فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ)

كَذَا تَرْجَمَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلُ



[ قــ :6692 ... غــ :7068] .

     قَوْلُهُ  سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْريّ وَالزُّبَيْر بْنُ عَدِيٍّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ بَعْدَهَا دَالٌ وَهُوَ كُوفِيٌّ هَمْدَانِيٌّ بِسُكُونِ الْمِيمِ وَلِيَ قَضَاءَ الرَّيِّ وَيُكْنَى أَبَا عَدِيٍّ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ يَلْتَبِسُ بِهِ رَاوٍ قَرِيبٍ مِنْ طَبَقَتِهِ وَهُوَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَرِبِيٍّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَكْسُورَةٌ وَهُوَ اسْمٌ بِلَفْظِ النَّسَبِ بَصْرِيٌّ يُكْنَى أَبَا سَلَمَةَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ من رِوَايَته عَن بن عُمَرَ وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هُنَاكَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ .

     قَوْلُهُ  أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا يَلْقَوْنَ فِيهِ الْتِفَاتٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَشَكَوْا وَهُوَ على الجادة وَوَقع فِي رِوَايَة بن أَبِي مَرْيَمَ عَنِ الْفِرْيَابِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ نَشْكُو بِنُونٍ بَدَلَ الْفَاءِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ شَكَوْنَا إِلَى أَنَسٍ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْحَجَّاجِ أَيِ بن يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ الْأَمِيرِ الْمَشْهُورِ وَالْمُرَادُ شَكْوَاهُمْ مَا يَلْقَوْنَ مِنْ ظُلْمِهِ لَهُمْ وَتَعَدِّيهِ وَقَدْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ فِي الْمُوَفَّقِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَ عُمَرُ فَمَنْ بَعْدَهُ إِذَا أَخَذُوا الْعَاصِيَ أَقَامُوهُ لِلنَّاسِ وَنَزَعُوا عِمَامَتَهُ فَلَمَّا كَانَ زِيَادٌ ضَرَبَ فِي الْجِنَايَاتِ بِالسِّيَاطِ ثُمَّ زَادَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ حَلْقَ اللِّحْيَةِ فَلَمَّا كَانَ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ سَمَّرَ كَفَّ الْجَانِي بِمِسْمَارٍ فَلَمَّا قَدِمَ الْحَجَّاجُ قَالَ هَذَا كُلُّهُ لَعِبٌ فَقَتَلَ بِالسَّيْفِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ اصْبِرُوا زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ فِي رِوَايَتِهِ اصْبِرُوا عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ لَا يَأْتِيكُمْ عَامٌ وَبِهَذَا اللَّفْظِ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جيد عَن بن مَسْعُودٍ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ لَيْسَ عَامٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ وَلَهُ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَ أَمْسٌ خَيْرٌ مِنَ الْيَوْمِ وَالْيَوْمُ خَيْرٌ مِنْ غَدٍ وَكَذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَتِ الْوَاوُ لِلْبَاقِينَ وَثَبَتَتْ لِابْنِ مَهْدِيٍّ .

     قَوْلُهُ  أَشَرُّ مِنْهُ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَلِلْبَاقِينَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَعَلَى الْأَوَّلِ شرح بن التِّينِ فَقَالَ كَذَا وَقَعَ أَشَرُّ بِوَزْنِ أَفْعَلَ وَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ فُلَانٌ شَرٌّ مِنْ فُلَانٍ وَلَا يُقَالُ أَشَرُّ إِلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ وَمِسْعَرٍ وَأَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ أَرْبَعَتُهُمْ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِلَفْظِ لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ إِلَّا شَرٌّ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَكَذَا أخرجه بن مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ بِلَفْظِ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ.

