فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه

( قَولُهُ بَابُ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ)
سَقَطَ لَفْظُ بَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَكُنْ لِبَاسُ الْخَاتَمِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْمُلُوكِ اتَّخَذَ الْخَاتَمَ وَاتَّخَذَهُ مِنْ ذهب ثمَّ رَجَعَ عَنهُ لمافيه مِنَ الزِّينَةِ وَلِمَا يُخْشَى مِنَ الْفِتْنَةِ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَاطِنَ كَفِّهِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ التَّزَيُّنِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ دَعْوَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الْخَاتَمَ عَجِيبَةً فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ انْتَهَى وَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ لُبْسِهِ عَنِ الْعَرَبِ وَإِلَّا فَكَوْنُهُ عَرَبِيًّا وَاسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ فِي خَتْمِ الْكُتُبِ لَا يَرُدُّ عَلَى عِبَارَةِ الْخَطَّابِيِّ وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى كَرَاهَةِ لُبْسِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَأَبَاحُوهُ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَلْقَى خَاتَمَهُ أَلْقَى النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الْخَاتَمَ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ مَنْ لَيْسَ ذَا سُلْطَانٍ فَإِنْ قِيلَ هُوَ مَنْسُوخٌ قُلْنَا الَّذِي نُسِخَ مِنْهُ لُبْسُ خَاتَمِ الذَّهَبِ.

قُلْتُ أَوْ لُبْسُ خَاتَمِ الْمَنْقُوشِ عَلَيْهِ نَقْشُ خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ثُمَّ أَوْرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَوَاتِمَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ انْتَهَى وَلَمْ يَجِبْ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لُبْسَهُ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ التَّزَيُّنِ وَاللَّائِقُ بِالرِّجَالِ خِلَافُهُ وَتَكُونُ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْجَوَازِ هِيَ الصَّارِفَةُ لِلنَّهْيِ عَنِ التَّحْرِيمِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بعض طرقه نهي عَنِ الزِّينَةِ وَالْخَاتَمِ الْحَدِيثَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ مَنْ لَهُ سُلْطَنَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخَتْمِ عَلَيْهِ لَا السُّلْطَانَ الْأَكْبَرَ خَاصَّةً وَالْمُرَادُ بِالْخَاتَمِ مَا يُخْتَمُ بِهِ فَيَكُونُ لُبْسُهُ عَبَثًا.
وَأَمَّا مَنْ لَبِسَ الْخَاتَمَ الَّذِي لَا يُخْتَمُ بِهِ وَكَانَ مِنَ الْفِضَّةِ لِلزِّينَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَالُ مَنْ لَبِسَهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ مِنْ صِفَةِ نَقْشِ خَوَاتِمِ بَعْضِ مَنْ كَانَ يَلْبَسُ الْخَوَاتِمَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِصِفَةِ مَا يُخْتَمُ بِهِ وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ فَضَعَّفَهُ.

     وَقَالَ  سَأَلَ صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ الْبَسِ الْخَاتَمَ وَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنِّي قَدْ أَفْتَيْتُكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَكْمِلَةٌ جَزَمَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ أَنَّ اتِّخَاذَ الْخَاتَمَ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَجَزَمَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي السَّادِسَةِ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَاخِرِ السَّادِسَةِ وَأَوَائِلِ السَّابِعَةِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّخَذَهُ عِنْدَ إِرَادَتِهِ مُكَاتَبَةَ الْمُلُوكِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ إِرْسَالُهُ إِلَى الْمُلُوكِ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ وَكَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي ذِي الْحَجَّةِ وَوَجَّهَ الرُّسُلَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنَ السَّابِعَةِ وَكَانَ اتِّخَاذُهُ الْخَاتَمَ قَبْلَ إِرْسَالِهِ الرُّسُلَ إِلَى الْمُلُوك وَالله أعلم قَولُهُ بَابُ مَنْ جَعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ فِي بَطْنِ كَفِّهِ سَقَطَ لَفْظُ بَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ بن بَطَّالٍ قِيلَ لِمَالِكٍ يُجْعَلُ الْفَصُّ فِي بَاطِنِ الْكَفّ قَالَ لَا قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ فِي كَوْنِ فَصِّ الْخَاتَمِ فِي بَطْنِ الْكَفِّ وَلَا ظَهْرِهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ السِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ جَعْلَهُ فِي بَطْنِ الْكَفِّ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ وَقد أخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث بن عَبَّاسٍ جَعْلَهُ فِي ظَاهِرِ الْكَفِّ كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبا



[ قــ :5562 ... غــ :5876] قَوْله حَدثنَا جوَيْرِية هُوَ بن أَسمَاء وَعبد الله هُوَ بن عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ وَيَجْعَلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي بَابِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ جُوَيْرِيَةُ وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا قَالَ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ فِي رِوَايَتِهِ لَمْ يَقَعْ فِي الْبُخَارِيِّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ مِنْ أَيِّ الْيَدَيْنِ إِلَّا فِي هَذَا.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ جُوَيْرِيَةُ وَتَوَاطُؤُ الرِّوَايَاتِ عَلَى خِلَافِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى لُبْسِ الْخَاتَمِ فِي الْيَسَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَحْفُوظُ.

قُلْتُ وَكَلَامُهُ مُتَعَقَّبٌ فَإِنَّ الظَّنَّ فِيهِ مِنْ مُوسَى شيخ البُخَارِيّ وَقد أخرجه بن سَعْدٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ كِلَاهُمَا عَنْ جُوَيْرِيَةَ وَجَزَمَا بِأَنَّهُ لَبِسَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى وَهَكَذَا أَخْرَجَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِيهِ وَجَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَتَخَتَّمَ بِهِ فِي يَمِينِهِ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ اتَّخَذْتُ هَذَا الْخَاتَمَ فِي يَمِينِي ثُمَّ نَبَذَهُ الْحَدِيثَ وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْ لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعٌ لِلَّبْسِ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ كِلَاهُمَا عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ فَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ بعده وَرَوَاهُ بن إِسْحَاقَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ فِي يَمِينه انْتهى وَرِوَايَة بن إِسْحَاقَ قَدْ أَخْرَجَهَا أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِهِ وَكَذَا رِوَايَةُ أُسَامَةَ وَأَخْرَجَهَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَيْضًا فَظَهَرَ أَنَّ رِوَايَةَ الْيَسَارِ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ شَاذَّةٌ وَمَنْ رَوَاهَا أَيْضًا أَقَلُّ عددا وألين حفظا مِمَّنْ رَوَى الْيَمِينَ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَار عَن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَن سَالم عَن بن عُمَرَ نَحْوَهُ فَرَجَحَتْ رِوَايَةُ الْيَمِينِ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ أَيْضًا وَقَدْ وَرَدَ التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى مِنْهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ فَصُّهُ حَبَشِيٌّ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا من طَرِيق بن إِسْحَاقَ قَالَ رَأَيْتُ عَلَى الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمًا فِي خِنْصَرِهِ الْيَمِينِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ رَأَيْت بن عَبَّاسٍ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ هَكَذَا وَجَعَلَ فَصَّهُ عَلَى ظهرهَا وَلَا إخال بن عَبَّاسٍ إِلَّا ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُخْتَصرا رَأَيْت بن عَبَّاسٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَلَا إِخَالُهُ إِلَّا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخر عَن بن عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَفِي سَنَدِهِ لِينٌ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ رَأَيْت بن أَبِي رَافِعٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ.

     وَقَالَ  كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ فِي الشَّمَائِلِ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ وَعَائِشَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ وَعِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَعَنِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ بِسَنَدٍ سَاقِطٍ وَوَرَدَ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ مِنْ حَدِيث بن عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا أخرجه مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَرِ الْيُسْرَى وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَلِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظٍ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي يَسَارِهِ وَفِي سَنَدِهِ لين وَأخرجه بن سَعْدٍ أَيْضًا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَتَخَتَّمُونَ فِي الْيَسَارِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مَوْقُوفا على الْحسن وَالْحُسَيْن حسب.
وَأَمَّا دَعْوَى الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى التَّخَتُّمِ فِي الْيَسَارِ فَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَهُ مِنِ اسْتِحْبَابِ مَالِكٍ لِلتَّخَتُّمِ وَهُوَ يُرَجِّحُ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَظَنَّ أَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ جَاءَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَجَمْعٍ جَمٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمُ التَّخَتُّمُ فِي الْيُمْنَى.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَدَبِ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الَّذِي لَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ هُوَ خَاتَمُ الذَّهَبِ كَمَا صرح بِهِ فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَالَّذِي لَبِسَهُ فِي يَسَارِهِ هُوَ خَاتَمُ الْفِضَّةِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ كَانَ فِضَّةً وَلَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ فَكَأَنَّهَا خَطَأٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ وَقَعَ لَهُ وَهَمٌ فِي الْخَاتَمِ الَّذِي طَرَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ الَّذِي كَانَ مِنْ فِضَّةٍ وَأَنَّ الَّذِي فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ أَنَّهُ الَّذِي كَانَ مِنْ ذَهَبٍ فَعَلَى هَذَا فَالَّذِي كَانَ لَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ هُوَ الذَّهَبُ اه مُلَخَّصًا وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَبِسَ الْخَاتَمَ أَوَّلًا فِي يَمِينِهِ ثُمَّ حَوَّلَهُ إِلَى يَسَارِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا أخرجه أَبُو الشَّيْخ وبن عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَن نَافِع عَن بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ ثُمَّ إِنَّهُ حَوَّلَهُ فِي يَسَارِهِ فَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ وَلَكِن سَنَده ضَعِيف وَأخرج بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ طَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ الذَّهَبَ ثُمَّ تَخَتَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ وَهَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ وَقَدْ جَمَعَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ تَخَتَّمَ أَوَّلًا فِي يَمِينِهِ ثُمَّ تَخَتَّمَ فِي يَسَارِهِ وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْأَمريْنِ.

     وَقَالَ  بن أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَا يَثْبُتُ هَذَا وَلَا هَذَا وَلَكِنْ فِي يَمِينِهِ أَكْثَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ إِنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَصَحُّ شَيْءٍ وَرَدَ فِيهِ وَصُرِّحَ فِيهِ بِالتَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اخْتِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْيَمِينُ.

قُلْتُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَصْدِ فَإِنْ كَانَ اللُّبْسُ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ لِلتَّخَتُّمِ بِهِ فَالْيَسَارُ أَوْلَى لِأَنَّهُ كَالْمُودَعِ فِيهَا وَيَحْصُلُ تَنَاوُلُهُ مِنْهَا بِالْيَمِينِ وَكَذَا وَضْعُهُ فِيهَا ويترجح التَّخَتُّم فِي فِي الْيَمِينِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْيَسَارَ آلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ فَيُصَانُ الْخَاتَمُ إِذَا كَانَ فِي الْيَمِينِ عَنْ أَنْ تُصِيبَهُ النَّجَاسَةُ وَيَتَرَجَّحُ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ بِمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنَ التَّنَاوُلِ وَجَنَحَتْ طَائِفَةٌ إِلَى اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ وَجَمَعُوا بِذَلِكَ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الْأَحَادِيثِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ أَبُو دَاوُدَ حَيْثُ تَرْجَمَ بَابَ التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ مَعَ اخْتِلَافِهَا فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ تَرْجِيحٍ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْجَوَازِ ثُمَّ قَالَ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ يَعْنِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ.

     وَقَالَ  الْبَغَوِيُّ كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ التَّخَتُّمَ فِي الْيَسَارِ.
وَتَعَقَّبَهُ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ النَّسْخُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ بَلِ الْإِخْبَارُ بِالْوَاقِعِ اتِّفَاقًا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحِكْمَة فِيهِ مَا تقدم وَالله أعلم