فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يكره من التمادح

( قَولُهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَادُحِ)
هُوَ تَفَاعُلٌ مِنَ الْمَدْحِ أَيِ الْمُبَالَغُ وَالتَّمَدُّحُ التَّكَلُّفُ وَالْمُمَادَحَةُ أَيْ مَدْحُ كُلٍّ مِنَ الشَّخْصَيْنِ الْآخَرَ وَكَأَنَّهُ تَرْجَمَ بِبَعْضِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَبَرَ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُرِيدَ حَمْلَ التَّفَاعُلِ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ فِي الشَّهَادَاتِ مَا يُكْرَهُ مِنَ الإطناب فِي الْمَدْح أورد فِيهِ حديثين الأول حَدِيثُ أَبِي مُوسَى قَالَ فِيهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ هُوَ الْبَزَّارُ وَوَقَعَ هُنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَتَقَدَّمَ الْكُلُّ فِي الشَّهَادَاتِ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى تَخْرِيجِهِ عَنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ وَمِمَّا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِي مَتْنِهِ وَلَا إِسْنَادِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ فِي كِتَابِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ.

     وَقَالَ  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ فَذَكَرَهُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا شَيْخُهُ هُوَ الْخُلْقَانِيُّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا قَافٌ وَبُرَيْدَةُ بِمُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ يُكَنَّى أَبَا بُرْدَةَ مِثْلَ كُنْيَةِ جَدِّهِ وَهُوَ شَيْخُهُ فِيهِ وَقَولُهُ



[ قــ :5736 ... غــ :6060] عَنْ بُرَيْدٍ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِمَا صَرِيحًا وَلَكِنْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَذَكَرَ حَدِيثًا قَالَ فِيهِ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي فَقَالَ لِي مَنْ هَذَا فَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ خَيْرًا فَقَالَ اسْكُتْ لَا تُسْمِعْهُ فَتُهْلِكْهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا فُلَانٌ وَهَذَا وَهَذَا وَفِي أُخْرَى لَهُ هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً أَوْ مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْحَدِيثَ وَالَّذِي أَثْنَى عَلَيْهِ مِحْجَنُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو النِّجَادَيْنِ الْمُزَنِيُّ فَقَدْ ذَكَرْتُ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي الصَّحَابَةِ مَا يُقَرِّبُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَيُطْرِيهِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْإِطْرَاءِ وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَدْحِ وَسَأَذْكُرُ مَا وَرَدَ فِي بَيَانِ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  فِي الْمِدْحَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي نُسْخَةٍ مَضَتْ فِي الشَّهَادَاتِ فِي الْمَدْحِ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِلَا هَاءٍ وَفِي أُخْرَى فِي مَدْحِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَزِيَادَةِ الضَّمِيرِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ كَذَا فِيهِ بِالشَّكِّ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الَّذِي بَعْدَهُ بِلَفْظِ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ وَهُمَا بِمَعْنًى وَالْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْهَلَاكُ لِأَنَّ مَنْ يُقْطَعُ عُنُقه يقتل وَمن يقطع ظَهره يهْلك الحَدِيث الثَّانِي





[ قــ :5737 ... غــ :6061] .

     قَوْلُهُ  عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ وَصَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا وَفِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا لَعَلَّهُ يَعْنِي الصَّلَاةَ لِمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  وَيْحَكَ هِيَ كَلِمَةُ رَحْمَةٍ وَتَوَجُّعٍ وَوَيْلٌ كَلِمَةُ عَذَابٍ وَقَدْ تَأْتِي مَوْضِعَ وَيْحٍ كَمَا سَأَذْكُرُهُ .

     قَوْلُهُ  قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ يَقُولُهُ مِرَارًا فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ الَّتِي مَضَتْ فِي الشَّهَادَاتِ وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ الَّتِي سَأُنَبِّهُ عَلَيْهَا بَعْدُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا .

     قَوْلُهُ  إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ.

     وَقَالَ  إِنْ كَانَ .

     قَوْلُهُ  لَا مَحَالَةَ أَيْ لَا حِيلَةَ لَهُ فِي تَرْكِ ذَلِكَ وَهِيَ بِمَعْنَى لَا بُدَّ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ وَيُحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَوْلِ أَيِ الْقُوَّةُ وَالْحَرَكَةُ .

     قَوْلُهُ  فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُظَنُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهُ حَسِيبُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ وَبَعْدَ التَّحْتَانِيَّةِ السَّاكِنَةِ مُوَحَّدَةٌ أَيْ كَافِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا فَعِيلٌ مِنَ الْحِسَابِ أَيْ مُحَاسَبَةٌ عَلَى عَمَلِهِ الَّذِي يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ وَهِيَ جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ هِيَ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَقُولِ وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ فَلْيَقُلْ وَالْمَعْنَى فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ أَنَّ فُلَانًا كَذَا إِنْ كَانَ يُحْسَبُ ذَلِكَ مِنْهُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ سِرَّهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُجَازِيهِ وَلَا يَقُلْ أَتَيَقَّنُ وَلَا أَتَحَقَّقُ جَازِمًا بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يُزَكَّى عَلَى اللَّهِ أَحَدٌ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ بِفَتْحِ الْكَافِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَا يُزَكِّي بِكَسْرِ الْكَافِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ أَوَّلًا الْمَقُولُ لَهُ فَلْيَقُلْ وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ وَلَا أُزَكِّي بِهَمْزَةٍ بَدَلَ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ لَا أَقْطَعُ عَلَى عَاقِبَةِ أَحَدٍ وَلَا عَلَى مَا فِي ضَمِيرِهِ لِكَوْنِ ذَلِكَ مُغَيَّبًا عَنْهُ وَجِيءَ بِذَلِكَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ أَيْ لَا تُزَكُّوا أَحَدًا عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِكُمْ مِنْكُمْ .

     قَوْلُهُ  قَالَ وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ يَعْنِي بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَيْلَكَ أَيْ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ وَيْلَكَ بَدَلَ وَيْحَكَ وَسَتَأْتِي رِوَايَةُ وُهَيْبٍ مَوْصُولَةً فِي بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ وَيْلَكَ وَيَأْتِي شرح هَذِه اللَّفْظَة هُنَاكَ قَالَ بن بَطَّالٍ حَاصِلُ النَّهْيِ أَنَّ مَنْ أَفْرَطَ فِي مَدْحِ آخَرَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى الْمَمْدُوحِ الْعُجْبَ لِظَنِّهِ أَنَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَرُبَّمَا ضَيَّعَ الْعَمَلَ وَالِازْدِيَادَ مِنَ الْخَيْرِ اتِّكَالًا عَلَى مَا وُصِفَ بِهِ وَلِذَلِكَ تَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ احْثُوا فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَمْدَحُ النَّاسَ فِي وُجُوهِهِمْ بِالْبَاطِلِ.

     وَقَالَ  عُمَرُ الْمَدْحُ هُوَ الذَّبْحُ قَالَ.
وَأَمَّا مَنْ مُدِحَ بِمَا فِيهِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ فَقَدْ مُدِحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْرِ وَالْخُطَبِ وَالْمُخَاطَبَةِ وَلَمْ يَحْثُ فِي وَجْهِ مَادِحِهِ تُرَابًا انْتَهَى مُلَخَّصًا فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا هَذَا وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاسْتَعْمَلَهُ الْمِقْدَادُ رَاوِي الْحَدِيثِ وَالثَّانِي الْخَيْبَةُ وَالْحِرْمَانُ كَقَوْلِهِمْ لِمَنْ رَجَعَ خَائِبًا رَجَعَ وَكَفُّهُ مَمْلُوءَةٌ تُرَابًا وَالثَّالِثُ قُولُوا لَهُ بِفِيكَ التُّرَابُ وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ لِمَنْ تَكْرَهُ قَوْلَهُ وَالرَّابِعُ أَنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَمْدُوحِ كَأَنْ يَأْخُذَ تُرَابًا فَيَبْذُرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَتَذَكَّرُ بِذَلِكَ مَصِيرَهُ إِلَيْهِ فَلَا يَطْغَى بِالْمَدْحِ الَّذِي سَمِعَهُ وَالْخَامِسُ الْمُرَادُ بِحَثْوِ التُّرَابِ فِي وَجْهِ الْمَادِحِ إِعْطَاؤُهُ مَا طُلِبَ لِأَنَّ كُلَّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابِ تُرَابٌ وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَيْضَاوِيُّ.

     وَقَالَ  شَبَّهَ الْإِعْطَاءَ بِالْحَثْيِ عَلَى سَبِيلِ التَّرْشِيحِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّقْلِيلِ وَالِاسْتِهَانَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ دَفْعُهُ عَنْهُ وَقَطْعُ لِسَانِهِ عَنْ عِرْضِهِ بِمَا يُرْضِيهِ مِنَ الرَّضْخِ وَالدَّافِعُ قَدْ يَدْفَعُ خَصْمَهُ بِحَثْيِ التُّرَابِ عَلَى وَجْهِهِ اسْتِهَانَةً بِهِ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ فَوَرَدَ مَرْفُوعًا أخرجه بن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحُ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ وَإِلَى لَفْظِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ رَمَزَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ وَإِيَّاكُمْ وَالْمَدْحَ فَإِنَّهُ مِنَ الذَّبْحِ.
وَأَمَّا مَا مُدِحَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَرْشَدَ مَادِحِيهِ إِلَى مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُطْرُونِي كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى بن مَرْيَمَ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ ضَبَطَ الْعُلَمَاءُ الْمُبَالَغَةَ الْجَائِزَةَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ الْمَمْنُوعَةِ بِأَنَّ الْجَائِزَةَ يَصْحَبُهَا شَرْطٌ أَوْ تَقْرِيبٌ وَالْمَمْنُوعَةُ بِخِلَافِهَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنِ الْمَعْصُومِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَيْدٍ كَالْأَلْفَاظِ الَّتِي وَصَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا بَعْضَ الصَّحَابَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ لِابْنِ عَمْرٍو نِعْمَ الْعَبْدُ عَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ آفَةُ الْمَدْحِ فِي الْمَادِحِ أَنَّهُ قَدْ يَكْذِبُ وَقَدْ يُرَائِي الْمَمْدُوحَ بِمَدْحِهِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ إِذَا مُدِحَ الْفَاسِقُ غَضِبَ الرَّبُّ أَخْرَجَهُ أَبُو يعلى وبن أَبِي الدُّنْيَا فِي الصَّمْتِ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَقَدْ يَقُولُ مَا لَا يَتَحَقَّقُهُ مِمَّا لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ إِنَّهُ وَرِعٌ وَمُتَّقٍ وَزَاهِدٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي أَوْ يَحُجَّ أَوْ يُزَكِّي فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاطِّلَاعُ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ تَبْقَى الْآفَةُ عَلَى الْمَمْدُوحِ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ الْمَدْحُ كِبْرًا أَوْ إِعْجَابًا أَوْ يَكِلُهُ عَلَى مَا شَهَرَهُ بِهِ الْمَادِحُ فَيَفْتُرُ عَنِ الْعَمَلِ لِأَنَّ الَّذِي يَسْتَمِرُّ فِي الْعَمَلِ غَالِبًا هُوَ الَّذِي يَعُدُّ نَفْسَهُ مُقَصِّرًا فَإِنْ سَلِمَ الْمَدْحُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ وَرُبَّمَا كَانَ مُسْتَحَبًّا قَالَ بن عُيَيْنَةَ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ لَمْ يَضُرَّهُ الْمَدْحُ.

     وَقَالَ  بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا مُدِحَ الرَّجُلُ فِي وَجْهِهِ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ وَلَا تُؤَاخِذنِي بِمَا يَقُولُونَ وَاجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يظنون أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب