فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: 187]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم)
سَاقَ إِلَى قَوْلِهِ إِلَى اللَّيْلِ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ سِيقَتْ لِبَيَانِ انْتِهَاءِ وَقْتِ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ الَّذِي أُبِيحَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَمْنُوعًا وَاسْتُفِيدَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ ذِكْرَ نُزُولِ الْآيَةِ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ أُرِيدَ بِهِ مُعْظَمُهَا وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ تَأَخَّرَ نُزُولُهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْآيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ قَوْلَهُ من الْفجْر نزل أَو لَا فَإِنَّ رِوَايَةَ حَدِيثِ الْبَابِ فِيهَا إِلَى قَوْلِهِ الْخَيط الْأسود وَرِوَايَةَ أَبِي دَاوُدَ وَأَبِي الشَّيْخِ فِيهَا إِلَى قَوْلِهِ مِنَ الْفَجْرِ فَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْغَايَةِ .

     قَوْلُهُ  فِيهِ الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْحَدِيثَ الَّذِي مَضَى قَبْلَهُ وَهُوَ مَوْصُول كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ الأول



[ قــ :1834 ... غــ :1916] .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنِي حُصَيْنٌ رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ هُشَيْمٍ أَنْبَأَنَا حُصَيْنٌ وَمُجَالِدٌ وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ هُشَيْمٍ إِلَّا أَنَّهُ فَرَّقَهُمَا .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَخْبرنِي عدي بن حَاتِم وَكَذَا أخرجه بن خُزَيْمَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ وَهَكَذَا أَوْرَدَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ .

     قَوْلُهُ  لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود عَمَدْتُ إِلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّ عَدِيًّا كَانَ حَاضِرًا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَهُوَ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ إِسْلَامِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ نُزُولَ فَرْضِ الصَّوْمِ كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَإِسْلَامَ عَدِيٍّ كَانَ فِي التَّاسِعَةِ أَوِ الْعَاشِرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَأَخَّرَ نُزُولُهَا عَنْ نُزُولِ فَرْضِ الصَّوْمِ وَهُوَ بعيد جدا وَأما أَن يؤول قَوْلُ عَدِيٍّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَمَّا نَزَلَتْ أَيْ لَمَّا تُلِيَتْ عَلَيَّ عِنْدَ إِسْلَامِي أَوْ لَمَّا بَلَغَنِي نُزُولُ الْآيَةِ أَوْ فِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ ثُمَّ قَدِمْتُ فَأَسْلَمْتُ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَائِعَ عَمَدْتُ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ حَدِيثَهُ مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ بِلَفْظِ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ فَقَالَ صَلِّ كَذَا وَصُمْ كَذَا فَإِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ فَكُلْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ قَالَ فَأَخَذْتُ خَيْطَيْنِ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  إِلَى عِقَالٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ حَبْلٍ وَفِي رِوَايَةِ مُجَالِدٍ فَأَخَذْتُ خَيْطَيْنِ مِنْ شَعْرٍ .

     قَوْلُهُ  فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فِي رِوَايَةِ مُجَالِدٍ فَلَا أَسْتَبِينُ الْأَبْيَضَ مِنَ الْأَسْوَدِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ زَادَ أَبُو عُبَيْدٍ إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ وَكَذَا لِأَحْمَدَ عَنْ هُشَيْمٍ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ هُشَيْمٍ قَالَ فَضَحِكَ.

     وَقَالَ  إِنْ كَانَ وِسَادُكَ إِذًا لَعَرِيضًا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ وَزَادَ إِنْ كَانَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ طَوِيلٌ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ مُطَرِّفٍ فَضَحِكَ.

     وَقَالَ  لَا يَا عَرِيضَ الْقَفَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ فِي قَوْلِهِ إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُرِيدُ إِنَّ نَوْمَكَ لَكَثِيرٌ وَكَنَّى بِالْوِسَادَةِ عَنِ النَّوْمِ لِأَنَّ النَّائِمَ يَتَوَسَّدُ أَوْ أَرَادَ إِنَّ لَيْلَكَ لَطَوِيلٌ إِذَا كُنْتَ لَا تُمْسِكُ عَنِ الْأَكْلِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الْعِقَالُ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ كَنَّى بِالْوِسَادَةِ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَضَعُهُ مِنْ رَأْسِهِ وَعُنُقِهِ عَلَى الْوِسَادَةِ إِذَا نَامَ وَالْعَرَبُ تَقُولُ فُلَانٌ عَرِيضُ الْقَفَا إِذَا كَانَ فِيهِ غَبَاوَةٌ وَغَفْلَةٌ وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ أُخْرَى إِنَّكَ عَرِيضُ الْقَفَا وَجَزَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِالتَّأْوِيلِ الثَّانِي فَقَالَ إِنَّمَا عَرَّضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَا عَدِيٍّ لِأَنَّهُ غَفَلَ عَنِ الْبَيَانِ وَعُرْضُ الْقَفَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى قِلَّةِ الْفَطِنَةِ وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ حَمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الذَّمِّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفَهْمِ وَكَأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّهُ نَسَبَهُ إِلَى الْجَهْلِ وَالْجَفَاءِ وَعَدَمِ الْفِقْهِ وَعَضَّدُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إِنَّكَ عَرِيضُ الْقَفَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ لِأَنَّ مَنْ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ اللِّسَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ إِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ دَلِيلُ التَّجَوُّزِ لَمْ يَسْتَحِقَّ ذَمًّا وَلَا يُنْسَبُ إِلَى جَهْلٍ وَإِنَّمَا عَنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ وِسَادَكَ إِنْ كَانَ يُغَطِّي الْخَيْطَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرَادَ اللَّهُ فَهُوَ إِذًا عَرِيضٌ وَاسِعٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي أَثَرِ ذَلِكَ إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَكَيْفَ يَدْخُلَانِ تَحْتَ وِسَادَتِكَ وَقَولُهُ إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا أَيْ إِنَّ الْوِسَادَ الَّذِي يُغَطِّي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَرْقُدُ عَلَيْهِ إِلَّا قَفًا عَرِيضٌ لِلْمُنَاسَبَةِ.

قُلْتُ وَترْجم عَلَيْهِ بن حِبَّانَ ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَفَاوَتُ لُغَاتُهَا وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ فِي لُغَتِهِ أَنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ وَبَيَاضَ النَّهَارِ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِالْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وسَاق هَذَا الحَدِيث قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ جَوَازُ التَّوْبِيخِ بِالْكَلَامِ النَّادِرِ الَّذِي يَسِيرُ فَيَصِيرُ مَثَلًا بِشَرْطِ صِحَّةِ الْقَصْدِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَ أَمْنِ الْغُلُوِّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَزَلَّةُ الْقَدَمِ إِلَّا لمن عصمه الله تَعَالَى الحَدِيث الثَّانِي





[ قــ :1835 ... غــ :1917] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ كَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ شَيْخَيْنِ لَهُ وَأَعَادَهُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ وَحْدَهُ وَظَهَرَ مِنْ سِيَاقِهِ أَنَّ اللَّفْظَ هُنَا لِأَبِي غَسَّان وَقد أخرجه بن خُزَيْمَةَ عَنِ الذُّهْلِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ شَيْخَيْهِ وَبَيَّنَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ أَنَّ لَفْظَهُمَا وَاحِد وَقد أخرجه مُسلم وبن أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو عَوَانَةَ وَالطَّحَاوِيُّ فِي آخَرِينَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ وَحْدَهُ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ رِجَالٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُفَسَّرَ بَعْضُهُمْ بِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لِأَنَّ قِصَّةَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ وَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ فِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ خَيْطًا أَبْيَضَ وَخَيْطًا أَسْوَدَ فَيَضَعُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِهِ فَيَنْظُرُ مَتَى يَسْتَبِينُهُمَا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ فَعَلَ هَذَا وَبَعْضُهُمْ فَعَلَ هَذَا أَوْ يَكُونُوا يَجْعَلُونَهُمَا تَحْتَ الْوِسَادَةِ إِلَى السَّحَرِ فَيَرْبِطُونَهُمَا حِينَئِذٍ فِي أَرْجُلِهِمْ لِيُشَاهِدُوهُمَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّشْدِيدِ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ حَتَّى يَسْتَبِينَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ .

     قَوْلُهُ  رُؤْيَتُهُمَا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ رِئْيُهُمَا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ زِيُّهُمَا بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ ضُبِطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ مُشَدَّدَةٌ قَالَ عِيَاضٌ وَلَا وَجْهَ لَهُ إِلَّا بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ وَكَأَنَّهُ رِئْيٌ بِمَعْنَى مَرْئِيٍّ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الرِّئْيَ التَّابِعُ مِنَ الْجِنِّ فَيُحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ لِتَرَائِيِهِ لِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْإِنْسِ .

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ مِنَ الْفَجْرِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ حَدِيثُ عَدِيٍّ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ نَزَلَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ من الْخَيط الْأسود بِخِلَافِ حَدِيثِ سَهْلٍ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِرَفْعِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْإِشْكَالِ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ نُزُولِهِمَا عَامٌ كَامِلٌ قَالَ فَأَمَّا عَدِيٌّ فَحَمَلَ الْخَيْطَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَفَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مِنَ الْفَجْرِ مِنْ أَجْلِ الْفَجْرِ فَفَعَلَ مَا فَعَلَ قَالَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَدِيثَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ سَهْلٍ فَكَأَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا جَرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَإِنَّمَا سَمِعَ الْآيَةَ مُجَرَّدَةً فَفَهِمَهَا عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْفَجْرِ أَنْ يَنْفَصِلَ أَحَدُ الْخَيْطَيْنِ عَنِ الْآخَرِ وَأَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَتَبَيَّنَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّتَانِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ يَعْنِي فِي قِصَّةِ عَدِيٍّ تَلَا الْآيَةَ تَامَّةً كَمَا ثَبَتَ فِي الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ حَالَ النُّزُولِ إِنَّمَا نَزَلَتْ مُفَرَّقَةً كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ.

قُلْتُ وَهَذَا الثَّانِي ضَعِيفٌ لِأَنَّ قِصَّةَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرَةٌ لِتَأَخُّرِ إِسْلَامِهِ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَقَدْ رَوَى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ مُجَالِدٍ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِمَا صنع يَا بن حَاتِمٍ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ مِنَ الْفَجْرِ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَالِدٍ وَغَيْرِهِ فَقَالَ عَدِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلَّ شَيْءٍ أَوْصَيْتَنِي قَدْ حَفِظْتُهُ غَيْرَ الْخَيْطِ الْأَبْيَضِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ إِنِّي بِتُّ الْبَارِحَةَ مَعِي خَيْطَانِ أَنْظُرُ إِلَى هَذَا وَإِلَى هَذَا قَالَ إِنَّمَا هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ قِصَّةَ عَدِيٍّ مُغَايِرَةٌ لِقِصَّةِ سَهْلٍ فَأَمَّا مَنْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ فَحَمَلُوا الْخَيْطَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَمَّا نَزَلَ مِنَ الْفَجْرِ عَلِمُوا الْمُرَادَ فَلِذَلِكَ قَالَ سَهْلٌ فِي حَدِيثِهِ فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
وَأَمَّا عَدِيٌّ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قَوْمِهِ اسْتِعَارَةُ الْخَيْطِ لِلصُّبْحِ وَحَمَلَ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ عَلَى السَّبَبِيَّةِ فَظَنَّ أَنَّ الْغَايَةَ تَنْتَهِي إِلَى أَنْ يَظْهَرَ تَمْيِيزُ أَحَدِ الْخَيْطَيْنِ مِنَ الْآخَرِ بِضِيَاءِ الْفَجْرِ أَوْ نَسِيَ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ حَتَّى ذَكَّرَهُ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعَرَبِ قَالَ الشَّاعِرُ
( وَلَمَّا تَبَدَّتْ لَنَا سَدْفَةٌ ... وَلَاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا) .

     قَوْلُهُ  فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَعَلِمُوا أَنَّهُ يَعْنِي وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ وَمَعْنَى الْآيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ وَهَذَا الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ مِنَ النَّهَارِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ الْمُرَادُ بِالْخَيْطِ الْأَسْوَدِ اللَّيْلُ وَبِالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ الْفَجْرُ الصَّادِقُ وَالْخَيْطُ اللَّوْنُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَبْيَضِ أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنَ الْفَجْرِ الْمُعْتَرِضِ فِي الْأُفُقِ كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ وَبِالْأَسْوَدِ مَا يَمْتَدُّ مَعَهُ مِنْ غَبَشِ اللَّيْلِ شَبِيهًا بِالْخَيْطِ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ وَقَولُهُ مِنَ الْفَجْرِ بَيَانٌ لِلْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ بَيَانِ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ لِأَنَّ بَيَانَ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِلْآخَرِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّهُ بَعْضُ الْفَجْرِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْفَجْرِ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ إِلَى التَّشْبِيهِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ رَأَيْتُ أَسَدًا مَجَازٌ فَإِذَا زِدْتَ فِيهِ مِنْ فُلَانٍ رَجَعَ تَشْبِيهًا ثُمَّ قَالَ كَيْفَ جَازَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْعَبَثَ لِأَنَّهُ قَبْلَ نُزُولِ مِنَ الْفَجْرِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا الْحَقِيقَةُ وَهِيَ غَيْرُ مُرَادَةٍ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ وَهُمْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ حَدِيثُ سَهْلٍ.
وَأَمَّا مَنْ يُجَوِّزُهُ فَيَقُولُ لَيْسَ بِعَبَثٍ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ وُجُوبَ الْخِطَابِ وَيَعْزِمُ عَلَى فِعْلِهِ إِذَا اسْتَوْضَحَ الْمُرَادَ بِهِ انْتهى وَنَقله نفى التَّجْوِيزِ عَنِ الْأَكْثَرِ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا سَيَأْتِي وَجَوَابُهُ عَنْهُمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ مَرْدُودٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهُ مِمَّا اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَمَسْأَلَةُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَفِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقد حكى بن السَّمْعَانِيِّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَرْبَعَةَ أوجه الْجَوَاز مُطلقًا عَن بن سُرَيج والاصطخرى وبن أبي هُرَيْرَة وبن خَيْرَانَ وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَالصَّيْرَفِيِّ ثَالِثُهَا جَوَازُ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلِ دُونَ الْعَامِّ رَابِعُهَا عَكْسُهُ وَكِلَاهُمَا عَن بعض الشَّافِعِيَّة.

     وَقَالَ  بن الْحَاجِبِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ إِلَّا عِنْدَ مُجَوِّزِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ يَعْنِي وَهُمُ الْأَشَاعِرَةُ فَيُجَوِّزُونَهُ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ لَمْ يَقَعْ قَالَ شَارِحُهُ وَالْخِطَابُ الْمُحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ ضَرْبَان أَحدهمَا مَاله ظَاهِرٌ وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِي خِلَافِهِ وَالثَّانِي مَا لَا ظَاهِرَ لَهُ فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْخطاب وَاخْتَارَهُ الْفَخر الرَّازِيّ وبن الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ وَمَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ كُلُّهُمْ إِلَى امْتِنَاعِهِ.

     وَقَالَ  الْكَرْخِيُّ يَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ وَإِنَّمَا حَمَلَ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا بَعْضُ مَنْ لَا فِقْهَ عِنْدَهُ مِنَ الْأَعْرَابِ كَالرِّجَالِ الَّذِينَ حُكِيَ عَنْهُمْ سَهْلٌ وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَتِهِ اسْتِعْمَالُ الْخَيْطِ فِي الصُّبْحِ كَعَدِيٍّ وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ وَالدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّسْخِ وَأَنَّ الْحُكْمَ كَانَ أَوَّلًا عَلَى ظَاهِرِهِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْخَيْطَيْنِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا نُقِلَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ جَوَازِ الْأَكْلِ إِلَى الْإِسْفَارِ قَالَ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى مِنَ الْفَجْرِ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَنَّ بِلَالًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالَ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَاللَّهِ أَصْبَحْتَ فَقَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ بِلَالًا لَوْلَا بِلَالٌ لَرَجَوْنَا أَنْ يُرَخَّصَ لَنَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وُجُوبُ التَّوَقُّفِ عَنِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ وَطَلَبُ بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهَا وَأَنَّهَا لَا تُحْمَلُ عَلَى أَظْهَرِ وُجُوهِهَا وَأَكْثَرِ اسْتِعْمَالَاتِهَا إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْبَيَانِ.

     وَقَالَ  بن بَزِيزَةَ فِي شَرْحِ الْأَحْكَامِ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَأْخِيرِ بَيَانِ الْمُجْمَلَاتِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا أَوَّلًا عَلَى مَا سَبَقَ إِلَى أَفْهَامِهِمْ بِمُقْتَضَى اللِّسَانِ فَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ بَابِ تَأْخِيرِ مَاله ظَاهِرٌ أُرِيدَ بِهِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ.

قُلْتُ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فَعَلُوا مَا نَقَلَهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فَنَزَعَ تَمَّ صَوْمُهُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ التَّبْيِينُ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ بن عَبَّاس قَالَ أحل اللَّهُ لَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْتَ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ نَحْوُهُ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى قَالَ سَأَلَ رجل بن عَبَّاسٍ عَنِ السُّحُورِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ كل حَتَّى لَا تشك فَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنْ هَذَا لَا يَقُولُ شَيْئًا كُلْ مَا شَككت حَتَّى لَا تشك قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ صَارَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالك يقْضِي.

     وَقَالَ  بن بَزِيزَةَ فِي شَرْحِ الْأَحْكَامِ اخْتَلَفُوا هَلْ يَحْرُمُ الْأَكْلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بِتَبَيُّنِهِ عِنْدَ النَّاظِرِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجِبُ إِمْسَاكُ جُزْءٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ هَذَا الْبَحْثِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى