فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي

( قَولُهُ بَابُ الِاعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ)
كَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّازِمَ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَمَنْ أَطْلَقَ أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج كَمَا نقل بن عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ الِاتِّفَاقُ فَقَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّمَتُّعَ الْمُرَادَ بقول اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي هُوَ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ الْحَجِّ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَحَدِيثُ الْبَابِ دَالٌ عَلَى خِلَافِهِ لَكِنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ ذَا الْحِجَّةِ كُلَّهُ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ يَقُولُ إِنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ الْحَجِّ فَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ



[ قــ :1707 ... غــ :1786] .

     قَوْلُهُ  خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ أَيْ قُرْبَ طُلُوعِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَالْخَمْسُ قَرِيبَةٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَوَافَاهُمُ الْهِلَالُ وَهُمْ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا مَكَّةَ فِي الرَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ .

     قَوْلُهُ  لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ لَأَحْلَلْتُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مِنَ الْحَجِّ .

     قَوْلُهُ  أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَرْدَفَهَا فِيهِ الْتِفَاتٌ لِأَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ فَأَرْدَفَنِي .

     قَوْلُهُ  مَكَانَ عُمْرَتِهَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ مَكَانُ عُمْرَتِهَا الَّتِي أَرَادَتْ أَنْ تَكُونَ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْحَجِّ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الصَّوَابُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ عَنْهَا ثُمَّ فَسَخَتْهُ إِلَى الْعُمْرَةِ لَمَّا فَسَخَ الصَّحَابَةُ وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ قَوْلُ عُرْوَةَ عَنْهَا أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا حَاضَتْ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا التَّحَلُّلُ مِنَ الْعُمْرَةِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ وَجَاءَ وَقْتُ الْخُرُوجِ إِلَى الْحَجِّ أَدْخَلَتِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَصَارَتْ قَارِنَةً وَاسْتَمَرَّتْ إِلَى أَنْ تَحَلَّلَتْ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ .

     قَوْلُهُ  لَهَا فِي رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْهَا عِنْدَ مُسلم طوافك يَسَعُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  لَهَا هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ فَمَعْنَاهُ الْعُمْرَةُ الْمُنْفَرِدَةُ الَّتِي حَصَلَ لغَيْرهَا التَّحَلُّل مِنْهَا بِمَكَّة ثمَّ أنشئوا الْحَج مُنْفَردا فَعَلَى هَذَا فَقَدْ حَصَلَ لِعَائِشَةَ عُمْرَتَانِ وَكَذَا قَوْلُهَا يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجٍّ أَيْ يَرْجِعُونَ بِحَجٍّ مُنْفَرِدٍ وَعُمْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَمُسْلِمٌ من طَرِيق بن نُمَيْرٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَغَيْرُهُ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي الْحَيْضِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِلَخْ فَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ هِشَامٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَخْ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَمَنْ وَافَقَهُ مُدْرَجٌ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ وَالْحَمَّادَيْنِ عَنْ هِشَامٍ وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ مَوْضِعٌ آخَرُ مُدْرَجٌ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  قَبْلَ ذَلِكَ فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا فَقَدْ بَيَّنَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ وَبَيَّنَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ وَكِيعٍ بَيَانًا شَافِيًا فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَقِبَ رِوَايَةِ عَبْدَةَ عَنْ هِشَامٍ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ قَالَ عُرْوَةُ فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا قَالَ هِشَامٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَسَاقَهُ الْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِتَمَامِهِ بِغَيْرِ حَوَالَةَ وَرَوَاهُ بن جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامٍ فَلَمْ يَذْكُرِ الزِّيَادَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ قَالَ بن بَطَّالٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدَّثَ بِهِ هَكَذَا فِي الْعِرَاقِ فَوَهِمَ فِيهِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنْ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَنْ قَالَ إِنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَكُنْ قَارِنَةً حَيْثُ قَالَ لَوْ كَانَتْ قَارِنَةً لَوَجَبَ عَلَيْهَا الْهَدْيُ لِلْقِرَانِ وَحُمِلَ .

     قَوْلُهُ  لَهَا ارْفُضِي عُمْرَتَكِ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكِنَّ طَرِيقَ الْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَحَادِيثِ تَقْتَضِي مَا قَرَّرْنَاهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى عَنْهَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى عَنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهَا بِذَلِكَ وَلَا أَعْلَمَهَا بِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَشْكَلَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ عَلَى جَمَاعَةٍ حَتَّى قَالَ عِيَاضٌ لَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ قَارِنَةً وَلَا مُتَمَتِّعَةً وَإِنَّمَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ ثُمَّ نَوَتْ فَسْخَهُ إِلَى عُمْرَةٍ فَمَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ حَيْضُهَا فَرَجَعَتْ إِلَى الْحَجِّ فَأَكْمَلَتْهُ ثُمَّ أَحْرَمَتْ عُمْرَةً مُبْتَدَأَةً فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا هَدْيٌ قَالَ وَكَأَنَّ عِيَاضًا لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهَا كُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَلَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا طَوَافُكِ يَسَعُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ هِشَامٍ كَأَنَّهُ نَفَى ذَلِكَ بِحَسَبِ عِلْمِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ أَيْ لَمْ تَتَكَلَّفْ لَهُ بَلْ قَامَ بِهِ عَنْهَا انْتهى.

     وَقَالَ  بن خُزَيْمَةَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ أَيْ فِي تَرْكِهَا لِعَمَلِ الْعُمْرَةِ الْأُولَى وَإِدْرَاجِهَا لَهَا فِي الْحَجِّ وَلَا فِي عُمْرَتِهَا الَّتِي اعْتَمَرَتْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ أَيْضًا وَهَذَا تَأْوِيل حسن وَالله أعلم