فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196]

( قَولُهُ بَابُ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي إِلَى قَوْله تَعَالَى حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام)
كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الْوَقْتِ وَسَاقَ فِي طَرِيقِ كَرِيمَةَ مَا بَيْنَ قَوْلِهِ الْهَدْيِ وَقَوْلِهِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَغَرَضُ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ تَفْسِيرُ الْهَدْيِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى فِي صِفَةِ الْحَجِّ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى مِنًى أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ أَحْكَامَ الْهَدْيِ وَالنَّحْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ غَالِبًا بِمِنًى وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَمَنْ تمتّع أَيْ فِي حَالِ الْأَمْنِ لِقَوْلِهِ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمن تمتّع وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي أَنَّ التَّمَتُّعَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُحْصَرِ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ فِي قَوْله فَإِذا أمنتم أَيْ مِنَ الْوَجَعِ وَنَحْوِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالْأَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَمْنُ مِنَ الْخَوْفِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ وَهُمْ خَائِفُونَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَبَيَّنَتْ لَهُمْ مَا يَعْمَلُونَ حَالَ الْحَصْرِ وَمَا يَعْمَلُونَ حَال الْأَمْن



[ قــ :1616 ... غــ :1688] قَوْله أخبرنَا النَّضر هُوَ بن شُمَيْلٍ صَاحِبُ الْعَرَبِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  أَبُو جَمْرَةَ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِهَذَا الْحَدِيثِ طَرِيقٌ فِي آخِرِ بَابِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا بَيَانُ الْهَدْيِ قَوْله وَسَأَلته أَي بن عَبَّاسٍ .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْهَدْيِ فَقَالَ فِيهَا أَيِ الْمُتْعَةِ يَعْنِي يَجِبُ عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ دَمٌ .

     قَوْلُهُ  جَزُورٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّ الزَّايِ أَيْ بَعِيرٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَزْرِ أَيِ الْقَطْعِ وَلَفْظُهَا مُؤَنَّثٌ تَقُولُ هَذِهِ الْجَزُورُ .

     قَوْلُهُ  أَوْ شِرْكٌ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ مُشَارَكَةٌ فِي دَمٍ أَيْ حَيْثُ يُجْزِئُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ عَنْ جَمَاعَةٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ سَوَاءٌ كَانَ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا وَسَوَاءٌ كَانُوا كُلُّهُمْ مُتَقَرِّبِينَ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ التَّقَرُّبَ وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ اللَّحْمَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُشْتَرَطُ فِي الِاشْتِرَاكِ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُتَقَرِّبِينَ بِالْهَدْيِ وَعَنْ زُفَرَ مِثْلُهُ بِزِيَادَةِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابُهُمْ وَاحِدَةً وَعَنْ دَاوُدَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يُجَوِّزُ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَاحْتَجَّ لَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي بِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ إِنَّمَا كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ حَيْثُ كَانُوا مُحْصَرِينَ وَأما حَدِيث بن عَبَّاسٍ فَخَالَفَ أَبَا جَمْرَةَ عَنْهُ ثِقَاتُ أَصْحَابِهِ فَرَوَوْا عَنْهُ أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شَاةٌ ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْهُمْ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ وَقَدْ رَوَى لَيْثٌ عَنْ طَاوُسٍ عَن بن عَبَّاسٍ مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِي جَمْرَةَ وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ دَمًا وَاحِدًا يَقْضِي عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ انْتَهَى وَلَيْسَ بَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي جَمْرَةَ وَرِوَايَةِ غَيْرِهِ مُنَافَاةٌ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِمْ ذِكْرَ الِاشْتِرَاكِ وَوَافَقَهُمْ على ذكر الشَّاة وَإِنَّمَا أَرَادَ بن عَبَّاسٍ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الشَّاةِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ اخْتِصَاصَ الْهَدْيِ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِيمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا وَأما رِوَايَة مُحَمَّد عَن بن عَبَّاسٍ فَمُنْقَطِعَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً احْتمل أَن يكون بن عَبَّاس أخبر أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ حَتَّى صَحَّ عِنْدَهُ النَّقْلُ بِصِحَّةِ الِاشْتِرَاكِ فَأَفْتَى بِهِ أَبَا جَمْرَةَ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الطَّعْنِ فِي رِوَايَةِ مَنْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَالِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَتِهِ وَهُوَ أَبُو جَمْرَة الضبعِي وَقد روى عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى التَّشْرِيكَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَتْهُ السُّنَّةُ قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ عَنِ الشّعبِيّ قَالَ سَأَلت بن عُمَرَ.

قُلْتُ الْجَزُورُ وَالْبَقَرَةُ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ قَالَ يَا شَعْبِيُّ وَلَهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ قَالَ.

قُلْتُ فَإِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ الْجَزُورَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ قَالَ فَقَالَ بن عُمَرَ لِرَجُلٍ أَكَذَلِكَ يَا فُلَانُ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا شَعَرْتُ بِهَذَا.
وَأَمَّا تَأْوِيلُ إِسْمَاعِيلَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهُ كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَلَا يَدْفَعُ الِاحْتِجَاجَ بِالْحَدِيثِ بَلْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ وَنَجْمَعَ النَّفَرَ مِنَّا فِي الْهَدِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ أَصْلِ الِاشْتِرَاكِ وَاتَّفَقَ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي أَكْثَرِ مِنْ سَبْعَةٍ إِلَّا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ تُجْزِئُ عَنْ عَشَرَةٍ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه وبن خُزَيْمَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ فِي صَحِيحِهِ وَقواهُ وَاحْتج لَهُ بن خُزَيْمَةَ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّاةَ لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا وَقَولُهُ أَوْ شَاةٌ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْهُمْ وَرُوِيَا بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ وبن عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ إِلَّا مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَوَافَقَهُمَا الْقَاسِمُ وَطَائِفَةٌ قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ لَهُ أَظُنُّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْبدن جعلناها لكم من شَعَائِر الله فَذَهَبُوا إِلَى تَخْصِيصِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبُدْنِ قَالَ وَيَرُدُّ هَذَا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى هَدْيًا بَالغ الْكَعْبَة وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ فِي الظَّبْيِ شَاةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ هَدْيٍ.

قُلْتُ قَدِ احْتَجَّ بِذَلِكَ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ قَالَ بن عَبَّاسٍ الْهَدْيُ شَاةٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَنا قَرَأَ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا تَقْوَوْنَ بِهِ مَا فِي الظَّبْيِ قَالُوا شَاةٌ قَالَ فَإِنَّ الله تَعَالَى يَقُول هَديا بَالغ الْكَعْبَة .

     قَوْلُهُ  وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ تَفَرَّدَ النَّضْرُ بِقَوْلِهِ مُتْعَةٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ رَوَاهُ عَنْهُ إِلَّا قَالَ عُمْرَةٌ.

     وَقَالَ  أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ كُلُّهُمْ عُمْرَةٌ إِلَّا النَّضْرَ فَقَالَ مُتْعَةٌ.

قُلْتُ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إِلَى هَذَا بِمَا عَلَّقَهُ بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  وقَال آدَمُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَغُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عُمْرَةٌ إِلَخْ أَمَّا طَرِيقُ آدَمَ فَوَصَلَهَا عَنْهُ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ.
وَأَمَّا طَرِيقُ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ فَوَصَلَهَا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ وَهْبٍ.
وَأَمَّا طَرِيقُ غُنْدَرٍ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ عَنْهُ وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى وَبُنْدَارٍ كِلَاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