فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وصية الرجل مكتوبة عنده»

( قَولُهُ بَابُ الْوَصَايَا)
أَيْ حُكْمِ الْوَصَايَا .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَكَأَنَّهُ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ الْمَرْءَ هُوَ الرَّجُلُ لَكِنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ فِي الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إِسْلَامٌ وَلَا رُشْدٌ وَلَا ثُيُوبَةٌ وَلَا إِذْنُ زَوْجٍ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا الْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ.
وَأَمَّا وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فَفِيهَا خِلَافٌ مَنَعَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَظْهَرِ وَصَحَّحَهَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَول رَجحه بن أَبِي عَصْرُونَ وَغَيْرُهُ وَمَالَ إِلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ الْوَارِثَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الثُّلُثِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ وَصِيَّةِ الْمُمَيِّزِ قَالَ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَعْقِلَ مَا يُوصِي بِهِ وَرَوَى الْمُوَطَّأُ فِيهِ أَثَرًا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ غُلَامٍ لَمْ يَحْتَلِمْ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوِيٌّ فَإِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ وَلَهُ شَاهِدٌ وَقَيَّدَ مَالِكٌ صِحَّتَهَا بِمَا إِذَا عَقَلَ وَلَمْ يَخْلِطْ وَأَحْمَدُ بِسَبْعٍ وَعَنْهُ بِعَشْرٍ .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ للْوَالِدين إِلَى جَنَفًا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلنَّسَفِيِّ الْآيَةَ وَسَاقَ الْبَاقُونَ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ إِلَى غَفُورٍ رَحِيمٍ وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْوَصِيَّةُ وَقْتَ حُضُورِ الْمَوْتِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ مَفْعُولَ كَتَبَ أَوِ الْوَصِيَّةُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لِلْوَالِدَيْنِ وَدَلَّ .

     قَوْلُهُ  إِنْ تَرَكَ خَيْرًا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَالُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يتْرك مَا لَا لَا تُشْرَعُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَالُ الْكَثِيرُ فَلَا تُشْرَعُ لِمَنْ لَهُ مَال قَلِيل قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا الْيَسِيرُ التَّافِهُ مِنَ الْمَالِ أَنَّهُ لَا تُنْدَبُ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَفِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ فَالثَّابِتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ جَعَلَ اللَّهُ الْوَصِيَّةَ حَقًّا فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَدْبِيَّةُ الْوَصِيَّةِ من غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ نَعَمْ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ مِنْهُمْ إِنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا وَالْعِيَالُ كَثِيرًا اسْتُحِبَّ لَهُ تَوْفِرَتُهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَالِ كَأَنْ يُعَيِّنَ مَنْ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِ وَلَدِهِ أَوْ يَعْهَدَ إِلَيْهِمْ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَهَذَا لَا يَدْفَعُ أَحَدٌ نَدْبِيَّتَهُ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْمَالِ الْكَثِيرِ فِي الْوَصِيَّةِ فَعَنْ عَلِيٍّ سَبْعُمِائَةٍ مَالٌ قَلِيلٌ وَعَنْهُ ثَمَانُمِائَةٍ مَال قَلِيل وَعَن بن عَبَّاسٍ نَحْوُهُ وَعَنْ عَائِشَةَ فِيمَنْ تَرَكَ عِيَالًا كَثِيرًا وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ لَيْسَ هَذَا بِمَالٍ كَثِيرٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  جَنَفًا مَيْلًا هُوَ تَفْسِيرُ عَطَاءٍ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ الْجَنَفُ الْعُدُولُ عَنِ الْحَقِّ وَأَخْرَجَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْجَنَفَ الْخَطَأُ وَالْإِثْمَ الْعَمْدُ .

     قَوْلُهُ  مُتَجَانِفٌ مُتَمَايِلٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِأَبِي ذَرٍّ مَائِلٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ .

     قَوْلُهُ  غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ أَيْ غَيْرَ مُنْعَوِجٍ مَائِلٍ لِلْإِثْمِ وَنَقَلَ الطَّبَرِيّ عَن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ أَحدهَا حَدِيث بن عُمَرَ مِنْ وَجْهَيْنِ



[ قــ :2613 ... غــ :2738] .

     قَوْلُهُ  مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَسَقَطَ لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ وَالْوَصْفُ بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ أَوْ ذُكِرَ لِلتَّهْيِيجِ لِتَقَعَ الْمُبَادَرَةُ لِامْتِثَالِهِ لِمَا يَشْعُرُ بِهِ مِنْ نَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَارِكِ ذَلِكَ وَوَصِيَّةُ الْكَافِرِ جَائِزَة فِي الْجُمْلَة وَحكى بن الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ شُرِعَتْ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْكَافِرُ لَا عَمَلَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَالْإِعْتَاقِ وَهُوَ يَصِحُّ مِنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَاللَّهُ أعلم قَوْله شَيْء يُوصي فِيهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مِثْلَ أَيُّوبَ أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ بِلَفْظِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ وَلَهُ مَا يُوصِي فِيهِ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ مَا حَقُّ امْرِئٍ يُؤْمِنُ بِالْوَصِيَّةِ الْحَدِيثَ قَالَ بن عبد الْبر فسره بن عُيَيْنَةَ أَيْ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ اه وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يبيت لَيْلَتَيْنِ الحَدِيث وَذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَن بن عُمَرَ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ وبن عَوْنٍ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ وَذكره بن عبد الْبر من طَرِيق بن عَوْنٍ بِلَفْظِ لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ قَالَ أَبُو عمر لم يُتَابع بن عَوْنٍ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ.

قُلْتُ إِنْ عَنَى عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِهَا فَمُسَلَّمٌ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ عَنَى عَن بن عُمَرَ فَمَرْدُودٌ لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ذِكْرُ مَنْ رَوَاهُ عَن بن عمر أَيْضا بِهَذَا اللَّفْظ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ .

     قَوْلُهُ  لَهُ مَالٌ أَوْلَى عِنْدِي مِنْ قَوْلِ مَنْ رَوَى لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْمَالِ كَذَا قَالَ وَهِيَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِهَا فَرِوَايَةُ شَيْءٍ أَشْمَلُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ مَا يُتَمَوَّلُ وَمَا لَا يُتَمَوَّلُ كَالْمُخْتَصَّاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  يَبِيتُ كَأَنَّ فِيهِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ أَنْ يَبِيتَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ آيَاتِهِ يريكم الْبَرْق الْآيَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَبِيتُ صِفَةً لِمُسْلِمٍ وَبِهِ جَزَمَ الطِّيبِيُّ قَالَ هِيَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ وَقَولُهُ يُوصِي فِيهِ صِفَةُ شَيْءٍ وَمَفْعُولُ يَبِيتُ مَحْذُوف تَقْدِيره آمنا أَو ذَاكِرًا.

     وَقَالَ  بن التِّينِ تَقْدِيرُهُ مَوْعُوكًا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ الْوَصِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَرِيضِ نَعَمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا يُنْدَبُ أَنْ يَكْتُبَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَقَّرَةِ وَلَا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْوَفَاءُ لَهُ عَنْ قُرْبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  لَيْلَتَيْنِ كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَلِأَبِي عَوَانَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَكَأَنَّ ذِكْرَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ لِتَزَاحُمِ أَشْغَالِ الْمَرْءِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهَا فَفُسِحَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ لِيَتَذَكَّرَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ دَال على أَنه للتقريب لَا التَّحْدِيد وَالْمَعْنَى لَا يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَانٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى اغْتِفَارِ الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَكَأَنَّ الثَّلَاثَ غَايَةٌ لِلتَّأْخِيرِ وَلذَلِك قَالَ بن عُمَرَ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ الْمَذْكُورَةِ لَمْ أَبَتْ لَيْلَةً مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا وَوَصِيَّتِي عِنْدِي قَالَ الطِّيبِيُّ فِي تَخْصِيصِ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ بِالذِّكْرِ تَسَامُحٌ فِي إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ زَمَانًا مَا وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ هُوَ الطَّائِفِي عَمَّن عَمْرو هُوَ بن دِينَار عَن بن عُمَرَ يَعْنِي فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ وَرِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ هَذِهِ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ طَرِيقِهِ.

     وَقَالَ  تَفَرَّدَ بِهِ عِمْرَانُ بْنُ أَبَانَ يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعمْرَان أخرج لَهُ النَّسَائِيّ وَضَعفه قَالَ بن عَدِيٍّ لَهُ غَرَائِبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَلَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا وَلَفْظُهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَعَطَاءٌ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ فِي آخَرِينَ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَاخْتَارَهُ أَبُو عوَانَة الاسفرايني وبن جرير وَآخَرُونَ وَنسب بن عَبْدِ الْبَرِّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ إِلَى الْإِجْمَاعِ سِوَى مَنْ شَذَّ كَذَا قَالَ وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصِ لَقُسِّمَ جَمِيعُ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لَأُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ سَهْمٌ يَنُوبُ عَنِ الْوَصِيَّةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَة كَمَا قَالَ بن عَبَّاسٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ السُّدُسَ الْحَدِيثَ وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ الَّذِي نُسِخَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ الَّذِينَ يَرِثُونَ.
وَأَمَّا الَّذِي لَا يَرِثُ فَلَيْسَ فِي الْآيَة وَلَا فِي تَفْسِير بن عَبَّاسٍ مَا يَقْتَضِي النَّسْخَ فِي حَقِّهِ وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا حَقُّ امْرِئٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَزْمُ وَالِاحْتِيَاطُ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ وَهَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْحَقُّ لُغَةً الشَّيْءُ الثَّابِتُ وَيُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُبَاحِ أَيْضًا لَكِنْ بِقِلَّةٍ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ عَلَى أَوْ نَحْوُهَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بَلِ اقْتَرَنَ هَذَا الْحَقُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ وَهُوَ تَفْوِيضُ الْوَصِيَّةِ إِلَى إِرَادَةِ الْمُوصِي حَيْثُ قَالَ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا عَلَّقَهَا بِإِرَادَتِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الرِّوَايَةِ الَّتِي بِلَفْظِ لَا يَحِلُّ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَاوِيهَا ذَكَرَهَا وَأَرَادَ بِنَفْيِ الْحِلِّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ فَأَكْثَرُهُمْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَعَنْ طَاوُسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِي آخَرِينَ تَجِبُ لِلْقَرَابَةِ الَّذين لَا يَرِثُونَ خَاصَّة أخرجه بن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ قَالُوا فَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَتِهِ لَمْ تَنْفُذْ وَيُرَدُّ الثُّلُثُ كُلُّهُ إِلَى قَرَابَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ثُلُثَا الثُّلُثِ.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَأَقْوَى مَا يَرِدُ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حَصِينٍ فِي قِصَّةِ الَّذِي أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً قَالَ فَجَعَلَ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةً وَلَا يُقَالُ لَعَلَّهُمْ كَانُوا أَقَارِبَ الْمُعْتِقِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ تَكُنْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تَمْلِكَ مَنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ وَإِنَّمَا تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ أَوْ كَانَ مِنَ الْعَجَمِ فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ لَبَطَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ قَوِيٌّ وَالله أعلم وَنقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ يَخْتَصُّ بِمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ يَخْشَى أَنْ يَضِيعَ عَلَى صَاحِبِهِ إِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ كَوَدِيعَةٍ وَدَيْنٍ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى قُدْرَتِهِ عَلَى تَنْجِيزِهِ وَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ سَاغَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ بِهِ سَاغَ لَهُ وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إِنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِعَيْنِهَا وَإِنَّ الْوَاجِبَ لِعَيْنِهِ الْخُرُوجُ مِنَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لِلْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِتَنْجِيزٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَنْجِيزِ مَا عَلَيْهِ وَكَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَثْبُتُ الْحَقُّ بِشَهَادَتِهِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ قَادِرًا أَوْ عَلِمَ بِهَا غَيْرُهُ فَلَا وُجُوبَ وَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً فِيمَنْ رَجَا مِنْهَا كَثْرَةَ الْأَجْرِ وَمَكْرُوهَةً فِي عَكْسِهِ وَمُبَاحَةً فِيمَنِ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ وَمُحَرَّمَةً فِيمَا إِذَا كَانَ فِيهَا إِضْرَارٌ كَمَا ثَبَتَ عَن بن عَبَّاسٍ الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَرِجَاله ثِقَات وَاحْتج بن بطال تبعا لغيره بِأَن بن عُمَرَ لَمْ يُوصِ فَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لَمَا تَرَكَهَا وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِك إِن ثَبت عَن بن عُمَرَ فَالْعِبْرَةُ بِمَا رَوَى لَا بِمَا رَأَى عَلَى أَنَّ الثَّابِتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَبَتْ لَيْلَةً إِلَّا وَوَصِيَّتِي مَكْتُوبَةٌ عِنْدِي وَالَّذِي احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَلَا تُوصِي قَالَ أَمَّا مَالِي فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ فِيهِ.
وَأَمَّا رِبَاعِي فَلَا أُحِبُّ أَن يُشَارك وَلَدي فِيهَا أحد أخرجه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِالْحَمْلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَصِيَّتَهُ وَيَتَعَاهَدُهَا ثُمَّ صَارَ يُنَجِّزُ مَا كَانَ يُوصِي بِهِ مُعَلَّقًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا كُنْتُ أَصْنَعُ فِي مَالِي وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُهُ الَّذِي سَيَأْتِي فِي الرِّقَاقِ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ الْحَدِيثَ فَصَارَ يُنَجِّزُ مَا يُرِيدُ التَّصَدُّقَ بِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَعْلِيقٍ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْوَصَايَا أَنَّهُ وَقَفَ بَعْضَ دُورِهِ فَبِهَذَا يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ وَخَصَّ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ لِثُبُوتِ الْخَبَرِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ ذُكِرَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَبْطِ الْمَشْهُودِ بِهِ قَالُوا وَمَعْنَى وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ أَيْ بِشَرْطِهَا.

     وَقَالَ  الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ إِضْمَارُ الْإِشْهَادِ فِيهِ بُعْدٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ بِأَمْرٍ خَارِجٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ فِي الْوَصِيَّةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ ذِكْرُ الْكِتَابَةِ مُبَالَغَةٌ فِي زِيَادَةِ التَّوَثُّقِ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّةُ الْمَشْهُودُ بِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تنفذ وَأَن كَانَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ وَارْتَجَعَهَا وَفِي الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ لِابْنِ عُمَرَ لِمُبَادَرَتِهِ لِامْتِثَالِ قَوْلِ الشَّارِعِ وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى التَّأَهُّبِ لِلْمَوْتِ وَالِاحْتِرَازِ قَبْلَ الْفَوْتِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْرِي مَتَى يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سِنٍّ يُفْرَضُ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فِيهِ جَمْعٌ جَمٌّ وَكُلُّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ جَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ فِي الْحَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَهِّبًا لِذَلِكَ فَيكْتب وَصِيَّتَهُ وَيَجْمَعَ فِيهَا مَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْأَجْرُ وَيُحْبِطُ عَنْهُ الْوِزْرَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ لَهُ شَيْءٌ أَوْ لَهُ مَالٌ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بالمنافع وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَمنعه بن أبي ليلى وبن شبْرمَة وَدَاوُد وَأَتْبَاعه وَاخْتَارَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَمُطْلَقُهَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ لَكِنَّ السَّلَفَ خَصُّوهَا بِالْمَرِيضِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ فِي الْخَبَرِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ وَقَولُهُ مَكْتُوبَةٌ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِخَطِّهِ أَوْ بِغَيْرِ خَطِّهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُهِمَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تُضْبَطَ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ مِنَ الضَّبْطِ بِالْحِفْظِ لِأَنَّهُ يَخُونُ غَالِبًا الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :614 ... غــ :739] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ هُوَ بَغْدَادِيٌّ سَكَنَ نَيْسَابُورَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَشَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ وَأَدَاةُ الْكُنْيَةِ هُوَ الْكَرْمَانِيُّ وَلَيْسَ هُوَ يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ الْمِصْرِيَّ صَاحِبَ اللَّيْثِ وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ هُوَ الْخُزَاعِيُّ الْمُصْطَلِقِيُّ أَخُو جُوَيْرِيَةَ بِالْجِيمِ وَالتَّصْغِيرِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ أَبِي إِسْحَاقَ لَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فِي الْخُمُسِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً أَيْ فِي الرِّقِّ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ ذُكِرَ مِنْ رَقِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْأَخْبَارِ كَانَ إِمَّا مَاتَ وَإِمَّا أَعْتَقَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَى أَن مَارِيَة وَالِدَة إِبْرَاهِيم بن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا مَاتَتْ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا شَيْئًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَا شَاةً وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهِيَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرٍ نَعَمْ رَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً سَيَأْتِي ذِكْرُ الْبَغْلَةِ وَالسِّلَاحِ فِي آخِرِ الْمَغَازِي.
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي وَأَرْضًا جَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيل صَدَقَة قَالَ بن الْمُنِيرِ أَحَادِيثُ الْبَابِ مُطَابِقَةٌ لِلتَّرْجَمَةِ إِلَّا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ لِلْوَصِيَّةِ ذِكْرٌ قَالَ لَكِنَّ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُوصًى بِهَا فَتُطَابِقُ التَّرْجَمَةَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ انْتَهَى وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَحْصُلُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَصَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْوَقْفِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِبَقَائِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ قَصَدَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي هُوَ شَبِيهُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وَإِسْنَادُهُ كُلُّهُ كوفيون وَقَوله





[ قــ :615 ... غــ :740] حَدثنَا مَالك هُوَ بن مِغْوَلٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ شَيْخَ الْبُخَارِيِّ لَمْ يَنْسُبْهُ فَلذَلِك قَالَ البُخَارِيّ هُوَ بن مَغُولٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ مَالِكَ بْنَ مَغُولٍ تَفَرَّدَ بِهِ .

     قَوْلُهُ  هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى فَقَالَ لَا هَكَذَا أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ وَصِيَّةٍ خَاصَّةٍ فَلِذَلِكَ سَاغَ نَفْيُهَا لَا أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  أَوْ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي هَلْ قَالَ كَيْفَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ أَوْ قَالَ كَيْفَ أُمِرُوا بِهَا زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُوصِ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الِاعْتِرَاضُ أَيْ كَيْفَ يُؤْمَرُ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ وَلَا يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ لَعَلَّ بن أَبِي أَوْفَى أَرَادَ لَمْ يُوصِ بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بَعْدَهُ مَالًا.
وَأَمَّا الْأَرْضُ فَقَدْ سَبَّلَهَا فِي حَيَاتِهِ.
وَأَمَّا السِّلَاحُ وَالْبَغْلَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّهَا لَا تُورَثُ عَنْهُ بَلْ جَمِيعُ مَا يَخْلُفُهُ صَدَقَةٌ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُوصِي بِهِ مِنَ الْجِهَةِ الْمَالِيَّةِ.
وَأَمَّا الْوَصَايَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يرد بن أَبِي أَوْفَى نَفْيَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْفِيُّ وَصِيَّتَهُ إِلَى عَلِيٍّ بِالْخِلَافَةِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي بَعْدَهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ شيخ البُخَارِيّ فِيهِ وَكَذَلِكَ عِنْد بن مَاجَهْ وَأَبِي عَوَانَةَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ طَلْحَةُ فَقَالَ هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ أَبُو بَكْرٍ كَانَ يَتَأَمَّرُ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ وَدَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ وَجَدَ عَهْدًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَزَمَ أَنْفَهُ بِخِزَامٍ وَهُزَيْلٌ هَذَا بِالزَّايِ مُصَغَّرٌ أَحَدُ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَمِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْحَدِيثِ قَرِينَةٌ تُشْعِرُ بِتَخْصِيصِ السُّؤَالِ بِالْوَصِيَّةِ بِالْخِلَافَةِ وَنَحْوِ ذَلِك لَا مُطلق الْوَصِيَّة قلت أخرج بن حبَان الحَدِيث من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ بِلَفْظٍ يُزِيلُ الاشكال فَقَالَ سُئِلَ بن أَبِي أَوْفَى هَلْ أَوْصَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا تَرَكَ شَيْئًا يُوصِي فِيهِ قِيلَ فَكَيْفَ أُمِرَ النَّاسُ بِالْوَصِيَّةِ وَلَمْ يُوصِ قَالَ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ اسْتِبْعَادُ طَلْحَةَ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فَلَوْ أَرَادَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ لَخَصَّهُ بِهِ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةَ وَأُمِرُوا بِهَا فَكَيْفَ لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعِ التَّقْيِيدِ قَالَ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ بن أَبِي أَوْفَى وَطَلْحَةَ بْنَ مُصَرِّفٍ كَانَا يَعْتَقِدَانِ أَن الْوَصِيَّة وَاجِبَة كَذَا قَالَ وَقَول بن أَبِي أَوْفَى أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ أَيْ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ.
وَأَمَّا مَا صَحَّ فِي مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ لَا يَبْقَيَنَّ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ وَفِي لَفْظٍ أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَولُهُ أَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّاوِي الثَّالِثَةَ وَكَذَا مَا ثَبَتَ فِي النَّسَائِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُمْكِنُ حصرها بالتتبع فَالظَّاهِر أَن بن أَبِي أَوْفَى لَمْ يُرِدْ نَفْيَهُ وَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِكِتَابِ اللَّهِ لِكَوْنِهِ أَعْظَمَ وَأَهَمَّ وَلِأَنَّ فِيهِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ إِمَّا بِطَرِيقِ النَّصِّ وَإِمَّا بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ فَإِذَا اتَّبَعَ النَّاسُ مَا فِي الْكِتَابِ عَمِلُوا بِكُلِّ مَا أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ الْآيَةَ أَوْ يَكُونُ لَمْ يَحْضُرْ شَيْئًا مِنَ الْوَصَايَا الْمَذْكُورَةِ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهَا حَالَ قَوْلِهِ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِالنَّفْيِ الْوَصِيَّةَ بِالْخِلَافَةِ أَوْ بِالْمَالِ وَسَاغَ إِطْلَاقُ النَّفْيِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَبِقَرِينَةِ الْحَالِ.
وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادر عرفا وَقد صَحَّ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يوص أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنهُ مَعَ أَن بن عَبَّاسٍ هُوَ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى بِثَلَاثٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ أَمَرَ بِذَلِكَ وَأَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ مَا قَالَ وَتَكَلَّفُهُ ثُمَّ قَالَ أَوِ الْمَنْفِيُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ أَوِ الْإِمَامَةُ وَالْمُثْبَتُ الْوَصِيَّةُ بِكِتَابِ اللَّهِ أَيْ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ انْتَهَى وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ





[ قــ :616 ... غــ :741] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ هُوَ النَّيْسَابُورِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَزُرَارَةُ بِضَمِّ الزَّايِ.
وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ زُرَارَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ فَهُوَ بَغْدَادِيٌّ وَلَمْ يُخَرِّجْ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ شَيْئًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ بَدَلَ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ زُرَارَةَ يَعْنِي الرَّقِّيَّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ لَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ فِي شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ زُرَارَةَ الثَّغْرِيَّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْكَلَابَاذِيُّ وَلَا الْحَاكِمُ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخعِيّ وَالْأسود هُوَ بن يَزِيدَ خَالُهُ .

     قَوْلُهُ  ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ وَصِيًّا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَانَتْ الشِّيعَةُ قَدْ وَضَعُوا أَحَادِيثَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى بِالْخِلَافَةِ لِعَلِيٍّ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُمْ فَمِنْ ذَلِكَ مَا اسْتَدَلَّتْ بِهِ عَائِشَةُ كَمَا سَيَأْتِي وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلَا بَعْدَ أَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ من الصَّحَابَة يَوْم السَّقِيفَة وَهَؤُلَاء تَنَقَّصُوا عَلِيًّا مِنْ حَيْثُ قَصَدُوا تَعْظِيمَهُ لِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ مَعَ شَجَاعَتِهِ الْعُظْمَى وَصَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ وَالتَّقِيَّةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ طَلَبِ حَقِّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَهَا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْخِلَافَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَلِذَلِكَ سَاغَ لَهَا إِنْكَارُ ذَلِكَ وَاسْتَنَدَتْ إِلَى مُلَازَمَتِهَا لَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي حِجْرِهَا وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَسَاغَ لَهَا نَفْيُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُنْحَصِرًا فِي مَجَالِسَ مُعَيَّنَةٍ لَمْ تَغِبْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا وَقَدْ أخرج أَحْمد وبن مَاجَهْ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَصَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَرْقَمَ بن شُرَحْبِيل عَن بن عَبَّاسٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ فِيهِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُوصِ وَسَيَأْتِي فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ عَنْ عُمَرَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ الْإِمَارَةِ شَيْئًا الْحَدِيثَ.
وَأَمَّا الْوَصَايَا بِغَيْرِ الْخِلَافَةِ فَوَرَدَتْ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ يَجْتَمِعُ مِنْهَا أَشْيَاءُ مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ فِي الزّهْد وبن سعد فِي الطَّبَقَات وبن خُزَيْمَةَ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَا فعلت الذهيبة قلت عِنْدِي فَقَالَ أنفقيها الحَدِيث وَأخرج بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَزَادَ فِيهِ ابْعَثِي بِهَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا وَفِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ رِوَايَةَ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْهُ حَدَّثَنِي صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ لَمْ يُوصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا بِثَلَاثٍ لِكُلٍّ مِنَ الداريين والرهاويين والأشعريين بحاد مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ وَأَنْ لَا يُتْرَكَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ وَأَنْ يُنْفَذَ بَعْثُ أُسَامَة وَأخرج مُسلم فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَأَوْصَى بِثَلَاثٍ أَنْ تُجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كنت أجيزهم الحَدِيث وَفِي حَدِيث بن أَبِي أَوْفَى الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَأحمد وبن سَعْدٍ وَاللَّفْظُ لَهُ كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَلَهُ شَاهِدٌ من حَدِيث عَليّ عِنْد أبي دَاوُد وبن مَاجَهْ وَآخَرُ مِنْ رِوَايَةِ نُعَيْمِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَدُّوا الزَّكَاةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ شَاهِدٌ آخَرُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَأَخْرَجَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي الْفُتُوحِ مِنْ طَرِيقِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ مِنَ الْفِتَنِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلُزُومَ الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ وَأَخْرَجَ الْوَاقِدِيُّ مِنْ مُرْسَلِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْصَى فَاطِمَةَ فَقَالَ قُولِي إِذَا مُتُّ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنَا يَعْنِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَقَالَ أُوصِيكُمْ بِالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَبْنَائِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ.

     وَقَالَ  لَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ تَفَرَّدَ بِهِ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ انْتَهَى وَفِيهِ مَنْ لَا يعرف حَاله وَفِي سنَن بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَنَا مُتُّ فَغَسِّلُونِي بِسَبْعِ قِرَبٍ مِنْ بِئْرِ غَرْسٍ وَكَانَتْ بِقُبَاءٍ وَكَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا وَسَيَأْتِي ضَبْطُهَا وَزِيَادَةٌ فِي حَالِهَا فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ أَرْسَالًا بِغَيْرِ إِمَامٍ وَمِنْ أَكَاذِيبِ الرَّافِضَةِ مَا رَوَاهُ كَثِيرُ بْنُ يَحْيَى وَهُوَ مِنْ كِبَارِهِمْ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَجْلَحِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ قِصَّةً طَوِيلَةً فِيهَا فَدَخَلَ عَلِيٌّ فَقَامَتْ عَائِشَةُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِأَلْفِ بَابٍ مِمَّا يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَفْتَحُ كُلُّ بَابٍ مِنْهَا أَلْفَ بَابٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ وَله طَرِيق أُخْرَى مَوْصُولَة عِنْد بن عَدِيٍّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِسَنَدٍ وَاهٍ وَقَوْلُهَا انْخَنَثَ بِالنُّونِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ نُونٍ مُثَلَّثَةٍ أَيِ انْثَنَى وَمَالَ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْحِهِ فِي بَابِ الْوَفَاةِ مِنْ آخِرِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى