فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب بيع الشعير بالشعير

( قَولُهُ بَابُ بَيْعِ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ)
أَيْ مَا حُكْمُهُ



[ قــ :2091 ... غــ :2174] .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ بِذَهَبٍ كَانَ مَعَهُ وَبَين ذَلِك اللَّيْث فِي رِوَايَته عَن بن شِهَابٍ وَلَفْظُهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ أَقْبَلْتُ أَقُولُ مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ .

     قَوْلُهُ  فَتَرَاوَضْنَا بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ تَجَارَيْنَا الْكَلَامَ فِي قَدْرِ الْعِوَضِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ يُرَوِّضُ صَاحِبَهُ وَيُسَهِّلُ خُلُقَهُ وَقِيلَ الْمُرَاوَضَةُ هُنَا الْمُوَاصَفَةُ بِالسِّلْعَةِ وَهُوَ أَنْ يَصِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا سِلْعَتَهُ لِرَفِيقِهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا أَيِ الذَّهَبَةَ وَالذَّهَبُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَيُقَالُ ذَهَبٌ وَذَهَبَةٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ ضَمَّنَ الذَّهَبَ مَعْنَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْمِائَةُ فَأَنَّثَهُ لِذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ فَقَالَ طَلْحَةُ إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِيكَ وَرِقَكَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ الْخَازِنِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ طَلْحَةُ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْغَابَةِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُوَحَّدَةٌ يَأْتِي شرح أمرهَا فِي أَو اخر الْجِهَادِ فِي قِصَّةِ تَرِكَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَكَأَنَّ طَلْحَةَ كَانَ لَهُ بِهَا مَالٌ مِنْ نخل وَغَيره وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك بن عَبْدِ الْبَرِّ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ أَيْ عِوَضُ الذَّهَبِ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ أَوْ لَتَرُدَّنَّ إِلَيْهِ ذَهَبَهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَذَكَرَهُ قَوْله الذَّهَب بالورق رَبًّا قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِيهِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ الْحُفَّاظُ حَتَّى رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَاللَّيْثُ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُفَّاظُ عَنِ بن عُيَيْنَةَ وَشَذَّ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ فَقَالَ الذَّهَبُ بِالذَّهَب كَذَلِك رَوَاهُ بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ الرَّفْعُ أَيْ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ لِلْعِلْمِ بِهِ أَوِ الْمَعْنَى الذَّهَبُ يُبَاعُ بِالذَّهَبِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ أَيْ بِيعُوا الذَّهَبَ وَالذَّهَبُ يُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ الْمَضْرُوبَةِ وَغَيْرِهَا وَالْوَرِقِ الْفِضَّةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِإِسْكَانِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ فَتْحُهُمَا وَقِيلَ بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمَضْرُوبَةُ وَبِفَتْحِهَا الْمَالُ وَالْمُرَادُ هُنَا جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْفِضَّةِ مَضْرُوبَةً وَغَيْرَ مَضْرُوبَةٍ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ بِالْمَدِّ فِيهِمَا وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقِيلَ بِالْكَسْرِ وَقِيلَ بِالسُّكُونِ وَحُكِيَ الْقَصْرُ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَخَطَّأَهَا الْخَطَّابِيُّ وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ.

     وَقَالَ  هِيَ صَحِيحَةٌ لَكِنْ قَلِيلَةٌ وَالْمَعْنَى خُذْ وَهَاتِ وَحُكِيَ هَاكَ بِزِيَادَةِ كَافٍ مَكْسُورَةٍ وَيُقَالُ هَاءِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى هَاتِ وَبِفَتْحِهَا بِمَعْنَى خُذْ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ.

     وَقَالَ  بن الْأَثِيرِ هَاءَ وَهَاءَ هُوَ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَيِّعَيْنِ هَاءَ فَيُعْطِيهِ مَا فِي يَدِهِ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ يَعْنِي مُقَابَضَةً فِي الْمَجْلِسِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ خُذْ وَأَعْطِ قَالَ وَغَيْرُ الْخَطَّابِيِّ يُجِيزُ فِيهَا السُّكُونَ عَلَى حَذْفِ الْعِوَضِ وَيَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ هَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ هَا اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ إِلَّا فَيَجِبُ تَقْدِيرُ قَوْلٍ قَبْلَهُ يَكُونُ بِهِ مَحْكِيًّا فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَلَا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مَقُولًا عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ هَاءَ وَهَاءَ.

     وَقَالَ  الْخَلِيلُ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْمُنَاوَلَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ هَاءَ وَهَاءَ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِصَاحِبِهِ هَاءَ فَيَتَقَابَضَانِ فِي الْمجْلس قَالَ بن مَالِكٍ حَقُّهَا أَنْ لَا تَقَعَ بَعْدُ إِلَّا كَمَا لَا يَقع بعْدهَا خُذ قَالَ فالقدير لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مَقُولًا بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هَاءَ وَهَاءَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي الصَّرْفِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إِلَّا عِنْدَ الْإِيجَابِ بِالْكَلَامِ وَلَوِ انْتَقَلَا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إِلَى آخَرَ لَمْ يَصِحَّ تَقَابُضُهُمَا وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ تَرَاخِي الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ سَوَاءٌ كَانَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ تَفَرَّقَا وَحُمِلَ قَوْلُ عُمَرَ لَا يُفَارِقُهُ على الْفَوْر حَتَّى لَوْ أَخَّرَ الصَّيْرَفِيُّ الْقَبْضَ حَتَّى يَقُومَ إِلَى قَعْوِ دُكَّانِهِ ثُمَّ يَفْتَحَ صُنْدُوقَهُ لَمَا جَازَ .

     قَوْلُهُ  الْبُرُّ بِالْبُرِّ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ رَاءٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَعْرُوفٌ وَحُكِيَ جَوَازُ كَسْرِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ صِنْفَانِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ فَقَالُوا هما صنف وَاحِد قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَبِيرَ يَلِي الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وُكَلَاءُ وَأَعْوَانُ يَكْفُونَهُ وَفِيهِ الْمُمَاكَسَةُ فِي الْبَيْعِ وَالْمُرَاوَضَةُ وَتَقْلِيبُ السِّلْعَةِ وَفَائِدَتُهُ الْأَمْنُ مِنَ الْغَبْنِ وَأَنَّ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَخْفَى عَلَى الرَّجُلِ الْكَبِيرِ الْقَدْرِ حَتَّى يُذَكِّرَهُ غَيْرُهُ وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا سَمِعَ أَوْ رَأَى شَيْئًا لَا يَجُوزُ يَنْهَى عَنْهُ وَيُرْشِدُ إِلَى الْحَقِّ وَأَنَّ مَنْ أَفْتَى بِحُكْمٍ حَسَنٍ أَنْ يَذْكُرَ دَلِيلَهُ وَأَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ رَعِيَّتِهِ وَيَهْتَمَّ بِمَصَالِحِهِمْ وَفِيهِ الْيَمِينُ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ وَفِيهِ الْحُجَّةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ حَدِيثِ رَسُولِهِ وَفِيهِ أَنَّ النَّسِيئَةَ لَا تَجُوزُ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ فِيهِمَا مَعَ تَفَاضُلِهِمَا بِالنَّسِيئَةِ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَا الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ يَعْنِي إِذَا لَمْ تَكُنْ رِوَايَةُ بن إِسْحَاقَ وَمَنْ تَابَعَهُ مَحْفُوظَةً فَيُؤْخَذُ الْحُكْمُ مِنْ دَلِيل الْخطاب وَقد نقل بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ أَيِ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَنْعِ بَيْنَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَبَيْنَ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ فَيُسْتَغْنَى حِينَئِذٍ بِذَلِكَ عَنِ الْقيَاس