فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الاستهام في الأذان

( قَولُهُ بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الْأَذَانِ)
أَيِ الِاقْتِرَاعُ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قِيلَ لَهُ الِاسْتِهَامُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى سِهَامٍ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الشَّيْءِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ غَلَبَ .

     قَوْلُهُ  وَيَذْكُرُ أَنَّ قَوْمًا اخْتَلَفُوا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ تَشَاحَّ النَّاسُ فِي الْأَذَانِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَاخْتَصَمُوا إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَقَدْ وَصَلَهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي الْفُتُوحِ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ شَقِيقٍ وَهُوَ أَبُو وَائِلٍ قَالَ افْتَتَحْنَا الْقَادِسِيَّةَ صَدْرَ النَّهَارِ فَتَرَاجَعْنَا وَقَدْ أُصِيبَ الْمُؤَذِّنُ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ فَأَذَّنَ فَائِدَةٌ الْقَادِسِيَّةُ مَكَانٌ بِالْعِرَاقِ مَعْرُوفٌ نُسِبَ إِلَى قَادِسٍ رَجُلٍ نَزَلَ بِهِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدَّسَ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَلِذَلِكَ صَارَ مَنْزِلًا لِلْحَاجِّ وَكَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ مَشْهُورَةٌ مَعَ الْفُرْسِ وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَكَانَ سَعْدٌ يَوْمَئِذٍ الْأَمِيرَ عَلَى النَّاسِ



[ قــ :598 ... غــ :615] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سُمَيٍّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ قَوْله مولى أبي بكر أَي بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ .

     قَوْلُهُ  لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَضَعَ الْمُضَارِعَ مَوْضِعَ الْمَاضِي لِيُفِيدَ اسْتِمْرَارَ الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  مَا فِي النِّدَاءِ أَيِ الْأَذَانِ وَهِيَ رِوَايَةُ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ السَّرَّاجِ .

     قَوْلُهُ  وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ زَادَ أَبُو الشَّيْخِ فِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ أَطْلَقَ مَفْعُولَ يَعْلَمُ وَهُوَ مَا وَلَمْ يُبَيِّنِ الْفَضِيلَةَ مَا هِيَ لِيُفِيدَ ضَرْبًا مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصْفِ وَالْإِطْلَاقُ إِنَّمَا هُوَ فِي قَدْرِ الْفَضِيلَةِ وَإِلَّا فَقَدْ بَيَّنْتُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ لَا يَجِدُوا وَوَجَّهَهُ بِجَوَازِ حَذْفِ النُّونِ تَخْفِيفًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا أَيْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا مِنْ وُجُوهِ الْأَوْلَوِيَّةِ أَمَّا فِي الْأَذَانِ فَبِأَنْ يَسْتَوُوا فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ وَحُسْنِ الصَّوْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِ الْمُؤَذِّنِ وَتَكْمِلَاتِهِ.
وَأَمَّا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يُصَلُّوا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَيَسْتَوُوا فِي الْفَضْلِ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ إِذَا لَمْ يَتَرَاضَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الْحَالَيْنِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ لِمَنْ قَالَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِصِحَّةِ اسْتِهَامِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فِي مُقَابَلَةِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ الِاسْتِهَامَ عَلَى الْأَذَانِ يَتَوَجَّهُ مِنْ جِهَةِ التَّوْلِيَةِ مِنَ الْإِمَامِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَزِيَّةِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِهَامِ هُنَا التَّرَامِي بِالسِّهَامِ وَأَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ وَاسْتَأْنَسَ بِحَدِيثٍ لَفْظُهُ لَتَجَالَدُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ لَكِنِ الَّذِي فَهِمَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ أَوْلَى وَلِذَلِكَ اسْتَشْهَدَ لَهُ بِقِصَّةِ سَعْدٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ لَكَانَتْ قُرْعَةً .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ لِيَشْمَلَ الْأَمْرَيْنِ الْأَذَانَ وَالصَّفَّ الْأَوَّلَ وَبِذَلِكَ يَصِحُّ تَبْوِيبُ المُصَنّف.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ الْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا عَلَى النِّدَاءِ وَهُوَ حَقُّ الْكَلَامِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَنَازَعَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَبْقَى النِّدَاءُ ضَائِعًا لَا فَائِدَةَ لَهُ قَالَ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَمَنْ يفعل ذَلِك يلق أثاما أَيْ جَمِيعَ ذَلِكَ.

قُلْتُ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِمَا فَهَذَا مُفْصِحٌ بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ .

     قَوْلُهُ  التَّهْجِيرُ أَيِ التَّبْكِيرُ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَحَمَلَهُ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالُوا الْمُرَادُ الْإِتْيَانُ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّ التَّهْجِيرَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَاجِرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِبْرَادِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الرِّفْقُ.
وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ قَائِلَتَهُ وَقَصَدَ إِلَى الْمَسْجِد لينتظر الصَّلَاة فَلَا يخفى مَاله من الْفضل قَوْله لاستبقوا إِلَيْهِ قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِبَاقِ مَعْنًى لَا حِسًّا لِأَنَّ الْمُسَابَقَةَ عَلَى الْأَقْدَامِ حِسًّا تَقْتَضِي السُّرْعَةَ فِي الْمَشْيِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ انْتَهَى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ فَضْلِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ قَرِيبًا وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمُرَادِ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الْإِمَامَة أَن شَاءَ الله تَعَالَى