فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب السجود على الثوب في شدة الحر

( قَولُهُ بَابُ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ)
التَّقْيِيدُ بِشِدَّةِ الْحَرِّ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَهُوَ فِي الْبَرْدِ كَذَلِكَ بَلِ الْقَائِلُ بِالْجَوَازِ لَا يُقَيِّدُهُ بِالْحَاجَةِ .

     قَوْلُهُ  وقَال الْحَسَنُ كَانَ الْقَوْمُ أَيِ الصَّحَابَةُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ .

     قَوْلُهُ  وَالْقَلَنْسُوَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَقَدْ تُبْدَلُ يَاءً مُثَنَّاةً مِنْ تَحْتُ وَقَدْ تُبْدَلُ أَلِفًا وَتُفْتَحُ السِّينُ فَيُقَالُ قَلَنْسَاةٌ وَقَدْ تُحْذَفُ النُّونُ مِنْ هَذِهِ بَعْدَهَا هَاءُ تَأْنِيثٍ غِشَاءٌ مُبَطَّنٌ يُسْتَرُ بِهِ الرَّأْسُ قَالَهُ الْقَزَّازُ فِي شَرْحِ الفصيح.

     وَقَالَ  بن هِشَامٍ هِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا الْعِمَامَةُ الشَّاشِيَّةُ وَفِي الْمُحْكَمِ هِيَ مِنْ مَلَابِسِ الرَّأْسِ مَعْرُوفَةٌ.

     وَقَالَ  أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ هِيَ الَّتِي تُغَطَّى بِهَا الْعَمَائِمُ وَتَسْتُرُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْمَطَرِ كَأَنَّهَا عِنْدَهُ رَأْسُ الْبُرْنُسِ .

     قَوْلُهُ  وَيَدَاهُ أَيْ يَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِتَغْيِيرِ الْأُسْلُوبِ بَيَانَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ السُّجُودِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ مَعًا لَكِنْ فِي كُلِّ حَالَةٍ كَانَ يَسْجُدُ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَدَيْهِ فِي كُمِّهِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَيَجْعَلُ يَدَيْهِ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ وَيَسْجُدُ الرَّجُلُ مِنْهُم على قلنسوته وعمامته وَهَكَذَا رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ



[ قــ :381 ... غــ :385] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا غَالِبٌ الْقَطَّانُ وَلِلْأَكْثَرِ حَدَّثَنِي بِالْإِفْرَادِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  طَرَفُ الثَّوْبِ وَلِمُسْلِمٍ بَسَطَ ثَوْبَهُ وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ فِي أَبْوَابِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَالِبٍ سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ وَالثَّوْبُ فِي الْأَصْلِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْمَخِيطِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَخِيطِ مَجَازًا وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الثِّيَابِ وَكَذَا غَيْرُهَا فِي الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَبَيْنَ الْأَرْضِ لِاتِّقَاءِ حَرِّهَا وَكَذَا بَرْدُهَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْأَرْضِ عِنْد السُّجُود هُوَ الأَصْل لِأَنَّهُ عَلَّقَ بَسْطَ الثَّوْبِ بِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إِجَازَةِ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّصِلِ بِالْمُصَلِّي قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الثَّوْبِ الْمُنْفَصِلِ انْتَهَى وَأَيَّدَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَمْلَ بِمَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ فَيَأْخُذُ أَحَدُنَا الْحَصَى فِي يَدِهِ فَإِذَا بَرَدَ وَضَعَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ قَالَ فَلَوْ جَازَ السُّجُودُ عَلَى شَيْءٍ مُتَّصِلٍ بِهِ لَمَا احْتَاجُوا إِلَى تَبْرِيدِ الْحَصَى مَعَ طُولِ الْأَمْرِ فِيهِ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ يُبَرِّدُ الْحَصَى لَمْ يَكُنْ فِي ثَوْبِهِ فَضْلَةٌ يَسْجُدُ عَلَيْهَا مَعَ بَقَاءِ سُتْرَتِهِ لَهُ.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَحْتَاجُ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ إِلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَفْظَ ثَوْبِهِ دَالٌّ عَلَى الْمُتَّصِلِ بِهِ إِمَّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَهُوَ تَعْقِيبُ السُّجُودِ بِالْبَسْطِ يَعْنِي كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَإِمَّا مِنْ خَارِجِ اللَّفْظِ وَهُوَ قِلَّةُ الثِّيَابِ عِنْدَهُمْ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْأَمْرُ الثَّانِي يَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ كَوْنِهِ مُتَنَاوِلًا لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْمُصَلِّي وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ جَوَازُ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ وَمُرَاعَاةُ الْخُشُوعِ فِيهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ صَنِيعَهُمْ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ التَّشْوِيشِ الْعَارِضِ مِنْ حَرَارَةِ الْأَرْضِ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الظّهْر فِي أول الْوَقْت وَظَاهر الْأَحَادِيث الوارده فِي الْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَوَاقِيتِ يُعَارِضُهُ فَمَنْ قَالَ الْإِبْرَادُ رُخْصَةٌ فَلَا إِشْكَالَ وَمَنْ قَالَ سُنَّةٌ فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ التَّقْدِيمُ الْمَذْكُورُ رُخْصَةٌ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ مَنْسُوخٌ بِالْأَمَرِ بِالْإِبْرَادِ وَأَحْسَنُ مِنْهُمَا أَنْ يُقَالَ إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ قَدْ تُوجَدُ مَعَ الْإِبْرَادِ فَيَحْتَاجُ إِلَى السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ أَوْ إِلَى تَبْرِيدِ الْحَصَى لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَمِرُّ حَرُّهُ بَعْدَ الْإِبْرَادِ وَتَكُونُ فَائِدَةُ الْإِبْرَادِ وُجُودَ ظِلٍّ يَمْشِي فِيهِ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ يُصَلِّي فِيهِ فِي الْمَسْجِدِ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْجمع الْقُرْطُبِيّ ثمَّ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى تَعَارُضِ الْحَدِيثَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمَرْفُوعِ لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى تَخْرِيجِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِلْ وَمُعْظَمُ الْمُصَنِّفِينَ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إِنَّ فِي هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مُجَرَّدِ الصِّيغَةِ لِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَانَ يَرَى فِيهَا مَنْ خَلْفَهُ كَمَا يَرَى مَنْ أَمَامَهُ فَيَكُونُ تَقْرِيرُهُ فِيهِ مَأْخُوذًا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ صِيغَةِ كُنَّا نَفْعل