     وَقَالَ  تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ عَنْ شُعْبَةَ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ أَيْ حَتَّى تَمُوتُوا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ سَمِعت ذَلِك قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَسَادِ الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ بِالرَّأْيِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْوَحْيِ انْتَهَى وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ تَكُونُ فِي الشَّرِّ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إِلَّا زَمَنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ بَعْدَ زَمَنِ الْحَجَّاجِ بِيَسِيرٍ وَقَدِ اشْتَهَرَ الْخَبَرُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَلْ لَوْ قِيلَ إَنَّ الشَّرَّ اضْمَحَلَّ فِي زَمَانِهِ لَمَا كَانَ بَعِيدًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ شَرًّا مِنَ الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ حَمَلَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ فَسُئِلَ عَنْ وُجُودِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ تَنْفِيسٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفْضِيلِ تَفْضِيلُ مَجْمُوعِ الْعَصْرِ عَلَى مَجْمُوعِ الْعَصْرِ فَإِنَّ عَصْرَ الْحَجَّاجِ كَانَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحْيَاءِ وَفِي عَصْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْقَرَضُوا وَالزَّمَانُ الَّذِي فِيهِ الصَّحَابَةُ خَيْرٌ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَولُهُ أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ وَجَدْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ التَّصْرِيحَ بِالْمُرَادِ وَهُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ فَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ لَسْتُ أَعْنِي رَخَاءً مِنَ الْعَيْشِ يُصِيبُهُ وَلَا مَالًا يُفِيدُهُ وَلَكِن لَا يَأْتِي عَلَيْكُم يَوْم الا وَهُوَ أَقَلُّ عِلْمًا مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي مَضَى قَبْلَهُ فَإِذَا ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ اسْتَوَى النَّاسُ فَلَا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَهْلَكُونَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ بن مَسْعُودٍ إِلَى قَوْلِهِ شَرٌّ مِنْهُ قَالَ فَأَصَابَتْنَا سَنَةٌ خِصْبٌ فَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ أَعْنِي إِنَّمَا أَعْنِي ذَهَابَ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْهُ قَالَ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا وَهُوَ أَشَرُّ مِمَّا كَانَ قَبْلَهُ أَمَا إِنِّي لَا أَعْنِي أَمِيرًا خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ وَلَا عَامًا خَيْرًا مِنْ عَامٍ وَلَكِنْ عُلَمَاؤُكُمْ وَفُقَهَاؤُكُمْ يَذْهَبُونَ ثُمَّ لَا تَجِدُونَ مِنْهُمْ خَلَفًا وَيَجِيءُ قَوْمٌ يُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمَا ذَاكَ بِكَثْرَةِ الْأَمْطَارِ وَقِلَّتِهَا وَلَكِنْ بِذَهَابِ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ يُحْدِثُ قَوْمٌ يُفْتُونَ فِي الْأُمُورِ بِرَأْيِهِمْ فَيَثْلِمُونَ الْإِسْلَامَ وَيَهْدِمُونَهُ وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ بِلَفْظِ لَسْتُ أَعْنِي عَامًا أَخْصَبَ مِنْ عَامٍ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ وَزَادَ وَخِيَارُكُمْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَفُقَهَاؤُكُمْ وَاسْتَشْكَلُوا أَيْضا زمَان عِيسَى بن مَرْيَمَ بَعْدَ زَمَانِ الدَّجَّالِ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ الزَّمَانُ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ عِيسَى أَوِ الْمُرَادَ جِنْسُ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ الْأُمَرَاءُ وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ زَمَانَ النَّبِيِّ الْمَعْصُومِ لَا شَرَّ فِيهِ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَزْمِنَةِ مَا قَبْلَ وُجُودِ الْعَلَامَاتِ الْعِظَامِ كَالدَّجَّالِ وَمَا بَعْدَهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَزْمِنَةِ الْمُتَفَاضِلَةِ فِي الشَّرِّ مِنْ زَمَنِ الْحَجَّاجِ فَمَا بَعْدَهُ إِلَى زَمَنِ الدَّجَّالِ.
وَأَمَّا زَمَنُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَهُ حُكْمٌ مُسْتَأْنَفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَزْمِنَةِ الْمَذْكُورَةِ أَزْمِنَةَ الصَّحَابَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ فَيَخْتَصُّ بِهِمْ فَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَمْ يُقْصَدْ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ لَكِنَّ الصَّحَابِيَّ فَهِمَ التَّعْمِيمَ فَلِذَلِكَ أَجَابَ مَنْ شَكَا إِلَيْهِ الْحَجَّاجَ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ وَهُمْ أَوْ جُلُّهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَاسْتدلَّ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَهْدِيِّ وَأَنَّهُ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا بَعْدَ أَنْ مُلِئَتْ جَوْرًا ثمَّ وجدت عَن بن مَسْعُودٍ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الْحَدِيثُ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ عَامٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَعْنِي عَامًا الحَدِيث الثَّانِي





[ قــ :6693 ... غــ :7069] قَوْله وَحدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَأَخُوهُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ نُسِبَ لِجَدِّهِ هَكَذَا عُطِفَ هَذَا الْإِسْنَادُ النَّازِلُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ أَعْلَى مِنْهُ بِدَرَجَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ الْأَوَّلَ مُجَرَّدًا فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَدَبِ بِتَمَامِهِ فَلَمَّا أَوْرَدَهُ هُنَا عَنْهُ أَرْدَفَهُ بِالسَّنَدِ الآخر وَسَاقه على لفظ السَّنَد الثَّانِي وبن شهَاب شيخ بن أَبِي عَتِيقٍ هُوَ الزُّهْرِيُّ شَيْخُ شُعَيْبٍ .

     قَوْلُهُ  هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَهَا رَاءٌ وَسِينٌ مُهْمَلَةٌ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي فِرَاسٍ بَطْنٍ مِنْ كِنَانَةٍ وَهُمْ إِخْوَةُ قُرَيْشٍ وَكَانَتْ هِنْدٌ زَوْجُ مَعْبَدِ بْنِ الْمِقْدَادِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ لَهَا صُحْبَةٌ وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا بِنَصْبِ لَيْلَةٍ وَفَزِعًا بِكَسْرِ الزَّاي عَلَى الْحَالِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ كَمَا مَضَى فِي الْعِلْمِ اسْتَيْقَظَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ الْكَلَامُ عَلَى لَفْظِ ذَاتَ وَرِوَايَةُ هَذَا الْبَابِ تُؤَيِّدُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِثْلُ الْبَابِ لَكِنْ بِحَذْفِ فَزِعًا وَفِي رِوَايَة شُعَيْب يحذفهما .

     قَوْلُهُ  يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَقَالَ سُبْحَانَ الله وَفِي رِوَايَة بن الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ فِي اللِّبَاسِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَاذَا أُنْزِلَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ وَفِي رِوَايَة بن الْمُبَارَكِ مِثْلُهُ لَكِنْ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ.

     وَقَالَ  مِنَ الْفِتْنَةِ بِالْإِفْرَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُرَادِ بِالْخَزَائِنِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ فِيهَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ أَيْقِظُوا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ مَكْسُورُ الثَّالِثِ وَصَوَاحِبَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ إِيقَظُوا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ وَصَوَاحِبَ مُنَادَى وَدَلَّتْ رِوَايَةُ أَيْقِظُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ يُوقِظُ التَّحْرِيضَ عَلَى إِيقَاظِهِنَّ .

     قَوْلُهُ  يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ حَتَّى يُصَلِّينَ وَخَلَتْ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ .

     قَوْلُهُ  رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَرُبَّ بِزِيَادَةِ فَاءٍ فِي أَوَّلِهِ وَفِي رِوَايَةِ بن الْمُبَارَكِ يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ بِزِيَادَةِ حَرْفِ النِّدَاءِ فِي أَوَّلِهِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ يُؤَيّد مَا ذهب إِلَيْهِ بن مَالِكٍ مِنْ أَنَّ رُبَّ أَكْثَرُ مَا تَرِدُ لِلتَّكْثِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ أَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ إِنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ وَأَنَّ مَعْنَى مَا يَصْدُرُ بِهَا الْمُضِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهَا فِي الْغَالِبِ التَّكْثِيرُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ سِيبَوَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ كَمْ وَاعْلَمْ أَنَّ كَمْ فِي الْخَبَرِ لَا تَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا تَعْمَلُ فِيهِ رُبَّ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ إِلَّا أَنَّ كَمْ اسْمٌ وَرُبَّ غَيْرُ اسْمٍ انْتَهَى وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَعْنَى كَمِ الْخَبَرِيَّةِ التَّكْثِيرُ وَلَمْ يَقَعْ فِي كِتَابِهِ مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّ مَذْهَبَهَ مَا ذَكَرْتُ وَحَدِيثُ الْبَابِ شَاهِدٌ لِذَلِكَ فَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ بَلِ الْمُتَّصِفُ بِذَلِكَ مِنَ النِّسَاءِ كَثِيرٌ وَلِذَلِكَ لَوْ جُعِلَتْ كَمْ مَوْضِعَ رُبَّ لَحَسُنَ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَتْ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا بَيَّنْتُهُ وَمِمَّا وَرَدَتْ فِيهِ لِلتَّكْثِيرِ قَوْلُ حَسَّانَ رُبَّ حُلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ الْمَا لِ وَجَهْلٍ غَطَّى عَلَيْهِ النَّعِيمُ وَقَوْلُ عَدِيٍّ رُبَّ مَأْمُولٍ وَرَاجٍ أَمَلًا قَدْ ثَنَاهُ الدَّهْرُ عَنْ ذَاكَ الْأَمَلِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَيْضًا أَنَّ الَّذِي يُصَدَّرُ بِرُبَّ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مَاضِي الْمَعْنَى بَلْ يَجُوزُ مُضِيُّهُ وَحُضُورُهُ وَاسْتِقْبَالُهُ وَقَدِ اجْتَمَعَ فِي الْحَدِيثِ الْحُضُورُ وَالِاسْتِقْبَالُ وَشَوَاهِدُ الْمَاضِي كَثِيرَةٌ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَأَمَّا تَصْدِيرُ رُبَّ بِحَرْفِ النِّدَاءِ فِي رِوَايَةِ بن الْمُبَارَكِ فَقِيلَ الْمُنَادَى فِيهِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ يَا سَامِعِينَ .

     قَوْلُهُ  عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ قَالَ عِيَاضٌ الْأَكْثَرُ بِالْخَفْضِ عَلَى الْوَصْفِ لِلْمَجْرُورِ بِرُبَّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْأَوْلَى الرَّفْعُ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ أَيْ هِيَ عَارِيَةٌ وَالْفِعْلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ رُبَّ مَحْذُوفٌ.

     وَقَالَ  السُّهَيْلِيُّ الْأَحْسَنُ الْخَفْضُ عَلَى النَّعْتِ لِأَنَّ رُبَّ حَرْفُ جَرٍّ يَلْزَمُ صَدْرَ الْكَلَامِ وَهَذَا رَأْيُ سِيبَوَيْهِ وَعِنْدَ الْكِسَائِيِّ هُوَ اسْمٌ مُبْتَدَأٌ وَالْمَرْفُوعُ خَبَرُهُ وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُ بَعْضُ شُيُوخِنَا انْتَهَى وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ كَاسِيَةٍ وَعَارِيَةٍ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا كَاسِيَةٌ فِي الدُّنْيَا بِالثِّيَابِ لِوُجُودِ الْغِنَى عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ لِعَدَمِ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا ثَانِيهَا كَاسِيَةٌ بِالثِّيَابِ لَكِنَّهَا شَفَّافَةٌ لَا تَسْتُرُ عَوْرَتَهَا فَتُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ بِالْعُرْيِ جَزَاءً عَلَى ذَلِكَ ثَالِثُهَا كَاسِيَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَارِيَةٌ مِنَ الشُّكْرِ الَّذِي تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ رَابِعُهَا كَاسِيَةٌ جَسَدُهَا لَكِنَّهَا تَشُدُّ خِمَارَهَا مِنْ وَرَائِهَا فَيَبْدُو صَدْرُهَا فَتَصِيرُ عَارِيَةً فَتُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ خَامِسُهَا كَاسِيَةٌ مِنْ خِلْعَةِ التَّزَوُّجِ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَمَلِ فَلَا يَنْفَعُهَا صَلَاحُ زَوْجِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فَلَا انساب بَينهم ذَكَرَ هَذَا الْأَخِيرَ الطِّيبِيُّ وَرَجَّحَهُ لِمُنَاسَبَةِ الْمَقَامِ وَاللَّفْظَةُ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَقَدْ سَبَقَ لِنَحْوِهِ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ كَاسِيَةٌ لِلشَّرَفِ فِي الدُّنْيَا لِكَوْنِهَا أَهْلَ التَّشْرِيفِ وَعَارِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ عَارِيَةً فِي النَّار قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْفُتُوحَ فِي الْخَزَائِنِ تَنْشَأُ عَنْهُ فِتْنَةُ الْمَالِ بِأَنْ يُتَنَافَسَ فِيهِ فَيَقَعَ الْقِتَالُ بِسَبَبِهِ وَأَنْ يُبْخَلَ بِهِ فَيُمْنَعَ الْحَقُّ أَوْ يُبْطَرَ صَاحِبُهُ فَيُسْرِفَ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْذِيرَ أَزْوَاجِهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَا غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ يُوقِظُ بَعْضَ خَدَمِهِ كَمَا قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَأَرَادَ أَصْحَابَهُ لَكِنْ هُنَاكَ عُرِفَ الَّذِي انْتَدَبَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُنَا لَمْ يَذْكُرْ وَفِي الْحَدِيثِ النَّدْبُ إِلَى الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ نُزُولِ الْفِتْنَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي اللَّيْلِ لِرَجَاءِ وَقْتِ الْإِجَابَةِ لِتُكْشَفَ أَوْ يَسْلَمَ الدَّاعِي وَمَنْ دَعَا لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق