فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه

( قَولُهُ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ)
أَيْ إِذَا أَشْعَرَ ذَلِكَ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْعِبَادَةِ



[ قــ :1114 ... غــ :1152] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ حُسَيْنٍ هُوَ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ بَغْدَادِيٌّ يُقَالُ لَهُ الْقَنْطَرِيُّ أَخْرَجَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَفِي الْجِهَادِ فَقَطْ وَمُبَشِّرٌ بِوَزْنِ مُؤَذِّنٌ مِنَ الْبِشَارَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ الثَّانِي هُوَ بن الْمُبَارَكِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي سِيَاقِهِ بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيعِ الْإِسْنَادِ فَأُمِنَ تَدْلِيسُ الْأَوْزَاعِيِّ وَشَيْخِهِ .

     قَوْلُهُ  مِثْلَ فُلَانٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ فِي شَيْء من الطُّرُقِ وَكَأَنَّ إِبْهَامَ مِثْلِ هَذَا لِقَصْدِ السُّتْرَةِ عَلَيْهِ كَالَّذِي تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي الَّذِي نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصِدْ شَخْصًا مُعَيَّنًا وَإِنَّمَا أَرَادَ تَنْفِيرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنَ الصَّنِيعِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  مِنَ اللَّيْلِ أَيْ بعض اللَّيْل وَسقط لفظ من رِوَايَة الْأَكْثَر وَهِي مُرَاده قَالَ بن الْعَرَبِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يُكْتَفَ لِتَارِكِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ بَلْ كَانَ يذمه أبلغ الذَّم.

     وَقَالَ  بن حبَان فِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الشَّخْصِ بِمَا فِيهِ مِنْ عَيْبٍ إِذَا قَصَدَ بِذَلِكَ التَّحْذِيرَ مِنْ صَنِيعِهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدَّوَامِ عَلَى مَا اعْتَادَهُ الْمَرْءُ مِنَ الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ كَرَاهَةُ قَطْعِ الْعِبَادَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً وَمَا أَحْسَنَ مَا عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ بِالَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنْهُمَا التَّرْغِيبُ فِي مُلَازَمَةِ الْعِبَادَةِ وَالطَّرِيقُ الْمُوصِلِ إِلَى ذَلِكَ الِاقْتِصَادِ فِيهَا لِأَنَّ التَّشْدِيدَ فِيهَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى تَرْكِهَا وَهُوَ مَذْمُومٌ .

     قَوْلُهُ  وقَال هِشَامٌ هُوَ بن عمار وبن أَبِي الْعِشْرِينَ بِلَفْظِ الْعَدَدِ وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبٍ كَاتِبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِإِيرَادِ هَذَا التَّعْلِيقِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ زيادةَ عُمَرَ بن الحكم أَي بن ثَوْبَانَ بَيْنَ يَحْيَى وَأَبِي سَلَمَةَ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ لِأَنَّ يَحْيَى قَدْ صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّحْدِيثِ وَرِوَايَةُ هِشَامٍ الْمَذْكُورَةُ وَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  بِهَذَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيُّ مِثْلَهُ .

     قَوْلُهُ  وَتَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ أبي سَلمَة أَي تَابع بن أَبِي الْعِشْرِينَ عَلَى زِيَادَةِ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ وَرِوَايَةُ عُمَرَ الْمَذْكُورَةُ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْهُ وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَظَاهِرُ صَنِيعِ مُسْلِمٍ يُخَالِفُهُ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الرِّوَايَةِ الزَّائِدَةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَبِي حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا صَنِيعُ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ تَابَعَ كُلًّا مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَوْزَاعِيِّ فَالِاخْتِلَافُ مِنْهُ وَكَأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ يَحْيَى حَمَلَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِوَاسِطَةٍ ثُمَّ لَقِيَهُ فَحَدَّثَهُ بِهِ فَكَانَ يَرْوِيهِ عَنْهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ



( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ)

كَذَا فِي الْأَصْلِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ وَهُوَ كَالْفَصْلِ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ ظَاهِرٌ وَكَأَنَّهُ أَوْمَأَ إِلَى أَنَّ الْمَتْنَ الَّذِي قَبْلَهُ طَرَفٌ مِنْ قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي مُرَاجَعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ



[ قــ :1115 ... غــ :1153] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاس وَعَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ وَيُعْرَفُ بِالشَّاعِرِ .

     قَوْلُهُ  أَلَمْ أُخْبَرْ فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَنْبَغِي إِلَّا بَعْدَ التَّثَبُّتِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْتَفِ بِمَا نُقِلَ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى لَقِيَهُ وَاسْتَثْبَتَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عَزْمٍ أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الِنَاقِلُ وَنَحْوَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  هَجَمَتْ عَيْنُكَ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ غَارَتْ أَوْ ضَعُفَتْ لِكَثْرَةِ السَّهَرِ .

     قَوْلُهُ  نَفِهَتْ بِنُونٍ ثُمَّ فَاءٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ كَلَّتْ وَحَكَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ أَبَا يَعْلَى رَوَاهُ لَهُ تفهمت بِالتَّاءِ بَدَلَ النُّونِ وَاسْتَضْعَفَهُ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا أَيْ تُعْطِيهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ ضَرُورَةُ الْبَشَرِيَّةِ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالرَّاحَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا بَدَنُهُ لِيَكُونَ أَعْوَنَ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ وَمِنْ حُقُوقِ النَّفْسِ قَطْعُهَا عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالتَّعَلُّقَاتِ الْقَلْبِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا أَيْ تَنْظُرُ لَهُمْ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ سَبَبِ ذِكْرِ ذَلِكَ لَهُ فِي الصِّيَامِ تَنْبِيهٌ .

     قَوْلُهُ  حَقًّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلْأَكْثَرِ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ إِنَّ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّهُ الْخَبَرُ وَالِاسْمُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ .

     قَوْلُهُ  فَصُمْ أَيْ فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَصُمْ تَارَةً وَأَفْطِرْ تَارَةً لِتَجْمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِ التَّهَجُّدِ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ صَوْمَ دَاوُدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ قُمْ وَنَمْ وَسَيَأْتِي فِي الصِّيَامِ فِيهِ زِيَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ نَحْوِ قَوْلِهِ وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا أَيْ لِلضَّيْفِ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ تَحَدُّثِ الْمَرْءِ بِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَتَفَقُّدِ الْإِمَامِ لِأُمُورِ رَعِيَّتِهِ كُلِّيَّاتِهَا وَجُزْئِيَّاتِهَا وَتَعْلِيمِهِمْ مَا يُصْلِحُهُمْ وَفِيهِ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ لِمَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْأَوْلَى فِي الْعِبَادَةِ تَقْدِيمُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ وَأَنَّ مَنْ تَكَلَّفَ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا طُبِعَ عَلَيْهِ يَقَعُ لَهُ الْخَلَلُ فِي الْغَالِبِ وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى مُلَازَمَةِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ كَرَاهَتِهِ لَهُ التَّشْدِيدَ عَلَى نَفْسِهِ حَضَّهُ عَلَى الِاقْتِصَادِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ وَلَا يَمْنَعُكَ اشْتِغَالُكَ بِحُقُوقِ مَنْ ذُكِرَ أَنْ تُضَيِّعَ حَقَّ الْعِبَادَةِ وَتَتْرُكَ الْمَنْدُوبَ جُمْلَةً وَلَكِنِ أجمع بَينهمَا