فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الشرب قائما

قَوْله بَاب الشّرْب قَائِما)
قَالَ بن بَطَّالٍ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي كَرَاهَةِ الشُّرْبِ قَائِمًا كَذَا قَالَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلِ الَّذِي يُشْبِهُ صَنِيعَهُ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ الْأَحَادِيثُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ وَذَكَرَ فِي الْبَابِ حَدِيثَينِ الْأَوَّلُ



[ قــ :5316 ... غــ :5615] .

     قَوْلُهُ  عَنِ النَّزَّالُ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ وَآخِرُهُ لَامٌ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحدَة تقدّمت لَهُ رِوَايَة عَن بن مَسْعُودٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَقَدْ رَوَى مِسْعَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ عَنْهُ شُعْبَةُ مُطَوَّلًا وَسَاقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَوَافَقَ الْأَعْمَشَ شُعْبَةُ عَلَى سِيَاقِهِ مُطَوَّلًا وَمِسْعَرٌ وَشَيْخُهُ وَشَيْخُ شَيْخِهِ هِلَالِيُّونَ كُوفِيُّونَ وَأَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا كُوفِيٌّ وَعَلِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا فَالْإِسْنَادُ الْأَوَّلُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  أَتَى عَلِيٌّ وَقَولُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِيهَا عَنْ عَلِيٍّ وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ رَأَيْتُ عَلِيًّا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ عَنْ شُعْبَةَ





[ قــ :5317 ... غــ :5616] .

     قَوْلُهُ  عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ زَادَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ وَالرَّحَبَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْمَكَانُ الْمُتَّسَعُ وَالرَّحْبُ بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْمُتَّسَعُ أَيْضًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَمِنْهُ أَرْضٌ رَحْبَةٌ بِالسُّكُونِ أَيْ مُتَّسِعَةٌ ورحبة الْمَسْجِد بِالتَّحْرِيكِ وَهِي ساحته قَالَ بن التِّينِ فَعَلَى هَذَا يُقْرَأُ الْحَدِيثُ بِالسُّكُونِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا صَارَت رحبة للكوفة بِمَنْزِلَةِ رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ فَيُقْرَأُ بِالتَّحْرِيكِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح قَالَ وَقَوله حَوَائِجُ هُوَ جَمْعُ حَاجَةٍ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ وَذَكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَنَّهُ مُوَلَّدٌ وَالْجَمْعُ حَاجَاتٌ وَحَاجٌّ.

     وَقَالَ  بن وَلَّادٍ الْحَوْجَاءُ الْحَاجَةُ وَجَمْعُهَا حَوَاجِيٌّ بِالتَّشْدِيدِ وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ قَالَ فَلَعَلَّ حَوَائِجَ مَقْلُوبَةٌ مِنْ حَوَاجِيٍّ مِثْلِ سَوَائِعَ مِنْ سَوَاعِيٍّ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ قِيلَ الْأَصْلُ حَائِجَةٌ فَيَصِحُّ الْجَمْعُ عَلَى حَوَائِجَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَدَعَا بِوُضُوءٍ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ ثُمَّ أُتِيَ عَلِيٌّ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ وَمِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَكَذَا لِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ .

     قَوْلُهُ  فَشَرِبَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ كَذَا هُنَا وَفِي رِوَايَةِ بَهْزٍ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفًّا فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الطَّيَالِسِيِّ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَأَنَّ آدَمَ تَوَقَّفَ فِي سِيَاقِهِ فَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسِهِ وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ ذَكَرَ الْغَسْلَ وَالتَّثْلِيثَ فِي الْجَمِيعِ وَهِيَ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ أَكْثَرِ أَصْحَابِ شُعْبَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَهْمَ فِيهَا من الرَّاوِي عَنهُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيِّ شَيْخِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِيهَا فَقَدْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا هِيَ صِفَةُ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ الْكَامِلِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَوْلُ عَلِيٍّ هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَالَّذِي وَقَعَ هُنَا مِنْ ذِكْرِ الشُّرْبِ مَرَّةً قَبْلَ الْوُضُوءِ وَمَرَّةً بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَمُ أَرَهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ آدَمَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَضْلُهُ بَقِيَّةُ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَكَأَنَّ الْمَعْنَى إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَشْرَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ قَائِمًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ قِيَامًا وَهِيَ وَاضِحَةٌ وَلِلطَّيَالِسِيِّ أَنْ يَشْرَبُوا قِيَامًا .

     قَوْلُهُ  صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ أَيْ مِنَ الشُّرْبِ قَائِمًا وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ شَرِبَ فَضْلَةَ وُضُوئِهِ قَائِمًا كَمَا شَرِبْتُ وَلِأَحْمَدَ وَرَأَيْتُهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ شَرِبَ قَائِمًا فَرَأَى النَّاسَ كَأَنَّهُمُ أَنْكَرُوهُ فَقَالَ مَا تَنْظُرُونَ أَنْ أَشْرَبَ قَائِمًا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَائِمًا وَإِنْ شَرِبْتُ قَاعِدًا فَقَدْ رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ قَاعِدًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ زِيَادَةٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ وَهَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ وَهِيَ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَكَذَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ لِلْقَائِمِ وَقَدْ عَارَضَ ذَلِكَ أَحَادِيثَ صَرِيحَةً فِي النَّهْيِ عَنْهُ مِنْهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا وَمِثْلُهُ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ نَهَى وَمثله التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ الْجَارُودِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يشربن أحدكُم قَائِما فَمن نسي فليستقيء وَأخرجه أَحْمد من وَجه آخر وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ بِلَفْظِ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَشْرَبُ وَهُوَ قَائِمٌ لَاسْتَقَاءَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَشْرَبُ قَائِمًا فَقَالَ قِهْ قَالَ لِمَهْ قَالَ أَيَسُرُّكُ أَنْ يَشْرَبَ مَعَكَ الْهِرُّ قَالَ لَا قَالَ قَدْ شَرِبَ مَعَكَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ الشَّيْطَانُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي زِيَادٍ الطَّحَّانِ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْهُ وَأَبُو زِيَادٍ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا قَالَ قَتَادَةُ فَقُلْنَا لِأَنَسٍ فَالْأَكْلُ قَالَ ذَاكَ أَشَرُّ وَأَخْبَثُ قِيلَ وَإِنَّمَا جُعِلَ الْأَكْلُ أَشَرَّ لِطُولِ زَمَنِهِ بِالنِّسْبَةِ لِزَمَنِ الشُّرْبِ فَهَذَا مَا وَرَدَ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْجَوَازِ وَكَرِهَهُ قَوْمٌ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَعَلَّ النَّهْيَ يَنْصَرِفُ لِمَنِ أَتَى أَصْحَابُهُ بِمَاءٍ فَبَادَرَ لِشُرْبِهِ قَائِمًا قَبْلَهُمُ اسْتِبْدَادًا بِهِ وَخُرُوجًا عَنْ كَوْنِ سَاقِي الْقَوْمِ آخِرَهُمْ شُرْبًا قَالَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالِاسْتِقَاءِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَسْتَقِيءَ قَالَ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الشُّيُوخِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَتَضَمَّنَ حَدِيثُ أَنَسٍ الْأَكْلَ أَيْضًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ قَائِمًا قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ أَحَادِيثَ شُرْبِهِ قَائِمًا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ تُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْحَثِّ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى وَأَكْمَلُ أَوْ لِأَنَّ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا ضَرَرًا فَأَنْكَرَهُ مِنْ أَجْلِهِ وَفَعَلَهُ هُوَ لِأَمْنِهِ قَالَ وَعَلَى هَذَا الثَّانِي يُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  فَمَنْ نسي فليستقيء عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّكُ خِلْطًا يَكُونُ الْقَيْءُ دَوَاءَهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّخَعِيِّ إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِدَاءِ الْبَطْنِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ لَمْ يُخَرِّجْ مَالِكٌ وَلَا الْبُخَارِيُّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَمِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي عِيسَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ مُعَنْعَنٌ وَكَانَ شُعْبَةُ يَتَّقِي مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ مَا لَا يُصَرِّحُ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ وَأَبُو عِيسَى غَيْرُ مَشْهُورٍ وَاضْطِرَابُ قَتَادَةَ فِيهِ مِمَّا يُعِلُّهُ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى وَالْأَئِمَّةِ لَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِي سَنَدِهِ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ وَلَا يُحْتَمَلُ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا لِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ مَا مُلَخَّصُهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَشْكَلَ مَعْنَاهَا عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى قَالَ فِيهَا أَقْوَالًا بَاطِلَةً وَزَادَ حَتَّى تَجَاسَرَ وَرَامَ أَنْ يُضَعِّفَ بَعْضَهَا وَلَا وَجْهَ لِإِشَاعَةِ الْغَلَطَاتِ بَلْ يُذْكَرُ الصَّوَابُ وَيُشَارُ إِلَى التَّحْذِيرِ عَنِ الْغَلَطِ وَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ إِشْكَالٌ وَلَا فِيهَا ضَعِيفٌ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ النَّهْيَ فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَشُرْبُهُ قَائِمًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ.
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ نَسْخًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَدْ غَلِطَ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ لَوْ ثَبَتَ التَّارِيخُ وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ لَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ مَكْرُوهًا أَصْلًا فَإِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ لِلْبَيَانِ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ وَيُوَاظِبُ عَلَى الْأَفْضَلِ وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِقَاءَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَسْتَقِيءَ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ فَإِنَّ الْأَمْرَ إِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ علىالوجوب حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
وَأَمَّا قَوْلُ عِيَاضٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ مَنْ شَرِبَ قَائِمًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ وَأَشَارَ بِهِ إِلَى تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى إِشَارَتِهِ وَكَوْنُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يُوجِبُوا الِاسْتِقَاءَةَ لَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِحْبَابِهِ فَمَنِ ادَّعَى مَنْعَ الِاسْتِحْبَابِ بِالْإِجْمَاعِ فَهُوَ مُجَازِفٌ وَكَيْفَ تُتْرَكُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ بِالتَّوَهُّمَاتِ وَالدَّعَاوَى وَالتُّرَّهَاتِ اه وَلَيْسَ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ التَّعَرُّضُ لِلِاسْتِحْبَابِ أَصْلًا بَلْ وَنَقْلُ الِاتِّفَاقِ الْمَذْكُورِ إِنَّمَا هُوَ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ كَمَا مَضَى.
وَأَمَّا تَضْعِيفُ عِيَاضٍ لِلْأَحَادِيثِ فَلَمْ يَتَشَاغَلِ النَّوَوِيُّ بِالْجَوَابِ عَنْهُ وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ لَا تُدْفَعَ حُجَّةُ الْعَالِمِ بِالصَّدْرِ فَأَمَّا إِشَارَتُهُ إِلَى تَضْعِيفِ حَدِيثِ أَنَسٍ بِكَوْنِ قَتَادَةَ مُدَلِّسًا وَقَدْ عَنْعَنَهُ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي نَفْسِ السَّنَدِ بِمَا يَقْتَضِي سَمَاعَهُ لَهُ مِنْ أَنَسٍ فَإِنَّ فِيهِ قُلْنَا لِأَنَسٍ فَالْأَكْلُ.
وَأَمَّا تَضْعِيفُهُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ بِأَنَّ أَبَا عِيسَى غَيْرُ مَشْهُور فَهُوَ قَول سبق إِلَيْهِ بن الْمَدِينِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا قَتَادَةُ لَكِن وَثَّقَهُ الطَّبَرِيّ وبن حِبَّانَ وَمِثْلُ هَذَا يُخَرَّجُ فِي الشَّوَاهِدِ وَدَعْوَاهُ اضْطِرَابَةٌ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّ لِقَتَادَةَ فِيهِ إِسْنَادَيْنِ وَهُوَ حَافِظٌ.
وَأَمَّا تَضْعِيفُهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِعُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ وَمِثْلُهُ يُخَرِّجُ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَقَدْ تَابَعَهُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا أَشرت إِلَيْهِ عِنْد أَحْمد وبن حِبَّانَ فَالْحَدِيثُ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إِنَّ قَوْلَهُ فَمَنْ نَسِيَ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْعَامِدِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا خُصَّ النَّاسِي بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ الْمُؤْمِنِ لَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ النَّهْيِ غَالِبًا إِلَّا نِسْيَانًا.

قُلْتُ وَقَدْ يُطْلَقُ النِّسْيَانُ وَيُرَادُ بِهِ التَّرْكُ فَيَشْمَلُ السَّهْوُ وَالْعَمْدُ فَكَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ ترك امْتِثَال الْأَمر وَشرب قَائِما فليستقيء.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ لَمْ يَصِرِ أَحَدٌ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ جَارِيًا عَلَى أُصُولِ الظَّاهِرِيَّةِ وَالْقَوْلِ بِهِ وَتُعُقِّبَ بَان بن حَزْمٍ مِنْهُمْ جَزَمَ بِالتَّحْرِيمِ وَتَمَسَّكَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّحْرِيمِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ فِي الْبَاب وَصحح التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن عُمَرَ كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْأَثْرَمُ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَعَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ فِي الْأَحْكَامِ وَعَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ نَحْوَهُ أَخْرَجَهُ بن شَاهِينَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ خباب عَن أَبِيه عَن جده أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَعَنْ كَبْشَةَ قَالَتْ دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَرِبَ مِنْ قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَعَنْ كَلْثَمَ نَحْوَهُ أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَثَبَتَ الشُّرْبُ قَائِمًا عَنْ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا كَانُوا يَشْرَبُونَ قِيَامًا وَكَانَ سَعْدٌ وَعَائِشَةُ لَا يَرَوْنَ بِذَلِكَ بَأْسًا وَثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَسَلَكَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَسَالِكَ أَحَدُهَا التَّرْجِيحُ وَأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ أَثْبَتُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ فَقَالَ حَدِيثُ أَنَسٍ يَعْنِي فِي النَّهْيِ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَلَكِنْ قَدْ جَاءَ عَنْهُ خِلَافُهُ يَعْنِي فِي الْجَوَازِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الطَّرِيقِ إِلَيْهِ فِي النَّهْيِ أَثْبَتَ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَيْهِ فِي الْجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الَّذِي يُقَابِلُهُ أَقْوَى لِأَنَّ الثَّبْتَ قَدْ يَرْوِي مَنْ هُوَ دُونَهُ الشَّيْءَ فَيُرَجَّحُ عَلَيْهِ فَقَدْ رُجِّحَ نَافِعٌ عَلَى سَالم فِي بعض الْأَحَادِيث عَن بن عُمَرَ وَسَالِمٍ مُقَدَّمٌ عَلَى نَافِعٍ فِي الثَّبْتِ وَقُدِّمَ شَرِيكٌ عَلَى الثَّوْرِيِّ فِي حَدِيثَيْنِ وَسُفْيَانُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ أَحَادِيثَ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ قَائِمًا قَالَ الْأَثْرَمُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي النَّهْيِ لَيْسَتْ ثَابِتَةً وَإِلَّا لَمَا قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى وَهَاءِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ أَيْضًا اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَسْتَقِيءَ الْمَسْلَكُ الثَّانِي دَعْوَى النَّسْخِ وَإِلَيْهَا جَنَحَ الْأَثْرَم وبن شَاهِينَ فَقَرَّرَا عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الْجَوَازِ بِقَرِينَةِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمُعْظَمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالْجَوَازِ وَقَدْ عكس ذَلِك بن حَزْمٍ فَادَّعَى نَسْخَ أَحَادِيثِ الْجَوَازِ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الْجَوَازَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ مُقَرِّرَةٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَمَنِ ادَّعَى الْجَوَازَ بَعْدَ النَّهْيِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ مُتَأَخِّرَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَاب من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَخِيرُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَيَتَأَيَّدُ بِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ فَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ فِي نَصْرِهِ الصِّحَاحَ وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ هُنَا الْمَشْيُ يُقَالُ قَامَ فِي الْأَمْرِ إِذَا مَشَى فِيهِ وَقُمْتُ فِي حَاجَتِي إِذَا سَعَيْتُ فِيهَا وَقَضَيْتُهَا وَمِنْهُ قولُهُ تَعَالَى إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِما أَيْ مُوَاظِبًا بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ وَجَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى تَأْوِيلٍ آخَرَ وَهُوَ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَمَّ عِنْدَ شُرْبِهِ وَهَذَا إِنْ سَلِمَ لَهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ فِي بَقِيَّتِهَا وَسَلَكَ آخَرُونَ فِي الْجَمْعِ حَمْلَ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَحَادِيثَ الْجَوَاز على بَيَانه وَهِي طَريقَة الْخطابِيّ وبن بَطَّالٍ فِي آخَرِينَ وَهَذَا أَحْسَنُ الْمَسَالِكِ وَأَسْلَمُهَا وَأَبْعَدُهَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَقَدْ أَشَارَ الْأَثْرَمُ إِلَى ذَلِكَ أَخِيرًا فَقَالَ إِنْ ثَبَتَتِ الْكَرَاهَةُ حُمِلَتْ عَلَى الْإِرْشَادِ وَالتَّأْدِيبِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا ثُمَّ حَرَّمَهُ أَوْ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ جَوَّزَهُ لَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بَيَانًا وَاضِحًا فَلَمَّا تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ جَمَعْنَا بَيْنَهَا بِهَذَا وَقِيلَ إِنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ مَخَافَةَ وُقُوعِ ضَرَرٍ بِهِ فَإِنَّ الشُّرْبَ قَاعِدًا أَمْكَنُ وَأَبْعَدُ مِنَ الشَّرَقِ وَحُصُولِ الْوَجَعِ فِي الْكَبِدِ أَوِ الْحَلْقِ وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ لَا يَأْمَنُ مِنْهُ مَنْ شَرِبَ قَائِمًا وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ عَلَى الْعَالِمِ إِذَا رَأَى النَّاسَ اجْتَنَبُوا شَيْئًا وَهُوَ يَعْلَمُ جَوَازَهُ أَنْ يُوَضِّحَ لَهُمْ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ فَيُظَنُّ تَحْرِيمُهُ وَأَنَّهُ مَتَى خَشِيَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ لِلْإِعْلَامِ بِالْحُكْمِ وَلَوْ لَمْ يُسْأَلْ فَإِنْ سُئِلَ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ بِهِ وَأَنَّهُ إِذَا كَرِهَ مِنْ أحد شَيْئا لَا يشهره بِاسْمِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ بَلْ يُكَنِّي عَنْهُ كَمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :5318 ... غــ :5617] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ ذَكَرَ الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رَوَى عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا.

قُلْتُ لَيْسَ الِاحْتِمَالَانِ فِيهِمَا هُنَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ مَشْهُورٌ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الثَّوْرِيِّ مَعْرُوفٌ بِمُلَازَمَتِهِ وَرِوَايَتُهُ عَن بن عُيَيْنَةَ قَلِيلَةٌ وَإِذَا أَطْلَقَ اسْمَ شَيْخِهِ حُمِلَ عَلَى مَنْ هُوَ أَشْهَرُ بِصُحْبَتِهِ وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ أَكْثَرُ وَلِهَذَا جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ سُفْيَانَ هَذَا هُوَ الثَّوْرِيُّ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فِي مِثْلِ هَذَا وَلِلْخَطِيبِ فِيهِ تَصْنِيفٌ سَمَّاهُ الْمُكْمِلِ لِبَيَانِ الْمُهْمَلِ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ وَكَذَا هُوَ عِنْد مُسلم رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ لَكِنْ خُصُوصُ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِيهِ إِنَّمَا هِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا مِنْ زَمْزَمَ فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَاصِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَيْ عَاصِمٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعِكْرِمَةَ فَحَلَفَ أَنَّهُ مَا كَانَ حِينَئِذٍ إِلَّا رَاكِبًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ ثُمَّ أَنَاخَهُ بَعْدَ طَوَافِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَلَعَلَّهُ حِينَئِذٍ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إِلَى بَعِيرِهِ وَيَخْرُجَ إِلَى الصَّفَا بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ لِأَنَّ عُمْدَةَ عِكْرِمَةَ فِي إِنْكَارِ كَوْنِهِ شَرِبَ قَائِمًا إِنَّمَا هُوَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ وَخَرَجَ إِلَى الصَّفَّا عَلَى بَعِيرِهِ وَسَعَى كَذَلِكَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَخَلُّلِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بَيْنَ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا عَلَى الْأَرْضِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِهِ شَرِبَ حِينَئِذٍ مِنْ سِقَايَةِ زَمْزَمَ قَائِمًا كَمَا حَفِظَهُ الشّعبِيّ عَن بن عَبَّاس