهُ فِي الدُّنْيَا فَيَسْتَعِيذُونَ مِنْ تِلْكَ الْحَالِ وَيَقُولُونَ إِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ أَيْ إِذَا أَتَانَا بِمَا نَعْرِفُهُ مِنْ لُطْفِهِ وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ أَيْ عَنْ شِدَّةٍ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ هُوَ مَقَامٌ هَائِلٌ يَمْتَحِنُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ لِيُمَيِّزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ الْمُنَافِقُونَ مُخْتَلِطِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ ظَانِّينَ أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا جَازَ فِي الدُّنْيَا امْتَحَنَهُمُ اللَّهُ بِأَنْ أَتَاهُمْ بِصُورَةٍ هَائِلَةٍ قَالَتْ لِلْجَمِيعِ أَنَا رَبُّكُمْ فَأَجَابَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَلِهَذَا قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ يَنْقَلِبُ أَيْ يَزِلُّ فَيُوَافِقُ الْمُنَافِقِينَ قَالَ وَهَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رُسُوخٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا الْحَقَّ وَحَوَّمُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ قَالَ ثُمَّ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ.

قُلْتُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَفْظُهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهَا فَيَقُولُونَ السَّاقُ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدُ فَيَصِيرُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا أَيْ يَسْتَوِي فَقَارُ ظَهْرِهِ فَلَا يَنْثَنِي لِلسُّجُودِ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ لَهُ فِي السُّجُودِ أَيْ سَهَّلَ لَهُ وَهَوَّنَ عَلَيْهِ وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقًا وَاحِدًا كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ لِقَفَاهُ وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ فَيَقُولُونَ إِنِ اعْتَرَفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ قَالَ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ فَيَقَعُونَ سُجُودًا وَتَبْقَى أَصْلَابُ الْمُنَافِقِينَ كَأَنَّهَا صَيَاصِي الْبَقَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَتَبْقَى ظُهُورُ الْمُنَافِقِينَ طَبَقًا وَاحِدًا كَأَنَّمَا فِيهَا السَّفَافِيدُ وَهِيَ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءَيْنِ جَمْعُ سَفُّودٍ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُدْخَلُ فِي الشَّاةِ إِذَا أُرِيدَ أَنْ تُشْوَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ بن مَنْدَهْ فَيُوضَعُ الصِّرَاطُ وَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ رَبُّهُمْ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ إِذَا تَعَرَّفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ يَطْلُعُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّبِعُونِي فَيَتْبَعُهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ أَيْ يُلْقِي فِي قُلُوبِهِمْ عِلْمًا قَطْعِيًّا يَعْرِفُونَ بِهِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

     وَقَالَ  الْكَلَابَاذِيُّ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ عَرَفُوهُ بِأَنْ أَحْدَثَ فِيهِمْ لَطَائِفَ عَرَّفَهُمْ بِهَا نَفْسَهُ وَمَعْنَى كَشْفِ السَّاقِ زَوَالُ الْخَوْفِ وَالْهَوْلِ الَّذِي غَيَّرَهُمْ حَتَّى غَابُوا عَنْ رُؤْيَةِ عَوْرَاتِهِمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سعد ثمَّ نرفع رؤوسنا وَقَدْ عَادَ لَنَا فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَيْنَاهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَنَقُولُ نَعَمْ أَنْتَ رَبُّنَا وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ فِي أَوَّلِ مَا حُشِرُوا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ غَيْرُ الَّتِي تَقَعُ فِي الْجَنَّةِ إِكْرَامًا لَهُمْ فَإِنَّ هَذِهِ لِلِامْتِحَانِ وَتِلْكَ لِزِيَادَةِ الْإِكْرَامِ كَمَا فُسِّرَتْ بِهِ الْحسنى وَزِيَادَة قَالَ وَلَا إِشْكَالَ فِي حُصُولِ الِامْتِحَانِ فِي الْمَوْقِفِ لِأَنَّ آثَارَ التَّكَالِيفِ لَا تَنْقَطِعُ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا حَجَبَ عَنْهُمْ تَحَقُّقَ رُؤْيَتِهِ أَوَّلًا لِمَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ رُؤْيَتَهُ فَلَمَّا تَمَيَّزُوا رَفَعَ الْحِجَابَ فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ حِينَئِذٍ أَنْتَ رَبُّنَا.

قُلْتُ وَإِذَا لُوحِظَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ إِذَا تَعَرَّفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ وَمَا ذَكَرْتُ مِنْ تَأْوِيلِهِ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَالْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ أَنْ لَا يَقَعَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا يُخَصُّ بِالْأُخْرَى فَإِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَفِيهِ الِابْتِلَاءُ وَالْفِتْنَةُ بِالسُّؤَالِ وَغَيْرِهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّكْلِيفَ خَاصٌّ بِالدُّنْيَا وَمَا يَقَعُ فِي الْقَبْرِ وَفِي الْمَوْقِفِ هِيَ آثَارُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ مِنَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمُسْلِمِينَ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ إِلَى نُورِكُمْ بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ وَفِي لَفْظٍ فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ وَدُونَ ذَلِكَ وَمِثْلَ النَّخْلَةِ وَدُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ نُورًا إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ يطفيء نور الْمُنَافِق وَفِي حَدِيث بن عَبَّاس عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ فَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ نُورًا ثُمَّ يُوَجَّهُونَ إِلَى الصِّرَاطِ فَمَا كَانَ مِنْ مُنَافِقٍ طفيء نُورُهُ وَفِي لَفْظِ فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ الْمُنَافِقِينَ فَقَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ انْظُرُونَا نقتبس من نوركم الْآيَة وَفِي حَدِيث أبي امامة عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ وَإِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَوَاطِنَ حَتَّى يَغْشَى النَّاسَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَتَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ فَتَغْشَى النَّاسَ الظُّلْمَةُ فَيُقْسَمُ النُّورُ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ وَلَا يُعْطَى الْكَافِرُ وَلَا الْمُنَافِقُ مِنْهُ شَيْئًا فَيَقُولُ الْمُنَافِقُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظرونا نقتبس من نوركم الْآيَةَ فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُسِمَ فِيهِ النُّورُ فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَيُضْرَبُ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ .

     قَوْلُهُ  فَيَتْبَعُونَهُ قَالَ عِيَاضٌ أَيْ فَيَتْبَعُونَ أَمْرَهُ أَوْ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ تَنْبِيهٌ حَذَفَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ كَمَا حَذَفَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَا ثَبَتَ هُنَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْمَوْقِفِ فَيَنْتَظِمُ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُمْ إِذَا حُشِرُوا وَقَعَ مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ تَسَاقُطِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ وَيَبْقَى مَنْ عَدَاهُمْ فِي كَرْبِ الْمَوْقِفِ فَيَسْتَشْفِعُونَ فَيَقَعُ الْإِذْنُ بِنَصْبِ الصِّرَاطِ فَيَقَعُ الِامْتِحَانُ بِالسُّجُودِ لِيَتَمَيَّزَ الْمُنَافِقُ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثُمَّ يَجُوزُونَ عَلَى الصِّرَاطِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هُنَا ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ .

     قَوْلُهُ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ يَجُوزُ بِأُمَّتِهِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ يُجِيزُهَا وَالضَّمِيرُ لِجَهَنَّمَ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ جَازَ الْوَادِيَ مَشَى فِيهِ وَأَجَازَهُ قَطَعَهُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ جَازَ وَأَجَازَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمَعْنَى أَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يَمْضِي عَلَى الصِّرَاطِ وَيَقْطَعُهُ يَقُولُ جَازَ الْوَادِيَ وَأَجَازَهُ إِذَا قَطَعَهُ وَخَلَّفَهُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ هُنَا لِلتَّعَدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ وَأُمَّتُهُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ لَزِمَ تَأْخِيرُ غَيْرِهِمْ عَنْهُمْ حَتَّى يَجُوزَ فَإِذَا جَازَ هُوَ وَأُمَّتُهُ فَكَأَنَّهُ أَجَازَ بَقِيَّةَ النَّاسِ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُومُ فَتَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ بَرُّهَا وَفَاجِرُهَا فَيَأْخُذُونَ الْجِسْرَ فَيَطْمِسُ اللَّهُ أَبْصَارَ أَعْدَائِهِ فَيَتَهَافَتُونَ مِنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ وَيَنْجُو النَّبِيُّ وَالصَّالِحُونَ وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ وَفِيهِ فَتُفْرَجُ لَنَا الْأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا فَنَمُرُّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الطُّهُورِ فَتَقُولُ الْأُمَمُ كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ .

     قَوْلُهُ  وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ وَقَولُهُمُ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ شِعَارُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الصِّرَاطِ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَالضَّمِيرُ فِي الْأَوَّلِ لِلرُّسُلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا الْكَلَامِ شِعَارَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْطِقُوا بِهِ بَلْ تَنْطِقُ بِهِ الرُّسُلُ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالسَّلَامَةِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ شِعَارًا لَهُمْ فَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ فَعِنْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَعًا فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَمَرِّ الْبَرْقِ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّحَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ فَيَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلُ جِيَاد الْخَيل والركاب وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفِ الْعَيْنِ ثُمَّ كَالْبَرْقِ ثُمَّ كَالسَّحَابِ ثُمَّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ ثُمَّ كَالرِّيحِ ثُمَّ كَشَدِّ الْفَرَسِ ثُمَّ كَشَدِّ الرَّحْلِ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ الَّذِي أُعْطِيَ نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ يَجُرُّ بِيَدٍ وَيَعْلَقُ يَدٌ وَيَجُرُّ بِرِجْلٍ وَيَعْلَقُ رِجْلٌ وَتَضْرِبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ حَتَّى يَخْلُصَ وَعِنْدَ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّعْرَاء عَن بن مَسْعُودٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ ثُمَّ الرِّيحِ ثُمَّ الطَّيْرِ ثُمَّ أَجْوَدِ الْخَيْلِ ثُمَّ أَجْوَدِ الْإِبِلِ ثُمَّ كَعَدْوِ الرَّجُلِ حَتَّى إِنَّ آخِرَهُمْ رَجُلٌ نُورُهُ عَلَى مَوْضِعِ إِبْهَامَيْ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَتَكَفَّأُ بِهِ الصِّرَاط وَعند هناد بن السرى عَن بن مَسْعُودٍ بَعْدَ الرِّيحِ ثُمَّ كَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ سَعْيًا ثُمَّ مَشْيًا ثُمَّ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لِمَ أَبْطَأْتَ بِي فَيَقُولُ أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ وَلِابْنِ الْمُبَارَكَ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ فَيَجُوزُ الرَّجُلُ كَالطَّرْفِ وَكَالسَّهْمِ وَكَالطَّائِرِ السَّرِيعِ وَكَالْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ وَيَجُوزُ الرَّجُلُ يَعْدُو عَدْوًا وَيَمْشِي مَشْيًا حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يَنْجُو يَحْبُو .

     قَوْلُهُ  وَبِهِ كَلَالِيبُ الضَّمِيرُ لِلصِّرَاطِ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ وَفِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَعًا وَفِي حَافَّتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ وَعَلَيْهِ كَلَالِيبُ النَّارِ وَكَلَالِيبُ جَمْعُ كَلُّوبٍ بِالتَّشْدِيدِ وَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَبَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هَذِهِ الْكَلَالِيبُ هِيَ الشَّهَوَاتُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ قَالَ فَالشَّهَوَاتُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَوَانِبِهَا فَمَنِ اقْتَحَمَ الشَّهْوَةَ سَقَطَ فِي النَّارِ لِأَنَّهَا خَطَاطِيفُهَا وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَيَقُومَانِ جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا أَيْ يَقِفَانِ فِي نَاحِيَتَيِ الصِّرَاطِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَيَجُوزُ سُكُونُ النُّونِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَمَانَةَ وَالرَّحِمَ لِعِظَمِ شَأْنِهِمَا وَفَخَامَةِ مَا يَلْزَمُ الْعِبَادُ مِنْ رِعَايَةِ حَقِّهِمَا يُوقَفَانِ هُنَاكَ لِلْأَمِينِ وَالْخَائِنِ وَالْمُوَاصِلِ وَالْقَاطِعِ فَيُحَاجَّانِ عَنِ الْمُحِقِّ وَيَشْهَدَانِ عَلَى الْمُبْطِلِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْآيَةَ وَصِلَةُ الرَّحِمِ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُمَا اكْتَنَفَتَا جَنْبَتَيِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَفُطْرَتَيِ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ الْقَوِيمِ .

     قَوْلُهُ  مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ بِالسِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَالسَّعْدَانُ جَمْعُ سَعْدَانَةٍ وَهُوَ نَبَاتٌ ذُو شَوْكٍ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي طِيبِ مَرْعَاهُ قَالُوا مَرْعًى وَلَا كَالسَّعْدَانِ .

     قَوْلُهُ  أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ هُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ لِاسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ .

     قَوْلُهُ  غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ أَيِ الشَّوْكَةِ وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَيَّدْنَاهُ أَيْ لَفْظَ قَدْرٍ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا بِضَمِّ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ اسْتِفْهَامًا وَقَدْرُ مُبْتَدَأٌ وَبِنَصْبِهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ مَا زَائِدَةً وَقَدْرُ مَفْعُولَ يَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَتَخْطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبِفَتْحِهَا قَالَ ثَعْلَبٌ فِي الْفَصِيحِ خَطِفَ بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وَبِالْفَتْحِ فِي الْمُضَارِعِ وَحَكَى الْقَزَّازُ عَكْسَهُ وَالْكَسْرُ فِي الْمُضَارِعِ أَفْصَحُ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ تَشْبِيهُ الْكَلَالِيبِ بِشَوْكِ السَّعْدَانِ خَاصٌّ بِسُرْعَةِ اخْتِطَافِهَا وَكَثْرَةِ الِانْتِشَابِ فِيهَا مَعَ التَّحَرُّزِ وَالتَّصَوُّنِ تَمْثِيلًا لَهُمْ بِمَا عَرَفُوهُ فِي الدُّنْيَا وَأَلِفُوهُ بِالْمُبَاشَرَةِ ثُمَّ اسْتَثْنَى إِشَارَةً إِلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ لَمْ يَقَعْ فِي مِقْدَارِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ السُّدِّيِّ وَبِحَافَّتَيْهِ مَلَائِكَةٌ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ نَارٍ يَخْتَطِفُونَ بِهَا النَّاسَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قُلْنَا وَمَا الْجِسْرُ قَالَ مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ أَيْ زَلِقٌ تَزْلَقُ فِيهِ الْأَقْدَامُ وَيَأْتِي ضَبْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ بَلَغَنِي أَنَّ الصِّرَاطَ أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ وَأَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن مَنْدَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ بَلَغَنِي وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْزُومًا بِهِ وَفِي سَنَدِهِ لِينٌ وَلِابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ إِنَّ الصِّرَاطَ مِثْلُ السَّيْفِ وَبِجَنْبَتَيْهِ كَلَالِيبُ إِنَّهُ لَيُؤْخَذُ بِالْكَلُّوبِ الْوَاحِدِ أَكثر من ربيعَة وَمُضر وَأخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِيهِ وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى جَنْبَتَيْهِ يَقُولُونَ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَجَاءَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ الصِّرَاطَ مَسِيرَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ خَمْسةُ آلَافٍ صُعُودٌ وَخَمْسَةُ آلَافٍ هُبُوطٌ وَخَمْسَةُ آلَافٍ مُسْتَوَى أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ إِلَّا ضامر مهزول من خشيَة الله أخرجه بن عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ وَهَذَا مُعْضَلٌ لَا يَثْبُتُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ الصِّرَاطَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ وَلِبَعْضِ النَّاسِ مِثْلُ الْوَادِي الْوَاسِعِ أَخْرَجَهُ بن الْمُبَارك وبن أَبِي الدُّنْيَا وَهُوَ مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ تُمَثَّلُ النَّارُ لِلنَّاسِ ثُمَّ يُنَادِيهَا مُنَادٍ أَمْسِكِي أَصْحَابَكِ وَدَعِي أَصْحَابِي فَتَخْسِفُ بِكُلِّ وَلِيٍّ لَهَا فَهِيَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنَ الرَّجُلِ بِوَلَدِهِ وَيَخْرُجُ الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّةً ثِيَابُهُمْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ كَوْنِهِ مَقْطُوعًا .

     قَوْلُهُ  مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ مَنْ يُوبَقُ وَهُمَا بِالْمُوَحَّدَةِ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ وَلِبَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ الْمُوثَقُ بِالْمُثَلَّثَةِ من الوثاق وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ رِوَايَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الْآتِيَةَ فِي التَّوْحِيدِ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَمِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ بِكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ بَقِيَ بِعَمَلِهِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْقَافِ مِنَ الْوِقَايَةِ أَيْ يَسْتُرُهُ عَمَلُهُ وَفِي لَفْظِ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ يَعْنِي بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ بَدَلُ بَقِيَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ .

     قَوْلُهُ  وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُنَا بِالْجِيمِ وَكَذَا لِأَبِي أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيِّ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَوَهَّاهُ عِيَاضٌ وَالدَّالُ مُهْمَلَةٌ لِلْجَمِيعِ وَحَكَى أَبُو عبيد فِيهِ اعجام الذَّال وَرجح بن قُرْقُولٍ الْخَاءَ الْمُعْجَمَةَ وَالدَّالَ الْمُهْمَلَةَ.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيُّ الْمَعْنَى أَنَّ كَلَالِيبَ النَّارِ تَقْطَعُهُ فَيَهْوِي فِي النَّارِ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي بَانَتْ سُعَادُ قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ يَغْدُو فَيُلْحِمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُمَا لَحْمٌ مِنَ الْقَوْمِ مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ فَ.

     قَوْلُهُ  مَعْفُورٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ أَيْ وَاقِعٌ فِي التُّرَابِ وخراديل أَيْ هُوَ قِطَعٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَرْدَلِ أَيْ جُعِلَتْ أَعْضَاؤُهُ كَالْخَرْدَلِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَقْطَعُهُمْ عَنْ لُحُوقِهِمْ بِمَنْ نَجَا وَقِيلَ المخردل المصروع وَرجحه بن التِّينِ فَقَالَ هُوَ أَنْسَبُ لِسِيَاقِ الْخَبَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ فَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ أَوِ الْمُجَازَى أَوْ نَحْوُهُ وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ الْمُجَازَى بِغَيْرِ شَكٍّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ مِنَ الْجَزَاءِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَنْجُو فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ يَنْجَلِي بِالْجِيمِ أَيْ يَتَبَيَّنُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُخَلَّى عَنْهُ فَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى يَنْجُو وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ أحدهم فيسحب سحبا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَارِّينَ عَلَى الصِّرَاطِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ نَاجٍ بِلَا خُدُوشٍ وَهَالِكٌ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَمُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا يُصَابُ ثُمَّ يَنْجُو وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْهَا يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا تُعْرَفُ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ مَكْدُوسٍ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالْمُهْمَلَةِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ السُّوقُ الشَّدِيدُ وَمَعْنَى الَّذِي بِالْمُهْمَلَةِ الرَّاكِبُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَقِيلَ مُكَرْدَسٌ وَالْمُكَرْدَسُ فَقَارُ الظَّهْرِ وَكَرْدَسَ الرَّجُلُ خَيْلَهُ جَعَلَهَا كَرَادِيسَ أَي فرقها وَالْمرَاد انه ينكفأ فِي قعرها وَعند بن مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخِرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ عَلَى حَسَكٍ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ بِهِ ثُمَّ نَاجٍ وَمُحْتَبَسٌ بِهِ وَمَنْكُوسٌ فِيهَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ كَذَا لِمَعْمَرٍ هُنَا وَوَقَعَ لِغَيْرِهِ بَعْدَ هَذَا.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ الْفَرَاغُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ مَعْنَاهُ الْقَضَاءُ وَحُلُولُهُ بِالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ إِخْرَاجُ الْمُوَحِّدِينَ وَإِدْخَالُهُمُ الْجَنَّةَ وَاسْتِقْرَارُ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى يَفْرُغُ اللَّهُ أَيْ مِنَ الْقَضَاءِ بِعَذَابِ مَنْ يَفْرُغُ عَذَابُهُ وَمَنْ لَا يَفْرُغُ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْفَرَاغِ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ وَإِنْ لم يذكر لَفظهَا.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ مَعْنَاهُ وَصْلُ الْوَقْتِ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَرْحَمُهُمْ وَقَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَاضِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ يَقَعُ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ أبي عوَانَة وَالْبَيْهَقِيّ وبن حِبَّانَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبَّاهُ حَرَقْتَ بَنِيَّ فَيَقُولُ أَخْرِجُوا وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ آدَمُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ يَتَبَيَّنُ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا الْحَدِيثَ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ الْآتِيَةِ فِي التَّوْحِيدِ وَوَقَعَ فِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ بْنِ مَيْسَرَةَ اخْتِلَافٌ فِي سِيَاقِهِ سَأُبَيِّنُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ شَفَعُوا وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَهُمْ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ رَفَعَهُ يَدْخُلُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ النَّارَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدُهُمْ إِلَّا اللَّهُ بِمَا عصوا الله واجترؤوا عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَخَالَفُوا طَاعَتَهُ فَيُؤْذَنُ لِي فِي الشَّفَاعَةِ فَأُثْنِي عَلَى اللَّهِ سَاجِدًا كَمَا أُثْنِي عَلَيْهِ قَائِمًا فَيُقَالُ لِي ارْفَعْ رَأْسَكَ الْحَدِيثَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ تَشْفَعُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ ذِكْرُ سَبَبٍ آخَرَ لِإِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ وَلَفْظُهُ وَفَرَغَ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ وَأَدْخَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّتِي النَّارَ مَعَ أَهْلِ النَّارِ فَيَقُولُ أَهْلُ النَّارِ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ اللَّهَ لَا تُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا فَيَقُولُ الْجَبَّارُ فَبِعِزَّتِي لَأُعْتِقَنَّهُمْ مِنَ النَّارِ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ فَيُخْرَجُونَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ بن أَبِي عَاصِمٍ وَالْبَزَّارِ رَفَعَهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ وَمَعَهُمْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يَقُولُ لَهُمُ الْكُفَّارُ أَلَمْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَمَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلَامُكُمْ وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ فَقَالُوا كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ فَأُخِذْنَا بِهَا فَيَأْمُرُ اللَّهُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَأُخْرِجُوا فَقَالَ الْكُفَّارُ يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ بن مَرْدَوَيْهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الْأَنْبِيَاءَ فَيَشْفَعُونَ ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ ثُمَّ يُقَالُ ادْعُوا الشُّهَدَاءَ فيشفعون وَفِي حَدِيث أبي بكرَة عِنْد بن أَبِي عَاصِمٍ وَالْبَيْهَقِيِّ مَرْفُوعًا يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُنْجِي اللَّهُ مَنْ شَاءَ بِرَحْمَتِهِ ثُمَّ يُؤْذَنُ فِي الشَّفَاعَةِ لِلْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ وَيَخْرُجُونَ .

     قَوْلُهُ  مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَمْ يَذْكُرِ الرِّسَالَةَ إِمَّا لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَلَازَمَا فِي النُّطْقِ غَالِبًا وَشَرْطًا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَوْلَى أَوْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَغَيْرُهَا وَلَوْ ذُكِرَتِ الرِّسَالَةُ لَكَثُرَ تَعْدَادُ الرُّسُلِ.

قُلْتُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَيُعَكِّرُ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِلَفْظٍ جَامِعٍ كَأَنْ يَقُولَ مَثَلًا وَنُؤْمِنُ بِرُسُلِهِ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَلَوْ لَمْ يُؤْمِنْ بِغَيْرِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ مَنْ جَحَدَ الرِّسَالَةَ كَذَّبَ اللَّهَ وَمَنْ كَذَّبَ اللَّهَ لَمْ يُوَحِّدْهُ .

     قَوْلُهُ  أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الشَّفَاعَةِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُخْرِجهُمْ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤْمَرُونَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ بِذَلِكَ فَالَّذِينَ يُبَاشِرُونَ الْإِخْرَاجَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا بَعْدَ قَوْلِهِ ذَرَّةٌ فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا وَفِيهِ فَيَقُولُ اللَّهُ شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ وَفِي حَدِيثِ مَعْبَدٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي وَجِبْرِيَائِي لَأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي التَّوْحِيدِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَنَا أُخْرِجُ بِعِلْمِي وَبِرَحْمَتِي وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ كُلَّ مَا قُدِّرَ قَبْلَ ذَلِكَ بِمِقْدَارِ شَعِيرَةٍ ثُمَّ حَبَّةٍ ثُمَّ خَرْدَلَةٍ ثُمَّ ذَرَّةٍ غَيْرُ الْإِيمَانِ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ بَلْ هُوَ مَا يُوجَدُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ثَمَرَةِ الْإِيمَانِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ازْدِيَادُ الْيَقِينِ وَطُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ لِأَنَّ تَضَافُرَ الْأَدِلَّةِ أَقْوَى لِلْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَأَثْبَتُ لِعَدَمِهِ وَالثَّانِي أَنْ يُرَادَ الْعَمَلُ وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِالْعَمَلِ وَيَنْصُرُ هَذَا الْوَجْهَ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَقَولُهُ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ أَيْ أَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِاسْمِي وَإِجْلَالًا لِتَوْحِيدِي وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى عُمُومِهِ وَيُحْمَلَ عَلَى حَالٍ وَمَقَامٍ آخَرَ قَالَ الطِّيبِيُّ إِذَا فَسَّرْنَا مَا يَخْتَصُّ بِاللَّهِ بِالتَّصْدِيقِ الْمُجَرَّدِ عَنِ الثَّمَرَةِ وَمَا يَخْتَصُّ بِرَسُولِهِ هُوَ الْإِيمَانُ مَعَ الثَّمَرَةِ مِنِ ازْدِيَادِ الْيَقِينِ أَوِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ حَصَلَ الْجَمْعُ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ مُبَاشَرَةُ الْإِخْرَاجِ لَا أَصْلَ الشَّفَاعَةِ وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ الْأَخِيرَةُ وَقَعَتْ فِي إِخْرَاجِ الْمَذْكُورِينَ فَأُجِيبَ إِلَى أَصْلِ الْإِخْرَاجِ وَمُنِعَ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ فَنُسِبَتْ إِلَى شَفَاعَتِهِ فِي حَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاس لكَونه ابْتِدَاء بِطَلَبِ ذَلِكَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ مَضَى شَرْحُ حَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مُسْتَوْفًى .

     قَوْلُهُ  فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ تُعْرَفُ صِفَةُ هَذَا الْأَثَرِ مِمَّا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من اثر السُّجُود لِأَنَّ وُجُوهَهُمْ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النَّارُ فَتَبْقَى صِفَتُهَا بَاقِيَةٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ بَلْ يَعْرِفُونَهُمْ بِالْغُرَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَالَّذِينَ يُخْرَجُونَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ من بن آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ هُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ يَعْرِفُونَ أَثَرَ السُّجُودِ مَعَ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ اللَّهُ بِالشَّفَاعَةِ فَإِذَا صَارُوا فَحْمًا كَيْفَ يَتَمَيَّزُ مَحَلُّ السُّجُودِ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يُعْرَفَ أَثَرُهُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ تَخْصِيصُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مِنْ عُمُومِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الْخَبَرِ وَأَنَّ اللَّهَ مَنَعَ النَّارَ أَنْ تُحْرِقَ أَثَرَ السُّجُودِ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَهَلِ الْمُرَادُ بِأَثَرِ السُّجُودِ نَفْسُ الْعُضْوِ الَّذِي يَسْجُدُ أَوِ الْمُرَادُ مَنْ سَجَدَ فِيهِ نَظَرٌ وَالثَّانِي أَظْهَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَذَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُذْنِبِينَ مُخَالِفٌ لِعَذَابِ الْكُفَّارِ وَأَنَّهَا لَا تَأْتِي عَلَى جَمِيعِ أَعْضَائِهِمْ إِمَّا إِكْرَامًا لِمَوْضِعِ السُّجُودِ وَعِظَمِ مَكَانِهِمْ مِنَ الْخُضُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِكَرَامَةِ تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي خُلِقَ آدَمُ وَالْبَشَرُ عَلَيْهَا وَفُضِّلُوا بِهَا عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ قُلْتُ الْأَوَّلُ مَنْصُوصٌ وَالثَّانِي مُحْتَمَلٌ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الصُّورَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِكْرَامُ لِأَجْلِهَا لَشَارَكَهُمُ الْكُفَّارُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ جَمِيعَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ السَّبْعَةِ وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ وَبِهَذَا جَزَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ ذِكْرُ الصُّورَةِ وَدَارَاتِ الْوُجُوهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَثَرِ السُّجُودِ الْوَجْهُ خَاصَّةً خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَشْمَلُ الْأَعْضَاءَ السَّبْعَةَ وَيُؤَيِّدُ اخْتِصَاصَ الْوَجْهِ أَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَإِلَى حِقْوِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَا أَنْكَرَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إِلَّا دَارَاتُ وُجُوهِهِمْ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مَخْصُوصُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ خَاصًّا بِهِمْ وَغَيْرُهُ عَامًّا فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إِلَّا مَا خُصَّ مِنْهُ.

قُلْتُ إِنْ أَرَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يُخَصُّونَ بِأَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ وُجُوهَهُمْ كُلَّهَا وَأَنَّ غَيْرَهُمْ لَا تَأْكُلُ مِنْهُمْ مَحَلَّ السُّجُودِ خَاصَّةً وَهُوَ الْجَبْهَةُ سَلِمَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَإِلَّا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ مَا قَالَ الْقَاضِي فِي حَقِّ الْجَمِيعِ إِلَّا هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَامَتُهُمُ الْغُرَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَمَّنْ قَالَهُ وَمَا تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَيُضَافُ إِلَيْهَا التَّحْجِيلُ وَهُوَ فِي الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ مِمَّا يَصِلُ إِلَيْهِ الْوُضُوءُ فَيَكُونُ أَشْمَلَ مِمَّا قَالَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ جِهَةِ دُخُولِ جَمِيعِ الْيَدَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ لَا تَخْصِيصِ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَلَكِنْ يَنْقُصُ مِنْهُ الرُّكْبَتَانِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي مِنْ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَمْنَعُ سَلَامَةَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مَعَ الِانْغِمَارِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَحْوَالَ الْأُخْرَوِيَّةَ خَارِجَةٌ عَلَى قِيَاسِ أَحْوَالِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَدَلَّ التَّنْصِيصُ عَلَى دَارَاتِ الْوُجُوهِ أَنَّ الْوَجْهَ كُلَّهُ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّارُ إِكْرَامًا لِمَحَلِّ السُّجُودِ وَيُحْمَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا عَلَى التَّنْوِيهِ بِهَا لشرفها وَقد استنبط بن أَبِي جَمْرَةَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا وَلَكِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي لَا يَخْرُجُ إِذْ لَا عَلَامَةَ لَهُ لَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُخْرَجُ فِي الْقَبْضَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ وَهَلِ الْمُرَادُ بِمَنْ يُسْلَمُ مِنَ الْإِحْرَاقِ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ أَوِ الْقُوَّةِ الثَّانِي أَظْهَرُ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَنْ أَسْلَمَ مَثَلًا وَأَخْلَصَ فَبَغَتَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ وَوَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ مِنْ نَظْمِهِ مَا يُوَافِقُ مُخْتَارَ النَّوَوِيِّ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  يَا رَبِّ أَعْضَاءَ السُّجُودِ عَتَقْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ الْجَانِي وَأَنْتَ الْوَاقِي وَالْعِتْقُ يسري بالغنى يَاذَا الْغِنَى فَامْنُنْ عَلَى الْفَانِي بِعِتْقِ الْبَاقِي .

     قَوْلُهُ  فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتَحَشُوا هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي التَّوْحِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ بِسَنَدِهِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا لَيْسَ فِيهِ قَدِ امْتَحَشُوا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً وَكَذَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ وبن مَنْدَهْ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحٍ بْنِ الْفَرَجِ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي أَيُّوبَ الْعَلَّافِ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهِ قَالَ عِيَاضٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الِامْتِحَاشَ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْقَبْضَةِ وَالتَّحْرِيمُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ صُورَةَ الْخَارِجِينَ أَوَّلًا قَبْلَهُمْ مِمَّنْ عَمِلَ الْخَيْرَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّمَ ضَبْطُ امْتَحَشُوا وَأَنَّهُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ أَيِ احْتَرَقُوا وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَالْمَحْشُ احْتِرَاقُ الْجِلْدِ وَظُهُورُ الْعَظْمِ قَالَ عِيَاضٌ ضَبَطْنَاهُ عَنْ مُتْقِنِي شُيُوخِنَا وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْحَاء وَلَا يعرف فِي اللُّغَة امتحشه مُتَعَدِّيًا وَإِنَّمَا سُمِعَ لَازِمًا مُطَاوِعَ مَحَشْتُهُ يُقَالُ مَحَشْتُهُ وَأَمْحَشْتُهُ وَأَنْكَرَ يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ الثُّلَاثِيَّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ أَمْحَشْتُهُ فَامْتُحِشَ وَأَمْحَشَهُ الْحَرُّ أَحْرَقَهُ وَالنَّار احرقته وَامْتَحَشَ هُوَ غَضَبًا.

     وَقَالَ  أَبُو نَصْرٍ الْفَارَابِيُّ وَالِامْتِحَاشُ الِاحْتِرَاقُ .

     قَوْلُهُ  فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ وَالْأَفْوَاهُ جَمْعُ فَوْهَةٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَوَائِلُ وَتَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَاءِ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَوَانُ أَوِ الْحَيَاةُ وَفِي أُخْرَى لَهُ فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ وَفِي تَسْمِيَةِ ذَلِكَ النَّهَرِ بِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَحْصُلُ لَهُمُ الْفَنَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ تَقَدَّمَ فِي كتاب الْإِيمَان انها بزور الصَّحْرَاءِ وَالْجَمْعُ حِبَبٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مِثْلُهَا.
وَأَمَّا الْحَبَّةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ مَا يَزْرَعُهُ النَّاسُ فَجَمْعُهَا حُبُوبٌ بِضَمَّتَيْنِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَّتَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كَمَا تَنْبُتُ الْغُثَاءَةُ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلْفِ هَمْزَةٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ هُوَ فِي الْأَصْلِ كُلُّ مَا حَمَلَهُ السَّيْلُ مِنْ عِيدَانٍ وَوَرَقٍ وبزور وَغَيْرِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا حَمَلَهُ مِنَ البزور خَاصَّةً .

     قَوْلُهُ  فِي حَمِيلِ السَّيْلِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ مَا يَحْمِلُهُ السَّيْلُ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْمُشَارِ إِلَيْهَا إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْغُثَاءَ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ السَّيْلُ يَكُونُ فِيهِ الْحِبَّةُ فَيَقَعُ فِي جَانِبِ الْوَادِي فَتُصْبِحُ مِنْ يَوْمِهَا نَابِتَةً وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَمِئَةِ السَّيْلِ بَعْدَ الْمِيمِ هَمْزَةٌ ثُمَّ هَاءٌ وَقَدْ تُشْبَعُ الْمِيمُ فَيَصِيرُ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ مِنَ الطِّينِ وَخُصَّ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ النبت غَالِبا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى سُرْعَةِ نَبَاتِهِمْ لِأَنَّ الْحَبَّةَ أَسْرَعُ فِي النَّبَاتِ مِنْ غَيْرِهَا وَفِي السَّيْلِ أَسْرَعُ لِمَا يَجْتَمِعُ فِيهِ مِنَ الطِّينِ الرَّخْوِ الْحَادِثِ مَعَ الْمَاءِ مَعَ مَا خَالَطَهُ مِنْ حَرَارَةِ الزِّبْلِ الْمَجْذُوبِ مَعَهُ قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَارِفًا بِجَمِيعِ أُمُورِ الدُّنْيَا بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ اقْتَصَرَ الْمَازِرِيُّ عَلَى أَنَّ مَوْقِعَ التَّشْبِيهِ السُّرْعَةُ وَبَقِيَ عَلَيْهِ نَوْعٌ آخَرُ دَلَّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى أَلَّا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ مَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الشَّمْسِ أَصْفَرُ وَأَخْضَرُ وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَا يَكُونُ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَلِي الْجَنَّةَ يَسْبِقُ إِلَيْهِ الْبَيَاضُ الْمُسْتَحْسَنُ وَمَا يَكُونُ مِنْهُمْ إِلَى جِهَةِ النَّارِ يَتَأَخَّرُ النُّصُوعُ عَنْهُ فَيَبْقَى أُصَيْفِرَ وَأُخَيْضِرَ إِلَى أَنْ يَتَلَاحَقَ الْبَيَاضُ وَيَسْتَوِيَ الْحُسْنُ وَالنُّورُ وَنَضَارَةُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُبَاشِرُ الْمَاءَ يَعْنِي الَّذِي يُرَشُّ عَلَيْهِمْ يُسْرِعُ نَصُوعُهُ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ النُّصُوعُ لَكِنَّهُ يُسْرِعُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَيَبْقَى رَجُلٌ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي آخِرِ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَوَقَعَ فِي وَصْفِ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ كَانَ نَبَّاشًا وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُسِيءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ فَقَالَ لِأَهْلِهِ أَحْرِقُونِي الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ كَانَ نَبَّاشًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي عَوَانَةَ وَغَيْرِهِمَا وَفِيهِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ انْظُرُوا هَلْ بَقِيَ فِي النَّارِ أَحَدٌ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ فَيَجِدُونَ رَجُلًا فَيُقَالُ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ فَيَقُولُ لَا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ يُخْرِجُونَ مِنَ النَّارِ رَجُلًا آخَرَ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ فَيَقُولُ لَا غَيْرَ أَنِّي أَمَرْتُ وَلَدِي إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي الْحَدِيثَ وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ مِنَ النَّارِ وَلَا يَقُولُ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ أَخْرَجَهُ الْحُسَيْنُ الْمَرْوَزِيُّ فِي زِيَادَاتِ الزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ الْأَشْجَعِيِّ رَفَعَهُ قَدْ عَلِمْتُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ رَجُلٌ كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ مِنَ النَّارِ وَلَا يَقُولُ ادخلني الْجَنَّةَ فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ بَقِيَ بَيْنَ ذَلِكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَجِدُ مِنْ رِيحِهَا فَيُقَرِّبُهُ فَيَرَى شَجَرَةً الْحَدِيثَ وَهُوَ عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَهَذَا يُقَوِّي التَّعَدُّدَ لَكِنَّ الْإِسْنَادَ ضَعِيفٌ وَقَدْ ذَكَرْتُ عَنْ عِيَاضٍ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ هَلْ هُوَ آخِرُ مَنْ يَبْقَى عَلَى الصِّرَاطِ أَوْ هُوَ غَيْرُهُ وَإِنِ اشْتَرَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي أَنَّهُ آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَوَقَعَ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ لِلتِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَطْوَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا مُكْثًا مَنْ يَمْكُثُ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ وَسَنَدُ هَذَا الْحَدِيثِ وَاهٍ وَاللَّهُ اعْلَم وَأَشَارَ بن أَبِي جَمْرَةَ إِلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهَا حَقِيقَةً وَبَيْنَ آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِمَّنْ يَبْقَى مَارًّا عَلَى الصِّرَاطِ فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنَ النَّارِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْ حَرِّهَا وَكَرْبِهَا مَا يُشَارِكُ بِهِ بَعْضَ مَنْ دَخَلَهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ واه عَن مَالك عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ رَفَعَهُ إِنَّ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ جُهَيْنَةُ فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ جَاءَ أَنَّ اسْمَهُ هَنَّادٌ وَجَوَّزَ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الِاسْمَيْنِ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ والاخر للْآخر قَوْله فَيَقُول يارب فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فِي التَّوْحِيدِ أَيْ رَبِّ .

     قَوْلُهُ  قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا بِقَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ مُخَفَّفًا وَحُكِيَ التَّشْدِيدُ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَشَبَهُ الدُّخَانُ إِذَا مَلَأَ خَيَاشِيمَهُ وَأَخَذَ يَكْظِمُهُ وَأَصْلُ الْقَشْبِ خَلْطُ السَّمِّ بِالطَّعَامِ يُقَالُ قَشَبَهُ إِذَا سَمَّهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِيمَا إِذَا بَلَغَ الدُّخَانُ وَالرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ مِنْهُ غَايَتَهُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ مَعْنَى قَشَبَنِي سَمَّنِي وَآذَانِي وَأَهْلَكَنِي هَكَذَا قَالَهُ جَمَاهِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ غَيَّرَ جِلْدِي وَصُورَتِي.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى حُسْنُ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ.
وَأَمَّا الدَّاوُدِيُّ فَكَثِيرًا مَا يُفَسِّرُ الْأَلْفَاظَ الْغَرِيبَةَ بِلَوَازِمِهَا وَلَا يُحَافِظُ على أصُول مَعَانِيهَا.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ إِذَا فَسَّرْنَا الْقَشْبَ بِالنَّتِنِ وَالْمُسْتَقْذَرِ كَانَتْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى طِيبِ رِيحِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ نَعِيمِهَا وَعَكْسُهَا النَّارُ فِي جَمِيع ذَلِك.

     وَقَالَ  بن الْقَطَّاعِ قَشَبَ الشَّيْءَ خَلَطَهُ بِمَا يُفْسِدُهُ مِنْ سَمٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَقَشَبَ الْإِنْسَانَ لَطَّخَهُ بِسُوءٍ كَاغْتَابَهُ وَعَابَهُ وَأَصْلُهُ السَّمُّ فَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى أَصَابَهُ الْمَكْرُوهَ إِذَا أَهْلَكَهُ أَوْ أَفْسَدَهُ أَوْ غَيَّرَهُ أَوْ أَزَالَ عَقْلَهُ أَوْ تَقَذَّرَهُ هُوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا كَذَا لِلْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ هُنَا بِالْمَدِّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ ذَكَاهَا بِالْقصرِ وَهُوَ الْأَشْهر فِي اللُّغَة.

     وَقَالَ  بن الْقَطَّاعِ يُقَالُ ذَكَتِ النَّارُ تَذْكُو ذَكًا بِالْقَصْرِ وَذُكُوًّا بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ كَثُرَ لَهَبُهَا وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُهَا وَوَهَجُهَا.
وَأَمَّا ذَكَا الْغُلَامُ ذَكَاءً بِالْمَدِّ فَمَعْنَاهُ أَسْرَعَتْ فِطْنَتُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ لُغَتَانِ ذَكَرَهُ جِمَاعةٌ فِيهَا.
وَتَعَقَّبَهُ مُغَلْطَايْ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّارِحِينَ لِدَوَاوِينِ الْعَرَبِ حِكَايَةُ الْمَدِّ إِلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيِّ فِي كِتَابِ النَّبَاتِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا ضَرَبَ الْعَرَبُ الْمَثَلَ بِجَمْرِ الْغَضَا لِذَكَائِهِ قَالَ.
وَتَعَقَّبَهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ فَقَالَ ذَكَا النَّارُ مَقْصُورٌ وَيُكْتَبُ بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ وَاوِيٌّ يُقَالُ ذَكَتِ النَّارُ تَذْكُو ذَكَوًا وَذَكَاءً النَّارُ وَذُكْوُ النَّارِ بِمَعْنًى وَهُوَ الْتِهَابُهَا وَالْمَصْدَرُ ذَكَاءٌ وَذَكْوٌ وَذُكُوٌّ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ فَأَمَّا الذَّكَاءُ بِالْمَدِّ فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ فِي النَّارِ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْفَهْمِ.

     وَقَالَ  بن قُرْقُولٍ فِي الْمَطَالِعِ وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُ الشَّيْخُ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ فَقَدْ أَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا بِالْمَدِّ وَالْمَعْرُوفُ فِي شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ الْقَصْرُ إِلَّا أَنَّ الدِّينَوَرِيَّ ذَكَرَ فِيهِ الْمَدَّ وَخَطَّأَهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ فَقَالَ ذَكَتِ النَّارُ ذَكًا وَذُكُوًّا وَمِنْهُ طِيبٌ ذَكِيٌّ مُنْتَشِرُ الرِّيحِ.
وَأَمَّا الذَّكَاءُ بِالْمَدِّ فَمَعْنَاهُ تَمَامُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ ذَكَاءُ الْقَلْبِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْأَفْعَالِ ذَكَا الْغُلَامُ وَالْعَقْلُ أَسْرَعَ فِي الفطنة وَذَكَا الرَّجُلُ ذَكَاءً مِنْ حِدَّةِ فِكْرِهِ وَذَكَتِ النَّارُ ذَكًا بِالْقَصْرِ تَوَقَّدَتْ .

     قَوْلُهُ  فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ قَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ وَجْهِهِ إِلَى جِهَةِ النَّارِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ طَالِبًا إِلَى الْجَنَّةِ فَوَجْهُهُ إِلَى الْجَنَّةِ لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قبل انه يتقلب عَلَى الصِّرَاطِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ فَكَأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْتَهَى إِلَى آخِرِهِ فَصَادَفَ أَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ النَّارِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَرْفِهِ عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ فَسَأَلَ رَبَّهُ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَيُصْرَفُ وَجْهُهُ عَنِ النَّارِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَيَصْرِفُ الله وَوَقع فِي رِوَايَة أنس عَن بن مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ نَحْوَهُ أَنَّهُ يَرْفَعُ لَهُ شَجَرَةً فَيَقُولُ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا فَيَقُولُ اللَّهُ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَ غَيْرَهَا وربه يعذرهُ لِأَنَّهُ يرى مَالا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَدْنُو مِنْهَا وَأَنَّهُ يُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ أُخْرَى أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ وَيَقُولُ فِي الثَّالِثَةِ ائْذَنْ لِي فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْهُ رَفَعَهُ آخِرُ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ وَنَحْوُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ وَمُثِّلَتْ لَهُ شَجَرَةٌ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُنَا ذِكْرُ الشجرات كَمَا سقط من حَدِيث بن مَسْعُودٍ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَلَبِ الْقُرْبِ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ قَالَ يَا رَبِّ قَدِّمْنِي .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَيَقُولُ اللَّهُ أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ .

     قَوْلُهُ  لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ فَعَلْتُ بِكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ أَمَّا عَسَيْتُ فَفِي سِينِهَا الْوَجْهَانِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ وَجُمْلَةُ أَنْ تَسْأَلَنِي هِيَ خَبَرُ عَسَى وَالْمَعْنَى هَلْ يُتَوَقَّعُ مِنْكَ سُؤَالُ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ بَنِي آدَمَ وَالتَّرَجِّي رَاجِعٌ إِلَى الْمُخَاطَبِ لَا إِلَى الرَّبِّ وَهُوَ مِنْ بَابِ إِرْخَاءِ الْعَنَانِ إِلَى الْخَصْمِ لِيَبْعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي أَمْرِهِ وَالْإِنْصَافِ مِنْ نَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِي اللَّهَ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ شَاءَ الرجل الْمَذْكُور أَو الله قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ إِنَّمَا بَادَرَ لِلْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَاف لِمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ قُوَّةِ الْفَرَحِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ فَوَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ لَا يَطْلُبَ مَزِيدًا وَأَكَّدَهُ بِالْحَلِفِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا وَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ مِنَ الْحَبْرَةِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَلِمُسْلِمٍ الْخَيْرِ بِمُعْجَمَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ بِلَا هَاءٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَى مَا فِيهَا مِنْ خَارِجِهَا إِمَّا لِأَنَّ جِدَارَهَا شَفَّافٌ فَيَرَى بَاطِنَهَا مِنْ ظَاهِرِهَا كَمَا جَاءَ فِي وَصْفِ الْغُرَفِ وَإِمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ مِنْ سُطُوعِ رَائِحَتِهَا الطَّيِّبَةِ وَأَنْوَارِهَا الْمُضِيئَةِ كَمَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ أَذَى لَفْحِ النَّارِ وَهُوَ خَارِجُهَا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ يَقُولُ .

     قَوْلُهُ  وَيْلَك فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَيْحَكَ .

     قَوْلُهُ  يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ هُنَا مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَهُوَ لَفْظٌ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ إِذَا اسْتَمَرَّ خَارِجًا عَنِ الْجَنَّةِ أَشْقَاهُمْ وَكَوْنُهُ أَشْقَاهُمْ ظَاهِرٌ لَوِ اسْتَمَرَّ خَارِجَ الْجَنَّةِ وَهُمْ مِنْ دَاخِلِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَاهُ يَا رَبِّ قَدْ أَعْطَيْتُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَلَكِنْ تَفَكَّرْتُ فِي كرمك ورحمتك فَسَأَلت وَوَقع فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَا أكون اشقى خلقك وللقابسي لأكونن قَالَ بن التِّينِ الْمَعْنَى لَئِنْ أَبْقَيْتَنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ تُدْخِلْنِي الْجَنَّةَ لَأَكُونَنَّ وَالْأَلِفُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى زَائِدَةٌ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ مَعْنَاهُ لَا أَكُونُ كَافِرًا قلت هَذَا أقرب مِمَّا قَالَ بن التِّينِ وَلَوِ اسْتَحْضَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي هُنَا مَا احْتَاجَ إِلَى التَّكَلُّفِ الَّذِي أَبَدَاهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أَكُونُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ وَدَلَّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  لَا تَجْعَلْنِي وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَشْقَى أَنَّ الَّذِي يُشَاهِدُ مَا يُشَاهِدُهُ وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ يَصِيرُ أَشَدَّ حَسْرَةً مِمَّنْ لَا يُشَاهِدُ وَقَولُهُ خَلْقِكَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ تَقَدَّمَ مَعْنَى الضَّحِكِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَاضِي قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَفِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي سعيد ويلقنه الله مَا لاعلم لَهُ بِهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا سَقَطَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ هُنَا وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا هُنَا وَالْأُخْرَى فِي أَوَّلِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو سَعِيدٍ أَيِ الْخُدْرِيُّ وَالْقَائِلُ هُوَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ بَيَّنَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقع فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ فَذَكَرَهُ وَفِيهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَشْهَدُ اني حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي حَدِيث أنس عِنْد بن مَسْعُودٍ يُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ انْظُرْ إِلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ جَمِيعًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَمِثْلَهُ مَعَهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ وَأُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْتُ وَهَذَا مَقْلُوبٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ أَحْمَدُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الصَّحِيحِ نَعَمْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الطَّوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ فَيُقَالُ لَهُمْ لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمِثْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعُ أَنْ يَكُونَ عَشَرَةُ الْأَمْثَالِ إِنَّمَا سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ فِي حَقِّ آخِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا وَالْمَذْكُورُ هُنَا فِي حَقِّ جَمِيعِ مَنْ يَخْرُجُ بِالْقَبْضَةِ وَجَمَعَ عِيَاضٌ بَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَ أَوَّلًا قَوْلَهُ وَمِثْلَهُ مَعَهُ فَحَدَّثَ بِهِ ثُمَّ حَدَّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّيَادَةِ فَسَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مَعًا أَوَّلًا ثُمَّ سَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ الزِّيَادَةَ بَعْدُ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَبَّهْتُ عَلَى أَكْثَرِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ أَنَّ الْعَشَرَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَصْلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أنس عَن بن مَسْعُودٍ لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ الدُّنْيَا فَيُطَابِقُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لمُسلم عَن بن مَسْعُودٍ لَكَ مِثْلُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْكَلَابَاذِيُّ إِمْسَاكُهُ أَوَّلًا عَنِ السُّؤَالِ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ وَاللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ لِأَنَّهُ يُحِبُّ صَوْتَ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ فَيُبَاسِطُهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا لَعَلَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ هَذَا تَسْأَلُ غَيْرَهُ وَهَذِهِ حَالَةُ الْمُقَصِّرِ فَكَيْفَ حَالَةُ الْمُطِيعِ وَلَيْسَ نَقْضُ هَذَا الْعَبْدِ عَهْدَهُ وَتَرْكُهُ مَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ جَهْلًا مِنْهُ وَلَا قِلَّةَ مُبَالَاةٍ بَلْ عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّ نَقْضَ هَذَا الْعَهْدِ أَوْلَى مِنَ الْوَفَاءِ بِهِ لِأَنَّ سُؤَالَهُ رَبَّهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ السُّؤَالِ مُرَاعَاةً لِلْقَسَمِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَلَى يَمِينِهِ وليأت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَعَمِلَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى وَفْقِ هَذَا الْخَبَرِ وَالتَّكْفِيرُ قَدِ ارْتَفَعَ عَنْهُ فِي الْآخِرَة قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ جَوَازُ مُخَاطَبَةِ الشَّخْصِ بِمَا لَا تُدْرَكُ حَقِيقَتُهُ وَجَوَازُ التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يَفْهَمُهُ وَأَنَّ الْأُمُورَ الَّتِي فِي الْآخِرَةِ لَا تُشَبَّهُ بِمَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَصْلِ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَفَاوُتِ الصِّفَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِالنَّظَرِيِّ وَأَنَّ الْكَلَامَ إِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِأَمْرَيْنِ يَأْتِي الْمُتَكَلِّمُ بِشَيْءٍ يَتَخَصَّصُ بِهِ مُرَادُهُ عِنْدَ السَّامِعِ وَأَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَنْقَطِعُ إِلَّا بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ وَأَنَّ امْتِثَالَ الْأَمْرِ فِي الْمَوْقِفِ يَقَعُ بِالِاضْطِرَارِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَلَبَّسَ بِهِ الْمُنَافِقُ ظَاهِرًا بَقِيَتْ عَلَيْهِ حُرْمَتُهُ إِلَى أَنْ وَقَعَ التَّمْيِيزُ بِإِطْفَاءِ النُّورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَنَّ الصِّرَاطَ مَعَ دِقَّتِهِ وَحِدَّتِهِ يَسَعُ جَمِيعَ الْمَخْلُوقِينَ مُنْذُ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَفِيهِ أَنَّ النَّارَ مَعَ عِظَمِهَا وَشِدَّتِهَا لَا تَتَجَاوَزُ الْحَدَّ الَّذِي أُمِرَتْ بِإِحْرَاقِهِ وَالْآدَمِيُّ مَعَ حَقَارَةِ جِرْمِهِ يُقْدِمُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ فَفِيهِ مَعْنًى شَدِيدٌ مِنَ التَّوْبِيخِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَوْبِيخِ الطُّغَاةِ وَالْعُصَاةِ وَفِيهِ فَضْلُ الدُّعَاءِ وَقُوَّةُ الرَّجَاءِ فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الدَّاعِي أَهْلًا لِذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ لَكِنَّ فَضْلَ الْكَرِيمِ وَاسِعٌ وَفِي قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مَا أَغْدَرَكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الشَّخْصَ لَا يُوصَفُ بِالْفِعْلِ الذَّمِيمِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْيَوْمِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْأَصْلِ يَوْمٌ وَاحِدٌ وَقَدْ أُطْلِقَ اسْمُ الْيَوْمِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الشَّفَاعَةِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا لِمُذْنِبٍ قَالَ عِيَاضٌ وَفَاتَ هَذَا الْقَائِلَ أَنَّهَا قَدْ تَقَعُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ أَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ فَيَحْتَاجُ إِلَى طَلَبِ الْعَفْوِ عَنْ تَقْصِيرِهِ وَكَذَا كُلُّ عَامِلٍ يَخْشَى أَنْ لَا يُقْبَلَ عَمَلُهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى الشَّفَاعَةِ فِي قَبُولِهِ قَالَ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلُ أَنْ لَا يَدْعُوَ بِالْمَغْفِرَةِ وَلَا بِالرَّحْمَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَفُ فِي أَدْعِيَتِهِمْ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُؤْمَرُونَ بِالسُّجُودِ وَقَدْ مُنِعُوا مِنْهُ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ حِينَئِذٍ لِلتَّعْجِيزِ وَالتَّبْكِيتِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَوْلُ مَنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ وَوَكَلَ عِلْمَ حَقِيقَتِهَا إِلَى اللَّهِ فَهُوَ الْحَقُّ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ فَسَّرَ الْإِتْيَانَ بِالتَّجَلِّي هُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَهُ .

     قَوْلُهُ  هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَزِيدَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَتَأْكِيدِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَدْفَعُ الْمَجَازَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ السَّالِمِيَّةِ وَنَحْوُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَبَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ يَرَوْنَ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعد رفع رؤوسهم مِنَ السُّجُودِ وَحِينَئِذٍ يَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ لِلْمُنَافِقَيْنِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ.
وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ الَّتِي اشْتَرَكَ فِيهَا الْجَمِيعُ قَبْلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ صُورَةُ الْمَلَكِ وَغَيْرِهِ.

قُلْتُ وَلَا مَدْخَلَ أَيْضًا لِبَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِمَّنْ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ وَأَنَّهُمْ يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَفِيهِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ مُذْنِبِي هَذِهِ الْأُمَّةِ يُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ بِالشَّفَاعَةِ وَالرَّحْمَةِ خِلَافًا لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَتَأَوَّلَ مَا وَرَدَ بِضُرُوبٍ مُتَكَلِّفَةٍ وَالنُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ مُتَضَافِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ وَأَنَّ تَعْذِيبَ الْمُوَحِّدِينَ بِخِلَافِ تَعْذِيبِ الْكُفَّارِ لِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهِمْ مِنْ أَخْذِ النَّارِ بَعْضَهُمْ إِلَى سَاقِهِ وَأَنَّهَا لَا تَأْكُلُ أَثَرَ السُّجُودِ وَأَنَّهُمْ يَمُوتُونَ فَيَكُونُ عَذَابُهُمْ إِحْرَاقَهُمْ وَحَبْسَهُمْ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ سَرِيعًا كَالْمَسْجُونِينَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا يَمُوتُونَ أَصْلًا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ وَلَا يَحْيَوْنَ حَيَاةً يَسْتَرِيحُونَ بِهَا عَلَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ قَوْلِهِ يَمُوتُونَ فِيهَا إِمَاتَةً بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمُ الْمَوْتُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْبَةِ إِحْسَاسِهِمْ وَذَلِكَ لِلرِّفْقِ بِهِمْ أَوْ كَنَّى عَنِ النَّوْمِ بِالْمَوْتِ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ النَّوْمَ وَفَاةً وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ مَاتُوا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِخْرَاجَهُمْ أَمَسَّهُمْ أَلَمَ الْعَذَابِ تِلْكَ السَّاعَةَ قَالَ وَفِيهِ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ الْآدَمِيُّ مِنْ قُوَّةِ الطَّمَعِ وَجَوْدَةِ الْحِيلَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ فَطَلَبَ أَوَّلًا أَنْ يُبْعَدَ مِنَ النَّارِ لِيَحْصُلَ لَهُ نِسْبَةٌ لَطِيفَةٌ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ طَلَبَ الدُّنُوَّ مِنْهُمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ طَلَبَ الدُّنُوَّ مِنْ شَجَرَةٍ بَعْدَ شَجَرَةٍ إِلَى أَنْ طَلَبَ الدُّخُولَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ صِفَاتِ الْآدَمِيِّ الَّتِي شُرِّفَ بِهَا عَلَى الْحَيَوَانِ تَعُودُ لَهُ كُلُّهَا بَعْدَ بَعْثَتِهِ كَالْفِكْرِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَاتٍ فِي غُضُونِ كَلَامِهِ وَالله الْمُسْتَعَان