فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضل عائشة رضي الله عنها

( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)
هِيَ الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ وَأُمُّهَا أُمُّ رُومَانَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَكَانَ مَوْلِدُهَا فِي الْإِسْلَام قبل الْهِجْرَة بثمان سِنِينَ أَوْ نَحْوِهَا وَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهَا نَحْوُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا وَقَدْ حَفِظَتْ عَنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا وَعَاشَتْ بَعْدَهُ قَرِيبًا مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْأَخْذَ عَنْهَا وَنَقَلُوا عَنْهَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ شَيْئًا كَثِيرًا حَتَّى قِيلَ إِنَّ رُبْعَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْقُولٌ عَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَكَانَ مَوْتُهَا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ فِي الَّتِي بَعْدَهَا وَلَمْ تَلِدْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا عَلَى الصَّوَابِ وَسَأَلَتْهُ أَنْ تَكْتَنِيَ فَقَالَ اكْتَنِّي بِابْنِ أُخْتِكِ فَاكْتَنَّتْ أم عبد الله واخرج بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ كناها بذلك لما احضر إِلَيْهِ بن الزُّبَيْرِ لِيُحَنِّكَهُ فَقَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَنْتِ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ فَلَمْ أَزَلْ أُكَنَّى بهَا ثمَّ ذكر فِيهِ المُصَنّف ثَمَانِيَة أَحَادِيث الأول



[ قــ :3592 ... غــ :3768] .

     قَوْلُهُ  يَا عَائِشُ بِضَمِّ الشِّينِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَكَذَلِكَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي كُلِّ اسْمٍ مُرَخَّمٍ قَوْله ترى مَا لاارى تُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ وَقَدِ اسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلَ خَدِيجَةَ عَلَى عَائِشَةَ لِأَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِي حَقِّ خَدِيجَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا إِنَّ جِبْرِيلَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ مِنْ رَبِّكِ وَأَطْلَقَ هُنَا السَّلَامَ مِنْ جِبْرِيلَ نَفْسِهِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِ خَدِيجَةَ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي مُوسَى كَمُلَ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ آسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ وَتَقْرِيرُ أَنَّ





[ قــ :3593 ... غــ :3769] قَوْلَهُ وَفَضْلُ عَائِشَةَ إِلَخْ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَفْضَلِيَّة الْمُطلقَة وَقد أَشَارَ بن حِبَّانَ إِلَى أَنَّ أَفْضَلِيَّتَهَا الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ مُقَيَّدَةٌ بِنِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لايدخل فِيهَا مِثْلُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ وَفَاطِمَةُ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَسَيَأْتِي فِي مَنَاقِبِ خَدِيجَةَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَولُهُ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ زَادَ مَعْمَرٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْثَدٍ بِاللَّحْمِ وَهُوَ اسْمُ الثَّرِيدِ الْكَامِلِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ إِذَا مَا الْخُبْزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ فَذَاكَ أَمَانَةُ اللَّهِ الثَّرِيدُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَنَسٍ فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ وَهُوَ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَذَ مِنْهُ لَفْظَ التَّرْجَمَةِ فَقَالَ فَضْلُ عَائِشَةَ وَلَمْ يَقُلْ مَنَاقِبُ وَلَا ذِكْرٌ كَمَا قَالَ فِي غَيرهَا الحَدِيث الرَّابِع حَدِيث بن عَبَّاسٍ





[ قــ :3595 ... غــ :3771] .

     قَوْلُهُ  أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ أَيْ ضَعُفَتْ .

     قَوْلُهُ  تَقْدَمِينَ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى فَرَطٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ كل شَيْء قَالَ بن التِّينِ فِيهِ أَنَّهُ قَطَعَ لَهَا بِدُخُولِ الْجَنَّةِ إِذْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ وَقَولُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بَدَلٌ بِتَكْرِيرِ الْعَامِلِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ عَمَّارٍ





[ قــ :3596 ... غــ :377] إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَيْ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَعِنْدَ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَتْنَا عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَعَلَّ عَمَّارًا كَانَ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَولُهُ فِي الْحَدِيثِ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا قِيلَ الضَّمِيرُ لِعِلِّيٍّ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُو إِلَيْهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لله وَالْمُرَادُ بِاتِّبَاعِ اللَّهِ اتِّبَاعُ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَقرن فِي بيوتكن فَإِنَّهُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ خُوطِبَ بِهِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَقُولُ لَا يُحَرِّكُنِي ظَهْرُ بَعِيرٍ حَتَّى أَلْقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعُذْرُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مُتَأَوِّلَةً هِيَ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَكَانَ مُرَادُهُمْ إِيقَاعَ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَأَخْذَ الْقِصَاصِ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَكَانَ رَأْيُ عَلِيٍّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الطَّاعَةِ وَطَلَبَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْقِصَاصَ مِمَّنْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِشُرُوطِهِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْقِلَادَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَّلِ كِتَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ بن التِّينِ لَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَحْفُوظَةً يَعْنِي أَنَّهُمْ أَتَوْا بِالْعِقْدِ أَيْ أَنَّ الْمَحْفُوظَ قَوْلُهَا فَأَثَرْنَا الْبَعِيرَ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ الْحَدِيثُ السَّابِعُ





[ قــ :3597 ... غــ :3773] .

     قَوْلُهُ  عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ الْحَدِيثَ وَهَذَا صُورَتُهُ مُرْسَلٌ وَلَكِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَوْصُولٌ عَنْ عَائِشَةَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي سَكَنَ وَسَيَأْتِي فِي الْوَفَاةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا كُلُّهُ وَيَأْتِي سَائِرُ شَرْحِهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَوْلُهَا سَكَنَ أَيْ مَاتَ أَوْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ.

قُلْتُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَوَّلُ خطأ صَرِيح قَالَ بن التِّينِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّهُنَّ أَذِنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ هَذَا وَيُجْمَعُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُنَّ أَذِنَّ لَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ إِلَى يَوْمِهَا يَعْنِي فَيَتَعَلَّقُ الْإِذْنُ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ حَدِيثُهَا فِي أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَة وَفِيه وَالله مانزل عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَقَولُهُ





[ قــ :3599 ... غــ :3775] فِي أَوَّلِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ وَعَبْدُوسٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ وَالصَّوَابُ بِالتَّكْبِيرِ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاتؤذيني فِي عَائِشَة فَإِنَّهُ وَالله مانزل عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَهَا وَقَعَ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلَّا عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِعَائِشَةَ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ عَائِشَةَ عَلَى خَدِيجَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا احْتِمَالُ أَنْ لَا يَكُونَ أَرَادَ إِدْخَالَ خَدِيجَةَ فِي هَذَا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْكُنَّ الْمُخَاطَبَةُ وَهِيَ أُمُّ سَلَمَةَ وَمَنْ أَرْسَلَهَا أَوْ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَئِذٍ مِنَ النِّسَاءِ وَالثَّانِي عَلَى تَقْدِيرِ إِرَادَةِ الدُّخُولِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ خُصُوصِيَّةِ شَيْءٍ مِنَ الْفَضَائِلِ ثُبُوتُ الْفَضْلِ الْمُطْلَقِ كَحَدِيثِ أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زيد وَنَحْو ذَلِكَ وَمِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ الْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ عَائِشَةَ بِذَلِكَ فَقِيلَ لِمَكَانِ أَبِيهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُفَارِقُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَغْلَبِ أَحْوَالِهِ فَسَرَى سِرُّهُ لِابْنَتِهِ مَعَ مَا كَانَ لَهَا مِنْ مَزِيدِ حُبِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ تُبَالِغُ فِي تَنْظِيفِ ثِيَابِهَا الَّتِي تَنَامُ فِيهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ الله تَعَالَى وَسَيَأْتِي مزِيد لهَذَا فِي تَرْجَمَةِ خَدِيجَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ ان قاطمة أَفْضَلُ ثُمَّ خَدِيجَةَ ثُمَّ عَائِشَةَ وَالْخِلَافُ شَهِيرٌ وَلَكِن الْحق أَحَق ان يتبع.

     وَقَالَ  بن تَيْمِيَّةَ جِهَاتُ الْفَضْلِ بَيْنَ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ مُتَقَارِبَةٌ وَكَأَنَّهُ رأى التَّوَقُّف.

     وَقَالَ  بن الْقَيِّمِ إِنْ أُرِيدَ بِالتَّفْضِيلِ كَثْرَةُ الثَّوَابِ عِنْدَ اللَّهِ فَذَاكَ أَمْرٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَإِنَّ عَمَلَ الْقُلُوبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ وَإِنْ أُرِيدَ كَثْرَةُ الْعِلْمِ فَعَائِشَةُ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ أُرِيدَ شَرَفُ الْأَصْلِ فَفَاطِمَةُ لَا مَحَالَةَ وَهِيَ فَضِيلَةٌ لَا يُشَارِكُهَا فِيهَا غَيْرُ أَخَوَاتِهَا وَإِنْ أُرِيدَ شَرَفُ السِّيَادَةِ فَقَدْ ثَبَتَ النَّصُّ لِفَاطِمَةَ وَحْدَهَا.

قُلْتُ امْتَازَتْ فَاطِمَةُ عَنْ أَخَوَاتِهَا بِأَنَّهُنَّ مُتْنَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا مَا امْتَازَتْ بِهِ عَائِشَةُ مِنْ فَضْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّ لِخَدِيجَةَ مَا يُقَابِلُهُ وَهِيَ أَنَّهَا أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَدَعَا إِلَيْهِ وَأَعَانَ عَلَى ثُبُوتِهِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَالتَّوَجُّهِ التَّامِّ فَلَهَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهَا وَلَا يُقَدِّرُ قَدْرَ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ وَقِيلَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ فَاطِمَةَ وَبَقِيَ الْخِلَافُ بَيْنَ عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ فَرْعٌ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنِ اسْتَثْنَيْتَ فَاطِمَةَ لِكَوْنِهَا بَضْعَةً فَأَخَوَاتُهَا شَارَكْنَهَا وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَقِّ زَيْنَبَ ابْنَتِهِ لَمَّا أُوذِيَتْ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنَ مَكَّةَ هِيَ أَفْضَلُ بَنَاتِي أُصِيبَتْ فِيَّ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ خِطْبَةِ عُثْمَانَ حَفْصَةَ زِيَادَةٌ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى تَزَوَّجَ عُثْمَانُ خَيْرًا مِنْ حَفْصَةَ وَتَزَوَّجَ حَفْصَةَ خَيْرٌ مِنْ عُثْمَانَ وَالْجَوَابُ عَنْ قِصَّةِ زَيْنَبَ تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّرَ مِنْ وَأَنْ يُقَالَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ لِفَاطِمَةَ جِهَةُ التَّفْضِيلِ الَّتِي امْتَازَتْ بِهَا عَنْ غَيْرِهَا مِنْ أَخَوَاتِهَا كَمَا تقدم قَالَ بن التِّين فِيهِ ان الزَّوْج لايلزمه التَّسْوِيَةُ فِي النَّفَقَةِ بَلْ يُفَضِّلُ مَنْ شَاءَ بَعْدَ أَنْ يَقُومَ لِلْأُخْرَى بِمَا يَلْزَمُهُ لَهَا قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا دَلِيلٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَصَائِصِهِ كَمَا قِيلَ إِنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ يتَبَرَّع بِهِ