فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله عز وجل: {مخلقة وغير مخلقة} [الحج: 5]

( قَولُهُ بَابُ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)
رَوَيْنَاهُ بِالْإِضَافَةِ أَيْ بَابُ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ وَبِالتَّنْوِينِ وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ



[ قــ :314 ... غــ :318] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ بن زيد وَعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ بن أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ .

     قَوْلُهُ  إِن الله عز وَجل وكل وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا بِالتَّخْفِيفِ يُقَالُ وَكَلَهُ بِكَذَا إِذَا اسْتَكْفَاهُ إِيَّاهُ وَصَرَفَ أَمْرَهُ إِلَيْهِ وَلِلْأَكْثَرِ بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وكل بكم .

     قَوْلُهُ  يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ أَيْ وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ نُطْفَةٌ وَفِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ بِالنَّصْبِ أَيْ خَلَقْتَ يَا رَبِّ نُطْفَةً وَنِدَاءُ الْمَلَكِ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بَيْنَ كُلِّ حَالَةٍ وَحَالَةٍ مُدَّةٌ تبين من حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْآتِي فِي كِتَابِ الْقَدَرِ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ هُنَاكَ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ظَاهره التَّعَارُض من حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ وَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مُفَسِّرٌ لِلْآيَةِ وَأَوْضَحُ مِنْهُ سِيَاقًا مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَن عَلْقَمَة عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا فَقَالَ يَا رَبِّ مُخَلَّقَةٌ أَوْ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ فَإِنْ قَالَ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ مَجَّهَا الرَّحِمُ دَمًا وَإِنْ قَالَ مُخَلَّقَةٌ قَالَ يَا رَبِّ فَمَا صِفَةُ هَذِهِ النُّطْفَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا وَحَكَى الطَّبَرِيُّ لِأَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا.

     وَقَالَ  الصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُخَلَّقَةُ الْمُصَوَّرَةُ خَلْقًا تَامًّا وَغَيْرُ الْمُخَلَّقَةِ السِّقْطُ قَبْلَ تَمَامِ خَلْقِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيُّ بِإِدْخَالِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَبْوَابِ الْحَيْضِ تَقْوِيَةُ مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدَ وَأبي ثَوْر وبن الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ.

     وَقَالَ  فِي الْجَدِيدِ إِنَّهَا تَحِيضُ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ.

قُلْتُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحِيضُ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَامِلِ هُوَ السِّقْطَ الَّذِي لَمْ يُصَوَّرْ إِن لَا يكون الدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْمَرْأَةُ الَّتِي يَسْتَمِرُّ حَمْلُهَا لَيْسَ بِحَيْضٍ وَمَا ادَّعَاهُ الْمُخَالِفُ مِنْ أَنَّهُ رَشْحٌ مِنَ الْوَلَدِ أَوْ مِنْ فَضْلَةِ غِذَائِهِ أَوْ دَمُ فِسَادٍ لِعِلَّةٍ فَمُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ خَبَرٍ أَوْ أَثَرٍ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ هَذَا دَمٌ بِصِفَاتِ دَمِ الْحَيْضِ وَفِي زَمَنِ إِمْكَانِهِ فَلَهُ حُكْمُ دَمِ الْحَيْضِ فَمَنِ ادَّعَى خِلَافَهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَأَقْوَى حُجَجِهِمْ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ اعْتُبِرَ بِالْمَحِيضِ لِتَحَقُّقِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنَ الْحَمْلِ فَلَوْ كَانَتِ الْحَامِلُ تَحِيضُ لَمْ تَتِمَّ الْبَرَاءَةُ بِالْحَيْضِ وَاسْتَدَلَّ بن الْمُنِيرِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمِ حَيْضٍ بِأَنَّ الْمَلَكَ مُوَكَّلٌ بِرَحِمِ الْحَامِلِ وَالْمَلَائِكَةُ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ قَذَرٌ وَلَا يُلَائِمُهَا ذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَلَكِ مُوَكَّلًا بِهِ أَنْ يَكُونَ حَالًّا فِيهِ ثُمَّ هُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ لِأَنَّ الدَّمَ كُلَّهُ قَذِرٌ وَاللَّهُ أعلم