فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ستر المؤمن على نفسه

( قَولُهُ بَابُ سَتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ)
أَيْ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يُعَابُ فَيُشْرَعُ لَهُ وَيُنْدَبُ لَهُ



[ قــ :5744 ... غــ :6069] .

     قَوْلُهُ  عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْأُوَيْسِيُّ قَوْله عَن بن أخي بن شِهَابٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أخي بن شِهَابٍ وَقَدْ رَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ الْكَبِيرِ وَرُبَّمَا أَدْخَلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً مثل هَذَا قَوْله عَن بن شِهَابٍ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَن بن أخي بن شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ .

     قَوْلُهُ  كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى بِفَتْحِ الْفَاءِ مَقْصُورٌ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْعَافِيَةِ وَهُوَ إِمَّا بِمَعْنَى عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَإِمَّا سَلَّمَهُ اللَّهُ وَسَلِمَ مِنْهُ قَوْله إِلَّا المجاهرين كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمُسْتَخْرِجِي الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ بِالنَّصْبِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ إِلَّا المجاهرون بِالرَّفْع وَعَلَيْهَا شرح بن بطال وبن التِّينِ.

     وَقَالَ  كَذَا وَقَعَ وَصَوَابُهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بِالنَّصْبِ وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ الرَّفْعَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ كَذَا قَالَ.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ إِلَّا عَلَى هَذَا بِمَعْنَى لَكِنْ وَعَلَيْهَا خَرجُوا قِرَاءَة بن كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتك أَيْ لَكِنِ امْرَأَتكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ وَكَذَلِكَ هُنَا الْمَعْنَى لَكِنِ الْمُجَاهِرُونَ بِالْمَعَاصِي لَا يُعَافُونَ فَالْمُجَاهِرُونَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ حَقُّ الْكَلَامِ النَّصْبُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْعَفْوُ بِمَعْنَى التَّرْكِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ النَّفْيِ وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ يُعْفَى عَنْ ذَنْبِهِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقَ الْمُعْلِنَ اه وَاخْتَصَرَهُ مِنْ كَلَامِ الطِّيبِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ كَتَبَ فِي نُسْخَةِ الْمَصَابِيحِ الْمُجَاهِرُونَ بِالرَّفْعِ وَحَقُّهُ النَّصْبُ وَأَجَابَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ مُعَافًى وَهُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ أَيْ كُلُّ أُمَّتِي لَا ذَنْبَ عَلَيْهِمْ إِلَّا المجاهرون.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ وَالْأَظْهَر أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى كُلُّ أُمَّتِي يُتْرَكُونَ فِي الْغِيبَةِ إِلَّا الْمُجَاهِرُونَ وَالْعَفْوُ بِمَعْنَى التَّرْكِ وَفِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ كَقَوْلِهِ ويأبى الله الا أَن يتم نوره وَالْمُجَاهِرُ الَّذِي أَظْهَرَ مَعْصِيَتَهُ وَكَشَفَ مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُ بِهَا وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مَنْ جَاهَرَ بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ جَازَ ذِكْرُهُ بِمَا جَاهَرَ بِهِ دُونَ مَا لَمْ يُجَاهِرْ بِهِ اه وَالْمُجَاهِرُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ جَاهَرَ بِكَذَا بِمَعْنَى جَهَرَ بِهِ وَالنُّكْتَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِفَاعَلَ إِرَادَةُ الْمُبَالَغَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِ الْمُفَاعَلَةِ وَالْمرَاد الَّذين يُجَاهِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالتَّحَدُّثِ بِالْمَعَاصِي وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ توكد الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ كَذَا لِابْنِ السكن والكشميهني وَعَلِيهِ شرح بن بَطَّالٍ وَلِلْبَاقِينَ الْمَجَانَةُ بَدَلَ الْمُجَاهَرَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَإِنَّ مِنَ الْإِجْهَارِ كَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ الْجِهَارُ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْإِهْجَارُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَإِنْ مِنَ الْهِجَارِ فَتَحَصَّلْنَا عَلَى أَرْبَعَةٍ أَشْهَرُهَا الْجِهَارُ ثُمَّ تَقْدِيمُ الْهَاءِ وَبِزِيَادَةِ أَلِفٍ قَبْلَ كُلِّ مِنْهُمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَا أَعْلَمُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ يَعْنِي إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ وَقَعَ لِلْعَذَرِيِّ وَالسِّجْزِيِّ فِي مُسْلِمٍ الْإِجْهَارُ وَلِلْفَارِسِيِّ الْإِهْجَارُ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ.

