فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ من غَيْركُمْ إِلَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ قَالَ الزَّجَّاجُ فِي الْمَعَانِي هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ مِنْ أَشْكَلِ مَا فِي الْقُرْآنِ إِعْرَابًا وَحُكْمًا وَمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  الْأَوْلَيَانِ وَاحَدُهُمَا أَوْلَى وَمِنْهُ أَوْلَى بِهِ أَيْ أَحَقُّ بِهِ وَوَقَعَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لِأَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ وَالْمَعْنَى وَآخَرَانِ أَيْ شَاهِدَانِ آخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ أَيْ مِنَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَهْلُ الْمَيِّتِ وَعَشِيرَتُهُ وَالْأَوْلَيَانِ أَيِ الأحقان بِالشَّهَادَةِ لقرابتهما ومعرفتهما وارتفع الأوليان بتقديرهما كَأَنَّهُ قِيلَ مَنِ الشَّاهِدَانِ فَأُجِيبَ الْأَوْلَيَانِ أَوْ هُمَا بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَقُومَانِ أَوْ مِنْ آخَرَانِ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَا بِاسْتَحَقَّ أَيْ من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم انتداب الْأَوَّلين مِنْهُمْ لِلشَّهَادَةِ لِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ أَصْعَبِ مَا فِي الْقُرْآنِ إِعْرَابًا قَالَ الشِّهَابُ السَّمِينُ وَلَقَدْ صَدَقَ وَاللَّهِ فِيمَا قَالَ ثُمَّ بَسَطَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ وَخَتَمَهُ بِأَنْ قَالَ وَقَدْ جَمَعَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَا قُلْتُهُ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ فَقَالَ فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرْتُ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  عُثِرَ ظَهَرَ أَعَثَرْنَا أَظْهَرْنَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا أَيْ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فَإِن عثر على أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا إِنِ اطُّلِعَ مِنْهُمَا عَلَى خِيَانَةٍ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ أَعَثَرْنَا فَقَالَ الْفَرَّاءُ .

     قَوْلُهُ  أَعَثَرْنَا عَلَيْهِمْ أَيْ أَظْهَرْنَا وَاطَّلَعْنَا قَالَ وَكَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ عُثِرَ أَيِ اطُّلِعَ



[ قــ :2653 ... غــ :2780] .

     قَوْلُهُ  وقَال لي عَليّ بن عبد الله أَي بن الْمَدِينِيِّ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ.

     وَقَالَ  عَلِيٌّ بِحَذْفِ الْمُحَاوَرَةِ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخ فَقَالَ حَدثنَا عَليّ بن الْمَدِينِيِّ وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي مَا قَرَّرْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّهُ يُعَبِّرُ بِقَوْلِهِ.

     وَقَالَ  لِي فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَمِعَهَا لَكِنْ حَيْثُ يَكُونُ فِي إِسْنَادِهَا عِنْدَهُ نَظَرٌ أَوْ حَيْثُ تَكُونُ مَوْقُوفَةً.
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا فِيمَا أَخَذَهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ أَوْ بِالْمُنَاوَلَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيل قَوْله بن أَبِي زَائِدَةَ هُوَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ يُقَالُ لَهُ الطَّوِيلُ وَلَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِيهِ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ مَعَ كَوْنِهِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ هَذَا هُنَا فَرَوَى النَّسَفِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ لَا أَعْرِفُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي الْقَاسِمِ هَذَا كَمَا يَنْبَغِي وَفِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ كَمَا أَشْتَهِي وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا أَبُو أُسَامَةَ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي بن الْمَدِينِيِّ اسْتَحْسَنَهُ وَزَادَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ أَنَّ الْفَرَبْرِيَّ قَالَ.

قُلْتُ لِلْبُخَارِيِّ رَوَاهُ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ قَالَ لَا وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو أُسَامَةَ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَرَوَى عُمَرُ الْبُجَيْرِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ مُصَغَّرًا عَنِ الْبُخَارِيِّ نَحْوَ هَذَا وَزَادَ قِيلَ لَهُ رَوَاهُ يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ فَقَالَ لَا وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ.

قُلْتُ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَا لِشَيْخِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ مَا بَيْنَ عَلِيِّ بن عبد الله وبن عَبَّاسٍ كُوفِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ هُوَ بُزَيْلٌ بِمُوَحَّدَةٍ وَزَايٍ مصغر وَكَذَا ضَبطه بن مَاكُولَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالح عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ تَمِيمٍ نَفْسِهِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالطَّبَرِيِّ بُدَيْلٌ بِدَالٍ بَدَلَ الزَّايِ وَرَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ بُرَيْلٌ بِرَاءٍ بِغَيْرِ نُقْطَةٍ وَلِابْنِ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنِ الْكَلْبِيِّ بُدَيْلُ بْنُ أَبِي مَارِيَةَ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ مُرْسَلًا لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ وَوَهَمَ مَنْ قَالَ فِيهِ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فَإِنَّهُ خُزَاعِيٌّ وَهَذَا سَهْمِيٌّ وَكَذَا وهم من ضَبطه بذيل بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَوَقع فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ بِسَنَدِهِ فِي تَفْسِيرِهِ .

     قَوْلُهُ  مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَيِ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ تَمِيمٌ كَمَا سَيَأْتِي وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابِيّ لِأَن بن عَبَّاسٍ لَمْ يَحْضُرْ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَنَّهُ رَوَاهَا عَنْ تَمِيمٍ نَفْسِهِ بَيَّنَ ذَلِكَ الْكَلْبِيُّ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ بَرِئَ النَّاسُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرِي وَغَيْرَ عَدِيِّ بْنِ بداء وَكَانَا نَصْرَانِيين يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّامِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَتَيَا الشَّامَ فِي تِجَارَتِهِمَا وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا مَوْلًى لِبَنِي سَهْمٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ تَأَخَّرَتِ الْمُحَاكَمَةُ حَتَّى أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ فَإِنَّ فِي الْقِصَّةِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْجَمِيعَ تَحَاكَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ بِمَكَّةَ سَنَةَ الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ  وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْمَدِّ لَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا رَأَيْتُهُ فِي كتاب الْقَضَاء الْكَرَابِيسِي فَإِنَّهُ سَمَّاهُ الْبَدَّاءَ بْنَ عَاصِمٍ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ بَدَّاءٍ كَانَ أَخَا تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَإِنْ ثَبَتَ فَلَعَلَّهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ أَوْ مِنَ الرَّضَاعَةِ لَكِنْ فِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْلِ دَارِينِ أَحَدُهُمَا تَمِيمٌ وَالْآخَرُ يَمَانِيٌّ .

     قَوْلُهُ  فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ فَمَرِضَ السَّهْمِيُّ فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُبَلِّغَا مَا تَرَكَ أَهْلَهُ قَالَ تَمِيمٌ فَلَمَّا مَاتَ أَخَذْنَا مِنْ تَرِكَتِهِ جَامًا وَهُوَ أَعْظَمُ تِجَارَتِهِ فَبِعْنَاهُ بِأَلِفِ دِرْهَمٍ فَاقْتَسَمْتُهَا أَنَا وَعَدِيٌّ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فقدوا جَاما فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ السَّهْمِيَّ الْمَذْكُورَ مَرِضَ فَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ دَسَّهَا فِي مَتَاعِهِ ثُمَّ أَوْصَى إِلَيْهِمَا فَلَمَّا مَاتَ فَتَحَا مَتَاعَهُ ثُمَّ قَدِمَا عَلَى أَهْلِهِ فَدَفَعَا إِلَيْهِمْ مَا أَرَادَا فَفَتَحَ أَهْلُهُ مَتَاعَهُ فَوَجَدُوا الْوَصِيَّةَ وَفَقَدُوا أَشْيَاءَ فَسَأَلُوهُمَا عَنْهَا فَجَحَدَا فَرَفَعُوهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَى قَوْله من الآثمين فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُمَا .

     قَوْلُهُ  جَامًا بِالْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ إِنَاءً .

     قَوْلُهُ  مُخَوَّصًا بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَوَاوٍ ثَقِيلَةٍ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ مَنْقُوشًا فِيهِ صِفَةُ الْخُوصِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ مُخَوَّضًا بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُمَوَّهًا وَالْأَوَّلُ أشهر وَوَقع فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ إِنَاءٌ مِنْ فِضَّةٍ مَنْقُوشٌ بِذَهَبٍ وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ تَمِيمًا وَعَدِيًّا لَمَّا سُئِلَا عَنْهُ قَالَا اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ فَارْتَفَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ فان عثر على أَنَّهُمَا استحقا اثما وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنْ تَمِيمٍ فَلَمَّا أَسْلَمْتُ تَأَثَّمْتُ فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ فَأَخْبَرْتُهُمُ الْخَبَرَ وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِي مِثْلَهَا .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ أَيِ الْمَيِّتِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْهُمْ وَسَمَّى مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي تَفْسِيرٍ الْآخَرَ الْمُطَّلِبَ بْنَ أَبِي وَدَاعَةَ وَهُوَ سَهْمِيٌّ أَيْضًا لَكِنَّهُ سَمَّى الْأَوَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِجَوَازِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ وَاسْتدلَّ بِهِ بن سُرَيْجٍ الشَّافِعِيُّ الْمَشْهُورُ لِلْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَتَكَلَّفَ فِي انْتِزَاعِهِ فَقَالَ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فَإِنْ عثر على أَنَّهُمَا استحقا اثما لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقِرَّا أَوْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَاحِدٌ قَالَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بعد الْإِنْكَار لَا يُوجِبُ يَمِينًا عَلَى الطَّالِبِ وَكَذَلِكَ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ وَمَعَ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الطَّالِبَانِ يَمِينَهُمَا مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي سَبَبِ النُّزُولِ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَشْهَدُ بَلْ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ فَسَأَلَهُمُ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَجِدُوا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ أَيْ عَدِيًّا بِمَا يَعْظُمُ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ الْكُفَّارُ وَالْمَعْنَى مِنْكُمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ أَوْ آخَرَانِ من غَيْركُمْ أَيْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِظَاهِرِهَا فَلَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يُجِيزُ شَهَادَةَ بَعْضِ الْكُفَّارِ عَلَى بَعْضٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ بِمَنْطُوقِهَا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَبِإِيمَائِهَا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ثُمَّ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فَبَقِيَتْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ عَلَى حَالِهَا وَخَصَّ جَمَاعَةٌ الْقَبُولَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَبِالْوَصِيَّةِ وَبِفَقْدِ الْمُسْلِمِ حِينَئِذٍ مِنْهُمُ بن عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَشُرَيْح وبن سِيرِينَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَحْمَدُ وَهَؤُلَاءِ أَخَذُوا بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَوَّى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ حَدِيثُ الْبَابِ فَإِنَّ سِيَاقَهُ مُطَابِقٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْعَشِيرَةُ وَالْمَعْنَى مِنْكُمْ أَوْ مِنْ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَاحْتَجَّ لَهُ النَّحَّاسُ بِأَنَّ لَفْظَ آخَرَ لَا بُدَّ أَنْ يُشَارِكَ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الصِّفَةِ حَتَّى لَا يَسُوغَ أَنْ تَقُولَ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ كَرِيمٍ وَلَئِيمٍ آخَرَ فَعَلَى هَذَا فَقَدْ وُصِفَ الِاثْنَانِ بِالْعَدَالَةِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْآخَرَانِ كَذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا وَإِنْ سَاغَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَالصَّحَابِيُّ إِذَا حَكَى سَبَبَ النُّزُولِ كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الحَدِيث الْمَرْفُوع اتِّفَاقًا وَأَيْضًا فَفِي مَا قَالَ رَدُّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِأَنَّ اتِّصَافَ الْكَافِرِ بِالْعَدَالَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ فَرْعُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَمَنْ قَبِلَهَا وَصَفَهُ بِهَا وَمَنْ لَا فَلَا وَاعْتَرَضَ أَبُو حِبَّانَ عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ فَلَوْ قُلْتَ جَاءَنِي رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَآخَرُ كَافِرٌ صَحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْتَ جَاءَنِي رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ آخَرُ وَالْآيَةُ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ آخَرَانِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ اثْنَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِفَةُ رَجُلَانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَرَجُلَانِ اثْنَانِ وَرَجُلَانِ آخَرَانِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَأَنَّ نَاسِخَهَا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَدَاء وَاحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرُ شَرٌّ مِنَ الْفَاسِقِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَبِأَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى صَحَّ عَن بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَجَمْعٍ مِنَ السّلف أَن سُورَة الْمَائِدَة محكمَة وَعَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَنْ مَاتَ مُسَافِرًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنِ اتُّهِمَا اسْتُحْلِفَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَصَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ عَمِلَ بِذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ حَضَرَتْ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْوَفَاةُ بِدُقُوقَا وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدِمَا الْكُوفَةَ بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ فَأَخْبَرَ الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ هَذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا وَلَا كَذَبَا وَلَا كَتَمَا وَلَا بَدَّلَا وَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا وَرَجَّحَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَسَبَقَهُ الطَّبَرِيُّ لِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا خطاب للْمُؤْمِنين فَلَمَّا قَالَ أَو آخرَانِ وضح أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ الْمُخَاطَبِينَ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمَا مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَيْضًا فَجَوَازُ اسْتِشْهَادِ الْمُسْلِمِ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِالسَّفَرِ وَأَنَّ أَبَا مُوسَى حَكَمَ بِذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَكَانَ حُجَّةً وَذَهَبَ الْكَرَابِيسِيُّ ثُمَّ الطَّبَرِيُّ وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ فِي الْآيَةِ الْيَمِينُ قَالَ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْيَمِينَ شَهَادَةً فِي آيَةِ اللِّعَانِ وَأَيَّدُوا ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ وَأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَهِدَ بِالْحَقِّ قَالُوا فَالْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ الْيَمِينُ لقَوْله فيقسمان بِاللَّه أَيْ يَحْلِفَانِ فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُمَا حَلَفَا عَلَى الْإِثْمِ رَجَعَتِ الْيَمِينُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَدٌ وَلَا عَدَالَةٌ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَقَدِ اشْتُرِطَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَوِيَ حَمْلُهَا عَلَى أَنَّهَا شَهَادَةٌ.
وَأَمَّا اعْتِلَالُ مَنِ اعْتَلَّ فِي رَدِّهَا بِأَنَّهَا تُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْأُصُولَ لِمَا فِيهَا مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ وَحَبْسِ الشَّاهِدِ وَتَحْلِيفِهِ وَشَهَادَةِ الْمُدَّعِي لِنَفْسِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ فَقَدْ أَجَابَ مَنْ قَالَ بِهِ بِأَنَّهُ حُكْمٌ بِنَفْسِهِ مُسْتَغْنًى عَنْ نَظِيرِهِ وَقَدْ قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي الطِّبِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَبْسِ السِّجْنَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْإِمْسَاكُ لِلْيَمِينِ لِيَحْلِفَ بَعْدَ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا تَحْلِيفُ الشَّاهِدِ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِهَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ قِيَامِ الرِّيبَةِ.
وَأَمَّا شَهَادَةُ الْمُدَّعِي لِنَفْسِهِ وَاسْتِحْقَاقُهُ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْآيَةَ تَضَمَّنَتْ نَقْلَ الْأَيْمَانِ إِلَيْهِمْ عِنْدَ ظُهُورِ اللَّوْثِ بِخِيَانَةِ الْوَصِيَّيْنِ فَيُشْرَعُ لَهُمَا أَنْ يَحْلِفَا وَيَسْتَحِقَّا كَمَا يُشْرَعُ لِمُدَّعِي الدَّمِ فِي الْقَسَامَةِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ شَهَادَةِ الْمُدَّعِي لِنَفْسِهِ بَلْ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ لَهُ بِيَمِينِهِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ الشَّهَادَةِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ ظُهُورِ اللَّوْثِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى بِالدَّمِ وَظُهُورِهِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى بِالْمَالِ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ المُرَاد بقوله اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم الوصيان قَالَ وَالْمرَاد بقوله شَهَادَة بَيْنكُم مَعْنَى الْحُضُورِ لِمَا يُوصِيهِمَا بِهِ الْمُوصِي ثُمَّ زيف ذَلِك