فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا»

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ سَبَقَ لِلْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ الصِّيَامِ مِنْ طَرِيقِ بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ رَتَّبَهَا تَرْتِيبًا حَسَنًا فَصَدَّرَهَا بِحَدِيثِ عَمَّارٍ الْمُصَرِّحِ بِعِصْيَانِ مَنْ صَامَهُ ثمَّ بِحَدِيث بن عُمَرَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِلَفْظِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ وَالْآخَرُ بِلَفْظِ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَقَصَدَ بِذَلِكَ بَيَانَ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ فاقدروا لَهُ ثمَّ استظهر بِحَدِيث بن عمر أَيْضا الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا وَحبس الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ ذَكَرَ شَاهِدًا مِنْ حَدِيث أبي هُرَيْرَة لحَدِيث بن عُمَرَ مُصَرِّحًا بِأَنَّ عِدَّةَ الثَّلَاثِينَ الْمَأْمُورَ بِهَا تَكُونُ مِنْ شَعْبَانَ ثُمَّ ذَكَرَ شَاهِدًا لِحَدِيثِ بن عُمَرَ فِي كَوْنِ الشَّهْرِ تِسْعًا وَعِشْرِينَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مُصَرِّحًا فِيهِ بِأَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَذَلِكَ وَسَأَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا حَدِيثًا حَدِيثًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وقَال صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ إِلَخْ أَمَّا صِلَةُ فَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ بن زُفَرَ بِزَايٍ وَفَاءٍ وَزْنَ عُمَرَ كُوفِيٌّ عَبْسِيٌّ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَفُضَلَائِهِمْ وَوَهَمَ بن حَزْمٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ وَالْمَعْرُوفُ أَنه بن زُفَرَ وَكَذَا وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ عِنْدَ جَمْعٍ مِمَّنْ وَصَلَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُمْ كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَقَالَ كُلُوا فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ عَمَّارٌ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ وَفِي رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ وَله متابع بِإِسْنَاد حسن أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ أَنَّ عَمَّارًا وَنَاسًا مَعَهُ أَتَوْهُمْ يَسْأَلُونَهُمْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَاعْتَزَلَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ تَعَالَ فَكُلْ فَقَالَ إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَتَعَالَ وَكُلْ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَمَّارٍ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَهُ بِذكر بن عَبَّاسٍ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ فَيَكُونُ مِنْ قبيل الْمَرْفُوع قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَخَالَفَهُمْ الْجَوْهَرِيُّ الْمَالِكِيُّ فَقَالَ هُوَ مَوْقُوفٌ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا أَتَى بِالْمَوْصُولِ وَلَمْ يَقُلْ يَوْمَ الشَّكِّ مُبَالَغَةً فِي أَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ فِيهِ أَدْنَى شَكٍّ سَبَبٌ لِعِصْيَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ بِمَنْ صَامَ يَوْمًا الشَّكُّ فِيهِ قَائِمٌ ثَابِتٌ وَنَحْوُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذين ظلمُوا أَيِ الَّذِينَ أُونِسَ مِنْهُمْ أَدْنَى ظُلْمٍ فَكَيْفَ بِالظُّلْمِ الْمُسْتَمَرِّ عَلَيْهِ.

قُلْتُ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الطُّرُقِ بِلَفْظِ يَوْمَ الشَّكِّ وَقَولُهُ أَبَا الْقَاسِمِ قِيلَ فَائِدَةُ تَخْصِيصِ ذِكْرِ هَذِهِ الْكُنْيَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْسِمُ بَيْنَ عِبَادِ اللَّهِ أَحْكَامَهُ زَمَانًا ومكانا وَغير ذَلِك وَأما حَدِيث بن عُمَرَ فَاتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ فَاقْدُرُوا لَهُ وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ بِهِ.

     وَقَالَ  فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ وَاتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَيْضًا فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ فَاقْدُرُوا لَهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الزَّعْفَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ الْحَرْبِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَأَخْرَجَهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَالْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ إِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ وَالْقَعْنَبِيِّ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَحْفُوظَةً فَيَكُونُ مَالِكٌ قَدْ رَوَاهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.

قُلْتُ وَمَعَ غَرَابَةِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَهُ مُتَابَعَاتٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا من طَرِيق سَالم عَن بن عمر بِتَعْيِين الثَّلَاثِينَ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَكَمِّلُوا ثَلَاثِينَ وَله شَوَاهِد من حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد بن خُزَيْمَة وَأبي هُرَيْرَة وبن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى عَنْهُمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ



[ قــ :1824 ... غــ :1906] .

     قَوْلُهُ  لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ ظَاهِرُهُ إِيجَابُ الصَّوْمِ حِينَ الرُّؤْيَةِ مَتَى وُجِدَتْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِ الْيَوْمِ الْمُسْتَقْبَلِ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدُ وَخَالَفَ الشِّيعَةُ الْإِجْمَاعَ فَأَوْجَبُوهُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي النَّهْيِ عَنِ ابْتِدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَيَدْخُلُ فِيهِ صُورَةُ الْغَيْمِ وَغَيْرُهَا وَلَوْ وَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ لَكَفَى ذَلِكَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ لَكِنَّ اللَّفْظَ الَّذِي رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ أَوْقَعَ لِلْمُخَالِفِ شُبْهَةً وَهُوَ





[ قــ :185 ... غــ :1907] .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ حُكْمِ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ فَيَكُونَ التَّعْلِيقُ عَلَى الرُّؤْيَةِ مُتَعَلِّقًا بِالصَّحْوِ.
وَأَمَّا الْغَيْمُ فَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَفْرِقَةَ وَيَكُونُ الثَّانِي مُؤَكِّدًا لِلْأَوَّلِ وَإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَاقْدُرُوا لَهُ أَيِ انْظُرُوا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاحْسِبُوا تَمَامَ الثَّلَاثِينَ وَيُرَجِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ الْمُصَرِّحَةُ بِالْمُرَادِ وَهِيَ مَا تَقْدَمُ مِنْ قَوْلِهِ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَنَحْوِهَا وَأَوْلَى مَا فُسِّرَ الْحَدِيثُ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَيْضًا فَرَوَاهَا الْبُخَارِيُّ كَمَا تَرَى بِلَفْظِ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَهَذَا أَصْرَحُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ إِنْ آدَمَ شَيْخَهُ انْفَرَدَ بِذَلِكَ فَإِنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ عَنْ شُعْبَةَ قَالُوا فِيهِ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آدَمُ أَوْرَدَهُ عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَهُ مِنْ تَفْسِيرِ الْخَبَرِ.

قُلْتُ الَّذِي ظَنَّهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ صَحِيحٌ فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ آدَمَ بِلَفْظِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا يَعْنِي عُدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ فَوَقَعَ لِلْبُخَارِيِّ إِدْرَاجُ التَّفْسِيرِ فِي نَفْسِ الْخَبَر وَيُؤَيّد رِوَايَةُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِعَدَدِهِ هُوَ شَعْبَانُ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ بِلَفْظِ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ شَهْرٍ فَدَخَلَ فِيهِ شعْبَان وروى الدَّارَقُطْنِيّ وَصَححهُ وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ أَيْضًا وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَقِيلَ الصَّوَابُ فِيهِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مُبْهَمٍ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّته قَالَ بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَا إِذَا حَالَ دُونَ مَطْلِعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا يَجِبُ صَوْمُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ ثَانِيهَا لَا يَجُوزُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا مُطْلَقًا بَلْ قَضَاءً وَكَفَّارَةً وَنَذْرًا وَنَفْلًا يُوَافِقُ عَادَةً وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ وَيَجُوزُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ ثَالِثُهَا الْمَرْجِعُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِ الصَّحَابِيِّ رَاوِي الْحَدِيثِ قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ فَاقْدُرُوا لَهُ قَالَ نَافِع فَكَانَ بن عُمَرَ إِذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ فَإِنْ رَأَى فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَإِنْ حَالَ أَصْبَحَ صَائِمًا.
وَأَمَّا مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ عَن عبد الْعَزِيز بن حَكِيم سَمِعت بن عُمَرَ يَقُولُ لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أَوْجَبَ فِيهَا الصَّوْمَ لَا يُسَمَّى يَوْمَ شَكٍّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَصَّ يَوْمَ الشَّكِّ بِمَا إِذَا تَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ مَنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ فَأَمَّا إِذَا حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ شَيْءٌ فَلَا يُسَمَّى شَكًّا وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ الثَّانِي قَالَ بن عَبْدِ الْهَادِي فِي تَنْقِيحِهِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ أَيُّ شَهْرٍ غُمَّ أُكْمِلَ ثَلَاثِينَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَعْبَانُ وَرَمَضَانُ وَغَيْرُهُمَا فَعَلَى هَذَا .

     قَوْلُهُ  فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ يَرْجِعُ إِلَى الْجُمْلَتَيْنِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ أَيْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فِي صَوْمِكُمْ أَوْ فِطْرِكُمْ وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَيْهِ فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ لِلشَّهْرِ أَيْ عِدَّةَ الشَّهْرِ وَلَمْ يَخُصَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا دُونَ شَهْرٍ بِالْإِكْمَالِ إِذَا غُمَّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ إِذْ لَوْ كَانَ شَعْبَانُ غَيْرَ مُرَادٍ بِهَذَا الْإِكْمَالِ لَبَيَّنَهُ فَلَا تَكُونُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ مُخَالِفَةً لِمَنْ قَالَ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ بَلْ مُبَيِّنَةً لَهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَاب السّنَن وبن خُزَيْمَة وَأَبُو يعلى من حَدِيث بن عَبَّاسٍ هَكَذَا وَرَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ وَلَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حنين عَن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ .

     قَوْلُهُ  فَاقْدُرُوا لَهُ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَأْوِيلٍ ثَالِثٍ قَالُوا مَعْنَاهُ فَاقْدُرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَمُطَرِّفُ بْنُ عبد الله من التَّابِعين وبن قُتَيْبَة من الْمُحدثين قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَصِحُّ عَنْ مُطَرِّفٍ.
وَأَمَّا بن قُتَيْبَةَ فَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُعَرَّجُ عَلَيْهِ فِي مثل هَذَا قَالَ وَنقل بن خويز منداد عَن الشَّافِعِي مَسْأَلَة بن سُرَيْجٍ وَالْمَعْرُوفُ عَنِ الشَّافِعِيِّ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنقل بن الْعَرَبِيّ عَن بن سُرَيْجٍ أَنَّ قَوْلَهُ فَاقْدُرُوا لَهُ خِطَابٌ لِمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذَا الْعِلْمِ وَأَنَّ قَوْلَهُ فَأَكْمِلُوا الْعدة خطاب للعامة قَالَ بن الْعَرَبِيِّ فَصَارَ وُجُوبُ رَمَضَانَ عِنْدَهُ مُخْتَلِفَ الْحَالِ يَجِبُ عَلَى قَوْمٍ بِحِسَابِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَعَلَى آخَرِينَ بِحِسَابِ الْعَدَدِ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ عَنِ النبلاء.

     وَقَالَ  بن الصَّلَاحِ مَعْرِفَةُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ هِيَ مَعْرِفَةُ سَيْرِ الْأَهِلَّةِ.
وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ فَأَمْرٌ دَقِيقٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْآحَادُ قَالَ فَمَعْرِفَةُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ تُدْرَكُ بِأَمْرٍ مَحْسُوسٍ يُدْرِكُهُ مَنْ يُرَاقِبُ النُّجُومَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ بن سُرَيْجٍ.

     وَقَالَ  بِهِ فِي حَقِّ الْعَارِفِ بِهَا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبٍ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ بِجَوَازِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَأَبِي الطَّيِّبِ.
وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاق فِي الْمُهَذّب فَنقل عَن بن سُرَيْجٍ لُزُومَ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَتَعَدَّدَتِ الْآرَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خُصُوصِ النَّظَرِ فِي الْحِسَابِ وَالْمَنَازِلِ أَحَدُهَا الْجَوَازُ وَلَا يُجْزِئُ عَنِ الْفَرْضِ ثَانِيهَا يَجُوزُ وَيُجْزِئُ ثَالِثُهَا يَجُوزُ لِلْحَاسِبِ وَيُجْزِئُهُ لَا لِلْمُنَجِّمِ رَابِعُهَا يَجُوزُ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُ الْحَاسِبِ دُونَ الْمُنَجِّمِ خَامِسُهَا يجوز لَهما ولغيرهما مُطلقًا.

     وَقَالَ  بن الصَّبَّاغِ أَمَّا بِالْحِسَابِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ بَين أَصْحَابنَا قلت وَنقل بن الْمُنْذِرِ قَبْلَهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ فِي الْإِشْرَافِ صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا لَمْ يُرَ الْهِلَالُ مَعَ الصَّحْوِ لَا يَجِبُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ كَرَاهَتُهُ هَكَذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ حَاسِبٍ وَغَيْرِهِ فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ كَانَ مَحْجُوجًا بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْبَحْثِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ بَابٍ .

     قَوْلُهُ  الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ظَاهِرُهُ حَصْرُ الشَّهْرِ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ شَهْرٌ بِعَيْنِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ لِقَوْلِ بن مَسْعُودٍ مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْبَابِ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ .

     قَوْلُهُ  الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا إِلَخْ مَعْنَاهُ حَصْرُهُ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ طَرَفَيْهِ أَيْ إِنَّهُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَقَلُّهُ وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ فَلَا تَأْخُذُوا أَنْفُسَكُمْ بِصَوْمِ الْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا وَلَا تَقْتَصِرُوا عَلَى الْأَقَلِّ تَخْفِيفًا وَلَكِنِ اجْعَلُوا عِبَادَتَكُمْ مُرْتَبِطَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً بِاسْتِهْلَالِهِ .

     قَوْلُهُ  فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقَ الصَّوْمِ بِالرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ بَلِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ رُؤْيَةُ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ ذَلِكَ إِمَّا وَاحِدٌ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ أَوِ اثْنَانِ عَلَى رَأْيِ آخَرِينَ وَوَافَقَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ من غيم وَغَيره وَإِلَّا مَتى كَانَ صحو لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِتَعْلِيقِ الصَّوْمِ بِالرُّؤْيَةِ من ذهب إِلَى الزام أهل الْبَلَد وَغَيرهَا وَمَنْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى تَرَوْهُ خِطَابٌ لِأُنَاسٍ مَخْصُوصِينَ فَلَا يُلْزَمُ غَيْرَهُمْ وَلَكِنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْ ظَاهِرِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْحَالُ عَلَى رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْبَلَدِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ أَحَدُهَا لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث بن عَبَّاس مَا يشْهد لَهُ وَحَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ ثَانِيهَا مُقَابِلُهُ إِذَا رُؤِيَ بِبَلْدَةٍ لَزِمَ أَهْلَ الْبِلَادِ كُلِّهَا وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْمَالِكِيَّة لَكِن حكى بن عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ.

     وَقَالَ  أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الرُّؤْيَةُ فِيمَا بَعُدَ مِنَ الْبِلَادِ كَخُرَاسَانَ وَالْأَنْدَلُسِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَدْ قَالَ شُيُوخُنَا إِذَا كَانَتْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ ظَاهِرَةً قَاطِعَةً بِمَوْضِعٍ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى غَيْرِهِمْ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ لَزِمَهُم الصَّوْم.

     وَقَالَ  بن الْمَاجِشُونِ لَا يُلْزِمُهُمْ بِالشَّهَادَةِ إِلَّا لِأَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَيُلْزَمَ النَّاسَ كُلَّهُمْ لِأَنَّ الْبِلَادَ فِي حَقِّهِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ إِذْ حُكْمُهُ نَافِذٌ فِي الْجَمِيعِ.

     وَقَالَ  بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ تَقَارَبَتِ الْبِلَادُ كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا وَإِنْ تَبَاعَدَتْ فَوَجْهَانِ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَاخْتَارَ أَبُو الطَّيِّبِ وَطَائِفَةٌ الْوُجُوبَ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَفِي ضَبْطِ الْبُعْدِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَة وَشرح الْمُهَذَّبِ ثَانِيهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَطَعَ بِهِ الْإِمَامَ وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ثَالِثُهَا اخْتِلَافُ الْأَقَالِيمِ رَابِعُهَا حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدٍ لَا يُتَصَوَّرُ خفاؤه عَنْهُم بِلَا عَارض دون غَيرهم خَامِسهَا قَول بن الْمَاجِشُونِ الْمُتَقَدِّمُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ عَلَى مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي الصَّوْمِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفِطْرِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفْطِرُ وَيُخْفِيهِ.

     وَقَالَ  الْأَكْثَرُ يَسْتَمِرُّ صَائِمًا احْتِيَاطًا .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ يُقَالُ غَمَمْتَ الشَّيْءَ إِذَا غَطَّيْتَهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْتَمْلِي فَإِنْ غُمَّ وَمِنْ طَرِيقِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَغْمَى وَمِنْ رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ غَبَى بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَغْمَى وَغُمَّ وَغَمَّى بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِهَا فَهُوَ مَغْمُومٌ الْكُلُّ بِمَعْنًى.
وَأَمَّا غَبَى فَمَأْخُوذٌ مِنَ الْغَبَاوَةِ وَهِيَ عَدَمُ الْفِطْنَةِ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ لِخَفَاءِ الْهلَال وَنقل بن الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ رُوِيَ عَمِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْعَمَى قَالَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ ذَهَابُ الْبَصَرِ عَنِ الْمُشَاهَدَاتِ أَوْ ذَهَابُ الْبَصِيرَةِ عَنِ الْمَعْقُولَاتِ قَوْله فِي طَرِيق بن عمر الثَّالِثَة





[ قــ :186 ... غــ :1908] الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ أَيْ قَبَضَ وَالِانْخِنَاسُ الِانْقِبَاضُ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحَبَسَ بِالْحَاء الْمُهْملَة ثمَّ الْمُوَحدَة أَي منع





[ قــ :188 ... غــ :1910] .

     قَوْلُهُ  عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ وَزْنَ زَيْدِيٍّ وَهُوَ اسْمٌ بِلَفْظِ النِّسْبَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجٍ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَكَذَا صَرَّحَ بِالْإِخْبَارِ فِي بَقِيَّةِ الْإِسْنَادِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ





[ قــ :189 ... غــ :1911] .

     قَوْلُهُ  عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ سَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا .

     قَوْلُهُ  تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى