فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة

( قَولُهُ بَابُ التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى)
أَيْ يَوْمَ الْعِيدِ وَالثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ وَقَولُهُ وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ أَيْ صُبْحَ يَوْمِ التَّاسِعِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ حِكْمَةُ التَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَذْبَحُونَ لِطَوَاغِيتِهِمْ فِيهَا فَشُرِعَ التَّكْبِيرُ فِيهَا إِشَارَة إِلَى تَخْصِيصِ الذَّبْحِ لَهُ وَعَلَى اسْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ عُمَرُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى إِلَخْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ السُّوقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا وَوَصَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَقَولُهُ تَرْتَجُّ بِتَثْقِيلِ الْجِيمِ أَيْ تَضْطَرِبُ وَتَتَحَرَّكُ وَهِيَ مُبَالَغَةٌ فِي اجْتِمَاعِ رفع الْأَصْوَات قَوْله وَكَانَ بن عمر الخ وَصله بن الْمُنْذِرِ وَالْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ بن جريج أَخْبرنِي نَافِع أَن بن عُمَرَ فَذِكْرُهُ سَوَاءٌ وَالْفُسْطَاطُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَيَجُوزُ كسرهَا وَيجوز مَعَ ذَلِكَ بِالْمُثَنَّاةِ بَدَلَ الطَّاءِ وَبِإِدْغَامِهَا فِي السِّينِ فَتِلْكَ سِتُّ لُغَاتٍ وَقَولُهُ فِيهِ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ جَمِيعًا أَرَادَ بِذَلِكَ التَّأْكِيدَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِدُونِ وَاوٍ عَلَى أَنَّهَا ظَرْفٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ أَيْ بِنْتُ الْحَارِثِ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَثَرِهَا هَذَا مَوْصُولًا .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ النِّسَاءُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَكُنَّ النِّسَاءُ وَهِيَ عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ وَأَبَان الْمَذْكُور هُوَ بن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ فى زمن بن عَمِّ أَبِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَقَدْ وَصَلَ هَذَا الْأَثَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي الْبَابِ سَلَفُهُنَّ فِي ذَلِكَ وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآثَارُ عَلَى وُجُودِ التَّكْبِيرِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَوَاضِعَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَصَرَ التَّكْبِيرَ عَلَى أَعْقَابِ الصَّلَوَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَبِالْجَمَاعَةِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ وَبِالْمُؤَدَّاةِ دُونَ الْمَقْضِيَّةِ وَبِالْمُقِيمِ دُونَ الْمُسَافِرِ وَبِسَاكِنِ الْمِصْرِ دُونَ الْقَرْيَةِ وَظَاهِرُ اخْتِيَارِ الْبُخَارِيِّ شُمُولُ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ وَالْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا تُسَاعِدُهُ وَلِلْعُلَمَاءِ اخْتِلَافٌ أَيْضًا فِي ابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ فَقِيلَ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَقِيلَ مِنْ ظُهْرِهِ وَقِيلَ مِنْ عَصْرِهِ وَقِيلَ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ النَّحْرِ وَقِيلَ مِنْ ظُهْرِهِ وَقِيلَ فِي الِانْتِهَاءِ إِلَى ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَقِيلَ إِلَى عَصْرِهِ وَقِيلَ إِلَى ظُهْرِ ثَانِيهِ وَقِيلَ إِلَى صُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقِيلَ إِلَى ظُهْرِهِ وَقِيلَ إِلَى عَصْرِهِ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا النَّوَوِيُّ إِلَّا الثَّانِيَ مِنَ الِانْتِهَاءِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَن أَصْحَاب بن مَسْعُودٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ عَنِ الصَّحَابَةِ قَوْلُ على وبن مَسْعُود إِنَّه من صبح يَوْم عَرَفَة إِلَى آخر أَيَّام منى أخرجه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا صِيغَةُ التَّكْبِيرِ فَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ كَبِّرُوا اللَّهَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَنُقِلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَزَادَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقِيلَ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَزِيدُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلَخْ وَقِيلَ يُكَبِّرُ ثِنْتَيْنِ بَعْدَهُمَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَنِ بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ زِيَادَةٌ فِي ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهَا



[ قــ :941 ... غــ :970] .

     قَوْلُهُ  سَأَلْتُ أَنَسًا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ .

     قَوْلُهُ  وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ هَذَا مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فِيهَا وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَنَسًا احْتَجَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ التَّكْبِيرِ فِي مَوْضِعِ التَّلْبِيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَبَّرَ أَضَافَ التَّكْبِيرَ إِلَى التَّلْبِيَةِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى





[ قــ :94 ... غــ :971] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَكَذَا لِكَرِيمَةَ وَأَبِي الْوَقْتِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَسقط من رِوَايَة بن شبويه وبن السَّكَنِ وَأَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ الْبُخَارِيُّ فَعَلَى هَذَا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَبَيْنَ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ فِيهِ وَقَدْ حَدَّثَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ بِالْكَثِيرِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَرُبَّمَا أَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الْوَاسِطَةَ أَحْيَانًا وَالرَّاجِحُ سُقُوطُ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَوَقْعَ فِي حَاشِيَةِ بَعْضِ النُّسَخِ لِأَبِي ذَرٍّ مُحَمَّدٌ هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الذُّهْلِيُّ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعَاصِمٌ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَاد هُوَ بن سُلَيْمَانَ وَحَفْصَةُ هِيَ بِنْتُ سِيرِينَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمَتْنِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ وَسَبَقَ بَعْضُهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  ويكبرن بتكبيرهم لِأَنَّ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَهُوَ مِنْ أَيَّامِ مِنًى وَيَلْتَحِقُ بِهِ بَقِيَّةُ الْأَيَّامِ لِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ كَوْنِهِنَّ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالذِّكْرِ فِيهِنَّ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا نُؤْمَرُ كَذَا فِي هَذِهِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بِلَفْظِ أَمَرَنَا نَبِيُّنَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى نُخْرِجَ بِضَمِّ النُّونِ وَحَتَّى لِلْغَايَةِ وَالَّتِي بَعْدَهَا لِلْمُبَالَغَةِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ خِدْرِهَا بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سِتْرِهَا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ خِدْرَتِهَا بِالتَّأْنِيثِ وَقَولُهُ فِي آخِرِهِ وَطُهْرَتَهُ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ لُغَةٌ فِي الطَّهَارَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا التَّطَهُّرُ مِنَ الذُّنُوبِ .

     قَوْلُهُ  فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ ذِكْرُ التَّكْبِيرِ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ وَقد أخرجه مُسلم أَيْضا