فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الحوالة، وهل يرجع في الحوالة؟

( قَـوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ الْحَوَالَةِ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَزَادَ النَّسَفِيُّ وَالْمُسْتَمْلِي بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ كِتَابُ الْحَوَالَةِ وَالْحَوَالَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّحْوِيلِ أَوْ مِنَ الْحُئُولِ تَقُولُ حَالَ عَنِ الْعَهْدِ إِذَا انْتَقَلَ عَنْهُ حُئُولًا وَهِيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ نَقْلُ دَيْنٍ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ رُخِّصَ فِيهِ فَاسْتُثْنِيَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ أَوْ هِيَ اسْتِيفَاءٌ وَقِيلَ هِيَ عَقْدُ إِرْفَاقٍ مُسْتَقِلٍّ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا رِضَا الْمُحِيلِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُحْتَالِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضٍ شَذَّ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا تَمَاثُلُ الْحَقَّيْنِ فِي الصِّفَاتِ وَأَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مَعْلُومٍ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهَا بِالنَّقْدَيْنِ وَمَنَعَهَا فِي الطَّعَامِ لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى .

     قَوْلُهُ  وَهَلْ يَرْجِعُ فِي الْحَوَالَةِ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى خِلَافٍ فِيهَا هَلْ هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ أَوْ جَائِزٌ .

     قَوْلُهُ  وقَال الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ إِذَا كَانَ أَيِ الْمُحَالُ عَلَيْهِ يَوْمَ أُحَالَ عَلَيْهِ مَلِيًّا جَازَ أَيْ بِلَا رُجُوعٍ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُفْلِسًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَهَذَا الْأَثر أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْأَثْرَمُ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ احْتَالَ عَلَى رَجُلٍ فَأَفْلَسَ قَالَا إِنْ كَانَ مَلِيًّا يَوْمَ احْتَالَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَقَيَّدَهُ أَحْمَدُ بِمَا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُحْتَالُ بِإِفْلَاسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَعَنِ الْحَكَمِ لَا يَرْجِعُ إِلَّا إِذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ يَرْجِعُ بِالْمَوْتِ.
وَأَمَّا بِالْفَلَسِ فَلَا يَرْجِعُ إِلَّا بِمَحْضَرِ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ يَرْجِعُ بِالْفَلَسِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَاشَ أَوْ مَاتَ وَلَا يَرْجِعُ بِغَيْرِ الْفَلَسِ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ لَا يَرْجِعُ إِلَّا إِنْ غَرَّهُ كَأَنْ عَلِمَ فَلَسَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ وَشُرَيْحٌ وَزُفَرُ الْحَوَالَةُ كَالْكَفَالَةِ فَيَرْجِعُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَبِهِ يُشْعِرُ إِدْخَالُ الْبُخَارِيِّ أَبْوَابَ الْكَفَالَةِ فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الرَّجُلِ أَحَلْتُهُ وَأَبْرَأَنِي حَوَّلْتُ حَقَّهُ عَنِّي وَأَثْبَتُّهُ عَلَى غَيْرِي وَذَكَرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ احْتَجَّ لِقَوْلِهِ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَوَالَةِ أَوِ الْكَفَالَةِ يَرْجِعُ صَاحِبُهَا لَا تَوًى أَيْ لَا هَلَاكَ عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ إِسْنَادِهِ فَذَكَرَهُ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ عَنْ آخَرَ مَعْرُوفٍ لَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُثْمَانَ فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مِنْ أَوْجُهٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ إِلَى مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ خُلَيْدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عُثْمَانَ فَالْمَجْهُولُ خُلَيْدٌ وَالِانْقِطَاعُ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ وَعُثْمَانَ وَلَيْسَ الْحَدِيثُ مَعَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَقد شَكَّ رَاوِيهِ هَلْ هُوَ فِي الْحَوَالَةِ أَوِ الْكفَالَة قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاس يتخارج الشريكان الخ وَصله بن أبي شيبَة بِمَعْنَاهُ قَالَ بن التِّينِ مَحَلُّهُ مَا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي مَعَ اسْتِوَاءِ الدَّيْنِ وَقَولُهُ تَوِيَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ هَلَكَ وَالْمُرَادُ أَنْ يُفْلِسَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ يَمُوتُ أَوْ يَجْحَدَ فَيَحْلِفَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ فَفِي كُلِّ ذَلِكَ لَا رُجُوع لمن رَضِي بِالدّينِ قَالَ بن الْمُنِيرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَنْ رَضِيَ بِذَلِكَ فَهَلَكَ فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ كَمَا لَوِ اشْتَرَى عَيْنًا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ وَأَلْحَقَ الْبُخَارِيُّ الْحَوَالَةَ بِذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ إِذَا كَانَ بَيْنَ وَرَثَةٍ أَوْ شُرَكَاءَ مَالٌ وَهُوَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَبَايَعُوهُ بَيْنَهُمْ



[ قــ :2194 ... غــ :2287] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَاهُ همام عَن أبي هُرَيْرَة وَرَوَاهُ بن عُمَرَ وَجَابِرٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  مَطْلُ الْغَنِيّ ظلم فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد عِنْد النَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ الْمَطْلُ ظُلْمُ الْغَنِيِّ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ وَأُطْلِقَ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ عَنِ الْمَطْلِ وَقَدْ رَوَاهُ الْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِنَّ مِنَ الظُّلْمِ مَطْلَ الْغَنِيِّ وَهُوَ يُفَسِّرُ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَصْلُ المطل الْمَدّ قَالَ بن فَارِسٍ مَطَلْتُ الْحَدِيدَةَ أَمْطُلُهَا مَطْلًا إِذَا مَدَدْتُهَا لِتَطُولَ.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِيُّ الْمَطْلُ الْمُدَافَعَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا تَأْخِيرُ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَالْغَنِيُّ مُخْتَلَفٌ فِي تَفْرِيعِهِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ فَأَخَّرَهُ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ وَهَلْ يَتَّصِفُ بِالْمَطْلِ مَنْ لَيْسَ الْقَدْرُ الَّذِي اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حَاضِرًا عِنْدَهُ لَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالتَّكَسُّبِ مَثَلًا أَطْلَقَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمَ الْوُجُوبِ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا وَفَصَلَ آخَرُونَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الدَّيْنِ وَجَبَ بِسَبَبٍ يُعْصَى بِهِ فَيَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَقَولُهُ مَطْلُ الْغَنِيِّ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْفَاعِلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْغَنِيِّ الْقَادِرِ أَنْ يَمْطُلَ بِالدَّيْنِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ وَفَاءُ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّهُ غَنِيًّا وَلَا يَكُونُ غِنَاهُ سَبَبًا لِتَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ فَهُوَ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ أَوْلَى وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا التَّأْوِيل قَوْله فَإِذا أتبع أحدكُم على ملىء فَلْيَتْبَعْ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَاللُّغَةِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْكَانُ الْمُثَنَّاةِ فِي أُتْبِعَ وَفِي فَلْيَتْبَعْ وَهُوَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مِثْلُ إِذَا أُعْلِمَ فَلْيَعْلَمْ تَقُولُ تَبِعْتُ الرَّجُلَ بِحَقِّي أَتْبَعُهُ تَبَاعَةً بِالْفَتْحِ إِذَا طَلَبْتَهُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ أَمَّا أُتْبِعَ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ.
وَأَمَّا فَلْيَتْبَعْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى التَّخْفِيفِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ انْتَهَى وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أُتْبِعَ يَرُدُّهُ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ إِنَّ أَكْثَرَ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَهُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَالصَّوَابُ التَّخْفِيفُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أُتْبِعَ فَلْيَتْبَعْ أَيْ أُحِيلَ فَلْيَحْتَلْ وَقَدْ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِثْلَهُ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ وَأَشَارَ إِلَى تَفَرُّدِ يَعْلَى بِذَلِكَ وَلم يتفرد بِهِ كَمَا ترَاهُ وَرَوَاهُ بن ماجة من حَدِيث بن عُمَرَ بِلَفْظِ فَإِذَا أُحِلْتَ عَلَى مَلِيءٍ فَاتَّبِعْهُ وَهَذَا بِتَشْدِيدِ التَّاءِ بِلَا خِلَافٍ وَالْمَلِيءُ بِالْهَمْزِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُلَاءِ يُقَالُ مَلُؤَ الرَّجُلُ بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ صَارَ مَلِيًّا.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ الْمَلِيُّ كَالْغَنِيِّ لَفْظًا وَمَعْنًى فَاقْتَضَى أَنَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّهُ فِي الْأَصْلِ بِالْهَمْزِ وَمَنْ رَوَاهُ بِتَرْكِهَا فَقَدْ سَهَّلَهُ وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَلْيَتْبَعْ لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَوَهَمَ مَنْ نَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَقِيلَ هُوَ أَمْرُ إِبَاحَةٍ وَإِرْشَادٍ وَهُوَ شَاذٌّ وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَة وَأَبُو ثَوْر وبن جَرِيرٍ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِبَارَةُ الْخِرَقِيِّ وَمَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِيءٍ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَالَ تَنْبِيهٌ ادَّعَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَشْهَرَ فِي الرِّوَايَاتِ وَإِذَا أُتْبِعَ وَأَنَّهُمَا جُمْلَتَانِ لَا تَعَلُّقَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ إِلَّا بِالْوَاوِ وَغَفَلَ عَمَّا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ هُنَا فَإِنَّهُ بِالْفَاءِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ كَالتَّوْطِئَةِ وَالْعِلَّةِ لِقَبُولِ الْحَوَالَةِ أَيْ إِذَا كَانَ الْمَطْلُ ظُلْمًا فَلْيَقْبَلْ مَنْ يَحْتَالُ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنِ الظُّلْمِ فَلَا يَمْطُلَ نَعَمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِالْوَاوِ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ لَكِنْ قَالَ وَمَنْ أُتْبِعَ وَمُنَاسَبَةُ الْجُمْلَةِ لِلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ عَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ لِمَا فِي قَبُولِهَا مِنْ دَفْعِ الظُّلْمِ الْحَاصِلِ بِالْمَطْلِ فَإِنَّهُ قَدْ تَكُونُ مُطَالَبَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ سَهْلَةً عَلَى الْمُحْتَالِ دُونَ الْمُحِيلِ فَفِي قَبُولِ الْحَوَالَةِ إِعَانَةٌ عَلَى كَفِّهِ عَنِ الظُّلْمِ وَفِي الْحَدِيثِ الزَّجْرُ عَنِ الْمَطْلِ وَاخْتُلِفَ هَلْ يُعَدُّ فِعْلُهُ عَمْدًا كَبِيرَةً أَمْ لَا فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ يَفْسُقُ لَكِنْ هَلْ يَثْبُتُ فِسْقُهُ بِمَطْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَمْ لَا قَالَ النَّوَوِيُّ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اشْتِرَاطُ التَّكْرَارِ وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا عَدَمُهُ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ مَنْعَ الْحَقِّ بَعْدَ طَلَبِهِ وَابْتِغَاءِ الْعُذْرِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْغَصْبِ وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ وَتَسْمِيَتُهُ ظُلْمًا يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً والكبيرة لَا يشْتَرط فِيهَا التكرر نَعَمْ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ عُذْرِهِ انْتَهَى وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَفْسُقُ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ الْقُدْرَةِ قَبْلَ الطَّلَبِ أَمْ لَا فَالَّذِي يُشْعِرُ بِهِ حَدِيثُ الْبَابِ التَّوَقُّفُ عَلَى الطَّلَبِ لِأَنَّ الْمَطْلَ يُشْعِرُ بِهِ وَيَدْخُلُ فِي الْمَطْلِ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ كَالزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ وَالسَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَالْحَاكِمِ لِرَعِيَّتِهِ وَبِالْعَكْسِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الْأَدَاءِ لَا يَدْخُلُ فِي الظُّلْمِ وَهُوَ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنِ الذَّاتِ عِنْدَ انْتِفَاءِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ أَجَابَ بِأَنَّ الْعَاجِزَ لَا يُسَمَّى مَاطِلًا وَعَلَى أَنَّ الْغَنِيَّ الَّذِي مَالُهُ غَائِبٌ عَنْهُ لَا يَدْخُلُ فِي الظُّلْمِ وَهَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ الْغَنِيِّ أَوْ لَيْسَ هُوَ فِي الْحُكْمِ بِغَنِيٍّ الْأَظْهَرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ مِنَ الزَّكَاةِ فَلَوْ كَانَ فِي الْحُكْمِ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ أَنَّ الْمُعْسِرَ لَا يُحْبَسُ وَلَا يُطَالَبُ حَتَّى يُوسِرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ جَازَتْ مُؤَاخَذَتُهُ لَكَانَ ظَالِمًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَيْسَ بِظَالِمٍ لِعَجْزِهِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ إِذَا صَحَّتْ ثُمَّ تَعَذَّرَ الْقَبْضُ بِحُدُوثِ حَادِثٍ كَمَوْتٍ أَوْ فَلَسٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْغِنَى فَائِدَةٌ فَلَمَّا شُرِطَتْ عُلِمَ أَنَّهُ انْتَقَلَ انْتِقَالًا لَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا لَوْ عَوَّضَهُ عَنْ دَيْنِهِ بِعِوَضٍ ثُمَّ تَلِفَ الْعِوَضُ فِي يَدِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ.

     وَقَالَ  الْحَنَفِيَّةُ يَرْجِعُ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَشَبَّهُوهُ بِالضَّمَانِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مُلَازَمَةِ الْمُمَاطِلِ وَإِلْزَامِهِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ وَالتَّوَصُّلِ إِلَيْهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَأَخْذِهِ مِنْهُ قَهْرًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ على اعْتِبَار رَضِي الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ دُونَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ يُشْتَرَطُ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّة وَفِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى تَرْكِ الْأَسْبَابِ الْقَاطِعَةِ لِاجْتِمَاعِ الْقُلُوبِ لِأَنَّهُ زَجْرٌ عَنِ الْمُمَاطَلَةِ وَهِيَ تُؤَدّى إِلَى ذَلِك