فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من تصدق في الشرك ثم أسلم

( قَولُهُ بَابُ الصَّدَقَةِ تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مَبْسُوطًا فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَولُهُ بَابُ مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَيْ هَلْ يُعْتَدُّ لَهُ بِثَوَابِ ذَلِكَ أَوْ لَا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَمْ يبت الحكم مِنْ أَجْلِ قُوَّةِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُضِيفُ إِلَى حَسَنَاتِهِ فِي الْإِسْلَامِ ثَوَابَ مَا كَانَ صَدَرَ مِنْهُ فِي الْكُفْرِ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا



[ قــ :1380 ... غــ :1436] .

     قَوْلُهُ  أَتَحَنَّثُ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ أَتَقَرَّبُ وَالْحِنْثُ فِي الْأَصْلِ الْإِثْمُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أُلْقِي عَنِّي الْإِثْمَ وَلَمَّا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ فِي آخِرِهِ وَيُقَالُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْيَمَانِ أَتَحَنَّتُ يَعْنِي بِالْمُثَنَّاةِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ التَّحَنُّتَ التَّبَرُّرُ قَالَ وَتَابَعَهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَحَدِيثُ هِشَامٍ أَوْرَدَهُ فِي الْعِتْقِ بِلَفْظِ كُنْتُ أَتَحَنَّتُ بِهَا يَعْنِي أَتَبَرَّرُ بِهَا قَالَ عِيَاضٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ فِي الْبُخَارِيِّ بِالْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمُثَنَّاةِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ أَصَحُّ رِوَايَةً وَمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةٍ كَذَا هُنَا بِلَفْظِ أَوْ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورَةِ بِالْوَاوِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَسَقَطَ لَفْظُ الصَّدَقَةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَتَيْ رَقَبَةٍ وَحَمَلَ عَلَى مِائَتَيْ بَعِيرٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَوَاللَّهِ لَا أَدَعُ شَيْئًا صَنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا فَعَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَهُ .

     قَوْلُهُ  أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي أَسْلَفَهُ كُتِبَ لَهُ وَالتَّقْدِيرُ أَسْلَمْتَ عَلَى قَبُولِ مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ.

     وَقَالَ  الْحَرْبِيُّ مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ لَكَ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلْتَهُ هُوَ لَكَ كَمَا تَقُولُ أَسْلَمْتُ عَلَى أَنْ أَحُوزَ لِنَفْسِي أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ الْكَافِرَ لَا يُثَابُ فَحُمِلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوهٍ أُخْرَى مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّكَ بِفِعْلِكَ ذَلِكَ اكْتَسَبْتَ طِبَاعًا جَمِيلَةً فَانْتَفَعْتَ بِتِلْكَ الطِّبَاعِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَكُونُ تِلْكَ الْعَادَةُ قَدْ مَهَّدَتْ لَكَ مَعُونَةً عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ أَوْ أَنَّكَ اكْتَسَبْتَ بِذَلِكَ ثَنَاءً جَمِيلًا فَهُوَ بَاقٍ لَكَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَنَّكَ بِبَرَكَةِ فِعْلِ الْخَيْرِ هُدِيتَ إِلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْمَبَادِئَ عُنْوَانُ الْغَايَاتِ أَوْ أَنَّكَ بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ رُزِقْتَ الرِّزْقَ الْوَاسِعَ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ قِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّى عَنْ جَوَابِهِ فَإِنَّهُ سَأَلَ هَلْ لِي فِيهَا مِنْ أَجْرٍ فَقَالَ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ وَالْعِتْقُ فِعْلُ خَيْرٍ وكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّكَ فَعَلْتَ الْخَيْرَ وَالْخَيْرُ يُمْدَحُ فَاعِلُهُ وَيُجَازَى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا إَنَّ الْكَافِرَ يُثَابُ فِي الدُّنْيَا بِالرِّزْقِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ من حَسَنَة