فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الخطبة على المنبر

( قَولُهُ بَابُ التَّأْذِينِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ)
أَيْ عِنْدَ إِرَادَتِهَا أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ السَّائِبِ أَيْضًا وَقَدْ تقدم مَا فِيهِ وَعبد الله هُوَ بن الْمُبَارك وَيُونُس هُوَ بن يزِيد قَولُهُ بَابُ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَيْ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْجُمُعَةِ لِيَتَنَاوَلَهَا وَيَتَنَاوَلَ غَيْرَهَا .

     قَوْلُهُ  وقَال أَنَسٌ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاعْتِصَامِ وَفِي الْفِتَنِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ قِصَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ وَمِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي قِصَّةِ الَّذِي قَالَ هَلَكَ الْمَالُ وَسَيَأْتِي ثَمَّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَسْمَائِهِمْ



[ قــ :890 ... غــ :917] .

     قَوْلُهُ  امْتَرَوْا مِنْ الْمُمَارَاةِ وَهِيَ الْمُجَادَلَةُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ مِنْ الِامْتِرَاءِ وَهُوَ الشَّكُّ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنْ تَمَارَوْا فَإِنَّ مَعْنَاهُ تَجَادَلُوا قَالَ الرَّاغِبُ الِامْتِرَاءُ وَالْمُمَارَاةُ الْمُجَادَلَةُ وَمِنْهُ فَلَا تُمَارِ فيهم إِلَّا مراء ظَاهرا.

     وَقَالَ  أَيْضًا الْمِرْيَةُ التَّرَدُّدُ فِي الشَّيْءِ وَمِنْهُ فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ فِيهِ الْقَسَمُ عَلَى الشَّيْءِ لِإِرَادَةِ تَأْكِيدِهِ لِلسَّامِعِ وَفِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ عَلَى السُّؤَالِ لَكِنَّ فَائِدَتَهُ إِعْلَامُهُمْ بِقُوَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَنَّ سَهْلًا قَالَ مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي .

     قَوْلُهُ  أَرْسَلَ إِلَخْ هُوَ شَرْحُ الْجَوَابِ .

     قَوْلُهُ  إِلَى فُلَانَةَ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ أَبِي غَسَّانَ لِإِطْبَاقِ أَصْحَابِ أَبِي حَازِمٍ عَلَى قَوْلِهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَذَا قَالَ أَيْمَنُ عَنْ جَابِرٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى اسْمِهَا فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ سَمَّاهُ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَا أَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ وَأَبُو سَعْدٍ فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى جَمِيعًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ بن لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى خَشَبَةٍ فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قِيلَ لَهُ لَوْ كُنْتَ جَعَلْتَ مِنْبَرًا قَالَ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ نَجَّارٌ وَاحِدٌ يُقَالُ لَهُ مَيْمُونٌ فَذَكَرَ الحَدِيث وَأخرجه بن سَعْدٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَ هَذَا السِّيَاقِ وَلَكِنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْغِفَارِيِّ سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ خَالٍ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْرُجْ إِلَى الْغَابَةِ وَأْتِنِي مِنْ خَشَبِهَا فَاعْمَلْ لِي مِنْبَرًا الْحَدِيثَ وَجَاءَ فِي صَانِعِ الْمِنْبَرِ أَقْوَالٌ أُخْرَى أَحَدُهَا اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ وَفِي إِسْنَادِهِ الْعَلَاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ الرَّوَّاسُ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ثَانِيهَا بَاقُولٌ بِمُوَحَّدَةٍ وَقَافٍ مَضْمُومَةٍ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُنْقَطِعٍ وَوَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ لَكِنْ قَالَ بَاقُومٌ آخِرُهُ مِيمٌ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا ثَالِثُهَا صُبَاحٌ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ خَفِيفَةٌ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ أَيْضًا ذكره بن بَشْكُوَالَ بِإِسْنَادٍ شَدِيدِ الِانْقِطَاعِ رَابِعُهَا قَبِيصَةُ أَوْ قَبِيصَةُ الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَاهُمْ ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ خَامِسُهَا كِلَابٌ مَوْلَى الْعَبَّاسِ كَمَا سَيَأْتِي سَادِسُهَا تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُخْتَصَرًا وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ أَلَا نَتَّخِذُ لَكَ مِنْبَرًا يَحْمِلُ عِظَامَكَ قَالَ بَلَى فَاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَرًا الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَيْهِ ثمَّ وروى بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى جِذْعٍ فَقَالَ إِنَّ الْقِيَامَ قَدْ شَقَّ عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ أَلَا أَعْمَلُ لَكَ مِنْبَرًا كَمَا رَأَيْتُ يُصْنَعُ بِالشَّامِ فَشَاوَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَرَأَوْا أَنْ يَتَّخِذَهُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنَّ لِي غُلَامًا يُقَالُ لَهُ كِلَابٌ أَعْمَلَ النَّاسَ فَقَالَ مُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ الْحَدِيثُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا الْوَاقِدِيّ سابعها ميناء ذكره بن بَشْكُوَالَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَمِلَ الْمِنْبَرَ غُلَامٌ لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَوْ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ أَوِ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِينَاءُ انْتَهَى وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيُرُ فِيهِ عَلَى الْأَقْرَبِ فَيَكُونُ مِينَاءُ اسْمَ زَوْجِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ بِخِلَافِ مَا حَكَيْنَاهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالسُّطُوحِ عَن بن التِّينِ أَنَّ الْمِنْبَرَ عَمِلَهُ غُلَامُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَجَوَّزْنَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ زَوْجَ سَعْدٍ وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي سُمِّيَ فِيهَا النَّجَّارُ شَيْءٌ قَوِيُّ السَّنَدِ إِلَّا حَدِيثَ بن عُمَرَ وَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الَّذِي اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ بَلْ قَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَة بن سَعْدٍ أَنَّ تَمِيمًا لَمْ يَعْمَلْهُ وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ مَيْمُونٌ لِكَوْنِ الْإِسْنَادِ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا.
وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الْأُخْرَى فَلَا اعْتِدَادَ بِهَا لِوَهَائِهَا وَيَبْعُدُ جِدًّا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنهَا بِأَنَّ النَّجَّارَ كَانَتْ لَهُ أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ.
وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِ الْجَمِيعِ اشْتَرَكُوا فِي عَمَلِهِ فَيَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلَهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا نَجَّارٌ وَاحِدٌ إِلَّا إِنْ كَانَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاحِدِ الْمَاهِرُ فِي صِنَاعَتِهِ وَالْبَقِيَّةُ أَعْوَانُهُ فَيُمْكِنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ عِنْد التِّرْمِذِيّ وبن خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُسْنِدُ ظَهْرُهُ إِلَى جِذْعٍ مَنْصُوبٍ فِي الْمَسْجِدِ يَخْطُبُ فَجَاءَ إِلَيْهِ رُومِيٌّ فَقَالَ أَلَا أَصْنَعُ لَكَ مِنْبَرًا الْحَدِيثَ وَلَمْ يُسَمِّهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ بِالرُّومِيِّ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ السَّفَرِ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ سَبَبُ عَمَلِ الْمِنْبَرِ وَجزم بن سَعْدٍ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِذِكْرِ الْعَبَّاسِ وَتَمِيمٍ فِيهِ وَكَانَ قُدُومُ الْعَبَّاسِ بَعْدَ الْفَتْحِ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَمَان وقدوم تَمِيم سنة تسع وَجزم بن النَّجَّارِ بِأَنَّ عَمَلَهُ كَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى كَادُوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا فَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّجَوُّزِ فِي ذِكْرِ الْمِنْبَرِ وَإِلَّا فَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا مَضَى وَحَكَى بَعْضُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ طِينٍ قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَ الْمِنْبَرَ الَّذِي مِنْ خَشَبٍ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَنِدُ إِلَى الْجِذْعِ إِذَا خَطَبَ وَلَمْ يَزَلِ الْمِنْبَرُ عَلَى حَالِهِ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ حَتَّى زَادَهُ مَرْوَانُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سِتَّ دَرَجَاتٍ مِنْ أَسْفَلِهِ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ أَنْ يَحْمِلَ إِلَيْهِ الْمِنْبَرَ فَأَمَرَ بِهِ فَقُلِعَ فَأَظْلَمَتِ الْمَدِينَةُ فَخَرَجَ مَرْوَانُ فَخَطَبَ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا أَمَرَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أَرْفَعَهُ فَدَعَا نَجَّارًا وَكَانَ ثَلَاثَ دَرَجَات فَزَاد فِيهِ الزِّيَادَة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ فَكَسَفَتِ الشَّمْسُ حَتَّى رَأَيْنَا النُّجُومَ.

     وَقَالَ  فَزَادَ فِيهِ سِتَّ دَرَجَاتٍ.

     وَقَالَ  إِنَّمَا زِدْتُ فِيهِ حِين كثر النَّاس قَالَ بن النَّجَّارِ وَغَيْرُهُ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَا أُصْلِحَ مِنْهُ إِلَى أَنِ احْتَرَقَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فَاحْتَرَقَ ثُمَّ جَدَّدَ الْمُظَفَّرُ صَاحِبُ الْيَمَنِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ مِنْبَرًا ثُمَّ أَرْسَلَ الظَّاهِرُ بِيبَرْسُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ منبرا فأزيل مِنْبَر المظفر فَلم يزل ذَلِك إِلَى هَذَا الْعَصْرِ فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ الْمُؤَيَّدُ سَنَةَ عِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ مِنْبَرًا جَدِيدًا وَكَانَ أَرْسَلَ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ مِنْبَرًا جَدِيدًا إِلَى مَكَّةَ أَيْضًا شَكَرَ اللَّهُ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ آمِينَ .

     قَوْلُهُ  فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ مِنْ أَثْلَةِ الْغَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَثْلَ هُوَ الطَّرْفَاءُ وَقِيلَ يُشْبِهُ الطَّرْفَاءَ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَالْغَابَةُ بِالْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ مَوْضِعٌ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ جِهَةَ الشَّامِ وَهِيَ اسْمُ قَرْيَةٍ بِالْبَحْرَيْنِ أَيْضًا وَأَصْلُهَا كُلُّ شَجَرٍ مُلْتَفٍّ .

     قَوْلُهُ  فَأَرْسَلَتْ أَيِ الْمَرْأَةُ تُعْلِمُ بِأَنَّهُ فَرَغَ .

     قَوْلُهُ  فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ أَنَّثَ لِإِرَادَةِ الْأَعْوَادِ وَالدَّرَجَاتِ فَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ فَعَمِلَ لَهُ هَذَا الدَّرَجَاتِ الثَّلَاثَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الْأَعْوَادِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنَ الْمِنْبَرِ .

     قَوْلُهُ  وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى لَمْ يَذْكُرِ الْقِيَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرِ الْقِرَاءَةَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَلَفْظُهُ كَبَّرَ فَقَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَالْقَهْقَرَى بِالْقَصْرِ الْمَشْيُ إِلَى خَلْفٍ وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَخَطَبَ النَّاسَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقَدُّمَ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ أَيْ عَلَى الْأَرْضِ إِلَى جَنْبِ الدَّرَجَةِ السُّفْلَى مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ عَادَ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ .

     قَوْلُهُ  وَلِتَعَلَّمُوا بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ لِتَتَعَلَّمُوا وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي صَلَاتِهِ فِي أَعْلَى الْمِنْبَرِ لِيَرَاهُ مَنْ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ رُؤْيَتُهُ إِذَا صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا يُخَالِفُ الْعَادَةَ أَنْ يُبَيِّنَ حِكْمَتَهُ لِأَصْحَابِهِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِكُلِّ خَطِيبٍ خَلِيفَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَفِيهِ جَوَازُ قَصْدِ تَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِالْفِعْلِ وَجَوَازُ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَكَذَا الْكَثِيرُ إِنْ تَفَرَّقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ وَكَذَا فِي جَوَازِ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي مُشَاهَدَةِ الْخَطِيبِ وَالسَّمَاعِ مِنْهُ وَاسْتِحْبَابُ الِافْتِتَاحِ بِالصَّلَاةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ جَدِيدٍ إِمَّا شُكْرًا وَإِمَّا تَبَرُّكًا.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ إِنْ كَانَ الْخَطِيبُ هُوَ الْخَلِيفَةَ فَسُنَّتُهُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ.
وَتَعَقَّبَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ هَذَا خَارِجٌ عَنْ مَقْصُودِ التَّرْجَمَةِ وَلِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْخُلَفَاءِ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَهُوَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ بِالْبِدْعَةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالسُّنَّةِ.

قُلْتُ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ حِكْمَةُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَشَارَ بِهَا إِلَى أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنِ اسْتَحَبَّهُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ الْإِمَامُ عَنِ الْمَأْمُومِينَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِمَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ أَنْ يُشْرَعَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ وُجُودُ الِاشْتِرَاكِ فِي وَعْظِ السَّامِعِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ بَعْضَ أُمُورِ الدِّينِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ





[ قــ :891 ... غــ :918] .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ وبن أَنَسٍ هُوَ حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَنُسِبَ فِي هَذِهِ إِلَى جَدِّهِ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ إِنَّمَا أَبْهَمَ الْبُخَارِيُّ حَفْصًا لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ يَقُولُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ فَيَقْلِبُهُ.

قُلْتُ كَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مِسْكين عَن بن أَبِي مَرْيَمَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَم عَن بن أَبِي مَرْيَمَ فَقَالَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى الصَّوَابِ وَقَلَبَهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ.

     وَقَالَ  الصَّوَابُ فِيهِ حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ وَلَا يَصِحُّ عُبَيْدُ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  أَصْوَاتِ الْعِشَارِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْعِشَارُ جَمْعُ عُشَرَاءَ بِالضَّمِّ ثُمَّ الْفَتْحِ وَهِيَ النَّاقَةُ الْحَامِلُ الَّتِي مَضَتْ لَهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ وَلَا يَزَالُ ذَلِكَ اسْمَهَا إِلَى أَنْ تَلِدَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْعِشَارُ الْحَوَامِلُ مِنَ الْإِبِلِ الَّتِي قَارَبَتِ الْوِلَادَةَ وَيُقَالُ اللَّوَاتِي أَتَى عَلَى حَمْلِهِنَّ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ يُقَالُ نَاقَةٌ عُشَرَاءُ وَنُوقٌ عِشَارٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الْجِذْعِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وقَال سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عبيد الله أما سُلَيْمَان فَهُوَ بن بِلَال وَأما يحيى فَهُوَ بن سَعِيدٍ وَقَدْ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ قَالَ فِيهِ عَنْ يَحْيَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جَابِرٍ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِيهِ شَيْخَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ





[ قــ :89 ... غــ :919] .

     قَوْلُهُ  يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ هَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَقْصُودُ إِيرَادُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَتْنِ فِي بَابِ فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ لِلْخَطِيبِ تَعْلِيمَ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمِنْبَر
(