فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يقول بعد التكبير

قَوْله بَاب مَا يَقُول بعد التَّكْبِير ف)
ي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بَابُ مَا يَقْرَأُ بَدَلَ مَا يَقُولُ وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَاسْتَشْكَلَ إِيرَادَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذْ لَا ذِكْرَ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ ضَمَّنَ قَوْلَهُ مَا يَقْرَأُ مَا يَقُولُ مِنَ الدُّعَاءِ قَوْلًا مُتَّصِلًا بِالْقِرَاءَةِ أَوْ لَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ وَالْقِرَاءَةُ يُقْصَدُ بِهِمَا التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى اسْتَغْنَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ كَمَا جَاءَ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاء بَارِدًا.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ يَتَضَمَّنُ مُنَاجَاةَ الرَّبِّ وَالْإِقْبَالَ عَلَيْهِ بِالسُّؤَالِ وَقِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ تَتَضَمَّنُ هَذَا الْمَعْنَى فَظَهَرَتِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ



[ قــ :722 ... غــ :743] .

     قَوْلُهُ  كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ أَيِ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَالْجَوْزَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُمَرَ الدَّوْرِيِّ وَهُوَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظٍ كَانُوا يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ وَذَكَرَ أَنَّهَا أَبْيَنُ مِنْ رِوَايَة حَفْص بن عمر قَوْله بِالْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْحِكَايَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ فَقِيلَ الْمَعْنَى كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِالْفَاتِحَةِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ أَثْبَتَ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا إِنَّمَا تُسَمَّى الْحَمْدَ فَقَطْ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْحَصْرِ وَمُسْتَنَدُهُ ثُبُوتُ تَسْمِيَتِهَا بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَخْرَجَهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ الْمَعْنَى كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ نَفَى قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِالْحَمْدِ أَنَّهُمْ لَمْ يقرؤا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سِرًّا وَقَدْ أَطْلَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ السُّكُوتَ عَلَى الْقِرَاءَةِ سِرًّا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ شُعْبَةَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَرَوَاهُ آخَرُونَ عَنْهُ بِلَفْظِ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُمَرَ الدَّوْرِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بِاللَّفْظَيْنِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَثْبَتِ أَصْحَابِ شُعْبَةَ وَلَا يُقَالُ هَذَا اضْطِرَابٌ مِنْ شُعْبَةَ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ عَنْهُ بِاللَّفْظَيْنِ فَأخْرجهُ البُخَارِيّ فِي جُزْء الْقِرَاءَة وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ وَهَؤُلَاءِ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ وَالْبُخَارِيُّ فِيهِ وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَالْبُخَارِيُّ فِيهِ وَالسَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظِ لَمْ يَكُونُوا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقَدْ قَدَحَ بَعْضُهُمْ فِي صِحَّتِهِ بِكَوْنِ الْأَوْزَاعِيِّ رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ مُكَاتَبَةً وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيِّ وَالسَّرَّاجُ عَنْ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ فَلَمْ يَكُونُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ شُعْبَةُ.

قُلْتُ لِقَتَادَةَ سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ نَحْنُ سَأَلْنَاهُ لَكِنَّ هَذَا النَّفْيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُمُ الْبَسْمَلَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَهَا سِرًّا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ بِلَفْظِ فَلَمْ يَكُونُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بن أبي عرُوبَة عِنْد النَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ وَهَمَّامٌ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَشَيْبَانُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وبن حِبَّانَ وَشُعْبَةُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْهُ عِنْدَ أَحْمَدَ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ وَلَا يُقَالُ هَذَا اضْطِرَابٌ مِنْ قَتَادَةَ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَنَسٍ عَنْهُ كَذَلِكَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَالسَّرَّاجُ وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَالسَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَالْبُخَارِيُّ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَنَسٍ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط من طَرِيق إِسْحَاق أَيْضا وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق مَنْصُور بن زَاذَان وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ والطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَعَامَةَ كُلُّهُمْ عَنْ أَنَسٍ بِاللَّفْظِ النَّافِي لِلْجَهْرِ فَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ حَمَلُ نَفْيِ الْقِرَاءَةِ عَلَى نَفْيِ السَّمَاعِ وَنَفْيِ السَّمَاعِ عَلَى نَفْيِ الْجَهْرِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ فَلَمْ يُسْمِعْنَا قِرَاءَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَة الْحسن عَن أنس عِنْد بن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ كَانُوا يُسِرُّونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَانْدَفَعَ بِهَذَا تَعْلِيلُ مَنْ أَعَلَّهُ بِالِاضْطِرَابِ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَنَّ الْجَمْعَ إِذَا أَمْكَنَ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَدَحَ فِي صِحَّتِهِ بِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ سَأَلَ أَنَسًا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ إِنَّكَ لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ وَلَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ وَدَعْوَى أَبِي شَامَةَ أَنَّ أَنَسًا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ سُؤَالَيْنِ فَسُؤَالُ أَبِي سَلَمَةَ هَلْ كَانَ الِافْتِتَاحُ بِالْبَسْمَلَةِ أَوِ الْحَمْدَلَةِ وَسُؤَالُ قَتَادَةَ هَلْ كَانَ يَبْدَأُ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ قَتَادَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ نَحْنُ سَأَلْنَاهُ انْتَهَى فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ أَحْمَدَ رَوَى فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ سُؤَالَ قَتَادَةَ نَظِيرُ سُؤَالِ أَبِي سَلَمَةَ وَالَّذِي فِي مُسْلِمٍ إِنَّمَا قَالَهُ عَقِبَ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُسْلِمٌ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ بَيَّنَهَا أَبُو يَعْلَى وَالسَّرَّاجُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَاتِهِمُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنِ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ بِالْبَسْمَلَةِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِك رِوَايَة بن الْمُنْذر من طَرِيقِ أَبِي جَابِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا أَيَقْرَأُ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَمْ أَسْمَعَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَظَهَرَ اتِّحَادُ سُؤَالِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَتَادَةَ وَغَايَتُهُ أَنَّ أَنَسًا أَجَابَ قَتَادَةَ بِالْحُكْمِ دُونَ أَبِي سَلَمَةَ فَلَعَلَّهُ تَذَكَّرَهُ لَمَّا سَأَلَهُ قَتَادَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ أَوْ قَالَهُ لَهُمَا مَعًا فَحَفِظَهُ قَتَادَةُ دُونَ أَبِي سَلَمَةَ فَإِنَّ قَتَادَةَ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ بِلَا نِزَاعٍ وَإِذَا انْتَهَى الْبَحْثُ إِلَى أَنَّ مُحَصَّلَ حَدِيثِ أَنَسٍ نَفْيُ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ فَمَتَى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِيهَا إِثْبَات الْجَهْر قدمت على نَفْيه لَا لِمُجَرَّدِ تَقْدِيمِ رِوَايَةِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي لِأَنَّ أَنَسًا يَبْعُدُ جِدًّا أَنْ يَصْحَبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ يَصْحَبُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمُ الْجَهْرَ بِهَا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ لِكَوْنِ أَنَسٍ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ لَا يَحْفَظُ هَذَا الْحُكْمَ كَأَنَّهُ لِبُعْدِ عَهْدِهِ بِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ مِنْهُ الْجَزْمَ بِالِافْتِتَاحِ بِالْحَمْدُ جَهْرًا وَلَمْ يَسْتَحْضِرِ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ فَيَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِحَدِيثِ مَنْ أَثْبَتَ الْجَهْرَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ إِن شَاءَ الله قَرِيبا وَترْجم لَهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ إِبَاحَةُ الْإِسْرَارِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي إِبَاحَتِهِ بَلْ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى تَرْكِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي بَعْدَهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِهِ وَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ بَيَانُ مَا يَفْتَتِحُ بِهِ الْقِرَاءَةَ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِنَفْيِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ تَنْبِيهٌ وَقَعَ ذِكْرُ عُثْمَانَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ وَهِشَامٍ والْأَوْزَاعِيِّ وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى رِوَايَتِهِمْ فِيمَا تَقَدَّمَ





[ قــ :73 ... غــ :744] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو زرْعَة هُوَ بن عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ .

     قَوْلُهُ  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْكُتُ ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ السُّكُوتِ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الْإِسْكَاتِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ تَكَلَّمَ الرَّجُلُ ثُمَّ سَكَتَ بِغَيْرِ أَلِفٍ فَإِذَا انْقَطَعَ كَلَامُهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ.

قُلْتُ أَسْكَتَ .

     قَوْلُهُ  إِسْكَاتَةً بِكَسْرِ أَوَّلِهِ بِوَزْنِ إِفْعَالَةٍ مِنَ السُّكُوتِ وَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ الشَّاذَّةِ نَحْوُ أُثْبِتُهُ إِثْبَاتَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ سُكُوتٌ يَقْتَضِي بَعْدَهُ كَلَامًا مَعَ قِصَرِ الْمُدَّةِ فِيهِ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ السُّكُوتَ عَنِ الْجَهْرِ لَا عَنْ مُطْلَقِ الْقَوْلِ أَوِ السُّكُوتَ عَنِ الْقِرَاءَةِ لَا عَنِ الذِّكْرِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً هَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ بِالظَّنِّ وَرَوَاهُ جَرِيرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيره وبن فُضَيْل عِنْد بن مَاجَهْ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ سَكَتَ هُنَيَّةً بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ عَبْدِ الْوَاحِدِ لِوُقُوعِ التَّصْرِيحِ بِالتَّحْدِيثِ فِيهَا فِي جَمِيعِ الْإِسْنَادِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ بَدَلَ إِسْكَاتَةٍ هُنَيَّةً.

قُلْتُ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكَّ هَلْ وَصَفَ الْإِسْكَاتَةَ بِكَوْنِهَا هُنَيَّةً أَمْ لَا وَهُنَيَّةٌ بِالنُّونِ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ وَهُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ رُوَاةِ مُسْلِمٍ قَالُوهُ بِالْهَمْزَةِ.
وَأَمَّا النَّوَوِيُّ فَقَالَ الْهَمْزُ خَطَأٌ قَالَ وَأَصْلُهُ هَنْوَةٌ فَلَمَّا صُغِّرَ صَارَ هُنَيْوَةً فَاجْتَمَعَتْ وَاوٌ وَيَاءٌ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ قَالَ غَيْرُهُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إِجَازَةَ الْهَمْزِ فَقَدْ تُقْلَبُ الْيَاءُ هَمْزَةً وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَيْهَةً بِقَلْبِهَا هَاءً وَهِيَ رِوَايَةُ إِسْحَاقَ وَالْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ جَرِيرٍ .

     قَوْلُهُ  بِأَبِي وَأُمِّي الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفِ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ وَالتَّقْدِيرُ أَنْتَ مَفْدِيٌّ أَوْ أَفْدِيكَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ ذَلِكَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  إِسْكَاتُكَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ.

     وَقَالَ  الْمُظَهَّرِيُّ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ أَسْأَلُكُ إسْكَاتَكَ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ انْتَهَى وَالَّذِي فِي رِوَايَتِنَا بِالرَّفْعِ لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ السِّينِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ مَا تَقُولُ فِي سَكْتَتِكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَلِمُسْلِمٍ أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ وَكُلُّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا لِكَوْنِهِ قَالَ مَا تَقُولُ وَلَمْ يَقُلْ هَلْ تَقُولُ نَبَّهَ عَلَيْهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ وَلَعَلَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَصْلِ الْقَوْلِ بِحَرَكَةِ الْفَمِ كَمَا اسْتَدَلَّ غَيْرُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِاضْطِرَابِ اللِّحْيَةِ.

قُلْتُ وَسَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ خباب بعد بَاب وَنقل بن بَطَّالٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ السَّكْتَةِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ فِيهَا الْفَاتِحَةَ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ فِي الْجَوَابِ أَسْكُتُ لِكَيْ يقْرَأ من خَلْفي ورده بن الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ أَخْبَرَهُ بِصِفَةِ مَا يَقُولُ أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبُ السُّكُوتِ مَا ذَكَرَ انْتَهَى وَهَذَا النَّقْلُ مِنْ أَصْلِهِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا أَنَّ الْغَزَالِيَّ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ إِنَّ الْمَأْمُومَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إِذَا اشْتَغَلَ الْإِمَامُ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَخُولِفَ فِي ذَلِكَ بَلْ أَطْلَقَ الْمُتَوَلِّيُّ وَغَيْرُهُ كَرَاهَةَ تَقْدِيمِ الْمَأْمُومِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْإِمَامِ وَفِي وَجْهٍ إِنْ فَرَغَهَا قَبْلَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقْرَؤُهَا إِذَا سَكَتَ الْإِمَامُ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقُولُ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ كَمَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ وَالسَّكْتَةُ الَّتِي بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ ثَبَتَ فِيهَا حَدِيثُ سَمُرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  بَاعِدْ الْمُرَادُ بِالْمُبَاعَدَةِ مَحْوُ مَا حَصَلَ مِنْهَا وَالْعِصْمَةُ عَمَّا سَيَأْتِي مِنْهَا وَهُوَ مَجَازٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُبَاعَدَةِ إِنَّمَا هِيَ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمَوْقِعُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْتِقَاءَ الْمشرق وَالْمغْرب مُسْتَحِيل فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن لَا يَبْقَى لَهَا مِنْهُ اقْتِرَابٌ بِالْكُلِّيَّةِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ كَرَّرَ لَفْظَ بَيْنَ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ يُعَادُ فِيهِ الْخَافِضُ .

     قَوْلُهُ  نَقِّنِي مَجَازٌ عَنْ زَوَالِ الذُّنُوبِ وَمَحْوِ أَثَرِهَا وَلَمَّا كَانَ الدَّنَسُ فِي الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ أَظْهَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَلْوَانِ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهِ قَالَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ .

     قَوْلُهُ  بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ ذِكْرُ الثَّلْجِ وَالْبَرَدَ تَأْكِيدٌ أَوْ لِأَنَّهُمَا مَا آن لَمْ تَمَسَّهُمَا الْأَيْدِي وَلَمْ يَمْتَهِنْهُمَا الِاسْتِعْمَالُ.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْ غَايَةِ الْمَحْوِ فَإِنَّ الثَّوْبَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مُنَقِّيَةٌ يَكُونُ فِي غَايَةِ النَّقَاءِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَجَازٌ عَنْ صِفَةٍ يَقَعُ بِهَا الْمَحْوُ وَكَأَنَّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لنا وارحمنا وَأَشَارَ الطِّيبِيُّ إِلَى هَذَا بَحْثًا فَقَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مِنْ ذِكْرِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ بَعْدَ الْمَاءِ شُمُولَ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ بَعْدَ الْعَفْوِ لِإِطْفَاءِ حَرَارَةِ عَذَابِ النَّارِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ مْ بَرَّدَ اللَّهُ مَضْجَعَهُ أَيْ رَحِمَهُ وَوَقَاهُ عَذَابَ النَّارِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ وُرُودُ وَصْفِ الْمَاءِ بِالْبُرُودَةِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْخَطَايَا بِمَنْزِلَةِ جَهَنَّمَ لِكَوْنِهَا مُسَبَّبَةً عَنْهَا فَعَبَّرَ عَنْ إِطْفَاءِ حَرَارَتِهَا بِالْغَسْلِ وَبَالَغَ فِيهِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُبَرِّدَاتِ تَرَقِّيًا عَنِ الْمَاءِ إِلَى أَبْرَدِ مِنْهُ.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّ خَصَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مِنَ السَّمَاءِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّعَوَاتِ الثَّلَاثِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ فَالْمُبَاعَدَةُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَالتَّنْقِيَةُ لِلْحَالِ وَالْغَسْلُ لِلْمَاضِي انْتَهَى وَكَأَنَّ تَقْدِيمَ الْمُسْتَقْبَلِ لِلِاهْتِمَامِ بِدَفْعِ مَا سَيَأْتِي قَبْلَ رَفْعِ مَا حَصَلَ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّعَاءِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ وَوَرَدَ فِيهِ أَيْضًا حَدِيثُ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ إِلَخْ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْل وَأخرجه الشَّافِعِي وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ إِذَا صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ وَاعْتَمَدَهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَفِي التِّرْمِذِيّ وصحيح بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الِافْتِتَاحُ بِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَنَقَلَ السَّاجِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابَ الْجَمْعِ بَين التَّوْجِيه وَالتَّسْبِيح وَهُوَ اخْتِيَار بن خُزَيْمَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ صَدَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي إِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ وَقِيلَ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ لِأُمَّتِهِ وَاعْتُرِضَ بِكَوْنِهِ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَجَهَرَ بِهِ وَأُجِيبَ بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى تَتَبُّعِ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وإِسْرَارِهِ وَإِعْلَانِهِ حَتَّى حَفِظَ اللَّهُ بِهِمُ الدِّينَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ مطهران واستبعده بن عَبْدِ السَّلَامِ وَأَبْعَدُ مِنْهُ اسْتِدْلَالُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ



( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ)

كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ بِلَا تَرْجَمَةٍ وَكَذَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بَابٌ بِلَا تَرْجَمَةٍ وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الْوَقْتِ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَعَلَى هَذَا فَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِلتَّرْجَمَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ لَفْظِ بَابٍ فَهُوَ كَالْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ أَيْضًا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَحَدِيثُ الْكُسُوفِ فِيهِ تَطْوِيلُ الْقِيَامِ فَتَنَاسَبَا وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا قَالَ بن رَشِيدٍ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُنَاسَبَةُ فِي قَوْلِهِ حَتَّى قُلْتَ أَيْ رَبِّ أَوْ أَنَا مَعَهُمْ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دُعَاءٌ فَفِيهِ مُنَاجَاةٌ وَاسْتِعْطَافٌ فَيَجْمَعُهُ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ جَوَازُ دُعَاءِ اللَّهِ وَمُنَاجَاتِهِ بِكُلِّ مَا فِيهِ خُضُوعٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ خِلَافًا لبَعض الْحَنَفِيَّة قَوْله أَو أَنا مَعَهُمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ بَعْدَهَا وَاوٌ عَاطِفَةٌ وَهِيَ عَلَى مُقَدَّرٍ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ



[ قــ :74 ... غــ :745] .

     قَوْلُهُ  حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ تَخْدِشُهَا قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ نَافِعُ بْنُ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ بَيَّنَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَالضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ .

     قَوْلُهُ  لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا سَقَطَ لَفْظُ هِيَ مِنْ رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْحَمَوِيِّ .

     قَوْلُهُ  تَأْكُلُ مِنْ خَشِيشِ أَوْ خَشَاشِ الْأَرْضِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الشَّكِّ وَكُلٌّ مِنَ اللَّفْظَيْنِ بِمُعَجَّمَاتٍ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ حَشَرَاتُ الْأَرْضِ وَأَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ رِوَايَةَ خَشِيشٍ وَضَبَطَهَا بَعْضُهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى التَّصْغِيرِ مِنْ لَفْظِ خَشَاشٍ فَعَلَى هَذَا لَا إِنْكَارَ وَرَوَاهَا بَعْضُهُمْ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ هُوَ تَصْحِيفٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِهِ فِي كِتَابِ الْكُسُوفِ وَعَلَى قِصَّةِ الْمَرْأَةِ صَاحِبَةِ الْهِرَّةِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى