فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب القطائع

( قَولُهُ بَابُ الْقَطَائِعِ)
جَمْعُ قَطِيعَةٍ تَقُولُ قَطَعْتُهُ أَرْضًا جَعَلْتُهَا لَهُ قَطِيعَةً وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَخُصُّ بِهِ الْإِمَامُ بَعْضَ الرَّعِيَّةِ مِنَ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ فَيَخْتَصُّ بِهِ وَيَصِيرُ أَوْلَى بِإِحْيَائِهِ مِمَّنْ لَمْ يَسْبِقْ إِلَى إِحْيَائِهِ وَاخْتِصَاصُ الْإِقْطَاعِ بِالْمَوَاتِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ الْإِقْطَاعَ تَسْوِيغُ الْإِمَامِ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَيْئًا لِمَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ قَالَ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا لِمَنْ يَرَاهُ مَا يَحُوزُهُ إِمَّا بِأَنْ يُمَلِّكَهُ إِيَّاهُ فَيُعَمِّرَهُ وَإِمَّا بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُ غَلَّتَهُ مُدَّةً انْتَهَى قَالَ السُّبْكِيُّ وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي زَمَانِنَا هَذَا إِقْطَاعًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ وَتَخْرِيجُهُ عَلَى طَرِيقٍ فِقْهِيٍّ مُشْكِلٍ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لِلْمُقْطَعِ بِذَلِكَ اخْتِصَاصٌ كَاخْتِصَاصِ الْمُتَحَجِّرِ لَكِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ بِذَلِكَ انْتَهَى وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَادَّعَى الْأَذْرَعِيُّ نَفْيَ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ تَخْصِيصِ الْإِمَامِ بَعْضَ الْجُنْدِ بِغَلَّةِ أَرْضٍ إِذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ



[ قــ :2276 ... غــ :2376] .

     قَوْلُهُ  عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَوَقَعَ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْدِيثِ لِحَمَّادٍ مِنْ يَحْيَى .

     قَوْلُهُ  أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطِعَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ يَعْنِي لِلْأَنْصَارِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ دَعَا الْأَنْصَارَ لِيُقْطِعَ لَهُمْ الْبَحْرَيْنَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ لِيُقْطِعَ لَهُمُ الْبَحْرَيْنَ أَوْ طَائِفَةً مِنْهَا وَكَأَنَّ الشَّكَّ فِيهِ مِنْ حَمَّادٍ فَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِزْيَةِ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بِلَفْظِ دَعَا الْأَنْصَارَ لِيَكْتُبَ لَهُمُ الْبَحْرَيْنَ وَلَهُمْ فِي مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمْ الْبَحْرَيْنَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُمْ إِقْطَاعًا وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَوَاتَ مِنْهَا لِيَتَمَلَّكُوهُ بِالْإِحْيَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْعَامِرَ مِنْهَا لَكِنْ فِي حَقِّهِ مِنَ الْخُمُسِ لِأَنَّهُ كَانَ تَرَكَ أَرْضَهَا فَلَمْ يَقْسِمْهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّهُمْ بِتَنَاوُلِ جِزْيَتِهَا وَبِهِ جَزَمَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وبن قرقول وَوَجهه بن بَطَّالٍ بِأَنَّ أَرْضَ الصُّلْحِ لَا تُقْسَمُ فَلَا تملك.

     وَقَالَ  بن التِّينِ إِنَّمَا يُسَمَّى إِقْطَاعًا إِذَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ وَإِنَّمَا يُقْطَعُ مِنَ الْفَيْءِ وَلَا يُقْطَعُ مِنْ حَقِّ مُسْلِمٍ وَلَا مُعَاهَدٍ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْطَاعُ تَمْلِيكًا وَغَيْرَ تَمْلِيكٍ وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ إِقْطَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّورَ بِالْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ الدُّورَ يَعْنِي أَنْزَلَ الْمُهَاجِرِينَ فِي دُورِ الْأَنْصَارِ بِرِضَاهُمُ انْتَهَى وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْخُمُسِ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ أَجْلَاهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَلَّكَهُ إِيَّاهَا وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا إِقْطَاعًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ الْأَنْصَارَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الْبَحْرَيْنِ أَمَّا النَّاجِزُ يَوْمَ عَرْضِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ الْجِزْيَةُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا صَالَحُوا عَلَيْهَا.
وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَتِ الْفُتُوحُ فَخَرَاجُ الْأَرْضِ أَيْضًا وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ أَرَاضٍ بَعْدَ فَتْحِهَا وَقَبْلَ فَتْحِهَا مِنْهَا إِقْطَاعُهُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ بَيْتَ إِبْرَاهِيمَ فَلَمَّا فُتِحَتْ فِي عَهْدِ عُمَرَ نَجَزَ ذَلِكَ لِتَمِيمٍ وَاسْتَمَرَّ فِي أَيْدِي ذُرِّيَّتِهِ مِنَ ابْنَتِهِ رُقَيَّةَ وَبِيَدِهِمْ كِتَابٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَقِصَّتُهُ مَشْهُورَةٌ ذكرهَا بن سَعْدٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرُهُمَا .

     قَوْلُهُ  مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنَا زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ يَعْنِي بِسَبَب قِلَّةِ الْفُتُوحِ يَوْمَئِذٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ الَّتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا وَأَغْرَبَ بن بَطَّالٍ فَقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ فِعْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْطَعَ الْمُهَاجِرِينَ أَرْضَ بَنِي النَّضِيرِ .

     قَوْلُهُ  سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَقَعَ مِنِ اسْتِئْثَارِ الْمُلُوكِ مِنْ قُرَيْشٍ عَنِ الْأَنْصَارِ بِالْأَمْوَالِ وَالتَّفْضِيلِ فِي الْعَطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى