فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الثياب البيض

( قَولُهُ بَابُ الثِّيَابِ الْبِيضِ)
كَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ عَلَى شَرْطِهِ فِيهَا شَيْءٌ صَرِيحٌ فَاكْتَفَى بِمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ عَلَيْكُمْ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ فَالْبَسُوهَا فَإِنَّهَا أَطْيَبُ وَأَطْهَرُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن حبَان من حَدِيث بن عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْ حَدِيثَيِ الْبَابِ حَدِيثُ سَعْدٍ وَهُوَ بن أَبِي وَقَّاصٍ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ وَفِيهِ تَسْمِيَةُ الرَّجُلَيْنِ وَأَنَّهُمَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَلَمْ يُصِبْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا إِسْرَافِيلُ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي عَنهُ



[ قــ :5513 ... غــ :5827] قَوْله عَن الْحُسَيْن هُوَ بن ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمُ الْبَصْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن بُرَيْدَة أَي بن الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَشَيْخُهُ تَابِعِيٌّ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْهُ وَأَبُو الْأَسْوَدِ أَيْضًا تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ كَانَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا .

     قَوْلُهُ  أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ فِي هَذَا الْقَدْرِ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَقِيَّتِهِ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الرِّقَاقِ وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُطَوَّلًا وَيَأْتِي شَرْحُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفَائِدَةُ وَصْفِهِ الثَّوْبَ وَقَولُهُ أَتَيْتُهُ وَهُوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ الْإِشَارَةُ إِلَى اسْتِحْضَارِهِ الْقِصَّةَ بِمَا فِيهَا لِيَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى إِتْقَانِهِ لَهَا وَقَولُهُ وَأَن رغم أنف أبي ذَر يجوز فِي الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ أَيْ ذُلَّ كَأَنَّهُ لَصِقَ بِالرِّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ وَقَولُهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْبُخَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ أَيْ مِنَ الْكُفْرِ وَنَدِمَ يُرِيدُ شَرْحَ قَوْلِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَحَّدَ رَبَّهُ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ تَائِبًا مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي أُشِيرَ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ مَوْعُودٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ ابْتِدَاءً وَهَذَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَيُشْتَرَطُ رَدُّهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ بَلْ هُوَ كَالْأَوَّلِ وَيُثِيبُ اللَّهُ صَاحِبَ الْحَقِّ بِمَا شَاءَ.
وَأَمَّا مَنْ تَلَبَّسَ بِالذُّنُوبِ الْمَذْكُورَةِ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَيْضًا دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَاضِي فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ فِيهِ وَمَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُعَاقَبْ بِهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَهَذَا الْمُفَسِّرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبْهَمِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرُدُّ عَلَى الْمُبْتَدَعَةِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَمِنَ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ وُجُوبَ خُلُودِ مَنْ مَاتَ مِنْ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فِي النَّارِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَنَقَلَ بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ كَلَامَ الْبُخَارِيِّ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَتِ التَّوْبَةُ مُشْتَرِطَةً لَمْ يَقُلْ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِمَّا ابْتِدَاءً وَإِمَّا بعد ذَلِك وَالله أعلم