فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب تقليد الغنم

قَوْله بَاب تَقْلِيد الْغنم)
قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَنْكَرَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ تَقْلِيدَهَا زَادَ غَيْرُهُ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُبْلُغْهُمُ الْحَدِيثُ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً إِلَّا قَوْلَ بَعْضِهِمْ إِنَّهَا تَضْعُفُ عَنِ التَّقْلِيدِ وَهِيَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّقْلِيدِ الْعَلَامَةُ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُشْعَرُ لِأَنَّهَا تَضْعُفُ عَنْهُ فَتُقَلَّدُ بِمَا لَا يُضْعِفُهَا وَالْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصْلِ يَقُولُونَ لَيْسَتِ الْغَنَمُ مِنَ الْهَدْيِ فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَة أُخْرَى.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ بِإِهْدَاءِ الْغَنَمِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَمْ يُهْدِ فِيهَا غَنَمًا انْتَهَى وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَ بِهَا وَأَقَامَ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ حَجَّتِهِ قَطْعًا فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ التَّرْكِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْجَوَازِ ثُمَّ مَنِ الَّذِي صَرَّحَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي هَدَايَاهُ فِي حَجَّتِهِ غَنَمٌ حَتَّى يَسُوغَ الِاحْتِجَاج بذلك ثمَّ سَاق بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا رَأَيْنَا الْغَنَمَ تُقَدَّمُ مُقَلَّدَةً وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى مَنِ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى تَرْكِ إِهْدَاءِ الْغَنَمِ وَتَقْلِيدِهَا وَأَعَلَّ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ حَدِيثَ الْبَابِ بِأَنَّ الْأَسْوَدَ تَفَرَّدَ عَنْ عَائِشَةَ بِتَقْلِيدِ الْغَنَمِ دُونَ بَقِيَّةِ الرُّوَاةِ عَنْهَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهَا وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ بِعِلَّةٍ لِأَنَّهُ حَافِظٌ ثِقَةٌ لَا يَضُرُّهُ التَّفَرُّدُ



[ قــ :1628 ... غــ :1702] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِد هُوَ بن زِيَادٍ وَإِنَّمَا أَرْدَفَ الْبُخَارِيُّ بِطَرِيقِهِ طَرِيقَ أَبِي نُعَيْمٍ مَعَ أَنَّ طَرِيقَ أَبِي نُعَيْمٍ عِنْدَهُ أَعْلَى دَرَجَةً لِتَصْرِيحِ الْأَعْمَشِ بِالتَّحْدِيثِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ مَعَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ زِيَادَةُ التَّقْلِيدِ وَزِيَادَةُ إِقَامَتِهِ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِرِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ اسْتِظْهَارًا لِرِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ لِمَا فِي حِفْظِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عِنْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ هُوَ عِنْدَهُ حُجَّةً.
وَأَمَّا إِرْدَافُهُ بِرِوَايَةِ مَسْرُوقٍ مَعَ أَنَّهُ لَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِكَوْنِ الْقَلَائِدِ لِلْغَنَمِ فَلِأَنَّ لَفْظَ الْهَدْيِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِغَنَمٍ أَوْ غَيْرِهَا فَالْغَنَمُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا يُهْدَى وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى الْإِبِلَ وَأَهْدَى الْبَقَرَ فَمَنِ ادَّعَى اخْتِصَاصَ الْإِبِلِ بِالتَّقْلِيدِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَعَامِرٌ فِي طَرِيقِ مَسْرُوقٍ هُوَ الشَّعْبِيُّ وَزَكَرِيَّا الرَّاوِي عَنهُ هُوَ بن أَبِي زَائِدَةَ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ طَرِيقَ مَسْرُوقٍ مِنْ وَجْهٍ آخر عَن الشّعبِيّ مطولا