فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب زيارة القبور

( قَولُهُ بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَيْ مَشْرُوعِيَّتُهَا)
وَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُكْمِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُثْبِتْ عَلَى شَرْطِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُصَرِّحَةَ بِالْجَوَازِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَفِيهِ نَسْخُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِهِ فِيهِ وَتُرِقُّ الْقَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ فَلَا تَقُولُوا هُجْرًا أَيْ كَلَامًا فَاحِشًا وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُون الْجِيم وَله من حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تذكر الْمَوْت قَالَ النَّوَوِيّ تبعا للعبدري وَالْحَازِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ جَائِزَةٌ كَذَا أَطْلَقُوا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ بن أبي شيبَة وَغَيره روى عَن بن سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا حَتَّى قَالَ الشَّعْبِيُّ لَوْلَا نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزُرْتُ قَبْرَ ابْنَتِي فَلَعَلَّ مَنْ أَطْلَقَ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّاسِخُ وَالله أعلم وَمُقَابل هَذَا قَول بن حَزْمٍ إِنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ وَاجِبَةٌ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمُرِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ فَقِيلَ دَخَلْنَ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ حَدِيثُ الْبَابِ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْمَرْأَةِ قُعُودَهَا عِنْدَ الْقَبْرِ وَتَقْرِيرُهُ حجَّة وَمِمَّنْ حَمَلَ الْإِذْنَ عَلَى عُمُومِهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَائِشَة فروى الْحَاكِم من طَرِيق بن أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ رَآهَا زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقِيلَ لَهَا أَلَيْسَ قَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ كَانَ نَهَى ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا وَقِيلَ الْإِذْنُ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ وَلَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ وَبِحَدِيثِ لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَة وَله شَاهد من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَمِنْ حَدِيثِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ فِي حَقِّهِنَّ هَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا اللَّعْنُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُكْثِرَاتِ مِنَ الزِّيَارَةِ لِمَا تَقْتَضِيهِ الصِّفَةُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ مَا يُفْضِي إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ تَضْيِيعِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالتَّبَرُّجِ وَمَا يَنْشَأُ مِنْهُنَّ مِنَ الصِّيَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ إِذَا أُمِنَ جَمِيعُ ذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنَ الْإِذْنِ لِأَنَّ تَذَكُّرَ الْمَوْتِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ .

     قَوْلُهُ  بِامْرَأَةٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا وَلَا اسْمِ صَاحِبِ الْقَبْرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ وَلَدُهَا وَلَفْظُهُ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا وَصُرِّحَ بِهِ فِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَلَفْظُهُ قَدْ أُصِيبَتْ بِوَلَدِهَا وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ أَنَّ أَنَسًا قَالَ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ تَعْرِفِينَ فُلَانَةً قَالَتْ نَعَمْ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهَا فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ



[ قــ :1236 ... غــ :1283] .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَقَالَ يَا أَمَةَ اللَّهِ اتَّقِي اللَّهَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي بُكَائِهَا قَدْرٌ زَائِدٌ مِنْ نَوْحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلِهَذَا أَمَرَهَا بِالتَّقْوَى.

قُلْتُ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَذْكُورِ فَسَمِعَ مِنْهَا مَا يُكْرَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهَا.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ .

     قَوْلُهُ  اتَّقِي اللَّهَ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ وَاصْبِرِي كَأَنَّهُ قِيلَ لَهَا خَافِي غَضَبَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تَصْبِرِي وَلَا تَجْزَعِي لِيَحْصُلَ لَكِ الثَّوَابُ .

     قَوْلُهُ  إِلَيْكَ عَنِّي هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ وَمَعْنَاهَا تَنَحَّ وَابْعُدْ .

     قَوْلُهُ  لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَلِمُسْلِمٍ مَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي أَنَا الْحَرَّى الثَّكْلَى وَلَوْ كُنْتَ مُصَابًا عَذَرْتَنِي .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ تَعْرِفْهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ خَاطَبَتْهُ بِذَلِكَ وَلَمْ تَعْرِفْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  فَقِيلَ لَهَا فِي رِوَايَةِ الْأَحْكَامِ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ لَهَا إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَتْ مَا عَرَفْتُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى الْمَذْكُورَةِ قَالَ فَهَلْ تَعْرِفِينَهُ قَالَتْ لَا وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهَا هُوَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ أَيْ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ الَّذِي أَصَابَهَا لَمَّا عَرَفَتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَجَلًا مِنْهُ وَمَهَابَةً .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فِي رِوَايَةِ الْأَحْكَامِ بَوَّابًا بِالْإِفْرَادِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فَائِدَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ عُذْرِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فِي كَوْنِهَا لَمْ تَعْرِفْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يَتَّخِذَ بَوَّابًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ تَوَاضُعًا وَكَانَ من شَأْنه أَنه لَا يَسْتَتْبِعُ النَّاسَ وَرَاءَهُ إِذَا مَشَى كَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُلُوكِ وَالْأَكَابِرُ فَلِذَلِكَ اشْتَبَهَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَمْ تَعْرِفْهُ مَعَ مَا كَانَتْ فِيهِ مِنْ شَاغِلِ الْوَجْدِ وَالْبُكَاءِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ فَائِدَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشْعَرَتْ خَوْفًا وَهَيْبَةً فِي نَفْسِهَا فَتَصَوَّرَتْ أَنَّهُ مِثْلُ الْمُلُوكِ لَهُ حَاجِبٌ وَبَوَّابٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ فَوَجَدَتِ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا تَصَوَّرَتْهُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا عَرَفْتُكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى فِي رِوَايَةِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ وَنَحْوُهُ لِمُسْلِمٍ وَالْمَعْنَى إِذَا وَقَعَ الثَّبَاتُ أَوَّلَ شَيْءٍ يَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْجَزَعِ فَذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ الْكَامِلُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَأَصْلُ الصَّدْمِ ضَرْبُ الشَّيْءِ الصُّلْبِ بِمِثْلِهِ فَاسْتُعِيرَ لِلْمُصِيبَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقَلْبِ قَالَ الْخطابِيّ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّبْرَ الَّذِي يُحْمَدُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مَا كَانَ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْمُصِيبَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى الْأَيَّامِ يَسْلُو وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يُؤْجَرْ عَلَى الْمُصِيبَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صُنْعِهِ وَإِنَّمَا يُؤْجَرْ عَلَى حُسْنِ تَثَبُّتِهِ وَجَمِيلِ صَبْرِهِ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ أَرَادَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ عَلَيْهَا مُصِيبَةُ الْهَلَاكِ وَفَقْدُ الْأَجْرِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ صَدَرَ هَذَا الْجَوَابُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهَا لَمْ أَعْرِفْكَ عَلَى أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا دَعِي الِاعْتِذَارَ فَإِنِّي لَا أَغْضَبُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَانْظُرِي لِنَفْسِكِ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فَائِدَةُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ طَائِعَةً لِمَا أَمَرَهَا بِهِ مِنَ التَّقْوَى وَالصَّبْرِ مُعْتَذِرَةً عَنْ قَوْلِهَا الصَّادِرِ عَنِ الْحُزْنِ بَيَّنَ لَهَا أَنَّ حَقَّ هَذَا الصَّبْرِ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ فَهُوَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَتْ أَنَا أَصْبِرُ أَنَا أَصْبِرُ وَفِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَذْكُورِ فَقَالَ اذْهَبِي إِلَيْكِ فَإِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِيهِ مِنْ مُرْسل الْحسن وَالْعبْرَة لَا يملكهَا بن آدَمَ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ تَأَخَّرَتْ بَعْدَ الدَّفْنِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَالزِّيَارَةُ إِنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ إِلَى الْقَبْرِ قَصْدًا مِنْ جِهَةِ اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ فِي حَقِّهَا حَيْثُ أَمَرَهَا بِالتَّقْوَى وَالصَّبْرِ لِمَا رَأَى مِنْ جَزَعهَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهَا لِتَشْيِيعِ مَيِّتِهَا فَأَقَامَتْ عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوْ أَنْشَأَتْ قَصْدَ زِيَارَتِهِ بِالْخُرُوجِ بِسَبَبِ الْمَيِّتِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مَا كَانَ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالرِّفْقِ بِالْجَاهِلِ وَمُسَامَحَةُ الْمُصَابِ وَقَبُولُ اعْتِذَارِهِ وَمُلَازَمَةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ مَنْ يَحْجُبُهُ عَنْ حَوَائِجِ النَّاسِ وَأَنَّ مَنْ أُمِرَ بِمَعْرُوفٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَلَوْ لَمْ يَعْرِفِ الْآمِرَ وَفِيهِ أَنَّ الْجَزَعَ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ لِأَمْرِهِ لَهَا بِالتَّقْوَى مَقْرُونًا بِالصَّبْرِ وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي احْتِمَالِ الْأَذَى عِنْدَ بَذْلِ النَّصِيحَةِ وَنَشْرِ الْمَوْعِظَةِ وَأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ بِالْخِطَابِ إِذَا لَمْ تُصَادِفِ الْمَنْوِيَّ لَا أَثَرَ لَهَا وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ مَا إِذَا قَالَ يَا هِنْدُ أَنْتِ طَالِقٌ فَصَادَفَ عَمْرَةَ أَنَّ عَمْرَةَ لَا تُطَلَّقُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّائِرُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً كَمَا تَقَدَّمَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَزُورُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لِعَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ فِي ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِالْجَوَازِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْحَاوِي لَا تَجُوزُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ وَهُوَ غَلَطٌ انْتَهَى وَحُجَّةُ الْمَاوَرْدِيِّ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبره وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى تَنْبِيهٌ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ تَرْجَمَةَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَقَدَّمُ الزِّيَارَةَ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهَا فَجَعَلَهَا أَصْلًا وَمِفْتَاحًا لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَأَشَارَ أَيْضًا إِلَى أَنَّ مُنَاسَبَةَ تَرْجَمَةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ تُنَاسِبُ اتِّبَاعَ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ حَصْرَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِخُرُوج النِّسَاء مُتَوَالِيَة وَالله أعلم