فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب السجود على سبعة أعظم

( قَولُهُ بَابُ السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ)
لَفْظُ الْمَتْنِ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ لَكِنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى لَفْظِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَدْ أَوْرَدَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُسَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ عَظْمًا بِاعْتِبَارِ الْجُمْلَةِ وَإِنِ اشْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى عِظَامٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْجُمْلَةِ بِاسْمِ بَعْضِهَا



[ قــ :788 ... غــ :809] .

     قَوْلُهُ  سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِالْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ عُرِفَ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ وَلَمَّا كَانَ هَذَا السِّيَاقُ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظٍ آخَرَ دَالٍّ عَلَى أَنَّهُ لِعُمُومِ الْأُمَّةِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَيْضًا بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أمرنَا وَعرف بِهَذَا أَن بن عَبَّاسٍ تَلَقَّاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا سَمَاعًا مِنْهُ وَإِمَّا بَلَاغًا عَنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِلَفْظِ إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ الْحَدِيثُ وَهَذَا يُرَجِّحُ أَنَّ النُّونَ فِي أُمِرْنَا نُونُ الْجَمْعِ وَالْآرَابُ بِالْمَدِّ جَمْعُ إِرْبٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ وَهُوَ الْعُضْو وَيحْتَمل أَن يكون بن عَبَّاسٍ تَلَقَّاهُ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  سَبْعَةُ أَعْضَاءٍ وَالْمُفَسَّرِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  الْجَبْهَةِ إِلَخْ وَذَكَرَهُ بَعْدَ بَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعْرَ وَالْكَفْتُ بِمُثَنَّاةٍ فِي آخِرِهِ هُوَ الضَّمُّ وَهُوَ بِمَعْنَى الْكَفِّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ ثِيَابَهُ وَلَا شَعْرَهُ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ وَإِلَيْهِ جَنَحَ الدَّاوُدِيُّ وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَلِيلٍ بَابُ لَا يَكُفُّ ثَوْبَهُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ تُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لَكِنْ حَكَى بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ ثَوْبَهُ وَشَعْرَهُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ أَشْبَهَ الْمُتَكَبِّرَ .

     قَوْلُهُ  الْجَبْهَةِ زَاد فِي رِوَايَة بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ كَأَنَّهُ ضَمَّنَ أَشَارَ مَعْنَى أَمَرَّ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ فَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى دُونَ إِلَى وَوَقَعَ فِي الْعُمْدَةِ بِلَفْظِ إِلَى وَهِيَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَن بن طَاوُسٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ قَالَ بن طَاوُسٍ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى أَنْفِهِ.

     وَقَالَ  هَذَا وَاحِدٌ فَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَبْهَةَ الأَصْل فِي السُّجُود وَالْأنف تبع.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا جُعِلَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا لَكَانَتِ الْأَعْضَاءُ ثَمَانِيَةً قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُكْتَفَى بِالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ كَمَا يُكْتَفَى بِالسُّجُودِ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ وَقَدِ احْتُجَّ بِهَذَا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَارِضُ التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ الْجَبْهَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَذَاكَ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِشَارَةَ قَدْ لَا تُعَيِّنُ الْمُشَارَ إِلَيْهِ فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْجَبْهَةِ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ فَإِذَا تَقَارَبَ مَا فِي الْجَبْهَةِ أَمْكَنَ أَنْ لَا يُعَيَّنَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ يَقِينًا.
وَأَمَّا الْعِبَارَةُ فَإِنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لِمَا وُضِعَتْ لَهُ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ يُكْرَهُ وَقَدْ أَلْزَمَهُمْ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا تقدم وَنقل بن الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهُ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأحمد وَإِسْحَاق وبن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَجِبُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا قَوْله وَالْيَدَيْنِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْمُرَادُ بِهِمَا الْكَفَّانِ لِئَلَّا يَدْخُلَ تَحْتَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنِ افْتِرَاشِ السَّبُعِ وَالْكَلْبِ انْتَهَى وَوَقَعَ بِلَفْظِ الْكَفَّيْنِ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ مُسلم قَوْله وَالرّجلَيْنِ فِي رِوَايَة بن طَاوُسٍ الْمَذْكُورَةِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنَ الرِّجْلَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ كَيْفِيَّةُ السُّجُودِ عَلَيْهِمَا قبل بِبَاب قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْجَبْهَةُ دُونَ غَيْرِهَا بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَيُمَكِّنُ جَبْهَتَهُ قَالَ وَهَذَا غَايَتُهُ أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ قَالَ وَأَضْعَفُ مِنْ هَذَا اسْتِدْلَالُهُمْ بِحَدِيثِ سَجَدَ وَجْهِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِضَافَةِ السُّجُودِ إِلَى الْوَجْهِ انْحِصَارُ السُّجُودِ فِيهِ وَأَضْعَفُ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ مْ إِنَّ مُسَمَّى السُّجُودِ يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ زِيَادَةٍ علىالمسمى وَأَضْعَفُ مِنْهُ الْمُعَارَضَةُ بِقِيَاسٍ شَبَهِيٍّ كَأَنْ يُقَالَ أَعْضَاءٌ لَا يَجِبُ كَشْفُهَا فَلَا يَجِبُ وَضْعُهَا قَالَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ مُسَمَّى السُّجُودِ يَحْصُلُ بِوَضْعِهَا دُونَ كَشْفِهَا وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ كَشْفَ الرُّكْبَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبٍ لِمَا يُحْذَرُ فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ.
وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ كَشْفِ الْقَدَمَيْنِ فَلِدَلِيلٍ لَطِيفٍ وَهُوَ أَنَّ الشَّارِعَ وَقَّتَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ بِمُدَّةٍ تَقَعُ فِيهَا الصَّلَاةُ بِالْخُفِّ فَلَوْ وَجَبَ كَشْفُ الْقَدَمَيْنِ لَوَجَبَ نَزْعُ الْخُفِّ الْمُقْتَضِي لِنَقْضِ الطَّهَارَةِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَلِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ يُخَصُّ لَابِسُ الْخُفِّ لِأَجْلِ الرُّخْصَةِ.
وَأَمَّا كَشْفُ الْيَدَيْنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ قُبَيْلَ أَبْوَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَفِيهِ أَثَرُ الْحَسَنِ فِي نَقْلِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ تَرْكُ الْكَشْفِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ وَمُرَادُهُ مِنْهُ هُنَا





[ قــ :790 ... غــ :811] .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِهِ حَتَّى يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ إِنَّمَا هُوَ بِاسْتِعَانَةِ الْأَعْظُمِ السِّتَّةِ غَالِبًا انْتَهَى وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي مُرَادِهِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْجَبْهَةِ كَهَذَا الْحَدِيثِ لَا تُعَارِضُ الْحَدِيثَ الْمَنْصُوصَ فِيهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ بَلْ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الْجَبْهَةِ إِمَّا لِكَوْنِهَا أَشْرَفَ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ أَشْهَرَهَا فِي تَحْصِيلِ هَذَا الرُّكْنِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي غَيْرِهِ وَقِيلَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْجَبْهَةِ لِلْوُجُوبِ وَغَيْرِهَا لِلنَّدْبِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيث وَالْأول أليق بتصرفه