فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من ادعى إلى غير أبيه

( قَولُهُ بَابُ مَنِ ادُّعِيَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ)
لَعَلَّ الْمُرَادَ إِثْمُ مَنِ ادُّعِيَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ أَوْ أَطْلَقَ لِوُقُوعِ الْوَعِيدِ فِيهِ بِالْكُفْرِ وَبِتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ فَوَكَلَ ذَلِكَ إِلَى نَظَرِ مَنْ يَسْعَى فِي تَأْوِيلِهِ



[ قــ :6414 ... غــ :6766] .

     قَوْلُهُ  خَالِد هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ الطَّحَّانَ وَخَالِدٌ شَيْخُهُ هُوَ بن مِهْرَانَ الْحَذَّاءُ وَأَبُو عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ وَسَعْدٌ هُوَ بن أَبِي وَقَّاصٍ وَالسَّنَدُ إِلَى سَعْدٍ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَالْقَائِلُ فَذَكَرْتُهُ لِأَبِي بَكْرَةَ هُوَ أَبُو عُثْمَانَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي أَوَّلِهِ قِصَّةٌ وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ لَمَّا ادُّعِيَ زِيَادٌ لَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ فَقُلْتُ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ إِنِّي سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِزِيَادٍ الَّذِي ادُّعِيَ زِيَادُ بْنُ سُمَيَّةَ وَهِيَ أُمُّهُ كَانَتْ أَمَةً لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ زَوَّجَهَا لِمَوْلَى عُبَيْدٍ فَأَتَتْ بِزِيَادٍ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُمْ بِالطَّائِفِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ أَهْلُ الطَّائِفِ فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ سَمِعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ كَلَامَ زِيَادٍ عِنْدَ عُمَرَ وَكَانَ بَلِيغًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ وَضَعَهُ فِي أُمِّهِ وَلَوْ شِئْتُ لَسَمَّيْتُهُ وَلَكِنْ أَخَافُ مِنْ عُمَرَ فَلَمَّا وَلِيَ مُعَاوِيَةُ الْخِلَافَةَ كَانَ زِيَادٌ عَلَى فَارِسَ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ فَأَرَادَ مُدَارَاتَهُ فَأَطْمَعَهُ فِي أَنَّهُ يُلْحِقُهُ بِأَبِي سُفْيَانَ فَأَصْغَى زِيَادٌ إِلَى ذَلِكَ فَجَرَتْ فِي ذَلِكَ خُطُوبٌ إِلَى أَنِ ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ وَأَمَّرَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ عَلَى الْكُوفَةِ وَأَكْرَمَهُ وَسَارَ زِيَادٌ سِيرَتَهُ الْمَشْهُورَةَ وَسِيَاسَتَهُ الْمَذْكُورَةَ فَكَانَ كثير من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَى مُعَاوِيَةَ مُحْتَجِّينَ بِحَدِيثِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَقَدْ مَضَى قَرِيبًا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا خَصَّ أَبُو عُثْمَانَ أَبَا بَكْرَةَ بِالْإِنْكَارِ لِأَنَّ زِيَادًا كَانَ أَخَاهُ مِنْ أُمِّهِ وَلِأَبِي بَكْرَةَ مَعَ زِيَادٍ قِصَّةٌ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَبِي بَكْرَةَ .

     قَوْلُهُ  مَنِ ادُّعِيَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَفِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ وَالثَّانِي مِثْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبَى ذَرٍّ وَفِيه وَمَنِ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ وَوَقَعَ هُنَاكَ إِلَّا كَفَرَ بِاللَّهِ وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كُفْرٌ بِاللَّهِ انْتَفَى مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ





[ قــ :6415 ... غــ :6768] .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنِي عَمْرٌو هُوَ بن الْحَارِثِ وَعِرَاكٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ كَاف هُوَ بن مَالِكٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَن هَارُون بن سعيد عَن بن وَهْبٍ بِسَنَدِهِ إِلَى عِرَاكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَقَدْ كَفَرَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ رَجْمِ الْحُبْلَى مِنَ الزِّنَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ الطَّوِيلِ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَهُوَ كفر بربكم قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ مَعْنَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ مَنِ اشْتَهَرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْوَعِيدِ كَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَنْ تَحَوَّلَ عَنْ نِسْبَتِهِ لِأَبِيهِ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ عَالِمًا عَامِدًا مُخْتَارًا وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَسْتَنْكِرُونَ أَنْ يَتَبَنَّى الرَّجُلُ وَلَدَ غَيْرِهِ وَيَصِيرَ الْوَلَدُ يُنْسَبُ إِلَى الَّذِي تَبَنَّاهُ حَتَّى نَزَلَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله وَقَولُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ فَنُسِبَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَبِيهِ الْحَقِيقِيِّ وَتَرَكَ الِانْتِسَابَ إِلَى مَنْ تَبَنَّاهُ لَكِنْ بَقِيَ بَعْضُهُمْ مَشْهُورًا بِمَنْ تَبَنَّاهُ فَيُذْكَرُ بِهِ لِقَصْدِ التَّعْرِيفِ لَا لِقَصْدِ النَّسَبِ الْحَقِيقِيِّ كَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَلَيْسَ الْأَسْوَدُ أَبَاهُ وَإِنَّمَا كَانَ تَبَنَّاهُ وَاسْمُ أَبِيهِ الْحَقِيقِيِّ عَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَهْرَانِيُّ وَكَانَ أَبُوهُ حَلِيفَ كِنْدَةَ فَقِيلَ لَهُ الْكِنْدِيُّ ثُمَّ حَالَفَ هُوَ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيَّ فَتَبَنَّى الْمِقْدَادَ فَقِيلَ لَهُ بن الْأَسْوَدِ انْتَهَى مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا قَالَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكُفْرِ حَقِيقَةَ الْكُفْرِ الَّتِي يَخْلُدُ صَاحِبُهَا فِي النَّارِ وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ وَفِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الشُّرَّاحِ سَبَبُ إِطْلَاقِ الْكُفْرِ هُنَا أَنَّهُ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ خَلَقَنِي اللَّهُ مِنْ مَاءِ فُلَانٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي قَرِيبا بن أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى عُمُومِهِ لَجَازَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى خَالِهِ مَثَلًا وَكَانَ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ الْبَابِ الْمُصَرِّحِ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعُرِفَ أَنَّهُ خَاصٌّ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي الشَّفَقَةِ وَالْبِرِّ والمعاونة وَنَحْو ذَلِك