فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب بطانة الإمام وأهل مشورته "

( قَولُهُ بَابُ بِطَانَةِ الْإِمَامِ وَأَهْلِ مَشُورَتِهِ)
بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَنْ يَسْتَشِيرُهُ فِي أُمُورِهِ .

     قَوْلُهُ  الْبِطَانَةُ الدُّخَلَاءُ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا الْبِطَانَةُ الدُّخَلَاءُ وَالْخَبَالُ الشَّرُّ انْتَهَى وَالدُّخَلَاءُ بِضَمٍّ ثُمَّ فَتْحٍ جَمْعُ دَخِيلٍ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى الرَّئِيسِ فِي مَكَانِ خَلْوَتِهِ وَيُفْضِي إِلَيْهِ بِسِرِّهِ وَيُصَدِّقُهُ فِيمَا يُخْبِرُهُ بِهِ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ رَعِيَّتِهِ وَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَعَطْفُ أَهْلِ مَشُورَتِهِ عَلَى الْبِطَانَةِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَقَدْ ذَكَرْتُ حُكْمَ الْمَشُورَةِ فِي بَابِ مَتَى يَسْتَوْجِبُ الرَّجُلُ الْقَضَاءَ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْحَزْمُ قَالَ أَنْ تُشَاوِرَ ذَا لُبٍّ ثُمَّ تُطِيعُهُ وَمِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ ذَا رَأْيٍ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فَسَّرَ الْبُخَارِيُّ الْبِطَانَةَ بِالدُّخَلَاءِ فَجَعَلَهُ جَمْعًا انْتَهَى وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ



[ قــ :6811 ... غــ :7198] .

     قَوْلُهُ  مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ فِي رِوَايَةِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا بَعْدَهُ مِنْ خَلِيفَةٍ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الْبَابِ تُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِهَذَا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِبَعْثِ الْخَلِيفَةِ اسْتِخْلَافُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ مَا مِنْ وَالٍ وَهِيَ أَعَمُّ .

     قَوْلُهُ  بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بِالْخَيْرِ وَفِي رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهِيَ تُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ .

     قَوْلُهُ  وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ تُرَغِّبُهُ فِيهِ وَتُؤَكِّدُهُ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ فِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ وبطانة لاتألوه خَبَالًا وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا التَّقْسِيمُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ يُدَاخِلُهُ مَنْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ لَكِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يَصْغَى إِلَيْهِ وَلَا يَعْمَلَ بِقَوْلِهِ لِوُجُودِ الْعِصْمَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ الْإِشَارَةُ إِلَى سَلَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ مَنْ يُشِيرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّرِّ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْبِطَانَتَيْنِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ الْمَلَكُ وَالشَّيْطَانُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وَقَولُهُ لَا تَأْلُوهُ خَبَالًا أَيْ لَا تُقَصِّرْ فِي إِفْسَادِ أَمْرِهِ لِعَمَلِ مَصْلَحَتِهِمْ وَهُوَ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَأْلُونَكُمْ خبالا وَنقل بن التِّينِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَّخِذَ مَنْ يَسْتَكْشِفُ لَهُ أَحْوَالَ النَّاسِ فِي السِّرِّ وَلْيَكُنْ ثِقَةً مَأْمُونًا فَطِنًا عَاقِلًا لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْحَاكِمِ الْمَأْمُونِ مِنْ قَبُولِهِ قَوْلَ مَنْ لَا يَوْثُقُ بِهِ إِذَا كَانَ هُوَ حَسَنُ الظَّنِّ بِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَثَبَّتَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ الضَّمِيرِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ وَمَنْ وُقِيَ شَرَّهَا فَقَدْ وُقِيَ وَهُوَ مِنَ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا وَفِي رِوَايَةِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ فَمَنْ وُقِيَ بِطَانَةَ السُّوءِ فَقَدْ وُقِيَ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِهِ إِثْبَاتُ الْأُمُورِ كُلِّهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الَّذِي يَعْصِمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ لَا مَنْ عَصَمَتْهُ نَفْسُهُ إِذْ لَا يُوجَدُ مَنْ تَعْصِمُهُ نَفْسُهُ حَقِيقَةً إِلَّا إِنْ كَانَ اللَّهُ عَصَمَهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ثَمَّ قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ مَنْ يَلِي أُمُورَ النَّاسِ قَدْ يَقْبَلُ مِنْ بِطَانَةِ الْخَيْرِ دُونَ بِطَانَةِ الشَّرِّ دَائِمًا وَهَذَا اللَّائِقُ بِالنَّبِيِّ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بِلَفْظَةِ الْعِصْمَةُ وَقَدْ يَقْبَلُ مِنْ بِطَانَةِ الشَّرِّ دُونَ بِطَانَةِ الْخَيْرِ وَهَذَا قَدْ يُوجَدُ وَلَا سِيَّمَا مِمَّنْ يَكُونُ كَافِرًا وَقَدْ يَقْبَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ تَارَةً وَمِنْ هَؤُلَاءِ تَارَةً فَإِنْ كَانَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي الْحَدِيثِ لِوُضُوحِ الْحَالِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ الْقَبُولَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ وَفِي مَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ عَمَلًا فَأَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرًا صَالِحًا إِنْ نَسِيَ ذكره وان ذكر أَعَانَهُ قَالَ بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبِطَانَتَيْنِ الْوَزِيرَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكَ وَالشَّيْطَانَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبِطَانَتَيْنِ النَّفْسَ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ وَالنَّفْسَ اللَّوَّامَةَ الْمُحَرِّضَةَ عَلَى الْخَيْرِ إِذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةٌ مَلَكِيَّةٌ وَقُوَّةٌ حَيَوَانِيَّةٌ انْتَهَى وَالْحَمْلُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْلَى إِلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ لَا يَكُونَ لِبَعْضِهِمْ إِلَّا الْبَعْضُ.

     وَقَالَ  الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ الْبِطَانَةُ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَصْفِيَاءُ وَهُوَ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا .

     قَوْلُهُ  وقَال سُلَيْمَانُ هُوَ بن بِلَال عَن يحيى هُوَ بن سعيد الْأنْصَارِيّ أَخْبرنِي بن شِهَابٍ بِهَذَا وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ قَالَ يحيى بن سعيد أَخْبرنِي بن شهَاب قَالَ فَذكر مثله قَوْله وَعَن بن أبي عَتيق ومُوسَى عَن بن شِهَابٍ مِثْلَهُ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى يَحْيَى بْنِ سعيد وبن أَبِي عَتِيقٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ومُوسَى هُوَ بن عُقْبَةَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ رَوَى سُلَيْمَانُ عَنِ الثَّلَاثَةِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَرْوِيَّ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ هُوَ الْمَذْكُورُ بِعَيْنِهِ وَفِي الثَّانِي هُوَ مِثْلُهُ.

قُلْتُ وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَ هَذَيْنِ فَرْقٌ وَالَّذِي يظْهر ان سر الْإِفْرَادَ أَنَّ سُلَيْمَانَ سَاقَ لَفْظَ يَحْيَى ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ رِوَايَةَ الْآخَرَيْنِ وَأَحَالَ بِلَفْظِهِمَا عَلَيْهِ فَأَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ عَلَى وَفْقِهِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْهُمَا بِهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا كَذَّبَهُ مَالِكٌ وَهُوَ أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَخْرَجَ لَا يَطَّرِدُ كَوْنَ رِجَالِهِ مِنْ رجال الصَّحِيح قَوْله.

     وَقَالَ  شُعَيْب هُوَ بن أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَخْ وَقَولُهُ .

     قَوْلُهُ  يَعْنِي إِنَّهُ لَمْ يَرْفَعْهُ بَلْ جَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَرِوَايَةُ شُعَيْبٍ هَذِهِ الْمَوْقُوفَةُ وَصَلَهَا الذُّهْلِيُّ فِي جَمْعِهِ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَمْ تَقَعْ بِيَدِي.

قُلْتُ وَقَدْ رُوِّينَاهَا فِي فَوَائِدِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجِكَّانِيِّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْكَاِفِ ثُمَّ نُونٍ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ مَرْفُوعَةً .

     قَوْلُهُ  وقَال الْأَوْزَاعِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُرِيدُ أَنَّهُمَا خَالَفَا مَنْ تَقَدَّمَ فَجَعَلَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَدَلَ أَبِي سَعِيدٍ وَخَالَفَا شُعَيْبًا أَيْضًا فِي وَقْفِهِ فَرَفَعَاهُ فاما رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ فوصلها احْمَد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ حَبِيبٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قُلْتُ فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّ الْوَلِيدَ حَمَلَ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ عَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى فَكَأَنَّهُ عِنْدَ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَلَعَلَّ الْأَوْزَاعِيَّ حَدَّثَ بِهِ مَجْمُوعًا فَظَنَّ الرَّاوِي عَنْهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالطَّرِيقَيْنِ فَلَمَّا أَفْرَدَ أَحَدَ الطَّرِيقَيْنِ انْقَلَبَتْ عَلَيْهِ لَكِنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ الَّتِي بَعْدَهَا قَدْ تَدْفَعُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَيُقَرِّبُ أَنَّهُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَقَدْ قِيلَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَلَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ بن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ وَالْفضل صَدُوق.

     وَقَالَ  بن حِبَّانَ لَمَّا ذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ رُبَّمَا أَخْطَأَ فَكَانَ هَذَا مِنْ ذَاكَ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ وَهُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ والإسماعيلي من رِوَايَة معمر بِالتَّشْدِيدِ أَيْضا بن يَعْمُرَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فَذَكَرَهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال بن أَبِي حُسَيْنٍ وَسَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَوْلَهُ أَيْ وَقَفَاهُ أَيْضا وبن أَبِي حُسَيْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ النَّوْفَلِيُّ الْمَكِّيُّ وَسَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ جَابِرٍ وَحَدِيثُهُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَمَا لَهُ رَاوٍ إِلَّا سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ وَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مَجْهُولٌ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ ذِكْرٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .

     قَوْلُهُ  وقَال عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَهُوَ الْمِصْرِيُّ وَاسْمُ أَبِي جَعْفَرٍ يَسَارٌ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ وَقَدْ وَصَلَ هَذِهِ الطَّرِيقَ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ هُوَ الْمَدَنِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَذَكَرَهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مُحَصَّلُ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْحَدِيثَ مَرْفُوعٌ مِنْ رِوَايَةِ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ انْتَهَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ.
وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ فَهُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَاخْتُلِفَ عَلَى التَّابِعِيِّ فِي صَحَابِيِّهِ فَأَمَّا صَفْوَانُ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ.
وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ أَوْ أَبُو هُرَيْرَةَ.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الِاجْتِهَادِ فَالرِّوَايَةُ الْمَوْقُوفَةُ لَفْظًا مَرْفُوعَةٌ حُكْمًا ويرجح كَونه عَن أبي سعيد مُوَافقَة بن أَبِي حُسَيْنٍ وَسَعِيدِ بْنِ زِيَادٍ لِمَنْ قَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الزُّهْرِيُّ وَصَفْوَانُ فَالزُّهْرِيُّ أَحْفَظُ مِنْ صَفْوَانَ بِدَرَجَاتٍ فَمِنْ ثَمَّ يَظْهَرُ قُوَّةُ نَظَرِ الْبُخَارِيِّ فِي إِشَارَتِهِ إِلَى تَرْجِيحِ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ فَلِذَلِكَ سَاقَهَا مَوْصُولَةً وَأَوْرَدَ الْبَقِيَّةَ بِصِيَغِ التَّعْلِيقِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ إِمَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي بَيَّنْتُهَا مِنَ التَّرْجِيحِ وَإِمَّا عَلَى تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَطَرِيقُ أَبِي سَعِيدٍ أَرْجَحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَجَدْتُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ رِوَايَةُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ كَذَلِكَ فِي آخِرِ حَدِيثٍ طَوِيل