     وَقَالَ  زُهَيْرٌ الْجِهَارُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ من طَرِيق بن سُفْيَان وبن أَبِي مَاهَانَ عَنْ مُسْلِمٍ وَفِي أُخْرَى عَنِ بن سُفْيَانَ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ الْهِجَارُ قَالَ عِيَاضٌ الْجِهَارُ وَالْإِجْهَارُ وَالْمُجَاهَرَةُ كُلُّهُ صَوَابٌ بِمَعْنَى الظُّهُورِ والاظهار يُقَال جَهَرَ وَأَجْهَرَ بِقَوْلِهِ وَقِرَاءَتِهِ إِذَا أَظْهَرَ وَأَعْلَنَ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِتَفْسِيرِ قَوْلِهِ أَوَّلًا إِلَّا الْمُجَاهِرُونَ قَالَ.
وَأَمَّا الْمَجَانَةُ فَتَصْحِيفٌ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا لَا يَبْعُدُ هُنَا لِأَنَّ الْمَاجِنَ هُوَ الَّذِي يَسْتَهْتِرُ فِي أُمُورِهِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ.

قُلْتُ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ لَا يَرْتَابُ أَحَدٌ أَنَّهُ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ فَلَيْسَ فِي إِعَادَةِ ذِكْرِهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ بِلَفْظِ الْمَجَانَةِ فَتُفِيدُ مَعْنًى زَائِدًا وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يُجَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُجَّانِ وَالْمَجَانَةُ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا وَعُرْفًا فَيَكُونُ الَّذِي يُظْهِرُ الْمَعْصِيَةَ قَدِ ارْتَكَبَ مَحْذُورَيْنِ إِظْهَارَ الْمعْصِيَة وتلبسه بِفعل المجان قَالَ عِيَاض وَأم الْإِهْجَارُ فَهُوَ الْفُحْشُ وَالْخَنَاءُ وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْمَجَانَةِ يُقَالُ أَهْجَرَ فِي كَلَامِهِ وَكَأَنَّهُ أَيْضًا تَصْحِيفٌ مِنَ الْجِهَارِ أَوِ الْإِجْهَارِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى لَا يَبْعُدُ أَيْضًا هُنَا.
وَأَمَّا لَفْظُ الْهِجَارِ فَبَعِيدٌ لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْهِجَارَ الْحَبْلُ أَوِ الْوِتْرُ تُشَدُّ بِهِ يَدُ الْبَعِيرِ أَوِ الْحَلْقَةُ الَّتِي يُتَعَلَّمُ فِيهَا الطَّعْنُ وَلَا يَصِحُّ لَهُ هُنَا مَعْنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قُلْتُ بَلْ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُقَالُ هَجَرَ وَأَهْجَرَ إِذَا أَفْحَشَ فِي كَلَامِهِ فَهُوَ مِثْلُ جَهَرَ وَأَجْهَرَ فَمَا صَحَّ فِي هَذَا صَحَّ فِي هَذَا وَلَا يَلْزَمُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْهِجَارِ بِمَعْنَى الْحَبْلِ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ مَصْدَرًا مِنَ الْهُجْرِ بِضَمِّ الْهَاءِ .

     قَوْلُهُ  الْبَارِحَةُ هِيَ أَقْرَبُ لَيْلَةٍ مَضَتْ من وَقت القَوْل تَقول لَقيته البارحة وَأَصْلُهَا مِنْ بَرِحَ إِذَا زَالَ وَوَرَدَ فِي الْأَمر بالستر حَدِيثُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ حَدِيثُ بن عُمَرَ رَفَعَهُ اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا فَمَنْ أَلَمَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ مُرْسَلِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي الْجَهْرِ بِالْمَعْصِيَةِ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الْعِنَادِ لَهُمْ وَفِي السِّتْرِ بِهَا السَّلَامَةُ مِنَ الِاسْتِخْفَافِ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ تُذِلُّ أَهْلَهَا وَمِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ وَمِنَ التَّعْزِيرِ إِنْ لَمْ يُوجِبْ حَدًّا وَإِذَا تَمَحَّضَ حَقُّ اللَّهِ فَهُوَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَرَحْمَتُهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ فَلِذَلِكَ إِذَا سَتَرَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَفْضَحْهُ فِي الْآخِرَةِ وَالَّذِي يُجَاهِرُ يَفُوتُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ وَبِهَذَا يُعْرَفُ مَوْقِعُ إِيرَادِ حَدِيثِ النَّجْوَى عَقِبَ حَدِيثِ الْبَابِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَتْ مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَعْقُودَةٌ لِسَتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ وَالَّذِي فِي الْحَدِيثِ سَتْرُ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُصَرِّحٌ بِذَمِّ مَنْ جَاهَرَ بالمعصية فيستلزم مَدْحَ مَنْ يَسْتَتِرُ وَأَيْضًا فَإِنَّ سِتْرَ اللَّهِ مُسْتَلْزِمٌ لِسِتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ فَمَنْ قَصَدَ إِظْهَارَ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُجَاهَرَةَ بِهَا أَغْضَبَ رَبَّهُ فَلَمْ يَسْتُرْهُ وَمَنْ قَصَدَ التَّسَتُّرَ بِهَا حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِسَتْرِهِ إِيَّاهُ وَقِيلَ إِنَّ الْبُخَارِيَّ يُشِيرُ بِذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى تَقْوِيَةِ مَذْهَبِهِ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ





[ قــ :5745 ... غــ :6070] .

     قَوْلُهُ  عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ وَصَفْوَانُ مَازِنِيٌّ بَصْرِيٌّ وَأَبُوهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ زَاي مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا فِي عِدَّةِ مَوَاضِع قَوْله أَن رجلا سَأَلَ بن عُمَرَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ الْمَاضِيَةِ فِي الْمَظَالِمِ عَنْ صَفْوَانَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ بن عُمَرَ آخُذُ بِيَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ عَن قَتَادَة فِي تَفْسِير هود بَيْنَمَا بن عُمَرَ يَطُوفُ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ السَّائِلِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ.

قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ حَدِّثْنِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ سَمِعْتَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهِيَ كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى هِيَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْمَرْءُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَلَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ أَوْ يُسْمِعُ غَيْرَهُ سِرًّا دُونَ مَنْ يَلِيهِ قَالَ الرَّاغِبُ نَاجَيْتَهُ إِذَا سَارَرْتَهُ وَأَصْلُهُ أَنْ تَخْلُوَ فِي نَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَقِيلَ أَصْلُهُ مِنَ النَّجَاةِ وَهِيَ أَنْ تَنْجُوَ بِسِرِّكَ مِنْ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ وَالنَّجْوَى أَصْلُهُ الْمَصْدَرُ وَقَدْ يُوصَفُ بِهَا فَيُقَالُ هُوَ نَجْوَى وَهُمْ نَجْوَى وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمُنَاجَاةُ الَّتِي تَقَعُ مِنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ النَّجْوَى لمقابلة مُخَاطبَة الْكفَّار على رُؤُوس الْأَشْهَادِ هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ أَيْ يَقْرَبُ مِنْهُ قُرْبَ كَرَامَةٍ وَعُلُوِّ مَنْزِلَةٍ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ جَانِبَهُ وَالْكَنَفُ أَيْضًا السَّتْرُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالْأَوَّلُ مَجَازٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ فِي كَنَفِ فُلَانٍ أَيْ فِي حِمَايَتِهِ وَكِلَاءَتِهِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ صَحَّفَهُ تَصْحِيفًا شَنِيعًا فَقَالَ بِالْمُثَنَّاةِ بَدَلَ النُّونِ وَيُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظٍ يَجْعَلُهُ فِي حِجَابِهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَسِتْرِهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ عَمِلْتُ كَذَا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا وَكَذَا زَادَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَيَقُولُ لَهُ اقْرَأْ صَحِيفَتَكَ فَيَقْرَأُ وَيُقَرِّرُهُ بِذَنْبٍ ذَنْبٍ وَيَقُولُ أَتَعْرِفُ أَتَعْرِفُ .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ نَعَمْ زَادَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ أَيْ رَبِّ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ فَيَقُولُ أَعْرِفُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَقُولُ إِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَيَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً فَيَقُولُ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ إِنَّكَ فِي سِتْرِي لَا يَطَّلِعُ عَلَى ذُنُوبِكَ غَيْرِي زَادَ هَمَّامٌ وَسَعِيدٌ وَهِشَامٌ فِي رِوَايَتِهِمْ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ فَيُطْوَى وَهُوَ خَطَأٌ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ وَوَقَعَ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ.
وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ وَلِبَعْضِهِمُ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ وَأما الْكَافِر فينادي على رُؤُوس الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ هُودٍ أَنَّ الْأَشْهَادَ جَمْعُ شَاهِدٍ مِثْلُ أَصْحَابٍ وَصَاحِبٍ وَهُوَ أَيْضًا جَمْعُ شَهِيدٍ كَشَرِيفٍ وَأَشْرَافٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ فِي الْحَدِيثِ تَفَضُّلُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ بِسِتْرِهِ لِذُنُوبِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ أَنْفَذَ الْوَعِيدَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّنْ يَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَسِتْرَهُ أَحَدًا إِلَّا الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ فَإِنَّهُم الَّذين يُنَادى عَلَيْهِم على رُؤُوس الْأَشْهَادِ بِاللَّعْنَةِ.

قُلْتُ قَدِ اسْتَشْعَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا فَأَوْرَدَ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَعَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أَذِنَ لَهُمْ فِي دُخُول الْجنَّة الْحَدِيثَ فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذنُوبِ فِي حَدِيث بن عُمَرَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دُونَ مَظَالِمِ الْعِبَادِ فَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى الْمُقَاصَصَةِ وَدَلَّ حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعُصَاةِ يُعَذَّبُ بِالنَّارِ ثُمَّ يُخْرَجُ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي كتاب الْإِيمَان فَدلَّ مَجْمُوع هَذِه الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ الْعُصَاةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْقِيَامَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَنْ مَعْصِيَتُهُ بَيْنَهُ وَبَين ربه فَدلَّ حَدِيث بن عُمَرَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ تَكُونُ مَعْصِيَتُهُ مَسْتُورَةً فِي الدُّنْيَا فَهَذَا الَّذِي يَسْتُرُهَا اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامَةِ وَهُوَ بِالْمَنْطُوقِ وَقِسْمٌ تَكُونُ مَعْصِيَتُهُ مُجَاهَرَةً فَدَلَّ مَفْهُومُهُ عَلَى أَنَّهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَنْ تَكُونُ مَعْصِيَتُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ فَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا قِسْمٌ تَرْجَحُ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ فَهَؤُلَاءِ يَقَعُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يُخْرَجُونَ بِالشَّفَاعَةِ وَقِسْمٌ تَتَسَاوَى سَيِّئَاتُهُمْ وَحَسَنَاتُهُمْ فَهَؤُلَاءِ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَقَعَ بَيْنَهُمُ التَّقَاصُّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً على مَا دلّت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة أَنْ يَفْعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ وَهُوَ يَفْعَلُ فِي عِبَادِهِ مَا يَشَاء