فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: لا يعضد شجر الحرم

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ)

بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يُقْطَعُ قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ سَيَأْتِي مَوْصُولًا بَعْدَ بَابٍ وَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ هُنَاكَ



[ قــ :1748 ... غــ :1832] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سَعِيدٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خُزَاعِيٌّ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ لُحَيٍّ بَطْنٌ مِنْ خُزَاعَةَ وَلِهَذَا يُقَالُ لَهُ الْكَعْبِيُّ أَيْضًا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ لَا عَدِيَّ قُرَيْشٍ وَلَا عَدِيَّ مُضَرَ فَلَعَلَّهُ كَانَ حَلِيفًا لِبَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَقِيلَ فِي خُزَاعَةَ بَطْنٌ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَدِيٍّ وَقَدْ وَقع فِي رِوَايَة بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَبَا شُرَيْحٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ خويلد بن عَمْرو وَقيل بن صَخْرٍ وَقِيلَ هَانِئُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ كَعْبٌ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ وَقِيلَ مَطَرٌ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَحَمَلَ بَعْضَ أَلْوِيَةِ قَوْمِهِ وَسَكَنَ الْمَدِينَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثَيْنِ آخَرَيْنِ .

     قَوْلُهُ  لِعَمْرِو بْنِ سعيد أَي بن أَبِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ الْمَعْرُوفِ بِالْأَشْدَقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مَعَ شَرْحِ بَعْضِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِهِ تُوَضِّحُ الْمَقْصُودَ وَهِيَ لَمَّا بَعَثَ عَمْرُو بْنُ سعيد إِلَى مَكَّة بَعثه لغزو بن الزُّبَيْرِ أَتَاهُ أَبُو شُرَيْحٍ فَكَلَّمَهُ وَأَخْبَرَهُ بِمَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى نَادِي قَوْمِهِ فَجَلَسَ فِيهِ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَ قَوْمَهُ قَالَ.

قُلْتُ لَهُ يَا هَذَا إِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ عَدَتْ خُزَاعَةُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَقَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي قِتَالِ بَنِي بَكْرٍ حَتَّى أَصَبْنَا مِنْهُمْ ثَأْرَنَا وَهُوَ بِمَكَّةَ ثُمَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضْعِ السَّيْفِ فَلَقِيَ الْغَدَ رَهْطٌ مِنَّا رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ فِي الْحَرَمِ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَانَ وَتَرَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانُوا يَطْلُبُونَهُ فَقَتَلُوهُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدا مَا رايته غضب غَضبا أَشَدَّ مِنْهُ فَلَمَّا صَلَّى قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِهِ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُخْتَصَرَةً وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ وَذَكَرنَا أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَنَّهُ جَهَّزَ إِلَى مَكَّةَ جَيْشًا لِغَزْوِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ وَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ الْقِصَّةَ عَنْ مَشَايِخِهِ فَقَالُوا كَانَ قُدُومُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَالِيًا عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتِّينَ وَقِيلَ قَدِمَهَا فِي رَمَضَانَ مِنْهَا وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي وُلِّيَ فِيهَا يزِيد الْخلَافَة فَامْتنعَ بن الزُّبَيْرِ مِنْ بَيْعَتِهِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ فَجَهَّزَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ وَكَانَ مُعَادِيًا لِأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ قَدْ وَلَّاهُ شُرْطَتَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَى قِتَالِ أَخِيهِ فَجَاءَ مَرْوَانُ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فَنَهَاهُ فَامْتَنَعَ وَجَاءَ أَبُو شُرَيْحٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فَلَمَّا نَزَلَ الْجَيْشُ ذَا طُوًى خَرَجَ إِلَيْهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَهَزَمُوهُمْ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ فَسَجَنَهُ أَخُوهُ بِسِجْنِ عَارِمٍ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ ضَرَبَ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِمَّنِ اتُّهِمَ بِالْمَيْلِ إِلَى أَخِيهِ فَأَقَادَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ عَمْرٌو مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي السِّيرَةِ لِابْنِ إِسْحَاقَ وَمَغَازِي الْوَاقِدِيِّ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ أَبِي شُرَيْحٍ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الزُّبَيْرِ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَبُو شُرَيْحٍ رَاجَعَ الْبَاعِثَ وَالْمَبْعُوثَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ هِيَ جَمْعُ بَعْثٍ بِمَعْنَى مَبْعُوثٍ وَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَيْشُ الْمُجَهَّزُ لِلْقِتَالِ .

     قَوْلُهُ  إِيذَنْ أَصْلُهُ ائْذَنْ بِهَمْزَتَيْنِ فَقُلِبَتِ الثَّانِيَةُ يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا .

     قَوْلُهُ  أَيُّهَا الْأَمِيرُ الْأَصْلُ فِيهِ يَا أَيُّهَا الْأَمِيرُ فَحَذَفَ حَرْفَ النِّدَاءِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ حُسْنُ التَّلَطُّفِ فِي مُخَاطَبَةِ السُّلْطَانِ لِيَكُونَ أَدْعَى لِقَبُولِهِمُ النَّصِيحَةَ وَأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُخَاطَبُ إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي أَمْرٍ يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَيْهِ فَتَرْكُ ذَلِكَ وَالْغِلْظَةُ لَهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِإِثَارَةِ نَفْسِهِ وَمُعَانَدَةِ مَنْ يُخَاطِبُهُ وَسَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ قَوْلُ وَالِدِ الْعَسِيفِ وَائْذَنْ لِي .

     قَوْلُهُ  قَامَ بِهِ صِفَةٌ لِلْقَوْلِ وَالْمَقُولُ هُوَ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَخْ وَقَولُهُ الْغَدَ بِالنَّصْبِ أَيْ ثَانِيَ يَوْمِ الْفَتْحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ إِلَخْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ حِفْظِهِ لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَ.

     قَوْلُهُ  سَمِعَتْهُ أَيْ حَمَلَتْهُ عَنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَذِكْرُ الْأُذُنَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ وَقَولُهُ وَوَعَاهُ قَلْبِي تَحْقِيقٌ لِفَهْمِهِ وَتَثَبُّتِهِ وَقَولُهُ وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ زِيَادَةٌ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَأَنَّ سَمَاعَهُ مِنْهُ لَيْسَ اعْتِمَادًا عَلَى الصَّوْتِ فَقَطْ بَلْ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ وَقَولُهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ أَيْ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَوَعَاهُ قَلْبِي أَنَّ الْعَقْلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ هُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَكَلَّمَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ الثَّنَاءِ بَيْنَ يَدَيْ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَتَبْيِينِ الْأَحْكَامِ وَالْخُطْبَةُ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَقَدْ تقدم من رِوَايَة بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا أَمَّا بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ أَيْ حَكَمَ بِتَحْرِيمِهَا وَقَضَاهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَكَّةَ أَنْ لَا يُقَاتَلَ أَهْلُهَا وَيُؤَمَّنَ مَنِ اسْتَجَارَ بِهَا وَلَا يُتَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمنا وَقَوله أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما امنا وسيأتى بعد بَاب فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِاجْتِهَادِهِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ قَضَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا بَيْنَ النَّاسِ وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ حَرَامًا أَوْ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَهُ بَعْدَ الطُّوفَانِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يُنْسَبُ لِأَحَدٍ وَلَا لِأَحَدٍ فِيهِ مَدْخَلٌ قَالَ وَلِأَجْلِ هَذَا أَكَّدَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ أَنَّ تَحْرِيمَهَا ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِيهِ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهَا مِنْ مُحَرَّمَاتِ اللَّهِ فَيَجِبُ امْتِثَالُ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ مُحَرَّمَاتِ النَّاسِ يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا حَرَّمُوا أَشْيَاءَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِي تَرْكِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ حُرْمَتَهَا مُسْتَمِرَّةٌ مِنْ أَوَّلِ الْخَلْقِ وَلَيْسَ مِمَّا اخْتُصَّتْ بِهِ شَرِيعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَلَا يَحِلُّ إِلَخْ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الِامْتِثَالِ لِأَنَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ لَزِمَتْهُ طَاعَتُهُ وَمَنْ آمَنَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ لَزِمَهُ امْتِثَالُ مَا أَمَرَ بِهِ وَاجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ خَوْفَ الْحِسَابِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ خِلَافُهُ وَجَوَابُهُمْ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي يَنْقَادُ لِلْأَحْكَامِ وَيَنْزَجِرُ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ فَجَعَلَ الْكَلَامَ مَعَهُ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ ذَلِك عَن غَيره.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مِنْ خِطَابِ التَّهْيِيجِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا أَن كُنْتُم مُؤمنين فَالْمَعْنَى أَنَّ اسْتِحْلَالَ هَذَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَلِيقُ بِمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بَلْ يُنَافِيهِ فَهَذَا هُوَ الْمُقْتَضِي لِذِكْرِ هَذَا الْوَصْفِ وَلَوْ قِيلَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُطْلَقًا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ هَذَا الْغَرَضُ وَإِنْ أَفَادَ التَّحْرِيمَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي الْعِلْمِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ بِمَكَّةَ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ بَابٍ فِي الْكَلَام على حَدِيث بن عَبَّاسٍ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً أَيْ لَا يقطع قَالَ بن الْجَوْزِيِّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ يَعْضُدَ بِضَمِّ الضَّادِ.

     وَقَالَ  لنا بن الْخَشَّابِ هُوَ بِكَسْرِهَا وَالْمِعْضَدُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ الْآلَةُ الَّتِي يُقْطَعُ بِهَا قَالَ الْخَلِيلُ الْمِعْضَدُ الْمُمْتَهَنُ مِنَ السُّيُوفِ فِي قَطْعِ الشَّجَرِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ أَصْلُهُ مِنْ عَضَدَ الرَّجُلَ إِذَا أَصَابَهُ بِسُوءٍ فِي عَضُدِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ بِلَفْظِ لَا يَخْضِدَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَدَلَ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَاهُ فَإِنَّ أَصْلَ الْخَضْدِ الْكَسْرُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْقَطْعِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ خَصَّ الْفُقَهَاءُ الشَّجَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْ قَطْعِهِ بِمَا يُنْبِتُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صُنْعِ آدَمِيٍّ فَأَمَّا مَا يَنْبُتُ بِمُعَالَجَةِ آدَمِيٍّ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ فِي الْجَمِيع الْجَزَاء وَرجحه بن قُدَامَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي جَزَاءِ مَا قُطِعَ مِنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا جَزَاءَ فِيهِ بَلْ يَأْثَمُ.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ يَسْتَغْفِرُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ بِقِيمَتِهِ هَدْيٌ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ فِي الْعَظِيمَةِ بَقَرَةٌ وَفِيمَا دُونَهَا شَاةٌ وَاحْتَجَّ الطَّبَرِيُّ بِالْقِيَاسِ على جَزَاء الصَّيْد وَتعقبه بن الْقَصَّارِ بِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْجَزَاءَ عَلَى الْمُحْرِمِ إِذَا قَطَعَ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ الْحل وَلَا قَائِل بِهِ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَ قَطْعَ السِّوَاكِ مِنْ فُرُوعِ الشَّجَرَةِ كَذَا نَقَلَهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ وَأَجَازَ أَيْضًا أَخْذَ الْوَرَقِ وَالثَّمَرِ إِذَا كَانَ لَا يَضُرُّهَا وَلَا يُهْلِكُهَا وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَجَازُوا قَطْعَ الشَّوْكِ لِكَوْنِهِ يُؤْذِي بِطَبْعِهِ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ وَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ بَعْدَ بَابٍ بِلَفْظِ وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَرِدِ النَّصُّ عَلَى تَحْرِيمِ الشَّوْكِ لَكَانَ فِي تَحْرِيمِ قَطْعِ الشَّجَرِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ الشَّوْكِ لِأَنَّ غَالِبَ شَجَرِ الْحَرَمِ كَذَلِكَ وَلِقِيَامِ الْفَارِقِ أَيْضًا فَإِنَّ الْفَوَاسِقَ الْمَذْكُورَة تقصد بالأذى بِخِلَاف الشّجر قَالَ بن قُدَامَةَ وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا انْكَسَرَ مِنَ الْأَغْصَانِ وَانْقَطَعَ مِنَ الشَّجَرِ بِغَيْرِ صُنْعِ آدَمِيٍّ وَلَا بِمَا يَسْقُطُ مِنَ الْوَرَقِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ أَحَدٌ هُوَ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ وَقَولُهُ تَرَخَّصَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّخْصَةِ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي ذِئْبٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَإِنْ تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٌ فَقَالَ أُحِلَّتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا لِي وَلَمْ يَحِلَّهَا لِلنَّاسِ وَفِي مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فَلَا يَسْتَنَّ بِي أَحَدٌ فَيَقُولَ قَتَلَ فِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْفَاعِلُ اللَّهُ وَيُرْوَى بِضَمِّهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ .

     قَوْلُهُ  سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَنَّ مِقْدَارَهَا مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَالَ كُفُّوا السِّلَاحَ إِلَّا خُزَاعَةَ عَنْ بَنِي بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُمْ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ قَالَ كُفُّوا السِّلَاحَ فَلَقِيَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرٍ مِنْ غَدٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَتَلَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ وَرَأَيْتُهُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ قَتْلَ مَنْ أَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِمْ كَابْنِ خَطَلٍ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُبِيحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ الْقِتَالُ خِلَافًا لِمَنْ حَمَلَ قَوْلَهُ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَاحْتَاجَ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ قصَّة بن خَطَلٍ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا أَيِ الْحُكْمُ الَّذِي فِي مُقَابَلَةِ إِبَاحَةِ الْقِتَالِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ لَفْظِ الْإِذْنِ وَقَولُهُ الْيَوْمَ الْمُرَادُ بِهِ الزَّمَنُ الْحَاضِر وَقد بَين غَايَته فِي رِوَايَة بن أَبِي ذِئْبٍ الْمَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَكَذَا فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْآتِي بَعْدَ بَابٍ بِقَوْلِهِ فَهِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

     قَوْلُهُ  فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِد الْغَائِب قَالَ بن جَرِيرٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ قَدْ لَزِمَهُ الْإِبْلَاغُ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِبْلَاغِ الْغَائِبِ عَنْهُمْ إِلَّا وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ فَرْضُ الْعَمَلِ بِمَا أَبْلَغَهُ كَالَّذِي لَزِمَ السَّامِعَ سَوَاءٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ فَائِدَةٌ .

     قَوْلُهُ  فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الْقَائِل وَظَاهر رِوَايَة بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ بَعْضُ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ .

     قَوْلُهُ  لَا يُعِيذُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يُجِيرُ وَلَا يَعْصِمُ .

     قَوْلُهُ  وَلَا فَارًّا بِالْفَاءِ وَتَثْقِيلِ الرَّاءِ أَيْ هَارِبًا وَالْمُرَادُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَتْلِ فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ مُسْتَجِيرًا بِالْحَرَمِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَأَغْرَبَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ فِي سِيَاقِهِ الْحُكْمَ مَسَاقَ الدَّلِيلِ وَفِي تَخْصِيصِهِ الْعُمُومَ بِلَا مُسْتَنَدٍ .

     قَوْلُهُ  بِخُرْبَةٍ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْعِلْمِ وَأَشَارَ بن الْعَرَبِيِّ إِلَى ضَبْطِهِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَبِالزَّايِ بَدَلَ الرَّاءِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ جَعَلَهُ مِنَ الْخِزْيِ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ لَكِنْ لَا تُسَاعِدُ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ لَمَّا حَكَى هَذَا الْوَجْهَ فَأَبْدَلَ الْخَاءَ الْمُعْجَمَةَ جِيمًا جَعَلَهُ مِنَ الْجِزْيَةِ وَذِكْرُ الْجِزْيَةَ وَكَذَا الذَّمُّ بَعْدَ ذِكْرِ الْعِصْيَانِ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ .

     قَوْلُهُ  خُرْبَةٌ بَلِيَّةٌ هُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُصَنِّفُ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَغَازِي فِي آخِرِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُرْبَةُ الْبَلِيَّةُ وَسَبَقَ فِي الْعِلْمِ فِي آخِرِهِ يَعْنِي السَّرِقَةَ وَهِيَ أَحَدُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهَا وَأَصْلُهَا سَرِقَةُ الْإِبِلِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ فِي كُلِّ سَرِقَةٍ وَعَنِ الْخَلِيلِ الْخُرْبَةُ الْفَسَادُ فِي الْإِبِلِ وَقِيلَ الْعَيْبُ وَقِيلَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ الْعَوْرَةُ وَقِيلَ الْفَسَادُ وَبِفَتْحِهِ الْفَعْلَةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْخِرَابَةِ وَهِيَ السَّرِقَةُ وَقَدْ وَهَمَ مَنْ عَدَّ كَلَامَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ هَذَا حَدِيثًا وَاحْتج بِمَا تضمنه كَلَامه قَالَ بن حَزْمٍ لَا كَرَامَةَ لِلَطِيمِ الشَّيْطَانِ يَكُونُ أَعْلَمَ مِنْ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأغْرب بن بَطَّالٍ فَزَعَمَ أَنَّ سُكُوتَ أَبِي شُرَيْحٍ عَنْ جَوَابِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ رَجَعَ إِلَيْهِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ فَقُلْتُ لِعَمْرٍو قَدْ كُنْتُ شَاهِدًا وَكُنْتَ غَائِبًا وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ يُبَلِّغَ شَاهِدُنَا غَائِبَنَا وَقَدْ بَلَّغْتُكَ فَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ وَإِنَّمَا تَرَكَ مُشَاقَقَتَهُ لِعَجْزِهِ عَنْهُ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ قُوَّةِ الشَّوْكَة.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ أَيْضًا لَيْسَ قَوْلُ عَمْرٍو جَوَابًا لِأَبِي شُرَيْحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ مَعَهُ فِي أَنَّ مَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ أَبَا شُرَيْحٍ أَنْكَرَ بَعْثَ عَمْرٍو الْجَيْشَ إِلَى مَكَّةَ وَنَصْبَ الْحَرْبِ عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ وَحَادَ عَمْرٌو عَنْ جَوَابِهِ وَأَجَابَهُ عَنْ غَيْرِ سُؤَالِهِ.
وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَحِدْ فِي جَوَابِهِ وَإِنَّمَا أَجَابَ بِمَا يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ صَحَّ سَمَاعُكَ وَحِفْظُكَ لَكِنَّ الْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْتَهُ خِلَافُ مَا فَهِمْتَهُ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّرَخُّصَ كَانَ بِسَبَبِ الْفَتْحِ وَلَيْسَ بِسَبَبِ قَتْلِ مَنِ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ اسْتَجَارَ بِالْحَرَمِ وَالَّذِي أَنَا فِيهِ مِنَ الْقَبِيلِ الثَّانِي.

قُلْتُ لَكِنَّهَا دَعْوَى مِنْ عَمْرٍو بِغَيْر دَلِيل لِأَن بن الزُّبَيْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ فَعَاذَ بِالْحَرَمِ فِرَارًا مِنْهُ حَتَّى يَصِحَّ جَوَابُ عَمْرٍو نَعَمْ كَانَ عَمْرٌو يَرَى وُجُوبَ طَاعَةِ يَزِيدَ الَّذِي استنابه وَكَانَ يزِيد أَمر بن الزُّبَيْرِ أَنْ يُبَايِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ وَيَحْضُرَ إِلَيْهِ فِي جَامِعَة يعْنى مغلولا فَامْتنعَ بن الزُّبَيْرِ وَعَاذَ بِالْحَرَمِ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ بِذَلِكَ عَائِذُ اللَّهِ وَكَانَ عَمْرٌو يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَاصٍ بِامْتِنَاعِهِ مِنَ امْتِثَالِ أَمْرِ يَزِيدَ وَلِهَذَا صَدَّرَ كَلَامَهُ بِقَوْلِهِ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ مَا ذَكَرَ اسْتِطْرَادًا فَهَذِهِ شُبْهَةُ عَمْرٍو وَهِيَ وَاهِيَةٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي شُرَيْحٍ وَعَمْرٍو فِيهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي بعد بَاب فِي الْكَلَام على حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ إِخْبَارِ الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَقْتَضِي ثِقَتَهُ وَضَبْطَهُ لِمَا سَمِعَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَإِنْكَارُ الْعَالِمِ عَلَى الْحَاكِمِ مَا يُغَيِّرُهُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالْمَوْعِظَةُ بِلُطْفٍ وَتَدْرِيجٍ وَالِاقْتِصَارُ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى اللِّسَانِ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ بِالْيَدِ وَوُقُوعُ التَّأْكِيدِ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَجَوَازُ الْمُجَادَلَةِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَجَوَازُ النَّسْخِ وَأَنَّ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ لَا يَكُونُ فِيهَا مُجْتَهِدٌ حُجَّةً عَلَى مُجْتَهِدٍ وَفِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّبْلِيغِ وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَكَارِهِ لِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً قَالَ النَّوَوِيُّ تَأَوَّلَ مَنْ قَالَ فُتِحَتْ صُلْحًا بِأَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ لَوْ فَعَلَهُ لَكِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْمَغَازِي وَقَدْ تَقَدَّمَتْ تَسْمِيَةُ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فِي قِصَّةِ أَبِي شُرَيْحٍ فِي الْكَلَامِ على حَدِيث أبي هُرَيْرَة