فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما جاء في المتأولين

( قَولُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُتَأَوِّلِينَ)
تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ أَكْفَرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ مِنْ كِتَابِ الْأَدَب وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا وَبَيَانُ الْمُرَادِ بِذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَكْفَرَ الْمُسْلِمَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ وَرُبَّمَا كَانَ هُوَ الْكَافِرَ وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ نُظِرَ إِنْ كَانَ غَيْرُ سَائِغٍ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ أَيْضًا وَلَا يَصِلُ إِلَى الْكُفْرِ بَلْ يُبَيَّنُ لَهُ وَجْهُ خَطَئِهِ وَيُزْجَرُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَلَا يَلْتَحِقُ بِالْأَوَّلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الذَّمَّ بَلْ تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الصَّوَابِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كُلُّ مُتَأَوِّلٍ مَعْذُورٌ بِتَأْوِيلِهِ لَيْسَ بِآثِمٍ إِذَا كَانَ تَأْوِيلُهُ سَائِغًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَكَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي الْعِلْمِ وَذَكَرَ هُنَا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ عُمَرَ فِي قِصَّتِهِ مَعَ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ حِينَ سَمِعَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي الصَّلَاةِ بِحُرُوفٍ تُخَالِفُ مَا قَرَأَهُ هُوَ على رَسُولُ اللَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَاخِذْ عُمَرَ بِتَكْذِيبِ هِشَامٍ وَلَا بِكَوْنِهِ لَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ وَأَرَادَ الْإِيقَاعَ بِهِ بَلْ صَدَّقَ هِشَامًا فِيمَا نَقَلَهُ وَعَذَرَ عُمَرَ فِي إِنْكَارِهِ وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى بَيَانِ الْحُجَّةِ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَتَيْنِ وَقَولُهُ فِي أَوَّلِ السَّنَدِ.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ إِلَخْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْهُ وَيُونُس شيخ اللَّيْث فِيهِ هُوَ بن يَزِيدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ أَيْضًا مَوْصُولًا لَكِنْ عَنْ عُقَيْلٍ لَا عَنْ يُونُسَ وَوَهِمَ مُغَلْطَايْ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَصَلَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يُونُسَ وَقَولُهُ كدت أساوره بسين مُهْملَة أَي أوائبه وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَقِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ سَارَ يَسُورُ إِذَا ارْتَفَعَ ذِكْرُهُ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْبَطْشِ لِأَنَّ السَّوْرَةَ قَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْبَطْشِ لِأَنَّهُ ينشأ عَنْهَا الحَدِيث الثَّانِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بظُلْم وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ حَدِيثٍ مِنْ كِتَابِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ وَسَنَدُهُ هُنَا كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ وَوَجْهُ دُخُولِهِ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَاخِذِ الصَّحَابَةَ بِحَمْلِهِمُ الظُّلْمَ فِي الْآيَةِ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَتَنَاوَلَ كُلَّ مَعْصِيَةٍ بَلْ عَذَرَهُمْ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّأْوِيلِ ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمُ الْمُرَادَ بِمَا رَفَعَ الْإِشْكَالَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ مِيمٍ أَوْ نُونٍ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ هُنَا وَقَدْ يُصَغَّرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَمُنَاسَبَتُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَاخِذِ الْقَائِلِينَ فِي حَقِّ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ بِمَا قَالُوا بَلْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ إِجْرَاءَ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَى الظَّاهِرِ دُونَ مَا فِي الْبَاطِنِ وَقَولُهُ هُنَا أَلَا تَقُولُونَهُ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي والسرخسي لَا تقولوه بِصِيغَة النَّهْي.

     وَقَالَ  بن التِّينِ أَلَا تَقُولُوهُ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ وَالصَّوَابُ تَقُولُونَهُ أَيْ تَظُنُّونَهُ.

قُلْتُ الَّذِي رَأَيْتُهُ لَا تَقُولُوهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ مُوَجَّهٌ وَتَفْسِيرُ الْقَوْلِ بِالظَّنِّ فِيهِ نَظَرٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ بِمَعْنى الرُّؤْيَة أَو السماع وَجوز بن التِّينِ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُفْرَدِ وَأَصْلُهُ أَلَا تَقُولُهُ فَأَشْبَعَ ضَمَّةَ اللَّامِ حَتَّى صَارَتْ وَاوًا وَأَنْشَدَ لِذَلِكَ شَاهِدًا الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثَ عَلِيٍّ فِي قِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ فِي مُكَاتَبَتِهِ قُرَيْشًا وَنُزُولِ قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجَاسُوسِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَفِي بَابِ النَّظَرِ فِي شُعُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ حُجْزَتُهَا وَعَقِيصَتُهَا وَضَبْطُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَفِي تَفْسِيرِ الْمُمْتَحَنَةِ بِأَبْسَطَ مِنْهُ وَفِيهَا الْجَوَابُ عَنِ اعْتِرَاضِ عُمَرَ عَلَى حَاطِبٍ بَعْدَ أَنْ قَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُذْرَهُ وَفِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ بَعَثَنِي أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ وَقَولُهُ بَعَثَنِي أَنَا وَأَبَا مَرْثَدٍ وَفِيهِ قِصَّةُ الْمَرْأَةِ وَبَيَانُ مَا قِيلَ فِي اسْمِهَا وَمَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي حَمَلَتْهُ وَأَذْكُرُ هُنَا بَقِيَّةَ شَرْحِهِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ حُصَيْنٍ بِالتَّصْغِيرِ هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ فُلَانٍ كَذَا وَقَعَ مُبْهَمًا وَسُمِّيَ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ فِي الْجِهَادِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ فِي الِاسْتِئْذَانِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ أبي عوَانَة قسما وَنَحْوُهُ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَفَّانَ قَالَا



[ قــ :6573 ... غــ :6939] حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ هُوَ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ يُكَنَّى أَبَا حَمْزَةَ وَكَانَ زَوْجَ بِنْتِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ شَيْخِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا بَعْدَ قَوْلِهِ عَنْ فُلَانٍ مَا نَصُّهُ هُوَ أَبُو حَمْزَةَ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ السُّلَمِيُّ خَتَنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ انْتَهَى وَلَعَلَّ الْقَائِلَ هُوَ إِلَخْ مِنْ دُونِ الْبُخَارِيِّ وَسَعْدٌ تَابِعِيٌّ رَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ بن عُمَرَ وَالْبَرَاءُ .

     قَوْلُهُ  تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ السُّلَمِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ عَفَّانَ .

     قَوْلُهُ  وَحِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ أَنَّ بَعْضَ رُوَاةِ أَبِي ذَرٍّ ضَبْطَهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ وَهْمٌ.

قُلْتُ وَحَكَى الْمزي أَن بن مَاكُولَا ذكره بِالْكَسْرِ وان بن الْفَرْضِيِّ ضَبَطَهُ بِالْفَتْحِ قَالَ وَتَبِعَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ كَذَا قَالَ وَالَّذِي جَزَمَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ تَوْهِيمُ مَنْ ضَبَطَهُ بِالْفَتْحِ كَمَا نَقَلْتُهُ وَذَلِكَ فِي تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ وَصَوَّبَ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ حَيْثُ ذَكَرَهُ مَعَ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى وَهُوَ بِالْكَسْرِ إِجْمَاعًا وَكَانَ حِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ سُلَمِيًّا أَيْضًا وَمُؤَاخِيًا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ فِي تَفْضِيلِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عُثْمَانِيًّا أَيْ يُفَضِّلُ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ وَحِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ عَلَوِيًّا أَيْ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ عَلِمْتُ مَا الَّذِي كَذَا للكشميهني وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ وَلِلْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي هُنَا من الَّذِي وعَلى الرِّوَايَة الأولى ففاعل التجرئ هُوَ الْقَوْلُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِقَوْلِهِ شَيْءٌ يَقُولُهُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ الْفَاعِلُ هُوَ الْقَائِلُ .

     قَوْلُهُ  جَرَّأَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعَ الْهَمْزِ .

     قَوْلُهُ  صَاحِبَكَ زَادَ عَفَّانُ يَعْنِي عَلِيًّا .

     قَوْلُهُ  عَلَى الدِّمَاءِ أَيْ إِرَاقَةِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ دِمَاءَ الْمُشْرِكِينَ مَنْدُوبٌ إِلَى إِرَاقَتِهَا اتِّفَاقًا .

     قَوْلُهُ  لَا أَبَا لَكَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ الْحَثِّ عَلَى الشَّيْءِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا وَقَعَ فِي شِدَّةٍ عَاوَنَهُ أَبُوهُ فَإِذَا قِيلَ لَا أَبَا لَكَ فَمَعْنَاهُ لَيْسَ لَكَ أَبٌ جِدَّ فِي الْأَمْرِ جِدَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مُعَاوِنٌ ثُمَّ أُطْلِقَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فِي مَوْضِعِ اسْتِبْعَادِ مَا يَصْدُرُ مِنَ الْمُخَاطَبِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ بِحَذْفِ الضَّمِيرِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِقَوْلِهِ قَالَ مَا هُوَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ بَعَثَنِي كَذَا لَهُمْ وَكَأَنَّ قَالَ الثَّانِيَةَ سَقَطَتْ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي إِسْقَاطِهَا خَطَأً وَالْأَصْلُ قَالَ أَيْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَيْ عَلِيٌّ .

     قَوْلُهُ  وَالزُّبَيْرَ وَأَبَا مَرْثَدٍ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ ذِكْرُ الْمِقْدَادِ بَدَلَ أَبِي مَرْثَدٍ وَجُمِعَ بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ أَعْشَى ثَقِيفٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَعِيَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَلَيْسَ الْمِقْدَادُ وَلَا أَبُو مَرْثَدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَّا إِنْ كَانَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَوَقَعَ فِي الْأَسْبَابِ لِلْوَاحِدِيِّ أَنَّ عُمَرَ وَعَمَّارًا وَطَلْحَةَ كَانُوا مَعَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا وَكَأَنَّهُ من تَفْسِير بن الْكَلْبِيِّ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ وَوَجَدْتُ ذَكَرَ فِيهِ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِهَا فَبَعَثَ فِي أَثَرِهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ .

     قَوْلُهُ  رَوْضَةُ حَاجٍ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو سَلَمَةَ هُوَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  هَكَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ حَاجٍ فِيهِ إِشَارَةُ إِلَى أَنَّ مُوسَى كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الصَّوَابَ خَاخٍ بِمُعْجَمَتَيْنِ وَلَكِنَّ شَيْخَهُ قَالَهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغِ عَنْ عَفَّانَ فَذَكَرَهَا بِلَفْظِ حَاجٍ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ قَالَ عَفَّانُ وَالنَّاسُ يَقُولُونَ خَاخٍ أَيْ بِمُعْجَمَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ غَلَطٌ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِمَكَانٍ آخَرَ يُقَالُ لَهُ ذَاتُ حَاجٍ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ يَسْلُكُهُ الْحَاجُّ.
وَأَمَّا رَوْضَةُ خَاخٍ فَإِنَّهَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ.

قُلْتُ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا بِالْقُرْبِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ عَلَى بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَخْرَجَ سَمُّوَيَهِ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ وَكَانَ حَاطِبٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ حَلِيفًا لِلزُّبَيْرِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا أَنَّ الْمَكَانَ عَلَى قَرِيبٍ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَزَعَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ هُشَيْمًا كَانَ يَقُولُهَا أَيْضًا حَاجٍ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ وَهُوَ وَهْمٌ أَيْضًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ بِلَفْظِ حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ كَذَا فَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ كَنَى عَنْهَا أَوْ شَيْخَهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هُشَيْمًا كَانَ يُصَحِّفُهَا وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو عَوَانَةَ بِتَصْحِيفِهَا لَكِنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ عَنْ حُصَيْنٍ قَالُوهَا عَلَى الصَّوَابِ بِمُعْجَمَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ فِيهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْركين فائتوني بِهَا فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ وَالظَّعِينَةُ بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَزْنُ عَظِيمَةٍ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ مِنَ الظَّعْنِ وَهُوَ الرَّحِيلُ وَقِيلَ سُمِّيَتْ ظَعِينَةً لِأَنَّهَا تَرْكَبُ الظَّعِينَ الَّتِي تَظْعَنُ بِرَاكِبِهَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ سُمِّيَتْ ظَعِينَةً لِأَنَّهَا تَظْعَنُ مَعَ زَوْجِهَا وَلَا يُقَالُ لَهَا ظَعِينَةٌ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي الْهَوْدَجِ وَقِيلَ إِنَّهُ اسْمُ الْهَوْدَجِ سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ لِرُكُوبِهَا فِيهِ ثُمَّ تَوَسَّعُوا فَأَطْلَقُوهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي هَوْدَجٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي اسْمِهَا وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا مِنْ مُزَيْنَةَ وَأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعَرَجِ بِفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا جِيمٌ يَعْنِي قَرْيَةً بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةَ أَبِي صَيْفِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَقِيلَ عِمْرَانُ بَدَلَ عَمْرٍو وَقِيلَ مَوْلَاةُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَقِيلَ كَانَتْ مِنْ مَوَالِي الْعَبَّاسِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ عِنْدَ بن مَرْوُدَيْهِ أَنَّهَا مَوْلَاةٌ لِقُرَيْشٍ وَفِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ أَنَّ حَاطِبًا أَعْطَاهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَكَسَاهَا بُرْدًا وَعِنْدَ الْوَاحِدِيِّ أَنَّهَا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِئْتِ مُسْلِمَةً قَالَتْ لَا وَلَكِنِ احْتَجْتُ قَالَ فَأَيْنَ أَنْتِ عَنْ شَبَابِ قُرَيْشٍ وَكَانَتْ مُغَنِّيَةً قَالَتْ مَا طُلِبَ مِنِّي بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَكَسَاهَا وَحَمَلَهَا فَأَتَاهَا حَاطِبٌ فَكَتَبَ مَعَهَا كِتَابًا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ فَكَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ بِكِتَابٍ يَنْتَصِحُ لَهُمْ وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَالطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عَلِيٍّ لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْزُوَ مَكَّةَ أَسَرَّ إِلَى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَلِكَ وَأَفْشَى فِي النَّاسِ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَ مَكَّةَ فَسَمِعَهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ فَكَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْغَزْوِ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا يُرِيدُكُمْ وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ إِنْذَارِي لَكُمْ بِكِتَابِي إِلَيْكُمْ وَتَقَدَّمَ بَقِيَّةُ مَا نُقِلَ مِمَّا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ  تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ تَشْتَدُّ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ .

     قَوْلُهُ  فَابْتَغَيْنَا فِي رَحْلِهَا أَيْ طَلَبْنَا كَأَنَّهُمَا فَتَّشَا مَا مَعَهَا ظَاهِرًا وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ فَأَنَخْنَا بَعِيرَهَا فَابْتَغَيْنَا وَفِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ فَوَضَعْنَا مَتَاعَهَا وَفَتَّشْنَا فَلَمْ نَجِدْ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ عَلِمْنَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَقَدْ عَلِمْتُمَا وَهِيَ رِوَايَةُ عَفَّانَ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ حَلَفَ عَلِيٌّ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ أَيْ قَالَ وَاللَّهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ .

     قَوْلُهُ  لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَأُجَرِّدَنَّكِ أَيْ أَنْزِعُ ثِيَابَكِ حَتَّى تَصِيرِي عُرْيَانَةً وَفِي رِوَايَة بن فُضَيْلٍ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكِ وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ وَعِنْدَهُ من رِوَايَة بن فُضَيْل لأجزرنك بجيم ثمَّ زَاي أَي أضيرك مِثْلَ الْجَزُورِ إِذَا ذُبِحَتْ ثُمَّ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ النَّظَرَ فِي شُعُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَعْنِي التَّرْجَمَةَ الْمَاضِيَةَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُهُ أَيْ رِوَايَةُ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكِ.

قُلْتُ رِوَايَةُ لَأُجَرِّدَنَّكِ أَشْهَرُ وَرِوَايَةُ لَأَجْزِرَنَّكِ كَأَنَّهَا مُفَسَّرَةٌ مِنْهَا وَرِوَايَةُ لَأَقْتُلَنَّكِ كَأَنَّهَا بِالْمَعْنَى مِنْ لَأُجَرِّدَنَّكِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تُنَافِي التَّرْجَمَةَ لِأَنَّهَا إِذَا قُتِلَتْ سُلِبَتْ ثِيَابُهَا فِي الْعَادَةِ فَيُسْتَلْزَمُ التَّجَرُّدُ الَّذِي تَرْجَمَ بِهِ وَيُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ بِلَفْظِ لَتُخْرِجِنَّ الْكتاب أَو لتلْقين الثِّيَاب قَالَ بن التِّينِ كَذَا وَقَعَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ قَالَ وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ هُوَ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَبِفَتْحِهَا كَذَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَالْقَوَاعِدُ التَّصْرِيفِيَّةُ تَقْتَضِي حَذْفَهَا لَكِنْ إِذَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ لِتُخْرِجِنَّ وَهَذَا تَوْجِيهُ الْكَسْرَةِ.
وَأَمَّا الْفَتْحَةُ فَتُحْمَلُ عَلَى خِطَابِ الْمُؤَنَّثِ الْغَائِبِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ قَالَ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْقَافِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَعَلَى هَذَا فَتُرْفَعُ الثِّيَابُ.

قُلْتُ وَيظْهر لي أَن صَوَاب الرِّوَايَة لتلْقين بِالنُّونِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ جِدًّا لَا إِشْكَالَ فِيهِ الْبَتَّةَ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَكَلُّفِ تَخْرِيجٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَقَالَتْ لَيْسَ مَعِي كِتَابٌ فَقَالَ كَذَبْتِ فَقَالَ قَدْ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَعَكِ كِتَابًا وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنِّي الْكِتَابَ الَّذِي مَعَكِ أَوْ لَا أَتْرُكُ عَلَيْكَ ثَوْبًا إِلَّا الْتَمَسْنَا فِيهِ قَالَت أَو لَسْتُم بِنَاسٍ مِنْ مُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا ظَنَّتْ أَنَّهُمَا يلتمسان فِي كل ثوب مَعهَا حلت عفاصها وَفِيهِ فَرَجَعَا إِلَيْهَا فَسَلَّا سَيْفَيْهِمَا فَقَالَا وَاللَّهِ لَنُذِيقَنَّكِ الْمَوْتَ أَوْ لَتَدْفَعِنَّ إِلَيْنَا الْكِتَابَ فَأَنْكَرَتْ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا هَدَّدَاهَا بِالْقَتْلِ أَوَّلًا فَلَمَّا أَصَرَّتْ عَلَى الْإِنْكَارِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا إِذْنٌ بِقَتْلِهَا هَدَّدَاهَا بِتَجْرِيدِ ثِيَابِهَا فَلَمَّا تَحَقَّقَتْ ذَلِكَ خَشِيَتْ أَنْ يَقْتُلَاهَا حَقِيقَةً وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا فَقَالَتْ أَدْفَعُهُ إِلَيْكُمَا عَلَى أَنْ تَرُدَّانِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَعْشَى ثَقِيفٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ بِهَا حَتَّى خَافَتْهُ وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ عَلَى دِينِ قَوْمِهَا فَالْأَكْثَرُ عَلَى الثَّانِي فَقَدْ عُدَّتْ فِيمَنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهُمْ يَوْمَ الْفَتْحِ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُغَنِّي بِهِجَائِهِ وَهِجَاءِ أَصْحَابِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ أَنَسٌ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِقَتْلِ أَرْبَعَةٍ فَذَكَرَهَا فِيهِمْ ثُمَّ قَالَ.
وَأَمَّا أَمْرُ سَارَّةَ فَذَكَرَ قِصَّتَهَا مَعَ حَاطِبٍ .

     قَوْلُهُ  فَأَتَوْا بِهَا أَيِ الصَّحِيفَة وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ فَأَتَيْنَا بِهِ أَيِ الْكِتَابِ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ بن عَبَّاس عَن عمر وَزَاد نقرىء عَلَيْهِ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ سَمَّاهُمُ الْوَاقِدِيُّ فِي رِوَايَتِهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الْعَامِرِيَّ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ الْمَخْزُومِيَّ وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيَّ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا حَاطِبُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبًا فَقَالَ أَنْتَ كَتَبْتَ هَذَا الْكِتَابَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ وَكَأَنَّ حَاطِبًا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لَمَّا جَاءَ الْكتاب فاستدعى بِهِ لذَلِك وَقد بَين ذَلِك فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَفْظُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى حَاطِبٍ فَذَكَرَ نَحْوَ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي مَا بِي بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ اللَّامِ وَهُوَ أَوْضَحُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَمَا وَاللَّهِ مَا ارْتَبْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ فِي اللَّهِ وَفِي رِوَايَة بن عَبَّاسٍ قَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ أَيْ مِنَّةٌ أَدْفَعُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي زَادَ فِي رِوَايَةِ أَعْشَى ثَقِيفٍ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمُمْتَحَنَةِ .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ مُلْصَقًا وَتَفْسِيرُهُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً غَرِيبًا فِيكُمْ وَكَانَ لِي بَنُونَ وَإِخْوَةٌ بِمَكَّةَ فَكَتَبْتُ لَعَلِّي أَدْفَعُ عَنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ هُنَالك فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي هُنَاكَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهَ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ إِلَّا لَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَحْفَظُهُ فِي عِيَالِهِ غَيْرِي .

     قَوْلُهُ  قَالَ صَدَقَ وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ صِدْقَهُ مِمَّا ذُكِرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِوَحْيٍ .

     قَوْلُهُ  فَعَادَ عُمَرُ أَيْ عَادَ إِلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فِي حَاطِبٍ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ فَأَمَّا الْمَرَّةُ الْأُولَى فَكَانَ فِيهَا مَعْذُورًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ عُذْرُهُ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَكَانَ اتَّضَحَ عُذْرُهُ وَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَنَهَى أَنْ يَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا فَفِي إِعَادَة عمر ذَلِك الْكَلَامَ إِشْكَالٌ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ صِدْقَهُ فِي عُذْرِهِ لَا يَدْفَعُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ وَتَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي تَفْسِيرِ الْمُمْتَحَنَةِ .

     قَوْلُهُ  فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَنَصْبِ الْبَاءِ وَهُوَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيِ اتْرُكْنِي لِأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَتَرْكُكَ لِي مِنْ أَجْلِ الضَّرْبِ وَيَجُوزُ سُكُونُ الْبَاءِ وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ عَلَى رَأْيِ الْأَخْفَشِ وَاللَّامُ لِلْأَمْرِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا عَلَى لُغَةٍ وَأَمْرُ الْمُتَكَلِّمِ نَفْسَهُ بِاللَّامِ فَصِيحٌ قَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَالَ عُمَرُ فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي وَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْكِنِّي مِنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ.

     وَقَالَ  لَيْسَتْ بِمَعْرُوفَةٍ قَالَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَاحِظِ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِهَا عَلَى تَكْفِيرِ الْعَاصِي وَلَيْسَ لِإِنْكَارِ الْقَاضِي مَعْنًى لِأَنَّهَا وَرَدَتْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَذَكَرَ الْبَرْقَانِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهَا وَرَدَّهُ الْحُمَيْدِيُّ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُسْلِمًا خَرَّجَ سَنَدَهَا وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا وَإِذَا ثَبَتَ فَلَعَلَّهُ أَطْلَقَ الْكُفْرَ وَأَرَادَ بِهِ كُفْرَ النِّعْمَةِ كَمَا أَطْلَقَ النِّفَاقَ وَأَرَادَ بِهِ نِفَاقَ الْمَعْصِيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ اسْتَأْذَنَ فِي ضَرْبِ عُنُقِهِ فَأَشْعَرَ بِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ نَافَقَ نِفَاقَ كُفْرٍ وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ أَنَّهُ كَفَرَ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ يَرَى تَكْفِيرَ مَنِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً وَلَوْ كَبُرَتْ كَمَا يَقُولُهُ الْمُبْتَدِعَةُ وَلَكِنَّهُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ فِي حَقِّ حَاطِبٍ فَلَمَّا بَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُذْرَ حَاطِب رَجَعَ قَوْله أَو لَيْسَ من أهل بدر فِي رِوَايَة الْحَارِث أَو لَيْسَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ وَجَزَمَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَزَادَ الْحَارِثُ فَقَالَ عُمَرُ بَلَى وَلَكِنَّهُ نَكَثَ وَظَاهَرَ أَعْدَاءَكَ عَلَيْكَ .

     قَوْلُهُ  وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ تَقَدَّمَ فِي فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ بِالْجَزْمِ وَالْبَحْثُ فِي ذَلِكَ وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ذُنُوبَهُمْ تَقَعُ مَغْفُورَةً حَتَّى لَوْ تَرَكُوا فَرْضًا مَثَلًا لَمْ يُؤَاخَذُوا بِذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ فِي قِصَّةِ الَّذِي حَرَسَ لَيْلَةَ حُنَيْنٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ نَزَلْتَ قَالَ لَا إِلَّا لِقَضَاءِ حَاجَةٍ قَالَ لَا عَلَيْكَ أَنْ لَا تَعْمَلَ بَعْدَهَا وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فَهِمَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ فِيمَنْ قَتَلَ الْحَرُورِيَّةَ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ بِمَا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَتَلَهُمْ لَنَكَلْتُمْ عَنِ الْعَمَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ بَعْضَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يُثَابُ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ بِمَا يُقَاوِمُ الْآثَامَ الْحَاصِلَةَ مِنْ تَرْكِ الْفَرَائِضِ الْكَثِيرَةِ وَقَدْ تَعَقَّبَ بن بَطَّالٍ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ فَقَالَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَنًّا مِنْهُ لِأَنَّ عَلِيًّا عَلَى مَكَانَتِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَالدِّينِ لَا يَقْتُلُ إِلَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَوَجَّهَ بن الْجَوْزِيِّ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ قَوْلَ السُّلَمِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ عَلِيًّا اسْتَفَادَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْجَزْمَ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَعَرَفَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ خَطَأٌ فِي اجْتِهَادِهِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ قَطْعًا كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِيمَا أَخْطَأَ فِيهِ إِذَا بَذَلَ فِيهِ وُسْعَهُ وَلَهُ مَعَ ذَلِكَ أَجْرٌ فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَالْحَقُّ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مُصِيبًا فِي حُرُوبِهِ فَلَهُ فِي كُلِّ مَا اجْتَهَدَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ أَجْرَانِ فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي فَهِمَهُ السُّلَمِيُّ اسْتَنَدَ فِيهِ إِلَى ظَنّه كَمَا قَالَ بن بَطَّالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي فَهِمَهُ السُّلَمِيُّ صَحِيحًا لَكَانَ عَلِيٌّ يَتَجَرَّأُ عَلَى غَيْرِ الدِّمَاءِ كَالْأَمْوَالِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ كَانَ فِي غَايَةِ الْوَرَعِ وَهُوَ الْقَائِلُ يَا صَفْرَاءُ وَيَا بَيْضَاءُ غُرِّي غَيْرِي وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ قَطُّ فِي أَمْرِ الْمَالِ إِلَّا التَّحَرِّي بِالْمُهْمَلَةِ لَا التَّجَرِّي بِالْجِيمِ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمُ الْجَنَّةَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَكَذَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَمِثْلُهُ فِي مَغَازِي أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي عَائِدٍ .

     قَوْلُهُ  فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ وَالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ بَيْنَهُمَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ قَافٌ أَيِ امْتَلَأَتْ مِنَ الدُّمُوعِ حَتَّى كَأَنَّهَا غَرِقَتْ فَهُوَ افْعَوْعَلَتْ مِنَ الْغَرَقِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ فَفَاضَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَيُجْمَعُ عَلَى أَنَّهَا امْتَلَأَتْ ثُمَّ فَاضَتْ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ .

     قَوْلُهُ  خَاخٌ أَصَحُّ يَعْنِي بِمُعْجَمَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنْ كَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَةُ حَاجٌ أَيْ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ .

     قَوْلُهُ  وَحَاجٌ تَصْحِيفٌ وَهُوَ مَوْضِعٌ.

قُلْتُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .

     قَوْلُهُ  وَهُشَيْمٌ يَقُولُ خَاخٌ وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَقِيلَ بَلْ هُوَ كَقَوْلِ أَبِي عَوَانَةَ وَبِهِ جَزَمَ السُّهَيْلِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ فِي الْجِهَادِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ رَوْضَةَ كَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ كَانَ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ لَمَا كَنَى عَنْهُ وَوَقَعَ فِي السِّيرَةِ لِلْقُطْبِ الْحَلَبِيِّ رَوْضَةُ خَاخٍ بِمُعْجَمَتَيْنِ وَكَانَ هُشَيْمٌ يَرْوِي الْأَخِيرَةَ مِنْهَا بِالْجِيمِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ انْتَهَى وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْخَاءِ الْآخِرَةِ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي الْأُولَى فَعِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ أَنَّهَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَزْمًا.
وَأَمَّا هُشَيْمٌ فَالرِّوَايَةُ عَنْهُ مُحْتَمَلَةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَلَوْ بَلَغَ بِالصَّلَاحِ أَنْ يُقْطَعَ لَهُ بِالْجَنَّةِ لَا يُعْصَمُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الذَّنْبِ لِأَنَّ حَاطِبًا دَخَلَ فِيمَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ وَوَقَعَ مِنْهُ مَا وَقَعَ وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ أَنَّهُمْ حُفِظُوا مِنَ الْوُقُوعِ فِي شَيْءٍ مِنَ الذُّنُوبِ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ كَفَّرَ الْمُسْلِمَ بِارْتِكَابِ الذَّنْبِ وَعَلَى مَنْ جَزَمَ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ وَعَلَى مَنْ قَطَعَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُعَذَّبَ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الْخَطَأُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْحَدَهُ بَلْ يَعْتَرِفُ وَيَعْتَذِرُ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ ذَنْبَيْنِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّشْدِيدِ فِي اسْتِخْلَاصِ الْحَقِّ وَالتَّهْدِيدِ بِمَا لَا يَفْعَلُهُ الْمُهَدِّدُ تَخْوِيفًا لِمَنْ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الْحَقُّ وَفِيهِ هَتْكُ سِتْرِ الْجَاسُوسِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَرَى قَتْلَهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لِاسْتِئْذَانِ عُمَرَ فِي قَتْلِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِأَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ وَقَدْ نَقَلَ الطَّحَاوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ لَا يُبَاحُ دَمُهُ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيَّةُ وَالْأَكْثَرُ يُعَزَّرُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْهَيْئَاتِ يُعْفَى عَنْهُ وَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُطَالُ حَبْسُهُ وَفِيهِ الْعَفْوُ عَنْ زَلَّةِ ذَوِي الْهَيْئَةِ وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قِصَّةِ حَاطِبٍ وَاحْتِجَاجُ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا صَفَحَ عَنْهُ لِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ صِدْقِهِ فِي اعْتِذَارِهِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ كَذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ ظَنٌّ خَطَأٌ لِأَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ إِنَّمَا تَجْرِي عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْهُمْ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِحَضْرَتِهِ وَلَمْ يُبِحْ لَهُ قَتْلَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لِإِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ إِطْلَاعُ اللَّهِ نَبِيَّهُ عَلَى قِصَّةِ حَاطِبٍ مَعَ الْمَرْأَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ إِشَارَةُ الْكَبِيرِ عَلَى الْإِمَامِ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنَ الرَّأْيِ الْعَائِدِ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ الْعَفْوِ عَنِ الْعَاصِي وَفِيهِ أَنَّ الْعَاصِيَ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهَا مُؤْمِنَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً وَلَوْلَا أَنَّهَا لِعِصْيَانِهَا سَقَطَتْ حُرْمَتُهَا مَا هَدَّدَهَا عَلِيٌّ بتجريدها قَالَه بن بَطَّالٍ وَفِيهِ جَوَازُ غُفْرَانِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ الْجَائِزَةِ الْوُقُوعُ عَمَّنْ شَاءَ اللَّهُ خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَتْ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مِسْطَحٍ بِقَذْفِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَلَمْ يُسَامَحْ بِمَا ارْتَكَبَهُ مِنَ الْكَبِيرَةِ وَسُومِحَ حَاطِبٌ وَعُلِّلَ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ عَنِ الْبَدْرِيِّ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَفِيهِ جَوَازُ غُفْرَانِ مَا تَأَخَّرَ مِنَ الذُّنُوبِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الدُّعَاءُ بِهِ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ وَقَدْ جَمَعْتُ جُزْءًا فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي بَيَان الْأَعْمَالِ الْمَوْعُودِ لِعَامِلِهَا بِغُفْرَانِ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ سَمَّيْتُهُ الْخِصَالُ الْمُكَفِّرَةُ لِلذُّنُوبِ الْمُقَدَّمَةِ وَالْمُؤَخَّرَةِ وَفِيهَا عِدَّةُ أَحَادِيثَ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ وَفِيهِ تَأَدُّبُ عُمَرَ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إِقَامَةُ الْحَدِّ وَالتَّأْدِيبُ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهِ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِعُمَرَ وَلِأَهْلِ بَدْرٍ كُلِّهِمْ وَفِيهِ الْبُكَاءُ عِنْدَ السُّرُورِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بَكَى حِينَئِذٍ لِمَا لَحِقَهُ مِنَ الْخُشُوعِ وَالنَّدَمِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي حَقِّ حَاطِبٍ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى أَحَدٍ وَعِشْرِينَ حَدِيثًا فِيهَا وَاحِدٌ مُعَلَّقٌ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى سَبْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا وَالْأَرْبَعَةُ خَالِصَةٌ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا جَمِيعِهَا وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ سَبْعَةُ آثَار بَعْضهَا مَوْصُول وَالله أعلم بِسم الله الرَّحْمَن قَـوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ



( كِتَابُ الْإِكْرَاهِ)
هُوَ إِلْزَامُ الْغَيْرِ بِمَا لَا يُرِيدُهُ وَشُرُوطُ الْإِكْرَاهِ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ قَادِرًا عَلَى إِيقَاعِ مَا يُهَدِّدُ بِهِ وَالْمَأْمُورُ عَاجِزًا عَنِ الدَّفْعِ وَلَوْ بِالْفِرَارِ الثَّانِي أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ أَوْقَعَ بِهِ ذَلِك الثَّالِث أَن يكون ماهدده بِهِ فَوْرِيًّا فَلَوْ قَالَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا ضَرَبْتُكَ غَدًا لَا يُعَدُّ مُكْرَهًا وَيُسْتَثْنَى مَا إِذَا ذَكَرَ زَمَنًا قَرِيبًا جِدًّا أَوْ جرت الْعَادة بِأَنَّهُ لايخلف الرَّابِعُ أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنَ الْمَأْمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا فَأَوْلَجَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَنْزِعَ وَيَقُولُ أَنْزَلْتُ فَيَتَمَادَى حَتَّى يُنْزِلَ وَكَمَنْ قِيلَ لَهُ طَلِّقْ ثَلَاثًا فَطلق وَاحِدَةً وَكَذَا عَكْسُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْفِعْلِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى التَّأْبِيدِ كَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُكْرَهِ هَلْ يُكَلَّفُ بِتَرْكِ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ لَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْقَتْلِ مَأْمُورٌ بِاجْتِنَابِ الْقَتْلِ وَالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَأْثَمُ إِنْ قَتَلَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَكَذَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمَا إِذَا وَافَقَ دَاعِيَةُ الْإِكْرَاهِ دَاعِيَةَ الشَّرْعِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ الْكَافِرِ وَإِكْرَاهِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ أَمَّا مَا خَالَفَ فِيهِ دَاعِيَةُ الْإِكْرَاهِ دَاعِيَةَ الشَّرْعِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِهِ وَإِنَّمَا جَرَى الْخِلَافُ فِي تَكْلِيفِ الْمُلْجَإِ وَهُوَ مَنْ لَا يَجِدُ مَنْدُوحَةَ عَنِ الْفِعْلِ كَمَنْ أُلْقِيَ مِنْ شَاهِقٍ وعقله ثَابت فَسقط على شخص فَقتله فَإِنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنِ السُّقُوطِ وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي عَدَمِهِ وَإِنَّمَا هُوَ آلَةٌ مَحْضَةٌ وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إِلَّا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْآمِدِيُّ مِنَ التَّفْرِيعِ عَلَى تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَقَدْ جَرَى الْخِلَافُ فِي تَكْلِيفِ الْغَافِلِ كَالنَّائِمِ وَالنَّاسِي وَهُوَ أَبْعَدُ مِنَ الْمُلْجَإِ لِأَنَّهُ لَا شُعُورَ لَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ بِتَكْلِيفِهِ عَلَى مَعْنَى ثُبُوتِ الْفِعْلِ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ.

     وَقَالَ  الْقَفَّالُ إِنَّمَا شُرِعَ سُجُودُ السَّهْوِ وَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُخْطِئِ لِكَوْنِ الْفِعْل فِي نَفسه مَنْهِيّا مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا أَنَّ الْغَافِلَ نُهِيَ عَنْهُ حَالَةَ الْغَفْلَةِ إِذْ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْهُ وَاخْتُلِفَ فِيمَا يُهَدَّدُ بِهِ فَاتَّفَقُوا عَلَى الْقَتْلِ وَإِتْلَافِ الْعُضْوِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَالْحَبْسِ الطَّوِيلِ وَاخْتَلَفُوا فِي يَسِيرِ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مَنْ أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَسَاقَ إِلَى عَظِيمٌ وَهُوَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنِ ارْتَدَّ مُخْتَارًا.
وَأَمَّا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَعْذُورٌ بِالْآيَةِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَدْخُلَ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ تَحْتَ الْوَعِيدِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ كَمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا فَعَذَّبُوهُ حَتَّى قَارَبَهُمْ فِي بَعْضِ مَا أَرَادُوا فَشَكَى ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ وَهُوَ مُرْسَلٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَقَبِلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَنْهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَزَادَ فِي السَّنَدِ فَقَالَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْضًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ مُطَوَّلًا وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَفِيهِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ عَذَّبُوا عَمَّارًا وَأَبَاهُ وَأُمَّهُ وَصُهَيْبًا وَبِلَالًا وَخَبَّابًا وَسَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فَمَاتَ يَاسِرٌ وَامْرَأَتُهُ فِي الْعَذَابِ وَصَبَرَ الْآخَرُونَ وَفِي رِوَايَة مُجَاهِد عَن بن عَبَّاس عِنْد بن الْمُنْذِرِ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ خَبَّابًا وَبِلَالًا وَعَمَّارًا فَأَطَاعَهُمْ عَمَّارٌ وَأَبَى الْآخَرَانِ فَعَذَّبُوهُمَا وَأَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ مُرْسَلِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ عَمَّارٍ عِنْدَ بَيْعَةِ الْأَنْصَارِ فِي الْعَقَبَةِ وَأَنَّ الْكُفَّارَ أَخَذُوا عَمَّارًا فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَحَدَهُمْ خَبَرَهُ فَأَرَادُوا أَنْ يُعَذِّبُوهُ فَقَالَ هُوَ يَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ وَبِمَا جَاءَ بِهِ فَأَعْجَبَهُمْ وَأَطْلَقُوهُ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيق بن سِيرِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَهُوَ يَبْكِي فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدُّمُوعَ عَنْهُ وَيَقُولُ أَخَذَكَ الْمُشْرِكُونَ فَغَطَّوْكَ فِي الْمَاءِ حَتَّى قُلْتَ لَهُمْ كَذَا إِنْ عَادُوا فَعُدْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ إِرْسَالِهِ أَيْضًا وَهَذِهِ الْمَرَاسِيلُ تَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَقَدْ أخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ وَهُوَ ضَعِيف عَن مُجَاهِد عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ عَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا حَتَّى قَالَ لَهُمْ كَلَامًا تَقِيَّةً فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان قَالَ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ فَعَلَيْهِ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ.
وَأَمَّا مَنْ أُكْرِهَ بِلِسَانِهِ وَخَالَفَهُ قَلْبُهُ بِالْإِيمَانِ لِيَنْجُوَ بِذَلِكَ من عدوه فَلَا حرج عَلَيْهِ أَن اللَّهُ إِنَّمَا يَأْخُذُ الْعِبَادَ بِمَا عُقِدَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُهُمْ.

قُلْتُ وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُقَدَّمٌ مِنْ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ كَأَنَّهُ قِيلَ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ وَقَدْ يَكُونُ بِاعْتِقَادٍ فَاسْتَثْنَى الْأَوَّلَ وَهُوَ الْمُكْرَهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَهِيَ تَقِيَّةٌ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ تُقَاةً وَتَقِيَّةً وَاحِدٌ.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ وَمَعْنَى الْآيَةِ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَلِيًّا فِي الْبَاطِنِ وَلَا فِي الظَّاهِرِ إِلَّا لِلتَّقِيَّةِ فِي الظَّاهِرِ فَيَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَهُ إِذَا خَافَهُ وَيُعَادِيَهُ بَاطِنًا قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْخِطَابِ أَنَّ مُوَالَاةَ الْكُفَّارِ لَمَّا كَانَتْ مُسْتَقْبَحَةً لَمْ يُوَاجِهِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخِطَابِ.

قُلْتُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم كَأَنَّهُمْ أَخَذُوا بِعُمُومِهِ حَتَّى أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رُخْصَةً فِي ذَلِكَ وَهُوَ كَالْآيَاتِ الصَّرِيحَةِ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وقَال إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ عَفُوًّا غَفُورًا.

     وَقَالَ  وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا هَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ صَوَابٌ وَإِنَّمَا أَوْرَدْتُهُ بِلَفْظِهِ لِلْتَنْبِيهِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ عِنْدَ الشُّرَّاحِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَة والأصيلي والقابسي أَن الَّذين تَوَفَّاهُم فَسَاقَ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْأَرْضِ.

     وَقَالَ  بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا وَفِيهِ تَغْيِيرٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُم الْآيَات قَالَ ومالكم لَا تقاتلون فِي سَبِيل الله إِلَى قَوْلِهِ نَصِيرًا وَهُوَ صَوَابٌ وَإِنْ كَانَتِ الْآيَاتُ الْأُولَى مُتَرَاخِيَةً فِي السُّورَةِ عَنِ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ التَّغْيِيرِ وَإِنَّمَا صَدَّرَ بِالْآيَاتِ الْمُتَرَاخِيَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ آمَنُوا فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَإِنَّا لَا نَرَاكُمْ مِنَّا إِلَّا أَنْ هَاجَرْتُمْ فَخَرَجُوا فَأَدْرَكَهُمْ أَهْلُهُمْ بِالطَّرِيقِ فَفَتَنُوهُمْ حَتَّى كَفَرُوا مكرهين وأقتصر بن بَطَّالٍ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ وَعَزَاهُ لِلْمُفَسِّرِينَ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ إِلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ.

     وَقَالَ  إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ إِلَى الظَّالِمِ أَهْلُهَا.

قُلْتُ وَلَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرٌ مِنَ التِّلَاوَةِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ تَصَرُّفًا فِيمَا سَاقه المُصَنّف.

     وَقَالَ  بن التِّينِ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى قِصَّةِ عَمَّارٍ إِلَى أَنْ قَالَ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدرا أَيْ مَنْ فَتَحَ صَدْرَهُ لِقَبُولِهِ وَقَولُهُ الَّذِينَ تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة إِلَى قَوْلِهِ وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا لَيْسَ التِّلَاوَة كَذَلِك لِأَن قَوْله اجْعَل لنا من لَدُنْك نَصِيرًا قَبْلَ هَذَا قَالَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إِلَى قَوْله غَفُورًا رحِيما وَفِي بَعْضِهَا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُم.

     وَقَالَ  إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال إِلَى قَوْله من لَدُنْك نَصِيرًا وَهَذَا عَلَى نَسَقِ التَّنْزِيلِ كَذَا قَالَ فَأَخْطَأَ فَالْآيَةُ الَّتِي آخِرُهَا نَصِيرًا فِي أَوَّلِهَا وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِالْوَاوِ لَا بِلَفْظِ إِلَّا وَمَا نَقَلَهُ عَنْ بعض النّسخ إِلَى قَوْله غَفُورًا رحِيما مُحْتَمَلٌ لِأَنَّ آخِرَ الْآيَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا إِنَّ الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة قَوْله وَسَاءَتْ مصيرا وَآخِرُ الَّتِي بَعْدَهَا سَبِيلًا وَآخِرُ الَّتِي بَعْدَهَا عفوا غَفُورًا وَآخِرُ الَّتِي بَعْدَهَا غَفُورًا رَحِيمًا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ سِيَاقَ أَرْبَعِ آيَاتٍ .

     قَوْلُهُ  فَعَذَرَ اللَّهُ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ يَعْنِي إِلَّا إِذَا غُلِبُوا قَالَ وَالْمُكْرَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُسْتَضْعَفًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَيْ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِيقَاعِ الشَّرِّ بِهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنَ التَّرْكِ كَمَا لَا يَقْدِرُ الْمُكْرَهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنَ الْفِعْلِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ .

     قَوْلُهُ  وقَال الْحَسَنُ أَيِ الْبَصْرِيُّ التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَصله عبد بن حميد وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ التَّقِيَّةُ جَائِزَةٌ لِلْمُؤْمِنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْعَلُ فِي الْقَتْلِ تَقِيَّةً وَلَفْظُ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ إِلَّا فِي قَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ يَعْنِي لَا يُعْذَرُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ يُؤْثِرُ نَفْسَهُ عَلَى نَفْسِ غَيْرِهِ.

قُلْتُ وَمَعْنَى التَّقِيَّةِ الْحَذَرُ مِنْ إِظْهَارِ مَا فِي النَّفْسِ مِنْ مُعْتَقَدٍ وَغَيْرِهِ لِلْغَيْرِ وَأَصْلُهُ وَقْيَةٌ بِوَزْنِ حَمْزَةَ فَعْلَةٌ مِنَ الْوِقَايَةِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق بن جريج عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ التَّقِيَّةُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَا يبسط يَده للْقَتْل قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَبِه قَالَ بن عمر وبن الزبير وَالشعْبِيّ وَالْحسن أما قَول بن عَبَّاس فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَكْرَهَهُ اللُّصُوصُ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَالَ بن عَبَّاسٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقَ الْمُكْرَهِ شَيْئا وَأما قَول بن عمر وبن الزُّبَيْرِ فَأَخْرَجَهُمَا الْحُمَيْدِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعْتُ عَمْرًا يَعْنِي بن دِينَارٍ حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْأَعْرَجُ قَالَ تَزَوَّجْتُ أُمَّ وَلَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فَدَعَانِي ابْنُهُ وَدَعَا غُلَامَيْنِ لَهُ فَرَبَطُونِي وَضَرَبُونِي بِالسِّيَاطِ.

     وَقَالَ  لِتُطَلِّقْهَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ وَأَفْعَلَنَّ فَطَلَّقْتُهَا ثمَّ سَأَلت بن عمر وبن الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَرَيَاهُ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ثَابِتٍ الْأَعْرَجِ نَحْوَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ فَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ إِنْ أَكْرَهَهُ اللُّصُوصُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَقَعَ وَنُقِلَ عَنِ بن عُيَيْنَةَ تَوْجِيهُهُ وَهُوَ أَنَّ اللِّصَّ يُقْدِمُ عَلَى قَتْلِهِ وَالسُّلْطَانُ لَا يَقْتُلُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقَ الْمُكْرَهِ شَيْئًا وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ إِلَى الْحسن قَالَ بن بَطَّالٍ تَبَعًا لِابْنِ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ حَتَّى خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَتْلَ فَكَفَرَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَلَا تَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَقَالَ إِذَا أَظْهَرَ الْكُفْرَ صَارَ مُرْتَدًّا وَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُسْلِمًا قَالَ وَهَذَا قَوْلٌ تُغْنِي حِكَايَتُهُ عَنِ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ النُّصُوصَ.

     وَقَالَ  قَوْمٌ مَحَلُّ الرُّخْصَةِ فِي الْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ كَأَنْ يَسْجُدَ لِلصَّنَمِ أَوْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا أَوْ يَأْكُلَ الْخِنْزِيرَ أَوْ يَزْنِيَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَحْنُونٍ وَأَخْرَجَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ التَّقِيَّةَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ .

     وَقَالَتْ  طَائِفَةٌ الْإِكْرَاهُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ سَوَاءٌ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْإِكْرَاهِ فَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا سُجِنَ أَوْ أُوثِقَ أَوْ عُذِّبَ وَمِنْ طَرِيقِ شُرَيْحٍ نَحْوُهُ وَزِيَادَةٌ وَلَفْظُهُ أَرْبَعٌ كُلُّهُنَّ كُرْهٌ السِّجْنُ وَالضَّرْبُ وَالْوَعِيدُ وَالْقَيْدُ وَعَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ مَا كَلَامٌ يَدْرَأُ عَنِّي سَوْطَيْنِ إِلَّا كُنْتُ مُتَكَلِّمًا بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَنقل فِيهِ بن بَطَّالٍ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَعَنِ الْكُوفِيِّينَ يَقَعُ وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَأَبِي قِلَابَةَ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ تَقَدَّمَ عَنِ الشَّعْبِيِّ .

     قَوْلُهُ  وقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَفْظُهُ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ هَكَذَا وَقَعَ فِيهِ بِدُونِ إِنَّمَا فِي أَوَّلِهِ وَإِفْرَادِ النِّيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ حَدِيثٍ فِي الصَّحِيحِ وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِكْرَاهِ فِي أَوَّلِ تَرْكِ الْحِيَلِ قَرِيبًا وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِإِيرَادِهِ هُنَا إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ فِي الْإِكْرَاهِ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِعْلٌ وَإِذَا كَانَ لَا يُعْتَبَرُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فَالْمُكْرَهُ لَا نِيَّةَ لَهُ بَلْ نِيَّتُهُ عَدَمُ الْفِعْلِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ التَّفْصِيلَ يُشْبِهُ مَا نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الَّذِينَ أُكْرِهُوا إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَلَامِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَكُونُوا مُعْتَقِدِينَ لَهُ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يُؤثر فِي بَدَنٍ وَلَا مَالٍ بِخِلَافِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ وَالْمَالِ هَذَا مَعْنَى مَا حَكَاهُ بن بطال عَن إِسْمَاعِيل القَاضِي وَتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّهُمْ أُكْرِهُوا عَلَى النُّطْقِ بِالْكُفْرِ وَعَلَى مُخَالَطَةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُعَاوَنَتِهِمْ وَتَرْكِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَالتُّرُوكُ أَفْعَالٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَمْ يُؤَاخَذُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى الْمُعْظَمُ قَتْلَ النَّفْسِ فَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنِ الْقَاتِلِ وَلَوْ أُكْرِهَ لِأَنَّهُ آثَرَ نَفْسَهُ عَلَى نَفْسِ الْمَقْتُولِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَجِّيَ نَفْسَهُ مِنَ الْقَتْلِ بِأَنْ يَقْتُلَ غَيْرَهُ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ



[ قــ :6574 ... غــ :6940] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَزَادَ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ الْبَابِ وَزَادَ وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ وَفِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ فَذَكَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَالتَّعْرِيفُ بِالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ هُنَا فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ فِي النَّازِلَةِ وَمَحَلُّهُ فِي كِتَابِ الْوِتْرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقَولُهُ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ هُوَ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَتَعَلَّقَ الْحَدِيثُ بِالْإِكْرَاهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُكْرَهِينَ عَلَى الْإِقَامَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ الْمُسْتَضْعَفَ لَا يَكُونُ إِلَّا مُكْرَهًا كَمَا تَقَدَّمَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْكُفْرِ لَوْ كَانَ كفرا لما دَعَا لَهُم وَسَمَّاهُمْ مُؤمنين